بوش الثالث.. الطريق إلى المكتب البيضاوي

ثالث عضو بعائلة بوش يثير قضية توارث المناصب السياسية في أميركا

بوش الثالث.. الطريق إلى المكتب البيضاوي
TT

بوش الثالث.. الطريق إلى المكتب البيضاوي

بوش الثالث.. الطريق إلى المكتب البيضاوي

من قبل أن يعلن جيب بوش ترشحه رسميا لسباق الرئاسة الأميركي لعام 2016 عن الحزب الجمهوري والصحف الأميركية تتساءل وتحلل وتطرح أسئلة كثيرة: هل سيكون جيب بوش مثل أبيه جورج بوش الأب أم مثل أخيه جورج بوش الابن؟
فالاسم الذي يحمله جيب كفيل بقطع شوط كبير في تعريف الناس به، فالعائلة لها تاريخ طويل في البيت الأبيض، لكن السؤال هو: هل سيكون اسم العائلة مفيدا للمرشح الجمهوري أم وبالا وعبئا عليه؟ وبعد ثماني سنوات من ترك أخيه لمنصب الرئيس يبقى السؤال الأكثر أهمية: هل مل الناخبون الأميركيون من عائلة بوش أم أنهم يؤيدون مجيء بوش لثالث مرة إلى البيت الأبيض؟

وفي الوقت الذي تشير فيه التحليلات واستقصاءات الرأي إلى أن جيب بوش هو المرشح الأوفر حظا في الانتخابات التمهيدية في الحزب الجمهوري، فإن هيلاري كلينتون لا تجد منافسة حقيقية في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فمنذ إعلان ترشيح جيب بوش رسميا وقبله هيلاري كلينتون وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 (موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية)، سيجد الأميركيون أنفسهم في وضع اختيار بين آل بوش وآل كلينتون للمرة الثانية في خمسة وعشرين عاما، وسيجد العالم نفسه بعد نوفمبر 2016 إما أمام الرئيس بوش الثالث أو الرئيس كلينتون الثاني.
بعض التحليلات تقول إن هذا الأمر مثير للقلق لدى الناخب الأميركي الذي يحب التغيير، وتقول نتائج استطلاع للرأي قامت به شبكة «بي سي نيوز» وجريدة «وول ستريت» إن 39 في المائة من الأميركيين يفضلون مرشحا جديدا وليس مرشحا يحمل اسم عائلة بوش أو عائلة كلينتون، ويعتبرون إعادة انتخاب هيلاري كلينتون أو جيب بوش تمثل عودة إلى سياسات الماضي.
وعلقت صحيفة «نيويورك تايمز» على تلك القضية بأن قدر ومصير الولايات المتحدة أصبح بيد عائلتين. وأشارت إلى تصريحات للسيدة الأولي السابقة باربرا بوش، قالت فيها إن اثنتين أو ثلاث عائلات أميركية فقط هي الأجدر بالترشح في المناصب العليا في أميركا، وأوضحت الاستطلاعات أن 69 في المائة من الأميركيين يوافقون على هذا الرأي.
هذا الأمر هو الذي دفع جيب بوش للابتعاد عن إرث العائلة، وأن يعلن في ترشحه أنه يمثل نفسه فقط، ويقدم أفكاره دون أن ترتبط أفكاره وسياساته بأبيه أو بأخيه، بل قدم دعايته الانتخابية باسمه الأول فقط (جيب) وقال لمناصريه إنه لا أحد من المرشحين للرئاسة له الحق في المنصب اعتمادا على الأقدمية أو العائلة. وحاول جيب الابتعاد عن أخيه وسياساته في عدة مقابلات تلفزيونية، وصرح بأنه لم يكن ليشن حربا على العراق اعتمادا على المعلومات المتوافرة في الوقت الحالي.

