برز الفترة الماضية نشاط لتنظيم «القاعدة» الإرهابي في قارة أفريقيا وفي اليمن، ما عزز تساؤلات حول هذا النشاط كونه انتعاشاً مؤقتاً للتنظيم الذي يعاني «تعثراً في اختيار زعيمه الجديد»، أم عودة للظهور مجدداً لمنافسة تنظيم «داعش» الإرهابي.
وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، أن «الولايات المتحدة قتلت أيمن الظواهري زعيم (القاعدة) في كابل». وقالت واشنطن مطلع أغسطس (آب) الماضي، إنها «قتلت الظواهري بصاروخي (هلفاير) من طائرة مسيرة خلال وقوفه في شرفة منزل بحي شربور في كابل يوم 31 يوليو (تموز) الماضي».
وكانت المخابرات الأميركية قد شددت «على أن الخطر ما زال حاضراً من (القاعدة)». وأكد مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، قبل أيام، أنه «لا يزال على الولايات المتحدة التركيز بشكل حاد وقوي على تحركات ونشاطات (القاعدة) مثلما يتم تماماً التركيز على (داعش)». وقال في مقابلة مع قناة CBS الأميركية إن «(القاعدة) يحاول إنعاش نفسه». لكن «لدينا القدرة على الرد ومواجهة الإرهابيين مجدداً لحماية أراضينا».
ويرى الباحث المصري المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي محمد فوزي، أن «تنامي النهج العملياتي للأفرع القاعدية المختلفة، يأتي في ضوء بعض السياقات الحالية المرتبطة بشكل رئيسي بالسعي لاستغلال الأوضاع السياسية المضطربة في اليمن وكذا الدول الأفريقية، وهي الاضطرابات التي تنعكس على الأوضاع الأمنية، فضلاً عن أن (القاعدة) من التنظيمات التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى فكرة اللامركزية خصوصاً على المستوى العملياتي، وبالتالي يمكن قراءة تصاعد العمليات الإرهابية للأفرع القاعدية المختلفة، على أنه يأتي في ضوء حالة الضعف التي يعيشها التنظيم المركزي في الأشهر الأخيرة».
ووفق تقرير لخبراء في الأمم المتحدة، يوليو الماضي، فإن «تنظيم (القاعدة) يضم بناءً على تقديرات ترجع إلى العام الماضي، ما بين 30 ألفاً و40 ألف عضو في جميع أنحاء العالم، وله فروع في الشرق الأدنى وجنوب آسيا وشبه الجزيرة العربية، وأفريقيا».
وشن «القاعدة» هجمات عديدة في شبوة وأبين جنوب اليمن أخيراً. والشهر الماضي وقع الهجوم الأكثر دموية لتنظيم «القاعدة» مستهدفاً حاجزاً أمنياً في مديرية أحور بمحافظة أبين، وأدى إلى مقتل 21 شخصاً من قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي. وفي نفس الشهر قتل 3 من قوات الحزام الأمني وأصيب 6 آخرون في انفجار عبوة ناسفة أثناء ملاحقة عناصر من «القاعدة» في أبين.
«مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» بأبوظبي ذكر الشهر الماضي، أن «هجمات (القاعدة) في جنوب اليمن خلال الفترة الأخيرة تثير العديد من الدلالات، أبرزها، قدرة التنظيم على الحركة والتنقل والضرب في مواقع أمنية ذات دلالة تؤكد الإمكانات المادية والبشرية، فضلاً عن استغلال التنظيم للصراعات والاختلافات داخل المجتمع اليمني».
في حين قال فوزي: «شهدت السنوات الأخيرة تراجعاً في نشاط (القاعدة) الذي يتواجد بشكل رئيسي في مناطق أبين وشبوة والبيضاء وحضرموت باليمن، لكن معدلات هذا النشاط ارتفعت مرة أخرى منذ بداية العام الحالي، وهو أمر يعكس قدرة التنظيم على إعادة بناء صفوفه، واستعادة نشاطه العملياتي، واستغلال الأزمة السياسية والأمنية الكبيرة التي تعاني منها البلاد، فضلاً عما يُثار بخصوص وجود تحالفات ضمنية بين التنظيم وميليشيا الحوثي»، على حد قوله.
وأضاف فوزي لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يمكن فصل هذا التصاعد في النهج العملياتي القاعدي في اليمن عن عملية مقتل الظواهري، وشروع التنظيم في اختيار زعيم جديد له، ومع تصاعد المؤشرات التي عبرت عن احتمالية انتقال القيادة من التنظيم المركزي إلى أحد الأفرع القاعدية في الشرق الأوسط أو أفريقيا، ويبدو أن الفرع اليمني يسعى إلى جذب الانتباه، والتأكيد على فكرة أنه واحد من أنشط الأفرع، وأنه قادر على حمل لواء قيادة التنظيم».
أيضاً تقرير لـ«مرصد الأزهر لمكافحة التطرف» في القاهرة أشار إلى أن «العمليات الإرهابية في قارة أفريقيا زادت خلال الشهر الماضي، وبلغت 54 عملية وأسفرت عن سقوط 251 قتيلاً و171 جريحاً». وأرجع التقرير هذه الزيادة إلى «التنافس بين (القاعدة) و(داعش) على الزعامة والنفوذ».
وشرح التقرير أن «منطقة شرق أفريقيا جاءت في المرتبة الأولى من حيث عدد العمليات الإرهابية؛ إذ شهدت كل من الصومال وموزمبيق 27 عملية، ومنطقة الساحل الأفريقي شهدت 12 عملية، أما منطقة وسط أفريقيا فقد شهدت 10 عمليات إرهابية، ومنطقة غرب أفريقيا 5 عمليات».
عودة لفوزي الذي أشار إلى أن «القارة السمراء باتت تضم أقوى الأفرع الخارجية لتنظيم (القاعدة)، خصوصاً إذا ما تحدثنا عن حركة (الشباب) الصومالية، والتي تسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي الصومالية، وتملك قدرات اقتصادية ضخمة، فضلاً عن العديد من التنظيمات الأخرى الممثلة لـ(القاعدة) في الشمال والغرب الأفريقي، ويبدو أن التنظيم استطاع استغلال الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية المأزومة التي تعيشها بعض هذه الدول، من أجل تعزيز نهجه العملياتي، خصوصاً مع المتغيرات التي طرأت على التواجد العسكري الدولي في أفريقيا، وما ألحقته هذه المتغيرات من تأثيرات على استراتيجيات مكافحة الإرهاب، وهي الاستراتيجيات التي تأثرت أيضاً بانشغال القوى الدولية بالحرب الروسية - الأوكرانية».
وتابع فوزي: «في اعتقادي أن حالة النشاط التي تشهدها الأفرع الخارجية لـ(القاعدة) على المستوى العملياتي، سوف تستمر على المدى المتوسط والقريب، وذلك في ضوء تنامي اعتماد (القاعدة) على النهج اللامركزي، وحالة الضعف التي يعاني منها التنظيم الأم، وسوف يتعزز هذا النهج في حال تحول قيادة التنظيم إلى أحد الأفرع الخارجية».
نشاط «القاعدة» في أفريقيا واليمن... انتعاش مؤقت أم عودة للظهور؟
رغم مقتل زعيمها و«تعثر صراع القيادة»
نشاط «القاعدة» في أفريقيا واليمن... انتعاش مؤقت أم عودة للظهور؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة