حلم الغاز اللبناني... مسار تحكمه شروط سياسية وإصلاحية وتقنية

لبنانيون قرب الحدود الإسرائيلية في سبتمبر للمطالبة بحق بلدهم في استخراج الغاز من مياهه (أ ب)
لبنانيون قرب الحدود الإسرائيلية في سبتمبر للمطالبة بحق بلدهم في استخراج الغاز من مياهه (أ ب)
TT

حلم الغاز اللبناني... مسار تحكمه شروط سياسية وإصلاحية وتقنية

لبنانيون قرب الحدود الإسرائيلية في سبتمبر للمطالبة بحق بلدهم في استخراج الغاز من مياهه (أ ب)
لبنانيون قرب الحدود الإسرائيلية في سبتمبر للمطالبة بحق بلدهم في استخراج الغاز من مياهه (أ ب)

لا يعني الحديث عن تفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق بين لبنان وإسرائيل حول الحدود البحرية أن لبنان دخل إلى «نادي الدول النفطية»، أو أن استفادته من الغاز المتوقع في البحر حتمية أو سريعة، ذلك لأسباب عدة سياسية وتقنية إصلاحية مرتبطة بالواقع اللبناني وقدرة الجهات المعنية على الاستفادة من هذه الثروة إذا ما وجدت بعد بدء عمليات الحفر.
هذا ما يجمع عليه خبيران في هذا الشأن تحدثت إليهما «الشرق الأوسط»، هما مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» ا‪‪لدكتور سامي نادر ومديرة «معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» لوري هايتيان،‬‬
ويشير نادر إلى أن «الاتفاق - التسوية الذي من المتوقع أن ينجز بناء على العرض الأميركي الذي تسلمه لبنان، ينص على أن يتم توزيع عائدات حقل قانا المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل». ويتفق نادر من جهة أخرى، مع هايتيان، على أنه لا يمكن الحديث عن استفادة للبنان من عائدات الغاز، في غياب الإصلاحات والاستقرار السياسي.
وتقول هايتيان: «بعد توقيع الاتفاق من المتوقع أن تعلن شركة توتال عن خطة عملها التي ستعتمدها في بلوك رقم 9 لاكتشاف مكمن حقل قانا، بحسب ما أفيد من معلومات»، مشيرة إلى أنه بعد عملية الحفر التي قد تستغرق نحو شهرين، بحسب هيئة إدارة البترول، فإن فترة العمل التي تتضمن أيضاً التقييم واكتشاف امتداد حقل قانا المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل، قد تمتد بين سنة أو سنة ونصف السنة، علماً بأن الحفر في بلوك رقم 4 استمر شهرين وأعلنوا بعدها عدم وجود الغاز».
وعما هو متوقع من بلوك رقم 9 لجهة وجود الغاز وكميته، يؤكد نادر لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يمكن حسم وجود الغاز قبل عملية التنقيب وتحديد الكميات، لكن من المرجح أن تحتوي على الغاز، حيث سبق أن تبين وجوده في حقول لجهة إسرائيل وقبرص». وهو ما تشير إليه هايتيان، لافتة إلى أن «نتائج بلوك رقم 4 غير مرتبطة بما قد يكتشف في بلوك رقم 9 حيث هناك حقول مكتشفة تحتوي على نسبة عالية من الغاز، وإن كانت تعتبر مساحتها صغيرة»، من هنا تؤكد على «أهمية الانتظار لمعرفة ما سيكتشف بعد بدء عملية الحفر وتقييم الكمية الموجودة وإذا كان يمكن للبنان الاستفادة من إنتاجه».
وفي وقت يعول المسؤولون اللبنانيون في تصريحاتهم على انعكاس هذا الموضوع اقتصادياً على لبنان، تؤكد هايتيان أنه من المبكر الحديث عن استفادة اقتصادية للبنان من الغاز إذا وجد، وتربط هذا الأمر بعوامل عدة، موضحة أن «الجهات السياسية التي تتحدث عن استفادة للبنان تنطلق في ذلك من همّ وحيد بالنسبة إليهم، وهو تخفيف الضغوط الخارجية واستعمال هذا الاتفاق كورقة تفاوض مع صندوق النقد الدولي والجهات الدولية، لكن نحن كشعب لبناني لا ينفعنا كل ذلك. ما يفيدنا هو الإصلاحات البنيوية الأساسية التحويلية، بحيث إنه حتى ولو تم استخراج الغاز، فهذا لن يفيدنا بشيء ولا يمكن الاستفادة من إنتاجه ما لم تنفذ الإصلاحات وفي ظل مؤسسات فاشلة وفساد مستشر». وتضيف: «التجارب أثبتت أنه في البلدان المماثلة للبنان حيث الحوكمة ضعيفة والمؤسسات فاشلة ومنهارة والفساد مستشري النفط والغاز لا ينقذ البلد، بل يزيد الفساد والديكتاتورية والفقر».
كذلك، لا يبدو نادر متفائلاً كثيراً بإمكانية الاستفادة من عائدات الغاز إذا ما بقي الوضع اللبناني على ما هو عليه، ويقول: «استخراج النفط أمر جيد لكن الأهم ألا تستخدم أموال الغاز لتغذية الهدر والفساد، بحيث إن الإصلاح والحوكمة الجيدة هي شروط أساسية لتحويل هذه العائدات لاستقرار وازدهار لبنان، وهو ما قد يكون صعباً في ظل وجود هذه المنظومة».
ويتحدث من جهة أخرى عن «الاستقرار السياسي والجيوسياسي»، موضحاً أن «هذه المنطقة لا تزال مشتعلة، أي أنه وإن حصلت التسوية في موضوع تقاسم الغاز لا يعني أبداً أن هناك تهدئة على جبهة الصراع القائم مع إيران وبين إسرائيل وإيران و(حزب الله)، وبالتالي أي اشتعال للجبهة لسبب أو لآخر قد يعيق عملية استخراج النفط».
وإضافة إلى كل هذه الشروط، تتوقف هايتيان عند أمر أساسي تقني يلعب دوراً في مسار الاستفادة من إنتاج الغاز، وهو البنى التحتية المرتبطة بدورها بالإصلاحات المطلوبة، وتقول: «المشكلة أيضاً تكمن في عدم وجود بنى تحتية ومحطات لإنتاج الغاز، حيث لا يوجد في لبنان إلا محطتان صغيرتان، بحيث من المتوقع أن تزيد تكلفة الإنتاج وتكلفة ربط الغاز مع مصر أو قبرص وهو ما يتطلب أيضاً قراراً سياسياً».
ومن المفترض أن يكون هذا الأسبوع حاسماً لجهة الاتفاق بين لبنان وإسرائيل إثر تقديم الوسيط الأميركي عرض تسوية للطرفين، وذلك بعدما كانت قد بدأت المفاوضات بينهما عام 2020 ثم توقفت في مايو (أيار) 2021 جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها.
وكان من المفترض أن تقتصر المحادثات لدى انطلاقها على مساحة بحرية تقدّر بنحو 860 كيلومتراً مربعاً تُعرف حدودها بالخط 23. بناء على خريطة أرسلها لبنان عام 2011 إلى الأمم المتحدة. لكن لبنان اعتبر لاحقاً أن الخريطة استندت إلى تقديرات خاطئة، وطالب بالبحث في مساحة 1430 كيلومتراً مربعاً إضافية تشمل أجزاء من حقل «كاريش»، وتُعرف بالخط 29. ويقع حقل قانا في منطقة يتقاطع فيها الخط 23 مع الخط واحد، وهو الخط الذي أودعته إسرائيل الأمم المتحدة، ويمتد أبعد من الخط 23.


