الانتخابات الرئاسية اللبنانية 2022: رقص في الهاوية

وسط تفاقم الأزمات الإقليمية والدولية

جانب من الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس في البرلمان اللبناني
جانب من الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس في البرلمان اللبناني
TT

الانتخابات الرئاسية اللبنانية 2022: رقص في الهاوية

جانب من الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس في البرلمان اللبناني
جانب من الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس في البرلمان اللبناني

أوشك رئيس الجمهورية الـ13 للبنان، ميشال عون، على نقل ما تبقى من حقائب حزمها من القصر الجمهوري في منطقة بعبدا بمحافظة جبل لبنان، إلى منزله الجديد في منطقة الرابية (شرق بيروت)، الذي ينتقل إليه مساء الاثنين 31 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي مع انتهاء ولايته. 6 سنوات أمضاها عون في سدة الرئاسة، عايش خلالها البلد أصعب التحديات، وواجه - ولا يزال - أكبر الأزمات في تاريخه الحديث. أزمات يرجح أن تضاف إليها أزمة الشغور الرئاسي المتوقع في ظل غياب أي مؤشرات توحي بإمكانية نجاح مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد خلال المهلة الدستورية التي كانت قد بدأت مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وتنتهي نهاية أكتوبر الحالي. وتبدو المرحلة التي قد يكون لبنان مقبلاً عليها أشبه بتلك التي عايشها عام 2014، حين تعذر انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للعماد ميشال سليمان، فاستمر الشغور الرئاسي نحو سنتين ونصف السنة، نتيجة تعطيل «حزب الله» وحلفائه جلسات الانتخاب التي كان يُدعى إليها، وذلك لفرض انتخاب مرشحه ميشال عون، الذي عاد ووصل إلى سدة الرئاسة عام 2016، بعد تسوية كبيرة شملت رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لكن ما يحذر منه عدد من المسؤولين في الداخل والخارج هو أن البلد لا يحتمل أي نوع من أنواع الشغور أو الفراغ، كما كان الحال عام 2014، باعتباره يرزح منذ عام 2019 تحت أزمة مالية غير مسبوقة تستدعي استنفاراً على كل المستويات لمعالجتها.

على الرغم من أن السلطة الإجرائية في لبنان لم تعد مرتبطة حصراً برئيس الجمهورية بعد «اتفاق الطائف»، الذي وُقّع عام 1989، وقلّص الصلاحيات المطلقة لـ«الرئاسة الأولى»، فإن فراغ قصر بعبدا يؤثر تلقائياً على صورة لبنان في الخارج، وينسف عامل الثقة الذي يستجديه البلد لينهض من جديد.
أضف إلى ذلك أن كثيرين يعوّلون على مشروع رئاسي «إنقاذي» يؤمل أن يحمله الرئيس المقبل، خاصة إذا ما كان هذا الرئيس يحظى بدعم عربي ودولي، لذلك فإن طول أمد الشغور سيعني تلقائياً المزيد من الانهيار والتخبط والرقص في لجة الهاوية، بعدما تجاوز اللبنانيون حافتها منذ مدة، مع ملامسة سعر صرف الدولار الأميركي الواحد في الأيام الماضية الـ40 ألف ليرة... فيما لا يزال الدولار الرسمي حتى الساعة عند حدود الـ1500 ليرة، بانتظار دخول مشروع رفعه ليبلغ 15 ألفاً حيز التنفيذ.

