فرنسا تسعى لدى إيران لإطلاق سراح مواطنيها المحتجزين الخمسة

رغم ما عدته باريس «مهزلة الاعترافات» المتلفزة للرهينتين الفرنسيتين المحتجزتين في طهران بأنهما ينتميان إلى جهاز المخابرات الخارجية الفرنسية، وأن مهمتهما كانت الضغط على السلطات والعمل على إطاحة النظام الإيراني، ورغم قناعة باريس بأن هذه الاعترافات انتزعت «قهراً»، ما دفعها للتنديد بالممارسات الإيرانية، فإن فرنسا ما زالت تأمل بالحصول على «لفتة» من طهران لإطلاق سراح كل المحتجزين الفرنسيين هناك.
جاء ذلك اليوم (الثلاثاء)، في حديث صباحي إذاعي لوزيرة الخارجية كاترين كولونا التي أعلنت أنها ستتصل بعد ظهر اليوم بنظيرها الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لتطلب منه الإفراج عن كل المحتجزين. وقالت كولونا: «سيكون لي بعد ظهر اليوم اتصال هاتفي بوزير الخارجية الإيراني لأطلب منه مرة جديدة الإفراج الفوري عن كل مواطنينا المحتجزين في إيران وعددهم في الوقت الحاضر خمسة»، مضيفة: «واجبنا أن نحمي مواطنينا وهم يسكنون قلوبنا وفي صلب عملنا».
حتى اليوم، كان المعلوم أن أربعة فرنسيين يقبعون في السجون الإيرانية، أقدمهم الباحثة مزدوجة الجنسية فاريبا عادلخواه التي قبض عليها في يونيو (حزيران) من عام 2019 وحكم عليها بالسجن خمس سنوات لـ«مساسها بأمن الدولة». وكان رفيق دربها رولان مارشال وهو باحث اجتماعي وأستاذ جامعي قد قبض عليه في اليوم نفسه لدى وصوله إلى مطار طهران ووجهت إليه اتهامات مماثلة. إلا أنه أفرج عنه في مارس (آذار) من عام 2020. وخففت سلطات السجن شروط الاحتجاز عن عادلخواه وسمح لها بالعودة إلى منزل والديها. إلا أنها اتهمت بعدم احترام الشروط المفروضة عليها وأعيدت بالتالي إلى السجن.
وانضم لاحقاً إلى لائحة المحتجزين بنجامين بريير الذي قبض عليه في مايو (أيار) من العام نفسه، ووجهت له اتهامات التجسس وترويج أخبار معادية للنظام وتعريضه للخطر بسبب التقاطه صوراً لمواقع تقول السلطات الإيرانية إنها محظورة على التصوير، بينما يؤكد بريير ومحاموه أنه «سائح بسيط» ليس إلا.
وحكم على بريير بالسجن لثماني سنوات وثمانية أشهر بعد إدانته بجرم «التجسس». ولم ينفع الاستئناف الذي قدمه محاموه لأنه أعيد تأكيد الحكم السابق.
وأخيراً، قبضت السلطات الأمنية على المدرسين والنقابيين سيسيل كوهلر وزوجها جاك باريس في شهر مايو (أيار) الماضي، ووجهت إليهما اتهامات خطيرة منها، إضافة إلى ما سبق، تمويل الاحتجاجات والمظاهرات في الربيع الماضي والعمل على إسقاط النظام بما في ذلك اللجوء إلى السلاح، فضلاً عن الانتماء إلى المخابرات الخارجية. وحتى اليوم، لم تحصل محاكمة الزوجين الفرنسين وربما تكون الاعترافات المنتزعة تمهيداً لذلك.
أما الفرنسي الخامس الموقوف في إيران الذي لم تكشف هويته، فيفترض أن يكون من بين الموقوفين الأجانب الذين قبض عليهم في سياق المظاهرات والاحتجاجات التي عمت المدن الإيرانية بعد وفاة الشابة الكردية مهسا أميني بعد أن قبضت عليها شرطة الأخلاق لعدم احترامها قوانين اللباس ما أشعل الحركة الاحتجاجية والمواجهات والقمع الذي أدى إلى سقوط ما يزيد على مائة قتيل ومئات الجرحى واعتقال ما يزيد على ألف شخص.
واستدعت باريس القائم بالأعمال الإيراني (لغياب وجود سفير أصيل) نهاية سبتمبر (أيلول)، لإبلاغه بضرورة وضع حد «للقمع الأعمى» الذي يستهدف المتظاهرين والمحتجين.
ولم تتوقف ردة الفعل الفرنسية عند التنديد بـ«مسرحية» الاعترافات «المهينة» التي أقدمت عليها السلطات الإيرانية، لا بل إنها وصفت المحتجزين الفرنسيين بأنهم «رهائن الدولة» الإيرانية، الأمر الذي يستبطن اعتبارهم وسيلة للضغط والمقايضة، وذلك في إطار ما يسمى في برايس «دبلوماسية الرهائن».
ولأن باريس تتخوف من أن تعمد إيران لمزيد من التوقيفات التي قد تطال مواطنين فرنسيين إضافيين، فإن وزارة الخارجية حثت مواطنيها يوم الجمعة الماضي، على «الخروج من إيران بأسرع وقت ممكن (لتجنب) تعرضهم لاعتقالات كيفية». ويربو عدد مزدوجي الجنسية والأجانب المحتجزين في إيران على العشرين من جنسيات مختلفة، فيما تقول السلطات إن تسعة أجانب إضافيين احتجزوا خلال المظاهرات.

هل ستنجح مبادرة الوزيرة الفرنسية؟

ثمة شكوك كثيرة يبديها المطلعون على ملف العلاقات الفرنسية - الإيرانية، أولها أن مصير الفرنسيين الخمسة ليس بيد الدبلوماسية الإيرانية ووزير الخارجية، بل بيد «الحرس الثوري» ومحاكمه، وبالتالي فإن تأثير الوزير الإيراني يبدو معدوماً وجل ما يستطيع عبد اللهيان فعله هو نقل الرسائل. والأمر الثاني أن المحتجزين الخمسة لا يمكن خروجهم إلا في إطار صفقة. وثمة من يرى وجود علاقة بين مصير هؤلاء ومصير ثلاثة إيرانيين، بينهم أسد الله أسدي وهو دبلوماسي إيراني معتمد في فيينا، مسجونين ببلجيكا لدورهم في مؤامرة إرهابية ضد مهرجان لمعارضين إيرانيين في ضاحية فيلبانت (شمال باريس) في عام 2018 بحضور شخصيات فرنسية وغربية وبتنظيم من «مجلس المقاومة الإيرانية» الذي ترأسه مريم رجوي.
فضلاً عن ذلك، فإن موقف باريس أصبح بالغ التشدد في الملف النووي الإيراني، حيث تعد فرنسا، كما بقية الأطراف الغربية (الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا)، أن الكرة في الملعب الإيراني، وأنه الجهة التي تعطل الوصول إلى اتفاق بين مفاوضات زادت مدتها على 18 شهراً، وانتهت بعرض قدمه الوسيط الأوروبي مسؤول دبلوماسية الاتحاد جوزيب بوريل وقبلته واشنطن، وأرادت طهران إدخال تعديلات كثيرة عليه، الأمر الذي رفضه الجانب الأميركي.