مقالات ذات صلة

توتّر على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بعد تظاهرة لأنصار «حزب الله»

المشرق العربي توتّر على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بعد تظاهرة لأنصار «حزب الله»

توتّر على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بعد تظاهرة لأنصار «حزب الله»

دعت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل)، مساء الجمعة، إلى الهدوء بعد توتر بين حرس الحدود الإسرائيليين وأنصار لـ«حزب الله» كانوا يتظاهرون إحياءً لـ«يوم القدس». ونظّم «حزب الله» تظاهرات في أماكن عدّة في لبنان الجمعة بمناسبة «يوم القدس»، وقد اقترب بعض من أنصاره في جنوب لبنان من الحدود مع إسرائيل. وقالت نائبة المتحدّث باسم يونيفيل كانديس أرديل لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ عناصر القبعات الزرق «شاهدوا جمعاً من 50 أو 60 شخصاً يرمون الحجارة ويضعون علم حزب الله على السياج الحدودي».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تباين بين «أمل» و«حزب الله» بشأن صواريخ الجنوب

تباين بين «أمل» و«حزب الله» بشأن صواريخ الجنوب

ذكرت أوساط سياسية لبنانية أنَّ «الصمت الشيعي» حيال إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه منطقة الجليل في شمال إسرائيل لا يعني أنَّ «حزب الله» على توافق مع حركة «أمل» بهذا الشأن، بمقدار ما ينم عن تباين بينهما، إذ ارتأيا عدم إظهاره للعلن لقطع الطريق على الدخول في سجال يمكن أن ينعكس سلباً على الساحة الجنوبية. وقالت المصادر إنَّ حركة «أمل»، وإن كانت تتناغم بصمتها مع صمت حليفها «حزب الله»، فإنها لا تُبدي ارتياحاً للعب بأمن واستقرار الجنوب، ولا توفّر الغطاء السياسي للتوقيت الخاطئ الذي أملى على الجهة الفلسطينية إطلاق الصواريخ الذي يشكّل خرقاً للقرار 1701. وعلى صعيد الأزمة الرئاسية، ذكرت مصادر فرنسية مط

العالم العربي المطارنة الموارنة يستنكرون تحويل جنوب لبنان إلى «صندوق» في الصراعات الإقليمية