إميل لحود  -  ميشال سليمان  -  ميشال معوض

- مشكلة التوازنات البرلمانية
لا تسهّل التوازنات التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة عملية انتخاب رئيس للجمهورية؛ لأن فريقي الصراع الأساسيين؛ أي فريق «حزب الله» وحلفائه، وفريق المعارضة، لا يملكان الأكثرية التي تخولهما تأمين الأصوات اللازمة لضمان فوز أي مرشح يفضلانه؛ إذ يحتاج انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان إلى حضور ثلثي أعضاء البرلمان جلسة انتخابه؛ أي 86 نائباً من أصل 128، كما يحتاج انتخابه دستورياً في الدورة الأولى إلى أكثرية ثلثي أعضاء المجلس، وبعدها يُكتفى بالغالبية المطلقة - أي 65 نائباً - في دورات الاقتراع التي تليها. وبناءً عليه، يستطيع 43 نائباً أن يعطلوا نصاب جلسة الانتخاب.
رئيس «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، يرى أن «مجلس النواب اليوم شقّان: الأول مع محور الممانعة؛ أي السلطة الموجودة، وهو كناية عن 61 نائباً، والثاني المكوّن من النواب الـ67 الآخرين»، الذين يمثلون نواب المعارضة والنواب المستقلين. وهنا نشير إلى أنه عند انتخاب نائب رئيس المجلس النيابي صوّت 65 للنائب إلياس بوصعب مرشح «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وحلفائهما، فيما صوّت 60 لمرشح المعارضة النائب غسان سكاف، ووُضعت ورقتان بيضاوان، وكانت هناك ورقة ملغاة. ويبدو واضحاً أن عدداً من النواب المستقلين قد يصبّون في هذا الاتجاه أو ذاك، من دون أن يعني ذلك أن لهم تأثيراً في انتخابات الرئاسة. فحتى في حال اتفقت قوى المعارضة وهؤلاء على اسم أحد المرشحين، فلن يتمكنوا من إيصاله بـ65 صوتاً ما لم يؤمن لهم الفريق الآخر أو بعض مكوّناته نصاب الـ86 نائباً، وما يسري على هذا الفريق يسري أيضاً على الفريق المحسوب على «حزب الله»، الذي إن استطاع تكرار سيناريو تأمين فوز بوصعب بـ65 صوتاً بنيابة رئيس البرلمان، فلن يتمكن وحده من تأمين نصاب الـ86 نائباً.
لقد شكّلت نتائج الجلسة الأولى لانتخاب رئيس التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي نبيه برّي في 29 سبتمبر الماضي، مثالاً ساطعاً على التخبط الذي تعيشه القوى السياسية؛ إذ قرّر «حزب الله» وحلفاؤه (أي حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر» وتيار «المردة» ونواب آخرون) التوحّد في تلك الجلسة خلف «الورقة البيضاء» لعجزهم عن التفاهم على مرشح واحد يخوضون معركته، فوضعوا 63 ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع. وفي المقابل، انقسمت قوى المعارضة إلى 3 أقسام: الأول يضم «القوات» و«الكتائب» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، وعدداً من المستقلين الذين صوّتوا لرئيس حركة «الاستقلال» النائب ميشال معوض، فحاز 36 صوتاً. والثاني يضم نواب «التغيير» الذين صوّت 11 منهم حضروا الجلسة لرجل الأعمال سليم إدّه. أما الثالث فضم 11 من النواب السنّة، إضافة للنائب سجيع عطية، الذين صوّتوا بأوراق اعتُبرت ملغاة؛ لأنها حملت أسماء رمزية كـ«لبنان».
لو سبق الجلسة تفاهم بين مكونات المعارضة على التصويت لشخصية واحدة، لنجحت هذه القوى بخوض المعركة الرئاسية موحّدة، وحاز مرشحها 65 صوتاً، مقابل 63 ورقة بيضاء وضعها النواب المحسوبون على «حزب الله» وحلفائه، من دون أن يعني ذلك أنها كانت ستتمكن من ضمان انتخابه رئيساً - لأن ذلك يتطلب وجود 86 نائباً بالقاعة في الدورة الثانية، وهو عدد غير قادرة على تأمينه – ومن ثم، تمتلك القوى المؤيدة لـ«حزب الله»، وكذلك المعارضة في حال تكتلت ونسقت مع بعضها، 43 نائباً يستطيعون تعطيل النصاب، لكن لا «حزب الله» وجماعته ولا المعارضة يضمنان الـ86 صوتاً لتأمين فوز مرشح لا يوافق عليه الفريق الآخر.
لذلك ستكون هذه القوى ملزمة بالسير بمرشح توافقي لا مرشح تحدٍّ. وهو ما انطلقت منه مبادرة نواب «التغيير»، التي جالوا بها على مختلف القوى السياسية. ويقول هؤلاء إنهم رفضوا التصويت للنائب معوض؛ لأنه «لا يعتبر مرشحاً قادراً على الاستحواذ على رضى الفريق الآخر لتأمين نصاب انتخابه». كذلك يرد النواب السنّة المستقلون رفضهم التصويت لمعوض إلى السبب نفسه، وإن كان العمل جارياً لإقناعهم بالتصويت له في الجلسة الثانية التي حدّدها برّي لانتخاب رئيس يوم الخميس المقبل.

