32 عاماً على الوحدة: ألمانيا منقسمة والفوارق بين الشرق والغرب تطل بقوة

احتجاجات ومطالبات بتخفيف الأعباء الاقتصادية ورفع العقوبات عن روسيا

المستشار أولاف شولتز والرئيس فرانك والتر ستاينماير خلال قداس بمناسبة ذكرى الوحدة، في مدينة إيرفورت أول من أمس (أ ب)
المستشار أولاف شولتز والرئيس فرانك والتر ستاينماير خلال قداس بمناسبة ذكرى الوحدة، في مدينة إيرفورت أول من أمس (أ ب)
TT

32 عاماً على الوحدة: ألمانيا منقسمة والفوارق بين الشرق والغرب تطل بقوة

المستشار أولاف شولتز والرئيس فرانك والتر ستاينماير خلال قداس بمناسبة ذكرى الوحدة، في مدينة إيرفورت أول من أمس (أ ب)
المستشار أولاف شولتز والرئيس فرانك والتر ستاينماير خلال قداس بمناسبة ذكرى الوحدة، في مدينة إيرفورت أول من أمس (أ ب)

بدت الاحتفالات بيوم الوحدة في ألمانيا هذا العام مختلفة. كانت أقل ضوضاء وأكثر جدية. وعوضاً عن الحفلات الصاخبة والكلمات المتفائلة، حلت المظاهرات في الولايات الشرقية والهتافات الغاضبة. وأعاد يوم 3 أكتوبر (تشرين الأول) هذا العام إلى الذاكرة، الفروق الكبيرة التي ما زالت تعيشها ألمانيا بين الغرب والشرق رغم مرور 32 عاماً على وحدتهما.
وحتى كلمة المستشار الألماني أولاف شولتز، الذي شارك في احتفال أحيته ولاية تورينغن الشرقية، طغت عليها محاولات الطمأنة للوضع الاقتصادي أكثر من الإشادة بوحدة البلاد.
وفيما كان شولتز، المتعافي قبل أيام من فيروس كورونا، يلقي كلمة مقتضبة في إيرفورت، عاصمة تورينغن، كان قرابة العشرة آلاف شخص يتجمعون في مدينة غيرا القريبة في الولاية نفسها، يطالبون الحكومة برفع العقوبات عن روسيا، ووقف إمداد أوكرانيا بالسلاح، وتغيير السياسة الاقتصادية لتخفيف العبء عليهم. ومثلهم، خرج آلاف آخرون في مظاهرات بمدن شرقية مختلفة، كلهم يطالبون بتخفيف الأعباء الاقتصادية ورفع العقوبات عن روسيا.
وشارك حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف في المظاهرات، التي أعادت إلى الذاكرة مظاهرات شبيهة خرجت في المدن الشرقية نفسها ضد اللاجئين السوريين قبل سنوات، بعد أن فتحت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، الأبواب لهم، واستُقبل مئات الآلاف منهم.
واحتضنت الولايات الشرقية اليمين المتطرف في السنوات الماضية، لكن المظاهرات التي خرجت هذه المرة عكست نقمة أكبر وأعمق من مجرد كراهية الأجانب، ودفعت حتى بمسؤولين في الولايات من أحزاب مختلفة، مثل الحزب الاشتراكي (يسار وسط) والحزب المسيحي الديمقراطي (يمين وسط) إلى التحذير من تدمير كل التقدم الذي تم تحقيقه في السنوات الماضية منذ الوحدة.
وقال رئيس ولاية براندنبيرغ ديتمار فويدكه (الحزب الاشتراكي)، إن «ذكرى البطالة الجماعية بعد الوحدة ما زالت في أذهان الكثيرين الذين عاشوا في ألمانيا الشرقية... ولذلك من الواضح أن الوضع الحالي ينظر إليه هنا بقلق بالغ، والكثيرون يتخوفون من أن كل ما بنوه بالكثير من الجهد طوال 3 عقود سيتم تدميره».
