«البركان العظيم» دمّر طبقة الأوزون ولم يقضِ على الجنس البشري

دراسة من «كاوست» وفريق دولي حول تأثيرات انفجار بركان «توبا» قبل 74 ألف عام

تحوّل بركان «توبا» العملاق إلى بحيرة بركانية (كالديرا) حاليا تُعرف باسم «بحيرة توبا»
تحوّل بركان «توبا» العملاق إلى بحيرة بركانية (كالديرا) حاليا تُعرف باسم «بحيرة توبا»
TT

«البركان العظيم» دمّر طبقة الأوزون ولم يقضِ على الجنس البشري

تحوّل بركان «توبا» العملاق إلى بحيرة بركانية (كالديرا) حاليا تُعرف باسم «بحيرة توبا»
تحوّل بركان «توبا» العملاق إلى بحيرة بركانية (كالديرا) حاليا تُعرف باسم «بحيرة توبا»

رجح علماء من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) وفريق بحثي دولي، أن الانخفاض الكارثي في مستويات الأوزون في الغلاف الجوي حول المناطق الاستوائية قد يكون أسهم في اختناق واضح في التجمعات البشرية في فترة تتراوح بين 60 ألفاً و100 ألف عام.
ودعم هذه الفرضية التي تحل «لغزاً تطورياً» يناقشه العلماء منذ عقود، دراسة ثوران بركان «توبا» العملاق في جزيرة سومطرة بإندونيسيا، الذي حدث قبل 74 ألف عام، وأدّى إلى تدمير كبير لطبقة الأوزون.
وقد عمل على هذه الدراسة البروفسور جورجي ستنتشيكوف، أستاذ علوم الأرض والهندسة في «كاوست» مع علماء من معهد «ناسا غودارد لدراسات الفضاء NASA GISS» بالولايات المتحدة الأميركية، وجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية، إلى جانب سيرغي أوسيبوف من معهد «ماكس بلانك MPI» للكيمياء بألمانيا، الذي يقول: «لطالما عُد (توبا) سبباً للاختناق، لكن التحقيقات الأولية في المتغيرات المناخية من جهة درجة الحرارة وهطول الأمطار لم تقدم دليلاً ملموساً على أنه قد حدث تأثير مدمر على الجنس البشري أو أن البشر اقتربوا جداً من الانقراض خلال هذه الفترة الزمنية».

أهمية الأوزون
تشير صفحة الأمم المتحدة الخاصة باليوم الدولي لحفظ طبقة الأوزون الذي يوافق 16 سبتمبر (أيلول) من كل عام، إلى أن الأوزون (O3)، هو شكل خاص من الأكسجين (O2) ولكن بتركيب مختلف. ويشكل الأوزون جزءاً صغيراً جداً من أجوائنا، غير أن وجوده أمر حيوي لرفاهية الإنسان.
ومعظم الأوزون يكمن في الغلاف الجوي، بين 10 و40 كلم فوق سطح الأرض. وتسمى هذه المنطقة «الستراتوسفير» وتحتوي على نحو 90% من جميع الأوزون في الغلاف الجوي.
تكمن أهمية الأوزون في طبقة «الستراتوسفير» في أنه يمتص بعض أشعة الشمس فوق البنفسجية الضارة بيولوجياً. وبسبب هذا الدور المفيد، يعد الأوزون «الاستراتوسفيري»، هو الأوزون «الجيد». وعلى النقيض من ذلك، فإن الأوزون الزائد على سطح الأرض الذي يتكون من الملوثات يعد من الأوزون «السيء» لأنه يمكن أن يكون ضاراً على البشر والنباتات والحيوانات.

تأثير بركان «توبا»
درس ستنتشيكوف وفريقه ثوران بركان «توبا العظيم»، حيث تدعم الأبحاث الحالية أن هذا البركان أثّر في حجم السكان خلال ذلك الوقت، مستحدثاً ما يسمى «عنق الزجاجة السكاني»، الذي يشير إلى انخفاض حاد في حجم السكان بسبب حدث فردي.
يقول ستنتشيكوف: «تؤكد معظم الأبحاث السابقة التي أُجريت على «توبا» أن الانفجار البركاني تسبب على الأرجح في حدوث «شتاء بركاني»، وذلك لأن البراكين تقذف ملايين الأطنان من الغازات مثل ثاني أكسيد الكبريت في الغلاف الجوي. وهذه الغازات هي مقدمة لتكوين الهباء الجوي، وهو قطرات صغيرة ذات تركيز عالٍ من حمض الكبريتيك، يمكن أن تبقى في طبقة «الستراتوسفير» لبضع سنوات، وتؤثر في المناخ من خلال عكس الإشعاع الشمسي وتبريد الأرض.
وتُظهر سجلات المناخ أن درجات الحرارة انخفضت بدرجة كبيرة بعد انفجار «توبا العظيم»؛ ما لم يؤثر على السكان والحيوانات والنباتات فحسب، وإنما في انتشار الأمراض، وبرودة المحيطات التي تطيل أمد ظاهرة «النينيو».
ويرى الباحث أن بعض التحليلات لا تدعم هذا الرأي، مشيراً إلى الدراسات الحديثة للرواسب في قاع بحيرة مالاوي بأفريقيا التي أظهرت عدم تأثرها كثيراً بالتبريد، خصوصاً في المناطق الاستوائية؛ حيث كان معظم السكان يتركزون ذلك الوقت، لكنه يوضح: «لهذا السبب فإنّ دراستنا تنظر في التأثيرات الأكثر تنوعاً للسحب البركانية أو الانبعاثات البركانية على كيمياء الستراتوسفير».
ونماذج ستنتشيكوف هي الأولى التي تفسر التأثير الإشعاعي لثاني أكسيد الكبريت في التسخين الإشعاعي ومعدلات التحلل الضوئي في «الستراتوسفير». فهذا الأخير يتحكم في التفاعلات الكيميائية الضوئية في الغلاف الجوي، وقد وجد فريقه أن نسبة كبيرة من الأوزون تتلف في سياق مثل هذه الانفجارات.
يوضّح ستنتشيكوف: «نحن نعلم أن انبعاثات الهالوجينات تدمر طبقة الأوزون في الستراتوسفير، ونعلم أيضاً أن انبعاثات بركان (توبا العظيم) لم تكن غنية بالهالوجينات. ومع ذلك، حتى من دون الهالوجينات، لاحظنا استنفاداً قوياً لطبقة الأوزون». وتشمل الهالوجينات عناصر الفلور، والكلور، والبروم، واليود، والاستاتين.
وقد أثبتت الأبحاث في العقود الأخيرة أن استنفاد طبقة الأوزون ناتج عن مركبات الكربون الكلورفلورية. وتحدث هذه الظاهرة في القطبين، ومعظمها في القطب الجنوبي حيث لا يوجد سكان، على الرغم من أن دول نصف الكرة الجنوبي مثل نيوزيلندا وأستراليا تتأثر أيضاً.
ويشرح ستنتشيكوف: «في حالة (توبا) وجدنا ثقباً للأوزون ليس في القطبين ولكن في المناطق الاستوائية، وقد استمر لعدة سنوات، ما يعد عاملاً قوياً آخر تسبب في تدهور الظروف البيئية والانخفاض الحاد في درجة الحرارة، على نحو أثّر سلباً في البشر خلال ذلك الوقت».