- المرشحون الرئاسيون
لا يُلزم الدستور اللبناني الشخصيات الراغبة في الترشح للانتخابات الرئاسية بتقديم ترشيحات رسمية، كما هو حال الانتخابات النيابية، وعادة ما كان يُختار رؤساء الجمهوريات إما من رؤساء الأحزاب أو قادة الجيش وغيرهم. ورغم ذلك قرر عدد من المرشحين هذا العام أن يعلنوا ترشيحاتهم رسمياً، وبشكل علني وواضح، ويطرحوا برامج انتخابية مفصلة.
سفيرة لبنان السابقة لدى الأردن، ترايسي شمعون، أعلنت في مؤتمر صحافي ترشحها للانتخابات الرئاسية، وعرضت برنامجها الرئاسي الذي حمل عنوان «رؤية جديدة للجمهورية»، ووزعت نسخاً منه على النواب الـ128. وكانت شمعون مقرّبة من الرئيس عون الذي اختارها سفيرة للبنان لدى الأردن عام 2017، قبل أن تستقيل من منصبها إثر انفجار 4 أغسطس (آب) 2019، وتخرج بمواقف تنتقد فيها العهد. وشمعون هي ابنة داني شمعون، النجل الأصغر لرئيس الجمهورية الأسبق كميل شمعون (1952 - 1958). وكان والدها قد اغتيل مع زوجته وطفليه داخل منزلهم عام 1990، أما أمها فهي الممثلة الأسترالية باتي مورغان. وهي تحمل الجنسية البريطانية.
وبين الشخصيات التي تقدمت بترشحها للرئاسة أيضاً، مي الريحاني، الناشطة في مجال تعليم الفتيات والدفاع عن حقوق المرأة وتمكينها. وهي كاتبة وشاعرة وناشطة في مؤسسات التنمية الدولية، ومقيمة في الولايات المتحدة، كما أنها ابنة أخي الأديب والعلّامة الراحل أمين الريحاني.
ثم هناك أيضاً زياد حايك، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للخصخصة، الذي يشغل منصب رئيس الجمعية العالمية لوحدات الشراكة في جنيف (WAPPP) التي تنتمي إليها 41 دولة. ولقد عمل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنوك التنمية الأوروبية والأفريقية والآسيوية لسنوات عدة.
كذلك ترشح رئيس حزب «الإنقاذ البيئي»، بشارة أبي يونس، وطرح برنامجاً رئاسياً حمل عنوان «لبنان: الكيان الرئاسة السلطات». وأخيراً أعلن المحامي كلارنس قطيني، ترشحه للرئاسة مع أنه أرثوذكسي، فيما المتعارف عليه منذ الاستقلال أن يكون الرئيس مارونياً.
على أي حال، يعتبر كثيرون أن كل الترشيحات السابقة غير جدية، وأن المرشحين «الطبيعيين» للرئاسة هم «الأقوياء» في طائفتهم؛ أي رؤساء الأحزاب المسيحية: رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع، ورئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل، ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، ولكن بحسب الأرقام والحسابات الحالية لا توجد فرص لأي من هؤلاء؛ فباسيل لا يحظى حالياً إلا بدعم نواب تياره الـ18 ونواب الأرمن الـ3، وفي أفضل الأحوال قد يدعمه «حزب الله» بـ15 صوتاً، مما يجعل عدد الأصوات التي قد ينالها 36 فقط. كذلك لا يبدو أن هناك توجهاً لدى المعارضة لدعم ترشيح جعجع الذي قد يحظى في أفضل الأحوال - وفي حال وافق على ترشيحه كل نواب المعارضة – على 65 صوتاً، وهو غير كافٍ لانتخابه من خلال تأمين نصاب الجلسة المتمثل في حضور 86 نائباً. ويسري على الجميل ما يسري على جعجع. أما رئيس «المردة» سليمان فرنجية، الذي يعتبر المرشح المفضل لـ«الثنائي الشيعي» - أي «حزب الله» وحركة «أمل» - فيحظى بتأييد نحو 42 نائباً، وهو إن نجح في إقناع باسيل و«التقدمي الاشتراكي» بدعم ترشيحه، قد يحصل في أفضل الأحوال على 71 صوتاً، مما يعني أنه سيعجز أيضاً عن تأمين نصاب الجلسة.

- 13 رئيساً... و3 تجارب شغور و3 تمديدات
منذ الاستقلال عام 1943، عرف لبنان قبل «اتفاق الطائف»، 8 رؤساء جمهورية هم: بشارة الخوري، وكميل شمعون، وفؤاد شهاب، وشارل حلو، وسليمان فرنجية، وإلياس سركيس، وبشير الجميل، وأمين الجميل. وبعد «الطائف» تعاقب على سدة الرئاسة 5 رؤساء هم: رينيه معوض، وإلياس الهراوي، وإميل لحود، وميشال سليمان، وميشال عون.
على مدى 79 سنة لم تنتقل السلطة من رئيس إلى آخر بطريقة سلسة، وفي سياق انتخابات رئاسية طبيعية، إلا خلال عهدين فقط من أصل 13؛ إذ طبعت نهايات معظم العهود صراعات وحروب وفراغات، كان معظمها ينتهي بتسويات داخلية أو إقليمية ودولية تؤدي لانتخاب رئيس جديد. ويمكن الحديث بعد الاستقلال عن وقوع لبنان 3 مرات في شغور رئاسي: المرة الأولى مع انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل في 22 سبتمبر (أيلول) 1988، وهو شغور انتهى بانتخاب الرئيس رينيه معوض عام 1989 (أي إنه دام سنة و44 يوماً).
والمرة الثانية مع انتهاء الولاية الممددة للرئيس إميل لحود في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، وانتهى الشغور الذي دام نحو 6 أشهر، يوم 25 مايو (أيار) 2008 مع انتخاب العماد ميشال سليمان، نتيجة اتفاق عُقد في الدوحة.
والمرة الثالثة شهدت «الفراغ» الأطول في تاريخ لبنان؛ إذ بدأ الشغور مع انتهاء ولاية سليمان يوم 25 مايو 2014، وانتهى في 31 أكتوبر 2016 مع انتخاب عون؛ أي إنه دام سنتين وخمسة أشهر.
وشهد لبنان أيضاً منذ استقلاله عام 1943 وحتى اليوم، 3 عمليات تمديد لولاية الرئيس: الأولى حصلت عام 1949 حين جُددت ولاية بشارة الخوري حتى عام 1955، لكنه ترك منصبه عام 1952 بعد ثورة بيضاء. وخلال مرحلة النفوذ السوري، عرف لبنان التمديد مرتين: الأولى مع إلياس الهراوي الذي انتُخب عام 1989، وانتهت ولايته عام 1995، لكن مجلس النواب مدّد ولايته 3 سنوات انتهت عام 1998. أما الثانية فمع انتهاء ولاية إميل لحود عام 2004، وجرى تمديدها 3 سنوات إضافية حتى عام 2007.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