وصدر كلام مشابه عن رئيس حكومة ولاية ساكسونيا أنهالت رينار هاسيلوف (الحزب المسيحي الديمقراطي)، الذي قال إن الحرب في أوكرانيا «تهدد كل النجاحات التي تم تحقيقها في الشرق... لا يجب على الألمان أن يسمحوا لأنفسهم بأن يتم تقليبهم ضد بعضهم البعض»، مؤكداً أن «التضامن اليوم أهم من أي وقت مضى». واعترف المسؤولون الألمان الذين أحيوا يوم الوحدة، بصعوبة الوضع الاقتصادي على الكثير من السكان.
وقالت رئيسة البودنستاغ (البرلمان الفيدرالي) باربل باس، «إن الاحتفالات تحل في وقت صعب هذا العام» مع اقتراب التضخم إلى نسبة 10 في المائة، ولكنها أضافت: «الأهم أن نبقى متحدين... نتائج الحرب في أوكرانيا والتغير المناخي تتسبب بالقلق للكثيرين، ولكن كيف نتعامل مع بعضنا هو ما يظهر قوة بلادنا».
ومع أن رئيس ولاية تورينغن بودو راميلو، وهو من حزب «دي لينكا» اليساري المتطرف الذي تأسس من بقايا الحزب الاشتراكي السوفياتي في ألمانيا الشرقية، دعا كذلك إلى الوحدة، فهو لمح إلى أن الولايات الشرقية بقيت منسية، فيما ألمانيا ظلت تتقدم اقتصادياً في العقود الماضية. وقال: «سواء كان الأمر يتعلق بوباء (كورونا) أو نقص الطاقة، فإن الأزمات الحالية تسلط الضوء على خلافاتنا السابقة، ورغم الخطوات الكبيرة التي تحققت في مجال التنمية في ألمانيا الشرقية، فإن سوء التفاهم وخيبات الأمل على الجانبين نادراً ما تؤخذ في الاعتبار».
ومنذ الوحدة، تعاني الولايات الشرقية من مستوى فقر وبطالة أعلى من الولايات الغربية، بعدما وجد مئات الآلاف من السكان أنفسهم عاطلين عن العمل بعد الوحدة وخسارتهم لأعمالهم التي كانت تؤمنها لهم جمهورية ألمانيا الديمقراطية الشيوعية. ولم يستطع عدد كبير من هؤلاء العودة إلى وظائف بعد إغلاق مصانع ومعامل في ألمانيا الشرقية، بسبب نقص الخبرات لديهم وغياب الكفاءات.
هذا الأمر دفع الحكومات المتعاقبة منذ الوحدة إلى فرض «ضريبة التضامن» على السكان في ألمانيا الغربية تستخدم إيراداتها في مشاريع إنمائية في ألمانيا الشرقية. ولكن هذه الضريبة ألغيت قبل عام بقرار من شولتز، الذي كان وزير المالية آنذاك في حكومة ميركل، على اعتبار أن الكثير من التقدم تم تحقيقه منذ الوحدة. ومع ذلك، فإن التقرير السنوي للمفوض الحكومي لألمانيا الشرقية أظهر أن مستوى عدم الرضا في ألمانيا الشرقية ما زال أكبر بكثير من الولايات الغربية. وحسب الاستطلاع الذي شمل 4 آلاف شخص، قال 39 في المائة فقط من سكان ألمانيا الشرقية الذين عاشوا تحت حكم السوفيات حتى نهاية الثمانيات، إنهم راضون عن «سير الديمقراطية» في البلاد، مقابل 59 في المائة من الرضا في ألمانيا الغربية. وانخفضت هذه النسبة هذا العام عن السابق، إذ أظهر استطلاع مماثل أجري قبل عامين أن نسبة الرضا عن سير الديمقراطية وصل إلى 48 في المائة في ألمانيا الشرقية مقابل 65 في المائة في ألمانيا الغربية.


