كأن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، تجرع كأس السم حين جمد فصيله المسلح في غالبية مدن العراق، بعد اشتباكات عنيفة في مدينة البصرة مع ميليشيا «عصائب أهل الحق»، وكان ذلك من وجهة نظر كثيرين «درءاً للفتنة»، لكنه لجهة أنصاره «انكسار» ميداني.
وخلال اليومين الماضيين، حصلت «الشرق الأوسط» على شهادات من ناشطين في التيار، وعناصر من فصيل «سرايا السلام»، بشأن الوضع الميداني في البصرة، بدا منها أن «الثأر لقتلى الاشتباك» محرك حاسم في تفاقم الأوضاع هناك. وقال أحد الناشطين، إن «التجميد لن يعني تسوية الأزمة (…)، فالفصائل الموالية لطهران لم تسدد بعد فاتورتها الباهظة».
وحملت عشائر في البصرة السلاح ضد ميليشيا «عصائب أهل الحق»، ثأراً لأبنائها الذين سقطوا في اشتباكات الأسابيع الماضية، وفق ما ذكره ناشط في التيار.
وقصف مسلحون منطقة القصور الحكومية في البصرة بقذائف الهاون، حيث مقر «هيئة الحشد الشعبي»، الذي تتمركز فيه فصائل أبرزها «عصائب أهل الحق».
وثمة تفسيرات متناقضة بشأن تحول الاشتباكات مع «عصائب أهل الحق»، من الصدريين إلى العشائر، إذ تقول مصادر مختلفة إن أنصار التيار أرادوا مساحة حرة داخل العشيرة لا تحرج الصدر، فيما تسود رواية أخرى عن دوافع انتقام دفعت العشائر إلى مسرح الأزمة السياسية.
وتقول مصادر مقربة من الصدر، إنه تدخل في أزمة البصرة بقرار تجميد «السرايا» وفصائل أخرى، استجابة لرسائل وصلته من شخصيات اجتماعية نافذة في المدينة، لكن «إطفاء الفتنة» هناك أشعل الغضب بين أتباعه ومناصريه.
ومنذ اشتباكات المنطقة الخضراء، في أغسطس (آب) الماضي، يمكن ملاحظة أن ردود الأفعال اليائسة تسيطر على مزاج جمهور الصدر. وفي البصرة، يبدو الأمر أكثر حساسية وخطورة، ذلك أن الإحباط جراء قرار التجميد في ذروة الاشتباك قد يغير معادلة «توازن الرعب» في المدينة. ويدعي زعيم قبيلة كبيرة في البصرة، معروفة بقربها من التيار الصدري، أن الفصائل الإيرانية تحاول «القضاء علينا، والاستحواذ على أعمالنا في السوق». وحسب ما يتوقعه، فإن الأزمة في بغداد ليست السبب الوحيد لتوتر البصرة.
وقال الزعيم القبلي، الذي رفض الإفصاح عن هويته، إن «درء الفتنة من دون تسوية قد يشعلها مجدداً (…) ومن يطلب التهدئة يريد احتكار سلاح البصرة ومواردها».
ويلقى موقف الصدر في وقف الاشتباك وتجميد الفصائل ترحيباً في الأوساط السياسية والاجتماعية، لكن الأمر «محير» بالنسبة لكثيرين ممن ينشطون في «سرايا السلام»، إذ إنهم يتوقعون ثمناً مقابل التجميد.
لكن قادة محليين في التيار، ومراقبين للوضع في البصرة، يرون أن الصدر لم يدخل المواجهة بعد مع خصومه، وأن التجميد قد «يذوب» في أي لحظة تمهيداً لمستوى آخر من المواجهة. وفي رأي البعض، حتى هذا التوقع لم يعد واقعياً لظروف ميدانية وسياسية مختلفة، مذكرين بالتكاليف الباهظة التي دفعها الصدر حين اقتحم أنصاره المنطقة الخضراء، وهو الآن مجبر على تجرع كأس السم الذي قدمه له خصومه في الإطار التنسيقي.
هل تجرع الصدر «كأس السم» في البصرة؟
(تحليل إخباري)
هل تجرع الصدر «كأس السم» في البصرة؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة