عاصي الحلاني لـ«الشرق الأوسط»: أحن إلى زمن الكفاح والتعب

الفنان اللبناني يرى أن التردد هو عدو الفنان الطامح للتطور

الفنان اللبناني عاصي الحلاني
الفنان اللبناني عاصي الحلاني
TT

عاصي الحلاني لـ«الشرق الأوسط»: أحن إلى زمن الكفاح والتعب

الفنان اللبناني عاصي الحلاني
الفنان اللبناني عاصي الحلاني

مرت 34 سنة منذ وقف عاصي الحلاني متبارياً على مسرح «ستوديو الفن». من ذاك البرنامج خرج حاملاً ميدالية ذهبية وصوتاً فيه الكثير من طبيعة البقاع الصلبة. خلال التسعينات، بعث ابن بعلبك الحياة في الأغنية اللبنانية الفولكلورية. أضاف إلى ألوانها لوناً جديداً سموه «اللون الحلاني». معه تعصرنت «الدلعونا» و«الهوارة» ولبست رداءً شبابياً.
عن فترة البدايات يقول الفنان اللبناني في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أحن إلى زمن الكفاح والتعب. تلك هي أجمل ذكرياتي رغم صعوباتها وتحدياتها. في تلك الفترة برزت أول ملامح نجاحي، وأشعر بالامتنان لانطلاقتي التي شهدت الكثير من التعب والقلق والسهر والكفاح اللامحدود».
اليوم، وبعد أكثر من 3 عقود من النجاحات، تَحول الكفاح إلى مثابرة. الثابت الوحيد هو الشغف. يوضح الحلاني قائلاً: «الفن بالنسبة لي شغف أكثر مما هو مهنة. وما زلتُ مصاباً بهذا الشغف. من أجله أثابر وأسعى للتطور والتجدد».
أدركَ الحلاني باكراً أنه إذا أراد اختراق أجيال المستمعين والجماهير كافة على امتداد المنطقة العربية، فعليه أن يتجرأ على التنويع والتلوين. صحيح أن الجمهور أحب عليه العباءة الفولكلورية والنمط الغنائي البدوي، إلا أن الحلاني عزم على توسيع آفاقه الموسيقية. حسب قاموسه الفني، لا يتطور أبداً من لا يجرؤ على التغيير.
قد يحن كثيرون إلى ذاك «العاصي الآتي على مُهرته من الجرد ونَهره»، أما هو فلا يدع الحنين يلهيه عن فرض الاستمرارية، مع أن اللون التراثي اللبناني يبقى الأقرب إلى قلبه حسبما يقول.
لسر تلك الاستمرارية مكونان أساسيان يكشف عنهما الحلاني: «التجدد ومواكبة العصر موسيقياً، هنا يبدأ كل شيء. فالموسيقى تتطور عبر الأجيال ولا بد من مجاراتها، لكن مع الحفاظ على المواضيع ذات المعاني اللائقة والألحان التي تميزها النفحة الشرقية».
لم يتردد الحلاني كثيراً قبل أن ينتقل من على صهوة الأغنيتين الفولكلورية والبدوية، إلى ميدان أغنية البوب المتعددة اللهجات، بملء قناعته. لكن ذلك لم يتم من دون إحداث صدمة لدى الجمهور الذي استغرب تلك النقلة من «واني مارق مريت»، و«يا ميمه»، و«مالي صبر»، إلى أغنيات مثل «دايم دوم»، و«إن كان عليا».

الفنان اللبناني عاصي الحلاني

يعود الحلاني ويعزو ذلك إلى رغبته الدائمة والمستمرة منذ التسعينات، بالتطور: «بداية تميزت بالتراث والأغاني الشعبية، ثم نقلت إلى اللون البدوي، إلى أن أتت النقلة التي فاجأت الناس. تلك الأغاني العصرية مثل (بحبك وبغار)، و(الهوا طاير)، و(متل الكذبة) تطلبت جرأة على مستوى النقلة وأنا أملك تلك الجرأة. لست من النوع المتردد. طبعاً يسكنني قلق دائم، لكن في الوقت نفسه لدي جرأة التغيير. أسعى للتطور والتجدد من خلال الأنماط المتنوعة التي أقدم».
في سياق ذلك التنويع، تأتي أحدث أغنيات الحلاني «أربعين خمسين». الأغنية العراقية التي لحنها الفنان عادل العراقي وشارك فيها غناءً إلى جانب عاصي، كتب كلامها ضياء الميالي. أما الفيديو كليب الذي يحمل طابعاً شبابياً فهو من إخراج أحمد المنجد.
على قاعدة أن «السوشيال ميديا صارت جزءاً من حياتنا ولا يمكننا ألا نتماشى معها» حسب قول الحلاني، فهو يوظف صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي للتسويق الكثيف لأعماله الجديدة. مع أنه على ما يعترف، يفضل زمن الورق والمجلات والجرائد ورائحة الحبر وشريط الكاسيت.