جمال مصطفى: الرئيس قال «عبد الكريم قاسم نزيه لكن الحزب كلفنا باغتياله»

TT

جمال مصطفى: الرئيس قال «عبد الكريم قاسم نزيه لكن الحزب كلفنا باغتياله»

شغل الدكتور جمال مصطفى السلطان منصب السكرتير الثاني للرئيس صدام حسين وهو متزوج من ابنته حلا
شغل الدكتور جمال مصطفى السلطان منصب السكرتير الثاني للرئيس صدام حسين وهو متزوج من ابنته حلا

لعبتْ الصدفة دورها في تدبير بداية مثيرة لقصة رجل اسمه صدام حسين. في 1959 اتخذ حزب البعث العراقي بقيادة فؤاد الركابي قراراً بالغ الخطورة، وهو ترتيب محاولة لاغتيال الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم. قبل وقت قصير من التنفيذ المقرر في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من تلك السنة، اعتذر أحد أعضاء الفريق المكلف بالاغتيال فكان هناك من اقترح الاستعانة بشاب اسمه صدام حسين. وخلال الكمين الذي نُصب في شارع الرشيد في بغداد أصيب قاسم بجرح بسيط وأصيب صدام بشظية في ساقه.

هرباً من الاعتقال فر الركابي إلى سوريا، كما فر عدد من أعضاء القيادة، أبرزهم حازم جواد وعلي صالح السعدي. وفي سوريا كان الركابي يكرر السؤال عن صدام ومصيره إلى أن علم أنه نجح في الفرار بعدما رتب شخصياً رحلته السرية إلى سوريا.

وسأنقل هنا ما سمعته من حازم جواد الذي قاد «البعث» إلى السلطة في 1963، قال: «في شقة تحت الأرض في دمشق، هي عبارة عن قبو، عقد اللقاء برئاسة فؤاد وحضوري إضافة إلى علي صالح السعدي ومدحت إبراهيم جمعة وعبد الله الركابي وربما أسماء أخرى. ألقى فؤاد كلمة أشاد فيها بـ(الرفيق العزيز صدام) وامتدح شجاعته ووفاءه. وقال إنه اقترح قبوله عضواً عاملاً في الحزب وأثنيت على اقتراحه. عندها وقفنا جميعاً ووقف قبالتنا الشاب الخجول المنتصب القامة الحاد النظرات الذي تميل سمرة جلده إلى السواد. قال فؤاد القسم الحزبي وردده صدام وراءه. بعدها قبلنا الشاب وجلسنا نتسامر نحو ساعتين حول أكواب الشاي وقالب كاتوه (حلوى). بعدها استأذن فؤاد في الذهاب إلى القاهرة. وطلب صدام منا السماح له بالذهاب إلى العاصمة المصرية لاستكمال دراسة الحقوق فوافقنا إذ لم نكن نحتاج إليه في سوريا ولسنا في وارد إعادته إلى العراق فهو شارك في محاولة اغتيال الزعيم الأوحد».

نزاهة عبد الكريم قاسم

عبد الكريم قاسم (غيتي)

لم نعتد أن يعترف زعيم بنزاهة سلف له حاول اغتياله. وهو ما سمعه الدكتور جمال مصطفى السلطان، السكرتير الثاني لصدام حسين وزوج ابنته، في إحدى جلسات مجلس الوزراء، إذ قال: «نعم، السيد الرئيس الله يرحمه ويغفر له كان يتطرق إلى كل المراحل السابقة بإنصاف. عندما يذكر عبد الكريم قاسم يذكره بإنصاف عالٍ ويقول إنه رجل شجاع ونزيه إلى أبعد الحدود. كان يحترمه لأنه نزيه وعمل للعراق بنزاهة».

وأضاف: «أتذكر أنه كان هناك اجتماع لمجلس الوزراء فذكّره أحمد حسين (رئيس الديوان)، فرج الله عنه، بأن اليوم هو 7-10 أي ذكرى محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، فقال السيد الرئيس: الله يرحم عبد الكريم قاسم. قمنا بهذه المحاولة وكنا شباناً ومندفعين وفي ذلك الوقت لم نسأل ما هي أسباب هذه المحاولة، ولماذا؟ الحزب كلفنا بهذا الفعل وقمنا به، لكن حقيقة عندما تنظر إلى الموضوع، نحن كشباب، لم نكن نحسب هذا الجانب ولكننا الآن نحسب. لم نعط لعبد الكريم قاسم فرصةً لنعرف إيجابياته من سلبياته حتى نقيم أنّ هذا الرجل يصلح للوطن أو لا يصلح، ونحن لم نفكر أنه إذا حدث شيء وقُتل عبد الكريم قاسم من سيأتي بعده؟ وهل هناك بديل؟ كل هذا لم نكن نفكر به. سأل الرئيس أحمد حسين: من بقي من عائلة عبد الكريم قاسم الآن؟ فقال له: سيدي بقيت على ما أعتقد أخته. فقال له: سلموا لنا على أخته وأرسلوا لها سيارة وخرجية.