* جيب وجورج بوش أوجه الشبه والاختلاف
* يقول مقربون من آل بوش إن شخصية جيب بوش تختلف بشكل كبير عن شخصية أخيه الرئيس السابق جورج بوش، موضحين أن الأول يملك شخصية أكثر دبلوماسية وأكثر انطوائية، بينما الثاني أكثر انفتاحا وأكثر عاطفية. ويقول ستيفن شير، أستاد العلوم السياسية بكلية كارلتون بولاية مينيسوتا، ومؤلف كتاب «مخاطر عالية وطموحات كبيرة في رئاسة جورج بوش»، إن «شخصية جيب بوش أكثر هدوءا واستقرارا، وينصب على الأمور باهتمام، مما يجعله أكثر شبها لوالده، وإن جورج بوش أكثر شبها لوالدته». بينما تقول باربرا بيري، بمركز ميلر لجامعة فيرجينيا، إنها ترى في جيب بوش سياسيا حاد اللسان.
ويتفق المحللون أن كلا من جيب بوش وجورج بوش سيشكل تحديا هائلا مع إنجازات جورج بوش الأب الذي بنى حياته السياسية بنفسه، فهو البطل الأميركي الذي نجا بطائرته خلال الحرب الفيتنامية، ثم أصبح عضوا بالكونغرس الأميركي، ثم رئيسا لوكالة المخابرات المركزية، ثم دبلوماسيا بالبعثة الأميركية إلى الصين، ثم سفيرا لدى الأمم المتحدة، ثم نائبا للرئيس رونالد ريغان لثماني سنوات، حتى وصل ليصبح رئيسا للولايات المتحدة.
ويقول البروفسور شير إن جورج بوش الابن كحاكم لولاية تكساس، وكرئيس، اعتمد بشكل كبيرة على مجموعة من المستشارين لتشكيل سياساته. بينما كان جيب بوش الحاكم السابق لولاية فلوريدا أكثر انغماسا في تشكيل السياسات بنفسه، مؤكدا على فوارق كبيرة بين شخصية جيب بوش وأخيه وشخصية الأب جورج بوش.
ويقول البروفسور ماثيو كوريغان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فلوريدا «إن جورج بوش الابن كحاكم ولاية تكساس قدم خطوات كبيرة في خفض الضرائب وإصلاح التعليم، ومهما اختلفنا حول جيب بوش فلا يمكن القول إنه لم يحقق أشياء كثيرة كحاكم لولاية فلوريدا، وإن كانت الغالبية العظمي من سياساته سياسات متحفظة للغاية». وأضاف «أبرز إنجازات جيب بوش تمثلت في تخفيضات كبيرة للضرائب ووضع قيود على الإجهاض وتوسيع حق ملكية الأسلحة وإصلاح التعليم».
ويشير دونالد كريتشلو، أستاذ التاريخ السياسي في جامعة أريزونا، إلى أن جورج بوش الأب لم يلتزم بتعهداته بعدم رفع الضرائب، وخلال عهد الرئيس جورج بوش الابن تزايد عجز الموازنة نتيجة حربي العراق وأفغانستان، متشككا في ما يمكن أن يحدث مع بوش ثالث في الأفق. ويوضح كريتشلو أن جيب بوش يواجه منافسا خطيرا مثل ماركو روبيو عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا، وهو أمر يشكل تحديا كبيرا خاصة مع ملل الأميركيين من آل بوش.

* جيب بوش و الشرق الأوسط
* من الصعب التكهن بموقف وسياسات جيب بوش حول قضايا الشرق الأوسط، لكن يمكن استنتاج بعض الملامح من الفريق الاستشاري الذي يعمل مع جيب بوش حول السياسة الخارجية. فمن بين 21 عضوا في فريق المستشارين للسياسة الخارجية هنالك 19 عضوا كانوا في مراكز حيوية بإدارات الرئيس جورج بوش السابقة، بما في ذلك بول وولفويتز أحد المحافظين الجدد ومهندس الحرب على العراق عام 2003، وجيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق، وستيفن هادلي مستشار الأمن القومي الأميركي السابق.
