الاقتصاد العالمي في فترة «هشاشة تاريخية»

{النقد الدولي} يرسم صورة قاتمة باحتمالية تراجع النمو تحت 2% وخطر متزايد لركود عام

توبياس أدريان المستشار المالي ومدير إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي خلال مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)
توبياس أدريان المستشار المالي ومدير إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي خلال مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)
TT

الاقتصاد العالمي في فترة «هشاشة تاريخية»

توبياس أدريان المستشار المالي ومدير إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي خلال مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)
توبياس أدريان المستشار المالي ومدير إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي خلال مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)

خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2023 إلى 2.7 في المائة، انخفاضاً من نسب نمو 2.9 في توقعاته في شهر يوليو (تموز) الماضي، وسط ضغوط الأزمات الجيوسياسية المتشابكة من الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة بشكل حاد، محذراً من أن الظروف قد تتدهور بشكل كبير العام المقبل وأنه لا بد من الاستعداد للأسوأ.
وفي تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر صباح الثلاثاء، قال صندوق النقد الدولي إن التوقعات تظهر أنه من المرجح أن ينكمش ثلث الاقتصاد العالمي بحلول العام المقبل، حيث ستواجه الاقتصاديات الثلاثة الأكبر وهي الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والصين انكماشاً اقتصادياً وتعثراً اقتصادياً، مع ارتفاع معدلات التضخم إلى حوالي 8.8 في المائة، وترشيحات لأن تظل مرتفعة لفترة أطول من المتوقع، ولن تعود نحو 4.1 في المائة حتى عام 2024. وأشار خبراء الصندوق إلى أن هناك خطراً متزايداً من انزلاق الاقتصاد العالمي إلى حالة ركود عام.
ووضع الصندوق احتمالات أن ينخفض النمو العالمي إلى أقل من 2 في المائة العام المقبل - وهي ظاهرة حدثت خمس مرات فقط منذ عام 1970 - وقال إن هناك احتمالاً لانكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأن يكون أداء الاقتصاد العالمي أسوأ من التوقعات، محذراً من أن هذا السيناريو المتشائم قد يمثل ضعفاً اقتصادياً عالمياً وسيكون مؤلماً جداً لكثير من الدول.

- الأسوأ قادم
وقال بيير أوليفيه غورينشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي للصحافيين صباح الثلاثاء، إن الارتفاع السريع في أسعار الطاقة والغذاء سيتسبب في صعوبات خطيرة، ورغم التباطؤ فإن ضغوط التضخم أصبحت أوسع وأكثر ضغطاً مما كان متوقعاً. وأشار إلى أنه من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم العالمي ذروته عند 9.5 في المائة في الربع الأخير من عام 2022. وأضاف غورينشاس أن «الاقتصادات الثلاثة الأكبر، الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو، ستستمر في التعثر... باختصار، الأسوأ لم يأت بعد، وبالنسبة لكثير من الناس، سيشعرون عام 2023 بالركود».
وأشار إلى تحدي قوة الدولار، وقال: «أصبح الدولار الآن في أقوى مستوياته منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مقابل عملات الأسواق الناشئة، وهذا الارتفاع مدفوع بالمعايير الأساسية مثل تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة وأزمة الطاقة»، ونصح صناع السياسة في الأسواق الناشئة إلى العمل على تحسين احتياطيات السيولة وتقليل تأثير الاضطرابات المالية من خلال اتخاذ تدابير احترازية كلية وقائية.

- مصداقية المصارف المركزية
ووسط حالة من عدم اليقين غير العادية بشأن التوقعات والتضخم المرتفع والمتزايد، واصلت البنوك المركزية تطبيق سياسات لاستعادة استقرار الأسعار وقامت بتشديد السياسات المالية والنقدية منذ أبريل (نيسان) الماضي، وأكدت البنوك المركزية العزم على محاربة التضخم لكن يبدو أن الخلاف بين المستثمرين حول ارتفاع التضخم أصبحت أكثر وضوحاً، وتعكس ارتفاعات معدلات التضخم في منطقة اليورو المخاوف المتزايدة بشأن تباطؤ النمو الكلي وأظهرت بالفعل الأسواق المالية الأوروبية مخاوف من الدخول في ركود اقتصادي.
وقال غورينشاس إن «المصداقية التي تحققت بشق الأنفس للبنوك المركزية يمكن أن تتقوض إذا أساءت مرة أخرى الحكم على استمرار التضخم العنيد... هذا من شأنه أن يضر أكثر بكثير باستقرار الاقتصاد الكلي في المستقبل».