مقالات ذات صلة

ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

العالم ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

ألمانيا تسحب قواتها من مالي... وتؤكد أنها «باقية»

عشية بدء المستشار الألماني أولاف شولتس زيارة رسمية إلى أفريقيا، هي الثانية له منذ تسلمه مهامه، أعلنت الحكومة الألمانية رسمياً إنهاء مهمة الجيش الألماني في مالي بعد 11 عاماً من انتشاره في الدولة الأفريقية ضمن قوات حفظ السلام الأممية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحكومة الألمانية شددت على أنها ستبقى «فاعلة» في أفريقيا، وملتزمة بدعم الأمن في القارة، وهي الرسالة التي يحملها شولتس معه إلى إثيوبيا وكينيا.

راغدة بهنام (برلين)
العالم ألمانيا لتعزيز حضورها في شرق أفريقيا

ألمانيا لتعزيز حضورها في شرق أفريقيا

منذ إعلانها استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا، العام الماضي، كثفت برلين نشاطها في القارة غرباً وجنوباً، فيما تتجه البوصلة الآن شرقاً، عبر جولة على المستوى الأعلى رسمياً، حين يبدأ المستشار الألماني أولاف شولتس، الخميس، جولة إلى منطقة القرن الأفريقي تضم دولتي إثيوبيا وكينيا. وتعد جولة المستشار الألماني الثانية له في القارة الأفريقية، منذ توليه منصبه في ديسمبر (كانون الأول) عام 2021. وقال مسؤولون بالحكومة الألمانية في إفادة صحافية، إن شولتس سيلتقي في إثيوبيا رئيس الوزراء آبي أحمد والزعيم المؤقت لإقليم تيغراي غيتاتشو رضا؛ لمناقشة التقدم المحرز في ضمان السلام بعد حرب استمرت عامين، وأسفرت عن مقتل عشرات

العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الرياضة مدير دورتموند: لن أخوض في نقاش ضربة الجزاء غير المحتسبة أمام بوخوم

مدير دورتموند: لن أخوض في نقاش ضربة الجزاء غير المحتسبة أمام بوخوم

لا يرغب هانز يواخيم فاتسكه، المدير الإداري لنادي بوروسيا دورتموند، في تأجيج النقاش حول عدم حصول فريقه على ركلة جزاء محتملة خلال تعادله 1 - 1 مع مضيفه بوخوم أول من أمس الجمعة في بطولة الدوري الألماني لكرة القدم. وصرح فاتسكه لوكالة الأنباء الألمانية اليوم الأحد: «نتقبل الأمر.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

مرور الرئيس التايواني في أميركا يثير غضب الصين

الرئيس التايواني لاي تشينغ تي يلوّح بيده للحشد في اليوم الوطني للاحتفال بالذكرى السنوية الـ113 لميلاد «جمهورية الصين» وهو الاسم الرسمي لتايوان في تايبيه 10 أكتوبر 2024 (رويترز)
الرئيس التايواني لاي تشينغ تي يلوّح بيده للحشد في اليوم الوطني للاحتفال بالذكرى السنوية الـ113 لميلاد «جمهورية الصين» وهو الاسم الرسمي لتايوان في تايبيه 10 أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

مرور الرئيس التايواني في أميركا يثير غضب الصين

الرئيس التايواني لاي تشينغ تي يلوّح بيده للحشد في اليوم الوطني للاحتفال بالذكرى السنوية الـ113 لميلاد «جمهورية الصين» وهو الاسم الرسمي لتايوان في تايبيه 10 أكتوبر 2024 (رويترز)
الرئيس التايواني لاي تشينغ تي يلوّح بيده للحشد في اليوم الوطني للاحتفال بالذكرى السنوية الـ113 لميلاد «جمهورية الصين» وهو الاسم الرسمي لتايوان في تايبيه 10 أكتوبر 2024 (رويترز)

يتوقف الرئيس التايواني، لاي تشينغ تي، خلال أول رحلة له إلى الخارج في هاواي وجزيرة غوام الأميركيتين، وفق ما أفاد مكتبه، الخميس؛ ما أثار غضب بكين التي نددت بـ«أعمال انفصالية».