ويرفض جيب بوش دبلوماسية الرئيس أوباما مع إيران، وينظر لإيران باعتبارها دولة راعية للإرهاب وتشن حربا بالوكالة ضد القوات الأميركية وحلفاء الولايات المتحدة لأكثر من ثلاثة عقود.
ويهاجم جيب بوش بانتقادات لاذعة الاجتماعات الحالية بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وسماح الجانب الأميركي لطهران بالحفاظ على بنية تحتية نووية تسمح لها بالتلويح والتهديد بتصنيع أسلحة نووية وتخويف دول منطقة الشرق الأوسط. ويقول المحللون إن جيب بوش إذا نجح في الوصول إلى الرئاسة في الانتخابات المقبلة فإنه على ما يبدو سيقدم على التراجع وإلغاء أي اتفاق يتم التوصل إليه بين إدارة أوباما والنظام الإيراني. ويتخوف المحللون من أن الإقدام على هذه الخطوة قد يضع البلدين على قدم الاستعداد للحرب.
ويبدو جيب بوش أقل دعما للحرب التي شنها أخوه على العراق عام 2003، وما تلاها من احتلال عسكري أميركي للعراق. ويلقي جيب بوش باللوم في ظهور تنظيم داعش على إدارة أوباما وقراره سحب القوات الأميركية من العراق عام 2011. ويرى جيب بوش ضرورة في تعزيز وجود مزيد من القوات الأميركية على الأرض في العراق وتضمينها في الوحدات العسكرية العراقية. ويقول المحللون إنه ليس من الصعب أن نقرأ في تصريحاته الدعوة إلى تدخل عسكري مباشر في العراق وربما في سوريا بهدف محاربة تنظيم داعش.
وينتقد جيب بوش موقف إدارة أوباما من مصر والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وما يقوم به من جهود لمحاربة الفكر المتطرف الذي يصفه جيب بوش بأنه ينتشر كالنار في الهشيم في منطقة الشرق الأوسط. ولا تبدو هناك تصريحات واضحة لجيب بوش حول موقفه من الأزمة السورية. ويتعهد جيب بوش بمساندة حكومة بنيامين نتنياهو اليمنية، ملمحا إلى أنه سيتخلى عن ممارسة أي ضغوط على نتنياهو من أجل تنفيذ حل الدولتين. وقد أثار جيب بوش الكثير من التصريحات التي هاجم فيها روسيا، ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالفتوة، ووصف موقف الرئيس أوباما بالضعيف عندما يتعلق الأمر بروسيا.
ويقول المحللون إنه في حال فوز جيب بوش فإن سياسته تجاه الشرق الأوسط ستتجه إلى التصعيد العسكري مع إيران وزيادة القوات الأميركية في العراق ودعم حزب الليكود الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لغة المال
ولأن المال هو دائما ما يحكم ويتحكم في مسار حظوظ مرشح وآخر، فإن المال وحجم التبرعات التي ينجح جيب بوش في الحصول عليها لها حسابات أخرى. ويقول مقربون من جيب بوش داخل حملته الانتخابية إنه يحصل على التبرعات والأموال لمساندة حملته بشكل مذهل من جميع المصادر المعتادة سواء من مناصري الحزب الجمهوري ورجال الأعمال من النخب الغنية، أو من جماعات القوى مثل «وول ستريت» و«وول مارت» و«مايكروسوفت» والشركات العالمية وجماعات الضغط واللوبيهات الأجنبية المعتادة.
وأشار مصدر بالحملة الانتخابية إلى أنه في مارس (آذار) 2015 الماضي، وقبل ثلاثة أشهر كاملة من إعلان ترشحه رسميا، كانت حملة جيب بوش قد نجحت في جمع تبرعات وصلت إلى 100 مليون دولار.