تعامل الرئيس صدام مع الرئيس عبد الرحمن عارف معروف لكل العراقيين. كتب الكثير عن الرئيس لكن عدد المنصفين كان قليلاً. تعرضت صورته لعملية تشويه متعمدة قامت بها أقلام مأجورة أو قنوات مأجورة. أتمنى من كل الباحثين عن الحقيقة الذهاب إلى من يعرف الحقائق. حملة الشيطنة كانت تستهدف تبرير غزو العراق وقراره المستقل».

سألته: هل تعتقد أن صدام حسين لم يرتكب أخطاء، فأجاب: «السيد الرئيس كان يعمل لأجل تقدم العراق ورفعته، ويجتهد. ومن يجتهد يمكن أن يصيب ويمكن أن يخطئ، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر. لأن الهدف رفعة العراق وتقدمه. وتسألني عن علاقته بالمال. أنا لم أر إنساناً لا يحب المال مثل السيد الرئيس. نهائياً ولا يقيم له أي اعتبار. كل العالم بصورة عامة وعلى مدى عقدين بحث، ولم يترك شيئاً لم يبحث عنه، فلم يجد أي شيء باسم السيد الرئيس. لم يجد متراً في العراق أو خارج العراق ولا دولاراً ولا أي شيء باسم الرئيس. هناك خصوم لنا سياسياً شهدوا بذلك. منهم مثلاً إياد علاوي (رئيس الوزراء العراقي السابق) وفي حوار معك في (الشرق الأوسط) قال: شكلنا لجنة للبحث عن ممتلكات صدام حسين ولم نجد أي شيء باسمه. هذه شهادة الخصوم وهذه هي الحقيقة المطلقة. لم يكن يتساهل أبداً في أي تطاول على المال العام.

وهذا الأمر يصدق على أبنائه وبناته. نحن كعراقيين وكل إنسان يتمنى أن يمتلك أرضاً أو بيتاً أو مزرعة، نحن لدينا أملاك ولكنها أملاك محدودة. النظام الحالي لا يفهم معنى إدارة دولة وهاجسه الوحيد الانتقام. هجّر كثيراً من العراقيين من أراضيهم واستولى عليها وضمها وأتى بميليشيات إيرانية وأعطاها الجنسية العراقية، وأدخل إلى العراق إيرانيين وباكستانيين وأفغاناً ومنحهم الجنسية، وفي نفس الوقت هجّروا كثيراً من المناطق منها جرف الصخر وبلد والعوجة وبعض المناطق الأخرى، والآن أبناء جرف الصخر لا يحق لهم الدخول إليها لأنها تدار من قبل استخبارات عسكرية غير عراقية، والغرض منها العمل العسكري المؤثر على المنطقة وليس فقط على العراق، وكثير من إخواننا المسيحيين أيضاً صودرت أموالهم. عراقي كان يعيش في أوروبا أو خارج العراق فترك بيته أو عقاره فسيطرت عليه الميليشيات وأخذته. هذه الحكومة لا تعرف حقوق المواطن على الدولة، ولذلك هدفها الانتقام وكل أملاكنا صودرت وهي بسيطة أصلاً. فضلاً عن ذلك، مثلاً أنا عندي بستان يسمونه بستان البوغفور، هذا البستان من جدي الخامس كان باسمي صودر لأنني فلان، وهذه الأرض يتجاوز عمرها 250 سنة. وأرض أخرى أيضاً موروثة من جدي الرابع الذي هو سلطان صودرت للسبب نفسه وعمرها يتجاوز 200 سنة. والآن لو سجل طفل من أطفالنا بيتاً أو أرضاً في العراق يصادر باعتبار أنه جزء من النظام السابق.

أنا وعائلتي وأعمامي صودرت كل أملاكنا، وأكثر الإخوان وقع عليهم ضرر كبير. كل أملاكنا صودرت، ربما بعض إخواننا باع شيئاً أو تصرف بشيء، لكن نحن أملاكنا صودرت كلها».

عتاب على الصدر

مقتدى الصدر يخطب في النجف يوم 19 أكتوبر 2023 (رويترز)

قلت له إنني لاحظت أنه عاتب بشدة على السيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، في مرحلة ما بعد سقوط النظام، فأجاب: «نعم بالتأكيد، لأن السيد مقتدى الصدر يعرف الحقيقة كما هي. يعرف من قتل والده، ويعرف التفاصيل لأنه كان يحضر التحقيق عندما كانت تجتمع اللجنة المشكلة لهذا الغرض. أنا لم أكن عضواً في لجنة متابعة التحقيق كنت عضواً في لجنة مهمتها الفعلية ترسيخ وجود مرجعية شيعية عربية في النجف وكانت لوالد مقتدى السيد محمد الصدر قدرة على إعطاء إقامات وحجب أخرى وكان النظام يتقبل منه بعض الانتقادات في خطب الجمعة وهو من رفض الحماية الرسمية حين عرضت عليه بعد ورود معلومات عن جهات يمكن أن تحاول اغتياله...».