- الديون
وأبدى كبير الاقتصاديين بصندوق النقد الكثير من القلق حول أزمة الديون التي تعاني منها الدول ذات الدخل المنخفض، مشيراً إلى أهمية إعادة هيكلة الديون من خلال مجموعة العشرين.
ومن المتوقع أن يكون تخفيف ديون الأسواق الناشئة موضوعاً رئيسياً للمناقشة بين صانعي السياسة المالية العالميين في اجتماعات واشنطن، وقال غورينشاس إن الوقت قد حان للأسواق الناشئة «لتضييق الخناق للاستعداد لظروف أكثر صعوبة... وكانت السياسة المناسبة لمعظم الناس هي إعطاء الأولوية للسياسة النقدية لاستقرار الأسعار، والسماح للعملات بالتكيف والحفاظ على احتياطيات العملات الأجنبية القيمة عندما تسوء الظروف المالية بالفعل».
ولم تكن مفاجأة أن تخرج هذه التوقعات الأكثر قتامة حول آفاق الاقتصاد العالمي، حيث حذرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، في تصريحات سابقة من الأوضاع القاتمة للاقتصاد، وأشارت إلى أن «مخاطر الركود تتزايد» حول العالم وأن الاقتصاد العالمي يواجه «فترة من هشاشة تاريخية».
وقال صندوق النقد الدولي إن توقعاته تخضع لعملية توازن دقيقة من جانب البنوك المركزية لمكافحة التضخم دون الإفراط في التشديد، الأمر الذي قد يدفع الاقتصاد العالمي إلى «ركود حاد لا داعي له» ويسبب اضطرابات للأسواق المالية ويؤذي البلدان النامية. وأشارت مديرة صندوق النقد الدولي إلى ضرورة السيطرة على التضخم باعتبارها الأولوية الأكبر.
وحافظ التقرير على توقعاته للربع الرابع من العام الجاري عند مستوى نمو 3.2 في المائة، فيما توقع نمو الناتج المحلي العالمي لعام 2023 بنسبة 2.7 في المائة متراجعاً عن التوقعات السابقة في يوليو الماضي بنسبة نمو 2.9 في المائة.
وأرجع التقرير هذا التراجع إلى ارتفاع أسعار الفائدة التي أصدرها الفيدرالي الأميركي وأزمة شح مصادر الطاقة وارتفاع أسعار الغاز التي تعاني منها القارة الأوروبية، إضافة إلى تأثير التراجع الاقتصادي الصيني بسبب إغلاقات كوفيد 19 والضعف العام في قطاع العقارات.

- نمو أميركي «هزيل»
وتوقع التقرير تراجعاً كبيراً في معدلات النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة هذا العام، مشيراً إلى نمو هزيل بنسبة 1.6 في المائة - انخفاضاً بنسبة 0.7 نقطة مئوية عن توقعات شهر يوليو، مما يعكس انكماشاً غير متوقع في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني. وأبقى صندوق النقد توقعاته للنمو في الولايات المتحدة لعام 2023 دون تغيير عند 1.0 في المائة.

- تراجع صيني هائل
وتوقع الصندوق نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 3.2 في المائة فقط هذا العام، بانخفاض كبير عن 8.1 في المائة العام الماضي. وأوضح التقرير أن بكين وضعت سياسة صارمة لمنع انتشار فيروس كورونا الجديد، وشنت حملة على الإفراط في الإقراض العقاري، مما أدى إلى تعطيل النشاط التجاري. ومن المتوقع أن يتسارع النمو في الصين إلى 4.4 في المائة العام المقبل، لكنه لا يزال فاتراً بالمعايير الصينية.
وتوقع الصندوق للهند - التي تعد أسرع الاقتصادات الآسيوية نمواً - ارتفاعاً بنسبة 6.8 في المائة للعام الجاري وانخفاضاً إلى 6.1 في المائة العام المقبل.

- منطقة اليورو المطحونة في الأزمة
وتوقع الصندوق نمواً هزيلاً بنسبة لا تتجاوز 0.5 في المائة فقط في عام 2023 للدول الأوروبية التسعة عشر التي تشترك في عملة اليورو، والتي تعاني من ارتفاع أسعار الطاقة بشكل ساحق بسبب هجوم روسيا على أوكرانيا والعقوبات الغربية ضد موسكو. ويحذر الصندوق من أزمة طاقة في أوروبا حيث تسببت الحرب في إعادة تنظيم جيوسياسي لإمدادات الطاقة التي يصفها التقرير بأنها ستكون واسعة وممتدة.
وكانت كل من ألمانيا وإيطاليا في صدارة الدول التي ستعاني من ركود خلال العام المقبل، حيث سيتراجع النمو المحلي الإجمالي الألماني (الذي يعد الأكبر في منطقة اليورو) بنسبة 0.3 في المائة، ويتراجع النمو المحلي الإجمالي الإيطالي بنسبة 0.2 في المائة.