الاستمرارية يلمحها الحلاني كذلك في الدرب التي سلكها ولداه الوليد وماريتا. لا يفرض عليهما آراءه ولا أذواقه، لكنه يراقبهما من بعيد ويتدخل عندما يستدعي الأمر ذلك. عن دور الأب الفنان الذي لم يكن حجر عثرة في طريق ولدَيه عندما قررا خوض المجال الفني غناءً وتمثيلاً يقول: «الأولوية بالنسبة لي هي أن تكون لديهما استقلالية الرأي. أراقب أعمالهما طبعاً لكني أترك الخيارات لهما، ولا أفرض آرائي عليهما. أما إذا لم أكن مقتنعاً فأشاركهما ملاحظاتي».
لا تكتمل الجلسة العائلية الحلانية من دون دانا، الابنة الصغرى التي شقت طريقها الخاص في مجال فنٍ من نوع آخر، الطهو. يتحدث الحلاني عن عائلته الصغيرة قائلاً: «أكثر ما يضحكني ويفرحني هو تواجدي مع عائلتي. لا أحد كأولادي يستطيع أن يملأ قلبي بالسرور ويرسم الضحكة على وجهي». أما زواجه فيعزو سبب استمراره إلى حب حقيقي يجمعه بزوجته كوليت وإلى احترام يتبادلانه، إضافة إلى تعلقهما الشديد بأولادهما وهم أحد أسرار نجاح هذا الزواج.

من الأوقات الغالية على قلبه أيضاً، هي تلك التي يمضيها إلى جانب خيله في مزرعته في البقاع. لم يأتِ لقب «فارس الغناء العربي» عبثاً إلى عاصي الحلاني، فالفروسية رياضته الأساسية وشغفه الثاني بعد الموسيقى. أما إذا أراد الانتقال عبر الزمان والمكان من خلال أغنية، فهو يستمع إلى أغاني العملاق وديع الصافي.
من دون أن يخوض في التسميات، لا يخفي الحلاني إعجابه ببعض الأصوات الجديدة الصاعدة، لكنه ينصح كل تلك المواهب بالمثابرة وبصقل أصواتهم. يقول: «لا تحدث النجومية فجأة، بل تحتاج إلى الدراسة والمثابرة والتعمق في الفولكلور والتراث».
يستعد الحلاني لمجموعة من الحفلات والجولات، تبدأ قريباً في دار الأوبرا في القاهرة، تمر في الرياض، ومن ثَم تنتقل إلى أستراليا وبعدها كندا. وبين المحطة والمحطة، تبقى الحصة الأساسية للبنان. هو الذي قدم أغنية كادت أن تتحول إلى نشيد وقال فيها: «قلن إنك لبناني»، ما زال متمسكاً بالأمل بوطنه رغم الصعوبات والتحديات التي كادت أن تحجب الشمس عن جباه اللبنانيين.


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

هنا الزاهد بطلة المسلسل (الشركة المنتجة)
هنا الزاهد بطلة المسلسل (الشركة المنتجة)
TT

«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

هنا الزاهد بطلة المسلسل (الشركة المنتجة)
هنا الزاهد بطلة المسلسل (الشركة المنتجة)

تطلب «سلمى» التي تجسد دورها هنا الزاهد من زوجها الذي يلعب دوره الفنان أحمد حاتم الطلاق، لكنه يصطحبها لقضاء الليلة الأخيرة لهما بأحد الفنادق لعلها تعيد النظر في قراراها، يُلح عليها ويعترف لها بخطئه في غيرته المجنونة عليها، تُصر على قرارها ما يدفعه للقفز أمامها من ارتفاع شاهق، تنتهي التحقيقات إلى أنه «حادث انتحار».

وتشعر سلمى بمسؤوليتها عن انتحاره وتعيش حالة صدمة وحزن، تستعيد مشاهد من قصة حبهما وزواجهما على وقع إصرار صديقتها دينا «ثراء جبيل» لإخراجها من حالة الحزن بعد 3 أشهر من الحادث.