ورداً على سؤال عما إذا كان الجو المحيط بصدام سُنّياً، قال: «لا، لا، نحن كعراقيين آنذاك لم يكن لدينا موضوع اسمه سني وشيعي ومسيحي. نحن نعتبر جميعاً عراقيين وليس لدينا غير الهوية العراقية وهي السائدة. ليس لدينا هوية فرعية وإن كنا نعتز بانتماءاتنا العشائرية، ولكن العشائرية لم تكن هي السائدة بل الهوية الوطنية هي التي تسود، فليس لدينا غير أن نقول أنا عراقي ويفتخر المرء بأنه عراقي ومرفوع الرأس في البلد وخارجه. لم يكن لدينا تمييز في أي جانب من الجوانب، سواء الوظيفية أو المعيشية أو أي جانب من جوانب الحياة. هذا يشمل الإدارة والجيش والحزب من أبسط مستوى إلى مستوى قيادة مجلس الثورة والقيادة القطرية. لم يكن الانتماء الطائفي أو المذهبي أو الديني هو المعيار أو عائقاً أمام تولي منصب. هذا يصدق بالنسبة إلى الشيعة والسنة والمسيحيين. كان طارق عزيز المسيحي وزيراً للخارجية ونائباً لرئيس الوزراء وعضواً في القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة.

لو التفتنا إلى السياسة الموجودة حالياً، نرى أنها مستمرة في تدمير العراق. واضح أن هناك خطةً كاملةً لإحداث تغيير ديموغرافي لكسر التوازنات التاريخية في البلاد. حلت عملية تهجير هائلة للعراقيين. هل هي مجرد صدفة أن أكثر من 10 ملايين عراقي يعيشون خارج البلاد بسبب السياسات التدميرية المتعمدة؟ ليس تهجير فئة معينة، كل العراقيين مستهدفون من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. هناك خطة فعلية لضرب العراق ووحدته ودوره وإضعافه والسيطرة على قراره».

قصة «الكيماوي»

سألته بماذا يشعر حين يُوصف خاله علي حسن المجيد بـ«الكيماوي»؟ فأجاب: «هذا وصف فيه الكثير من المغالطة والظلم والافتراء. كثير من التزييف للحقيقة. المشكلة هي في الاستناد إلى أناس مغرضين أو ليست لديهم معلومات.

علي حسن المجيد في عام 1991 وعندما سيطرت بعض الميليشيات المتمردة على دهوك وبعض المحافظات الأخرى، كان واجبه تحرير المدينة من المتمردين. تعمد علي حسن المجيد جمع القادة العسكريين وبعض أمراء أفواج الأكراد في فندق لا أذكر اسمه. جمعهم وتحدث معهم وقال لهم: غداً إن شاء الله الساعة السابعة صباحاً نشرع في الهجوم على مدينة أو محافظة دهوك. ستبدأ الطائرات تقصف بالكيماوي، ثم من بعدها يدخل الجيش لاستعادة المنطقة.

انتشر الخبر ووصل في لحظته إلى دهوك، ففر المدنيون والمتمردون من دهوك. من يرغب في استخدام السلاح الكيماوي لا يعقد اجتماعاً موسعاً ويعلن فيه ذلك. كان الغرض الحقيقي إثارة الخوف لدى المتمردين وحتى الناس للتقليل من خسائر الجيش والمدنيين في حال اختاروا المقاومة. وفعلاً في الساعة المحددة قامت طائرات الهليكوبتر برمي مادة تشبه الطحين وعندما يراها المرء يتوهم أنها مادة كيماوية. كان هدف المناورة عدم التسبب في وقوع ضحايا وهذا ما حصل. بعد ذلك ألصقت بعلي حسن المجيد صفة الكيماوي».

سألته: من أمر بقصف حلبجة؟ فأجاب: «حلبجة موضوعها مختلف ومعروف. تداولته الأخبار لكنها أيضاً مغلوطة. الأخبار الحقيقية والمنطقية هي أن إيران دخلت حلبجة، وقصفتها قبل دخولها بالكيماوي، والشاهد على ذلك قبل فترة غير بعيدة، مسرور بارزاني، رئيس وزراء كردستان الذي أعلن أن طائرتين إيرانيتين قصفتا حلبجة قبل دخول الإيرانيين إليها. السيد الرئيس في حديث في أحد اجتماعات مجلس الوزراء تحدث عن هذا الأمر. قال إن الفريق نزار الخزرجي رئيس أركان الجيش هو الذي استخدم الكيماوي على حلبجة ومن دون علم القيادة، وهذا رداً على الكيماوي الذي استخدمته إيران في ضرب المنطقة. وقال الرئيس في تلك الجلسة: أنا حاسبته (نزار الخزرجي) وقلت له ليس لك حق أن تستخدم الكيماوي من دون علم القيادة».