- مصر و«التحديات الخارجية»
وقال مسؤولو الصندوق إن مصر تأثرت بالتباطؤ العالمي وتشديد الأوضاع المالية وشهدت خروج رأس مال كبير للخارج مع ارتفاع التضخم. وخفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد المصري من 4.8 في المائة إلى 4.4 في المائة، ويرجع التخفيض إلى تحديات خارجية. وتتفاوض الحكومة المصرية مع صندوق النقد منذ مارس (آذار) الماضي للحصول على قرض ودعم مالي. ولا تزال المفاوضات جارية وتأخذ وقتاً طويلاً «غير معتاد»، وتتوقع بعض الدوائر أن يصل القرض لمصر ما بين 3 إلى 5 مليارات دولار. وتشير بنوك عالمية إلى أن مصر تعاني من فجوة تمويلية تتجاوز 15 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
خاص ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

خاص قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

يقف عام 2025 عند منعطف محوري مع تنامي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ووسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد امرأة على دراجتها الهوائية أمام «بورصة بكين»... (رويترز)

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

من المتوقع أن يشهد النمو العالمي تباطؤاً في عام 2025، في حين سيتجه المستثمرون الأجانب إلى تقليص حجم الأموال التي يوجهونها إلى الأسواق الناشئة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد برج المقر الرئيس لبنك التسويات الدولية في بازل (رويترز)

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

حذّر بنك التسويات الدولية من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات بالأسواق المالية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في كوريا الجنوبية يعملون أمام شاشات الكومبيوتر في بنك هانا في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الآسيوية تنخفض في ظل قلق سياسي عالمي

انخفضت الأسهم في آسيا في الغالب يوم الاثنين، مع انخفاض المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3 في المائة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )

وزير السياحة السعودي: الرياض تتجه لتصبح مركزاً عالمياً للمعارض والمؤتمرات

وزير السياحة متحدثاً للحضور مع انطلاق النسخة الأولى من القمة الدولية للمعارض والمؤتمرات بالرياض (الشرق الأوسط)
وزير السياحة متحدثاً للحضور مع انطلاق النسخة الأولى من القمة الدولية للمعارض والمؤتمرات بالرياض (الشرق الأوسط)
TT

وزير السياحة السعودي: الرياض تتجه لتصبح مركزاً عالمياً للمعارض والمؤتمرات

وزير السياحة متحدثاً للحضور مع انطلاق النسخة الأولى من القمة الدولية للمعارض والمؤتمرات بالرياض (الشرق الأوسط)
وزير السياحة متحدثاً للحضور مع انطلاق النسخة الأولى من القمة الدولية للمعارض والمؤتمرات بالرياض (الشرق الأوسط)

أكد وزير السياحة أحمد الخطيب، أنَّ الرياض تتجه لتصبح مركزاً عالمياً لقطاع المعارض والمؤتمرات، مع مشروعات تشمل مطارات جديدة، ومنتجعات، وبنية تحتية متطورة لدعم «رؤية 2030»، التي تركز على تنويع مصادر الاقتصاد، موضحاً في الوقت ذاته أن السياحة والثقافة والرياضة تُشكِّل محركات رئيسية للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.

جاء ذلك في أعمال النسخة الأولى من القمة الدولية للمعارض والمؤتمرات (IMS24)، التي تنظمها الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات في الرياض خلال الفترة من 15 إلى 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بمشاركة أكثر من 1000 من قادة قطاع المعارض والمؤتمرات في العالم من 73 دولة.

وأبان الخطيب في كلمته الرئيسية، أن السياحة تسهم بدور محوري في دعم الاقتصاد السعودي، بهدف الوصول إلى 150 مليون سائح بحلول 2030، ما يعزز مكانة البلاد بوصفها وجهةً عالميةً.

وافتتح رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات، فهد الرشيد، أعمال النسخة الأولى من القمة الدولية للمعارض والمؤتمرات، موضحاً في كلمته أن هذا القطاع بات محركاً رئيسياً للتقدم في ظل ما يشهده العالم من تحولات عميقة، وهو ما يبرز أهمية القمة بوصفها منصةً عالميةً جاءت في توقيت بالغ الأهمية لقيادة هذه المنظومة.

رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات فهد الرشيد يتحدث للحضور في القمة الدولية للمعارض والمؤتمرات (الشرق الأوسط)

وأشار الرشيد إلى أنَّ تطوير القطاع يأتي لتوسيع آفاق ما يمكن لصناعة الفعاليات تحقيقه، من خلال تغيير مفهوم اجتماع الناس وتواصلهم وتبادلهم للأفكار، مشيراً إلى أنَّ القمة ستمثل بداية فصل جديد في عالم الفعاليات.

وتعدّ القمة، التي تستمر على مدار 3 أيام، بمنزلة الحدث الأبرز في قطاع المعارض والمؤتمرات لهذا العام، وتضم عدداً من الشركاء المتحالفين، هم الاتحاد الدولي للمعارض (UFI)، والجمعية الدولية للاجتماعات والمؤتمرات (ICCA)، والجمعية السعودية لتجربة العميل، وهيئة الصحة العامة (وقاية)، ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

ويتضمَّن برنامج القمة عدداً من الفعاليات المكثفة، وتشمل تلك الفعاليات جلسات عامة ولقاءات حوارية، ومجموعات للابتكار، كما تشهد إعلان عدد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم التي تهدف إلى تحويل صناعة الفعاليات العالمية.

وتشمل الفعاليات أيضاً اتفاقات استثمارية جديدة وشراكات تجارية، وإطلاق عدد من المشروعات التوسعية داخل السعودية؛ بهدف تعزيز دور السعودية في إعادة تشكيل مستقبل قطاع المعارض والمؤتمرات العالمي.