وتلجأ لطبيبة نفسية «الدكتورة عايدة» التي تجسد دورها الفنانة صابرين، تروي لها حكاية مغايرة عن قصتها مع زوجها وأنها هي من دفعته بيديها من أعلى المبنى، يتكرر نفس الحوار الذي جاء في مشهد يجمعها وزوجها قبل انتحاره، لكن هذه المرة يرفض هو استمرار حياته معها، ويكتنف الغموض تصرفات «سلمى»، فيما تقرر الطبيبة تسجيل اعترافها بدفع زوجها للانتحار وتكتشف «سلمى» الأمر.

فيما تعيش «الدكتورة عايدة» أزمة مع ابنها موسى بطل السباحة «محمد الشرنوبي» الذي تخفي عنه أن والده على قيد الحياة. تتصارع الأحداث وتنبئ بأن «سلمى» ستصبح مصدر خطر يهدد الطبيبة.

الزاهد تقدم دوراً جديداً عليها (الشركة المنتجة)

المسلسل الذي يعرض عبر منصة «Watch It» من تأليف أحمد عادل وإخراج أحمد سمير فرج ويشارك في بطولته محمد الدسوقي، جالا هشام، أحمد والي، مع ظهور خاص لعايدة رياض، وأحمد حاتم كضيفي شرف، وخضع العمل لمراجعة طبية من د. مينا إيميل، وتدور أحداثه في 10 حلقات تُعرض كل أربعاء بواقع حلقتين أسبوعياً.

مؤلف المسلسل أحمد عادل له باع طويل في كتابة دراما الإثارة والغموض عبر مسلسلات عدة من بينها «خيانة عهد»، «حرب أهلية»، «أزمة منتصف العمر»، والمسلسل السعودي اللبناني «كسرة قلب» الذي عرضته منصة «نتفليكس»، كما يشارك المؤلف أيضاً في إنتاج المسلسل مع كل من عامر الصباح وشريف زلط.

وحول تفضيله لدراما الجريمة والإثارة يقول أحمد عادل في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه يكتب الدراما التي تستهويه مشاهدتها والتي تجعله كمشاهد لا يستطيع أن يرفع عينيه من على الشاشة طوال مشاهدة الحلقة، وأنه يضع المشاهد في هذه الحالة عبر أعماله الدرامية.

صابرين تجسد دور طبيبة نفسية بالمسلسل (الشركة المنتجة)

ويفسر عادل أسباب تزايد إنتاج هذه النوعية من المسلسلات في السنوات الأخيرة إلى ظهور المنصات التي أتاحت تقديم القصة في 10 حلقات مكثفة، معتمدة على الإيقاع السريع.

ويؤكد المؤلف أنه لا يحاول إثارة الغموض بدليل أنه كشف في الحلقة الثانية عن أن «سلمي» هي من قتلت زوجها، مؤكداً أن هناك كثيرات مثل «سلمى» في الحياة، مشيداً بتعاونه الأول مع المخرج أحمد سمير فرج الذي يصفه بأنه من أكثر الناس المريحة نفسياً وقد أضاف كثيراً للسيناريو.

ويؤكد أحمد عادل الذي عمل 15 عاماً بمجال الإنتاج مع شركة «العدل غروب» أنه يكتب أعماله أولاً ثم يقرر إذا كان يمكنه إنتاجها بعد ذلك أم لا، لأن كلاً من الكتابة والإنتاج يتطلب تفرغاً.

وأفاد بأن عنوان المسلسل «إقامة جبرية» سيتكشف مع توالي حلقات العمل.

وبحسب الناقد أحمد سعد الدين فإن المسلسل صدم مشاهديه من أول مشهد بحادث الانتحار ما يجذبهم لمشاهدته لافتاً إلى ما ذكره الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة من أن «الحلقة الأولى إما تنجح في جذب المشاهد لاستكمال حلقاته أو التوقف عن مشاهدته»، مؤكداً أن «المسلسل نجح في الاستحواذ على المشاهد من اللقطات الأولى».

لقطة من العمل (الشركة المنتجة)

ويلفت سعد الدين إلى أن مسلسلات الجريمة والغموض تحقق تشويقاً كبيراً للمشاهد خاصة مع ظهور المنصات التي دفعت لإنتاجها وعرضها فترة «الأوف سيزون» بعيداً عن موسم رمضان، ودفعت لموسم موازٍ بأعمال مختلفة ومثيرة.

ويشير الناقد المصري إلى أن أحداث الحلقات الأولى كشفت أيضاً عن أزمة تعيشها الطبيبة النفسية لأن الطبيب النفسي إنسان أيضاً ولديه همومه ومشكلاته.

فيما ذكرت هنا الزاهد في تصريحات صحافية إلى حماسها الكبير لهذا المسلسل الذي تقدم من خلاله دوراً جديداً تماماً عليها، وأنها تراهن على هذا الاختلاف.