ويعد جيب بوش الأوفر حظا في استطلاعات الرأي حتى الآن، حيث تقول صحيفة «وول ستريت جورنال» إن الدعم المحتمل لجيب بوش ارتفع بنحو خمس نقاط مئوية في يونيو (حزيران) الحالي عن شهر مايو (أيار) الماضي، وقفز بنحو 26 نقطة منذ مارس الماضي.
ويواجه جيب قائمة طويلة من المرشحين عن الحزب الجمهوري الدين أعلنوا بالفعل خوضهم السباق للفوز بترشيح الحزب، ومن بينهم السيناتور عن ولاية كنتاكي راند بول، وحاكم ولاية تكساس السابق ريك بيري، والسيناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، والسيناتور عن ولاية بنسلفانيا ريك سانتروم، والسيناتور عن ولاية تكساس تيد كروز، وحاكم أركنساس السابق مايك هاكيبي.
وعند إعلان ترشحه في ولاية أيوا منتصف الشهر الحالي وقف جيب بوش وبجواره زوجته كولومبيا بوش المكسيكية الأصل، وابنه الأكبر جورج بوش (39 عاما) وابنته نويل (37 عاما) وابنه الأصغر جون أليس بوش (31 عاما). وشاركت باربرا بوش (90 عاما) والدة جيب في حفل إعلان الترشح، وأعطته قبلة على وجهه لتظهر للناخبين أنها توافق على ترشيح جيب ليكون العضو الثالث في العائلة ليحتل المكتب البيضاوي. فيما لم يستطع الرئيس الأسبق جورج بوش الأب المجيء لحفل الترشح واكتفى بمكالمة تليفونية مع ابنه.
ووفقا للعادة الأميركية في مشاركة عائلة المرشح في مشواره، وقف أبناء جيب بوش يعلنون مساندتهم لأبيهم خاصة الابن الأصغر جون أليس بوش وهو الأكثر مساندة لوالده، حيث يقوم بجمع التبرعات من الحزب الجمهوري ويشارك في المؤتمرات الحزبية لمساندة والده. وقد حصل على درجة الماجستير في الدراسات الأميركية اللاتينية بعد شهادة في القانون، وهو متزوج من ساندرا الكندية من أصل عراقي. وقد واجه مشاكل مع الشرطة في السابق عندما ألقي القبض عليه بتهمة تعاطي المخدرات ومقاومة الاعتقال عام 2005.
وقد أثارت كولومبيا بوش فضيحة كبيرة عام 1998 عندما كذبت على المسؤولين في الجمارك الأميركية حول تقييم الملابس والمجوهرات التي اشترتها من رحلة لباريس، وقالت إن قيمتها 500 دولار، بينما وجدت إدارة الجمارك أن القيمة تتعدى 19 ألف دولار، وأفردت الصحف الأميركية مساحات واسعة لهذه القصة التي أظهرت السيدة الأولى لولاية فلوريدا في موقف الشخص الذي يكذب ويغش وهو موقف لا يغفره بسهولة الناخب الأميركي.
وقد عادت كولومبيا بوش للظهور مرة أخرى للأضواء بشكل إيجابي ببرامج تكافح العنف الأسري وبرامج للمنح الدراسية بالمدارس الثانوية ومبادرات لمكافحة إدمان المخدرات على أثر تجربة ابنتها نويل ومشاكلها مع الإدمان. ورغم كل ذلك يقول المحللون إن كولومبيا بوش يمكن أن تكون سلاح بوش السري في سباق 2016 لما يمكن أن يجنيه من أصوات مضمونة من الجالية الإسبانية في الولايات المتحدة. وتقول كولومبيا بوش إنها تريد أن تكون أول سيدة أولى في البيت الأبيض من أصل إسباني.