العودة إلى العراق

أسأل جمال مصطفى عما إذا كان لا يزال يأمل بالعودة إلى العراق ذات يوم، فيجيبني: «كل الحكومات التي تعاقبت على الحكم في العراق، منذ 2003 إلى يومنا هذا، هي حكومات جاء بها المحتل الأميركي، وارتباطاتها وتبعيتها للنظام الإيراني في تحقيق أهدافه وأجنداته في المنطقة حتى من خلال انتشار الميليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن. حقيقة عند وصولهم، أول أيام الاحتلال، بدأوا بالقضاء على البنية التحتية العلمية الوطنية، من خلال الاغتيالات التي قامت بها ميليشيا تابعة لإيران. اغتالت علماء العراق واغتالت أطباء العراق واغتالت الطيارين العراقيين والوطنيين، مما أدى إلى هجرة أكثر من 10 ملايين عراقي إلى خارج البلد ويعيشون في المهجر. وحقيقة التكلفة الإنسانية لا يقبلها أي ذي جانب إنساني وخلقي ومبادئ إنسانية. من جانب آخر، هل نتمنى العودة إلى العراق؟ مؤكد أتمنى العودة إلى العراق، وكل عراقي وطني يحب شعب العراق ويتمنى العودة اليوم قبل الغد. وهي مسألة وقت حقيقة ونتأمل، بإذن الله، أن يتحرر العراق ويعود نظيفاً قوياً معافى، وسنعود، وأول العائدين نكون أنا وأسرتي».

قال جمال مصطفى إن أهل المنطقة يتحدثون كثيراً في هذه الأيام عن الدور الإيراني فيها. الإيرانيون أنفسهم يتحدثون عن السيطرة على أربع عواصم عربية هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء. أربع دول مضطربة وتعيش نوعاً من التفكك. القرار في يد الميليشيات وليس الحكومات. السياسات المتبعة مناقضة لمصالح هذه الدول ولطبيعة انتمائها العربي.

جمال مصطفى السلطان

حرص على الإشارة إلى أن صدام حسين «تنبه باكراً لهذا الأمر واعتبر أن هناك مشروعاً يستهدف العراق لتفكيكه والانطلاق بعد ذلك لتفكيك عدد من دول المنطقة. كان العراق هو السد في وجه هذا المشروع الموجه ليس فقط ضد العراق، بل ضد العرب، بوجودهم ودورهم». اعتبر أن إيران هي التي تتحمل مسؤولية الحرب العراقية - الإيرانية «وسياستها صريحة وتقوم على تصدير الثورة وهو منصوص عنه في دستورها».

سألته عن صحة ما سمعته أن جهات في المخابرات العراقية اقترحت على الرئيس صدام اغتيال المرشد الإيراني الإمام الخميني خلال وجوده في بغداد ورفض لأنه يُعتبر ضيفاً على العراق، فأجاب: «نعم، السيد الرئيس صدام حسين عربي أصيل وشهم وكل شمائل الرجال الأصيلة العربية يمتلكها، ولذلك لا يمكن أن يسمح أن يتعرض ضيفٌ من ضيوفه لأي خطر. فكيف يتعرض ضيفه لغدر؟ لا يسمح بهذا الجانب ولا يمكن أن يخطر على باله نهائياً هذا الأمر ولا يمكن أن يسمح بأن يتحدث بهذا الجانب».

الخميني والزائر وتسجيل المحادثة

خلال وجود الخميني في العراق كلفت السلطات بعثياً اسمه علي باوه بأن يسهر على توفير تسهيلات إقامته. بعد مغادرة الخميني إلى باريس كُلِف علي باوه بزيارته في مقر إقامته في نوفل لوشاتو. وتقول الرواية إن شخصاً آخر من المخابرات العراقية رافق علي في الزيارة وكان يرتدي ساعة قادرة على تسجيل الأحاديث. وتضيف الرواية أن الخميني قال لعلي باوه إنه بعد إسقاط نظام الشاه سيكون نظام «البعث» في العراق هدفه الثاني، وإن صدام اطلع على هذا الكلام فاستنتج أن الحرب آتية. سألت جمال مصطفى عن ذلك فأجاب: «فعلاً وصلت رسالة من خلال الزيارة التي تحققت مع الخميني، وكان مفادها أن الهدف الثاني من بعد إسقاط الشاه هو إسقاط النظام في العراق. كان واضحاً أن الخميني يعتبر النظام العراقي عائقاً أمام مشروعه».

سألت جمال مصطفى عن علاقات صدام حسين بالزعماء العرب، فأجاب: «كانت لدى السيد الرئيس علاقة طيبة وممتازة مع عدد من الزعماء العرب. يمكن أن أتحدث هنا عن الملك حسين بن طلال، والرئيس علي عبد الله صالح، والملك فهد بن عبد العزيز. عندما زار العاهل السعودي بغداد احتفى به الرئيس احتفاءً خاصاً واهتم به اهتماماً خاصاً وتعامل معه تعاملاً مميزاً. وأتذكر أنه طرح على الملك فهد مشروع اتفاقية بين العراق والسعودية للحفاظ على الحدود وعدم التدخل في الشأن الداخلي ووافق الملك فهد فوراً على المقترح، وجلس وزير الخارجية العراقي ووزير الخارجية السعودي وأبرمت الاتفاقية بسهولة.