المطارنة الموارنة يستنكرون تحويل جنوب لبنان إلى «صندوق» في الصراعات الإقليمية

استنكر المطارنة الموارنة في لبنان، اليوم (الأربعاء)، بشدة المحاولات الهادفة إلى تحويل جنوب لبنان إلى صندوق لتبادل الرسائل في الصراعات الإقليمية. ووفق وكالة الأنباء الألمانية، طالب المطارنة الموارنة، في بيان أصدروه في ختام اجتماعهم الشهري في الصرح البطريركي في بكركي شمال شرقي لبنان اليوم، الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية بالحزم في تطبيق القرار 1701، بما في ذلك تعزيز أجهزة الرصد والتتبُّع والملاحقة. وناشد المطارنة الموارنة، في اجتماعهم برئاسة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، «القوى الإقليمية والمجتمع الدولي مساعدة لبنان على تحمل أعباء لم تجلب عليه ماضياً سوى الخراب والدمار وتشتيت ا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي ميقاتي: عناصر غير لبنانية وراء إطلاق الصواريخ من الجنوب على إسرائيل

ميقاتي: عناصر غير لبنانية وراء إطلاق الصواريخ من الجنوب

أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم الأحد، أن العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان والانتهاك المتمادي للسيادة اللبنانية أمر مرفوض، مؤكدا أن «عناصر غير لبنانية» وراء إطلاق الصواريخ من الجنوب. وقال ميقاتي إن «الهجوم الإسرائيلي على المصلّين في الأقصى وانتهاك حرمته أمر غير مقبول على الإطلاق، ويشكل تجاوزاً لكل القوانين والأعراف، ويتطلب وقفة عربية ودولية جامعة لوقف هذا العدوان السافر». وعن إطلاق الصواريخ من الجنوب والقصف الإسرائيلي على لبنان، وما يقال عن غياب وعجز الحكومة، قال ميقاتي إن «كل ما يقال في هذا السياق يندرج في إطار الحملات الإعلامية والاستهداف المجاني، إذ منذ اللحظة

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنان لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن رفضاً لاعتداءات إسرائيل

لبنان لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن رفضاً لاعتداءات إسرائيل

قررت الحكومة اللبنانية تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن ضد إسرائيل، على خلفية الغارات التي نفذتها على مناطق لبنانية بعد إطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني باتجاه المستوطنات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

تقرير: منظمة تتهم الملحق العسكري الإسرائيلي الجديد لدى بلجيكا بارتكاب جرائم حرب

TT

تقرير: منظمة تتهم الملحق العسكري الإسرائيلي الجديد لدى بلجيكا بارتكاب جرائم حرب

جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (رويترز)
جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (رويترز)

قالت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» إن منظمة مؤيدة للفلسطينيين في بلجيكا، تُسمى «مؤسسة هند رجب»، تقدّمت بشكوى إلى الحكومة البلجيكية ضد الملحق العسكري الإسرائيلي الجديد في بروكسل، متهمة إياه بارتكاب جرائم حرب.

وأضافت «تايمز أوف إسرائيل» أن صحيفة «دي مورجن» البلجيكية ذكرت أن «مؤسسة هند رجب» قالت إن العقيد موشيه تيترو كان مسؤولاً في منصبه السابق عن تنفيذ سياسة التجويع في غزة.

وأفادت وسائل إعلام أخرى بأن المنظمة المؤيدة للفلسطينيين أحالت تيترو أيضاً إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.

وشغل تيترو في السابق منصب رئيس إدارة تابعة لوحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في غزة، وهي الوحدة التابعة للجيش المسؤولة عن تنسيق المساعدات إلى القطاع.

وقال دياب أبو جهجة، رئيس «مؤسسة هند رجب»، لصحيفة «دي مورجن»: «نحن هنا نتعامل مع شخصية رئيسة في تنفيذ السياسة الإسرائيلية تجاه المستشفيات واستراتيجية المجاعة والعطش بوصفها سلاح حرب».

وقالت السفيرة الإسرائيلية لدى بلجيكا، إيديت روزنزويج، لصحيفة «دي مورجن»، إن إسرائيل ترفض الاتهامات و«تتصرف وفقاً للقانون الدولي»، وأشارت إلى أن بلجيكا ليست لديها مشكلة في قبول تيترو ملحقاً عسكرياً.

موشيه تيترو (الجيش الإسرائيلي)

ووفقاً لإذاعة «كان» الإسرائيلية العامة، قال مصدر إسرائيلي إن «(مؤسسة هند رجب) مهووسة، وقدمت عشرات الشكاوى ضد الضباط في لاهاي وبروكسل وأماكن أخرى حول العالم، ورئيس المنظمة، دياب أبو جهجة، لبناني، وقد برر سابقاً هجمات 11 سبتمبر (أيلول)2001»، حسب قوله.

وأضاف المصدر أن الملحق العسكري الإسرائيلي يتمتع بحصانة دبلوماسية في بلجيكا.

وقالت وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: «إن تيترو شخصية تحظى بالاحترام الكبير، وهو ضابط مميز، وأن الجيش -كما الحال مع كل مهمة- يتخذ جميع الخطوات اللازمة لضمان سلامة وأمن أفراده وضباطه».

وأضافت: «يرفض الجيش بشدة مزاعم ارتكاب جرائم حرب، ويؤكد أن أنشطته تتم بما يتوافق مع القانون الدولي»، حسب قولها.