ويتوجه لاي، السبت، إلى جزر مارشال وتوفالو وبالاو، وهي الجزر الوحيدة في المحيط الهادئ من بين 12 دولة لا تزال تعترف بتايوان.

ولكن يشمل جدول أعمال الرئيس التايواني الذي تسلم السلطة في مايو (أيار) توقفاً في هاواي لمدة ليلتين، وفي غوام لليلة واحدة، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ولم يُعلن حالياً أي لقاء يجمعه بمسؤولين أميركيين، والولايات المتحدة هي الداعم الرئيسي لتايبيه.

وقال مصدر من الإدارة الرئاسية التايوانية لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طالباً عدم الكشف عن هويته، إن لاي يريد لقاء «أصدقاء قدامى» و«أعضاء مراكز أبحاث».

ووعد لاي بالدفاع عن ديمقراطية تايوان في مواجهة التهديدات الصينية، فيما تصفه بكين بأنه «انفصالي خطير».

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، في مؤتمر صحافي دوري، الخميس: «عارضنا دائماً التبادلات الرسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، وأي شكل من أشكال دعم الولايات المتحدة وتأييدها للانفصاليين التايوانيين».

في السابق، توقف زعماء تايوانيون آخرون في الأراضي الأميركية خلال زيارات إلى دول في أميركا الجنوبية أو المحيط الهادئ، مثيرين غضب بكين.

وتعد الصين تايوان جزءاً من أراضيها، لم تنجح بعد في إعادة توحيده منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1949. ورغم أنها تقول إنها تحبّذ «إعادة التوحيد السلمية»، فإنها لم تتخلَ أبداً عن مبدأ استخدام القوة العسكرية وترسل بانتظام سفناً حربية وطائرات مقاتلة حول الجزيرة.

سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني تبحر في نقطة قريبة من جزيرة تايوان في جزيرة بينجتان بمقاطعة فوجيان الصينية 5 أغسطس 2022 (رويترز)

«محاولات انفصالية»

تشهد تايوان تهديداً مستمراً بغزو صيني، لذلك زادت إنفاقها العسكري في السنوات الأخيرة لتعزيز قدراتها العسكرية.

وتتمتع الجزيرة بصناعة دفاعية لكنها تعتمد بشكل كبير على مبيعات الأسلحة من واشنطن، أكبر مورد للأسلحة والذخائر إلى تايوان.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، وو تشيان، خلال مؤتمر صحافي، الخميس، إن الجيش الصيني «لديه مهمة مقدسة تتمثل في حماية السيادة الوطنية ووحدة الأراضي، وسوف يسحق بحزم كل المحاولات الانفصالية لاستقلال تايوان».

ارتفعت حدة التوتر في العلاقات بين بكين وتايبيه منذ عام 2016 مع تولي تساي إنغ وين الرئاسة في بلادها، ثم لاي تشينغ تي في عام 2024.

وكررت الصين اتهامها الرئيسَين التايوانيَين بالرغبة في تأجيج النزاع بين الجزيرة والبر الصيني الرئيسي. ورداً على ذلك، عززت بكين بشكل ملحوظ نشاطها العسكري حول الجزيرة.

وفي ظل هذه الضغوط، أعلن الجيش التايواني أنه نشر الخميس مقاتلات وسفناً وأنظمة مضادة للصواريخ في إطار مناورات عسكرية هي الأولى منذ يونيو (حزيران).

وأفادت وزارة الدفاع التايوانية، الخميس، بأنها رصدت الأربعاء منطادين صينيين على مسافة نحو 110 كلم شمال غربي الجزيرة في منطقة دفاعها الجوي، وذلك بعدما رصدت في القطاع ذاته الأحد منطاداً صينياً مماثلاً كان الأول منذ أبريل (نيسان).

وتحولت المناطيد الآتية من الصين إلى قضية سياسية مطلع عام 2023 عندما أسقطت الولايات المتحدة ما قالت إنه منطاد تجسس.