زعماء عرب آخرون كانوا على تواصل مستمر مع السيد الرئيس، منهم الشيخ جابر الأحمد، أمير الكويت. عندما جاء الشيخ جابر إلى بغداد احتفى به السيد الرئيس وتعامل معه تعاملاً مميزاً أيضاً لأن العرب وقفوا مع العراق في حربه ضد إيران، والسيد الرئيس لا ينسى هذا الفضل أبداً، وتعامل معه تعاملاً مميزاً جداً. خلال الزيارة طرح الرئيس على ضيفه مشروع اتفاق مشابه للذي وقع مع السعودية، لكنه لم يوافق وبقيت الأمور على حالها.

ياسر عرفات الله يرحمه ويغفر له كان مميزاً. دائماً يذهب ويأتي إلى العراق وكان من الرؤساء المميزين الذين كان السيد الرئيس يحترمهم ويقدرهم لأنه صاحب قضية وقضيته عظيمة، والسيد الرئيس كان يهتم بفلسطين اهتماماً مميزاً».

تسمية «الكيماوي» ظلم لعلي حسن المجيد وهذه حقيقة ما حصل في دهوك

جمال مصطفى السلطان

الخزرجي: أبلغوا القائد العام بسقوط حلبجة بيد الإيرانيين فأمر بتوجيه «ضربة خاصة»

معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)

للفريق أول ركن نزار الخزرجي رئيس الاركان السابق للجيش العراقي رواية أخرى عما جرى في حلبجة. قال الخزرجي إن طرفي الحرب العراقية-الإيرانية استخدما الأسلحة الكيماوية لكن قدرات العراق في استخدامها كانت أكثر تطوراً.

سألته عن آلية استخدام الأسلحة الكيماوية فأجاب: «استخدام هذا السلاح مدرج تحت تسمية الضربات الخاصة. الأمر بتنفيذ هذه الضربات لا يمكن أن يصدر إلا عن القائد العام. الاستخدام والتوقيت والسيطرة على العملية أمور تعود إلى القائد العام. هذه الأسلحة تصنع في هيئة التصنيع العسكري لكنها تستخدم عبر وسيلتين: القوة الجوية أو الأسلحة القاذفة الموجودة لدى الحرس الجمهوري الخاص. وتحريك هذه الأسلحة الكيماوية وشحنها وموعد إطلاقها واستخدامها من شأن القائد العام وحده».

وعما جرى في حلبجة، يقول: «تعرضت حلبجة لضربة جوية بأمر من القائد العام. الواقع إن ما حصل غريب. كان علي حسن المجيد مسؤولاً عن الشمال وأعطي صلاحيات استثنائية كاملة. وكانت هناك هجمات إيرانية في المنطقة. أبلغت عناصر أمنية وحزبية علي حسن المجيد أن حلبجة سقطت بيد الإيرانيين فأخبر صدام بذلك. عندها أمر صدام بتوجيه ضربة خاصة إلى حلبجة معتقداً أنه سيكبد الإيرانيين خسائر كبيرة. كانت الضربة جوية. والغريب أن حلبجة ساعة الضربة لم تكن قد سقطت بيد الإيرانيين وكان لا يزال فيها عدد من الجنود العراقيين. وقد أكد عدد من القادة الأكراد أنهم عثروا بين ضحايا حلبجة على جثث جنود عراقيين. قائد الفرقة التي تتولى مسؤولية الأمن في المنطقة لم يكن يعرف بالضربة ولا قائد الفيلق ولا أنا (رئيس الأركان) ولا وزير الدفاع نائب القائد العام الفريق أول ركن عدنان خير الله. عرفنا بعد حدوث الضربة».

سألته إن كان الرئيس تحدث معه في موضوع السلاح الكيماوي، فأجاب: «صدام يتحدث مع كل قائد عسكري بما يخص القوات التابعة له. لا يناقش قائد سلاح بما يعني السلاح الآخر. يريد الأدوار محدودة ومعرفة القائد محصورة بالسلاح الذي يتولى إمرته. لا أحد يعرف كل شيء إلا القائد العام. هل يصدق أحد مثلاً أن عزة إبراهيم الدوري نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عرف من الإذاعة أن الفاو حررت في 17/4/1988. للوهلة الأولى يظن الناس أن شخصاً في موقع الدوري يجب أن يكون شريكاً في أضخم معركة في الحرب العراقية-الإيرانية، وإذ به يعرف كأي شخص بعيد. إنه أسلوب صدام حسين. أنا مثلاً كرئيس لأركان الجيش لا أستطيع أن أطلب شيئاً من قائد ولا أستطيع أن أصدر امراً له أو لمدير المخابرات».