وقد تولى جيب بوش، المولود في 11 فبراير (شباط) 1953، منصب حاكم ولاية فلوريدا لولايتين متتاليتين من عام 1999 إلى عام 2007، ويعد الجمهوري الأول والوحيد الذي تولى المنصب لولايتين. وقد تربى جيب في ولاية هيوستن بتكساس وحصل على شهادة البكالوريوس في الشؤون الأميركية اللاتينية من جامعة تكساس، وانتقل إلى ولاية فلوريدا في عام 1986، وشغل منصب وزير تجارة ولاية فلوريدا حتى استقالته في عام 1988 ليساعد والده بوش الأب في حملته الرئاسية. وخسر جيب بوش معركة الانتخابات لمنصب حاكم ولاية فلوريدا في عام 1994 بفارق ضئيل يصل إلى نقطتين مئويتين، وكرر خوض السباق مرة أخرى في عام 1998، وفاز على منافسه وحشد 55 في المائة من أصوات الناخبين. كان غريبا أن يحصد أصوات الأميركيين من أصل إسباني والأميركيين من أصول أفريقية. وأعاد جيب ترشيح نفسه في عام 2002 وفاز بنسبة 56 في المائة من أصوات الناخبين. وقد جذبت تلك الانتخابات اهتماما وطنيا وحزبيا كبيرا، حيث أصبح جيب بوش الحاكم الجمهوري الأول الذي يفوز بولايتين متتاليتين عن ولاية فلوريدا.
وخلال السنوات التي قضاها جيب بوش حاكما للولاية نجح في تحسين الاقتصاد والاهتمام بالبيئة وإصلاح نظام التعليم وتحسين شبكة السكك الحديدية عالية السرعة في فلوريدا. وقد تعرف جيب بوش على زوجته المكسيكية «كولومبيا غارسيا غالو» عندما شارك في برنامج لتبادل المعلمين، وقدم بتدريس اللغة الإنجليزية في المكسيك عام 1971، وتزوج جيب بوش من كولومبيا غالو في 23 فبراير 1974 في مدينة أوستن بتكساس، ولديهما ثلاثة أبناء.
الأمر يختلف قليلا مع هيلاري كلينتون، فهي لم تأت من عائلة سياسية، وإنما دخلت السياسية كشريك للرئيس بيل كلينتون وسيدة أولى في البيت الأبيض، وصنعت تاريخها السياسي كسيناتور عن نيويورك في مجلس الشيوخ، وكمرشحة للرئاسة عن الحزب الديمقراطي، ثم وزيرة للخارجية الأميركية ثم مرشحة للرئاسة مرة أخرى.
بعض المحللين يقولون إن هيلاري كلينتون ليست بيل كلينتون، وإن جيب ليس مثل أبيه أو نسخة مكررة من أخيه. ويشير المحللون إلى أن العائلات السياسية الحاكمة هي جزء من التاريخ الأميركي، فهناك ثنائي رئاسي «لأب وابن» ظهر في القرن التاسع عشر للرئيس جون آدامز وابنه جون كوينسي آدامز، فالأول شغل منصب الرئيس رقم اثنين في تاريخ الولايات المتحدة، وابنه شغل منصب الرئيس السادس. وشهد القرن العشرون أيضا مزيدا من الأسماء اللامعة في العائلة السياسية الواحدة، مثل تيودور روزفلت وابن عمه فرانكلين روزفلت. ومن أشهر العائلات السياسية عائلة تافت التي توارثت مناصب في الكونغرس بدءا من ويليام هوارد تافت إلى ابنه السيناتور روبرت تافت إلى الحفيد روبرت تافت وكذلك عائلة كيندي من الرئيس جون كيندي إلى روبرت كيندي. ويشير التاريخ الأميركي إلى حفنة عائلات احتل أفرادها مقاعد في مجلس الشيوخ ومقاعد حكام ولايات ومقعد الرئاسة الأميركي.
ويقول المؤرخون إن أمر العائلة التي تتوارث وتحتل المناصب العليا أمر يبدو معتادا في التاريخ الأميركي، ربما يثير بعض القلق لكنه في نهاية الأمر ليس أمرا مؤذيا، لأن أغلبية المناصب القوية في السياسة الوطنية تذهب إلى أناس عاديين ليسوا مرتبطين بعائلات سياسية معينة.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.