استنتاجات البحث
تشمل الآلية التي تستند إليها استنتاجات ستنتشيكوف نمذجة رياضية للنظام، يقارنها بعدئذ مع الملاحظات المرصودة. وعلى الرغم من عدم وجود الكثير من الملاحظات التي يمكن الرجوع إليها منذ 74 ألف عام إلا أن الباحث يقول إن ثمّة بيانات قديمة تتوفر لدينا من ذلك الزمن.
ووضع هو وفريقه افتراضات فيزيائية في نموذجهم، وابتكروا سلسلة تجارب عددية توضح نتائج هذه الافتراضات. وللتأكد من أنها ذات مغزى فقد دعموا جميع التفسيرات الفيزيائية بالنتائج.
يقول: «بهذه الطريقة نحاول دراسة الماضي والمستقبل. ونُجري عمليات محاكاة محاولين جعلها ذات دلالة إحصائية، ونجد آليات فيزيائية تفسر ما نراه». ويشير ستنتشيكوف إلى «أنّ الأشعة فوق البنفسجية القريبة من السطح، في المناطق الاستوائية، تعد العامل الدافع للتطور؛ إذ يصبح المناخ أكثر أهمية في المناطق الأكثر تقلباً بعيداً عن المناطق المدارية». ويضيف أن «طبقة الأوزون تمنع ارتفاع مستويات الأشعة فوق البنفسجية الضارة التي تصل إلى الأرض، حيث تشكل (درعاً) هشاً في الغلاف الجوي العلوي الذي يوجد فيه أعلى تركيز للأوزون».
عندما يطلق بركان ما كميات هائلة من ثاني أكسيد الكبريت، فإن العمود البركاني الناتج يمتص الأشعة فوق البنفسجية ولكنه يحجب أشعة الشمس. وهو ما يحدّ من تكوين الأوزون، ويحدث ثقب للأوزون ويزيد من فرص الإجهاد بالأشعة فوق البنفسجية.

نموذج المناخ المطور
فحص الفريق مستويات الأشعة فوق البنفسجية في أعقاب ثوران «توبا» باستخدام نموذج المناخ «ModulE» الذي طوّره معهد «غودارد لدراسات الفضاء» التابع لوكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، إذ قام الباحثون بمحاكاة الآثار المحتملة بعد أحجام مختلفة من الانفجارات. ويتسم تشغيل مثل هذا النموذج بالكثافة الحسابية، وهو ما استدعى ضرورة استخدام حاسوب «كاوست» الفائق، «شاهين 2»، الذي يستطيع إنجاز عدد من العمليات الحسابية الثقيلة المطلوبة للنموذج. ويشير نموذج الباحثين إلى أن سحابة ثاني أكسيد الكبريت الناتجة عن ثوران بركان «توبا» استنفدت مستويات الأوزون العالمية بنسبة تصل إلى 50 في المائة. علاوة على ذلك، وجدوا أن الآثار على الأوزون كبيرة، حتى في ظل سيناريوهات ثوران صغيرة نسبياً. ومن شأن الأخطار الصحية الناجمة عن ارتفاع الأشعة فوق البنفسجية على السطح أن تحدث تأثيراً كبيراً على معدلات بقاء البشر على قيد الحياة.
ويقول أوسيبوف إنّ «آثار الإجهاد بالأشعة فوق البنفسجية يمكن أن تؤدي إلى نتاج مماثلة لما أعقب الحرب النووية. على سبيل المثال، ستنخفض غلة المحاصيل والإنتاجية البحرية بسبب آثار التعقيم بالأشعة فوق البنفسجية. فالتعرض للأشعة فوق البنفسجية من دون حماية سيسبب ضرراً للعين وحروق الشمس في أقل من 15 دقيقة. ومع مرور الوقت، كانت سرطانات الجلد والأضرار العامة التي لحقت بالحمض النووي تؤدي إلى تراجع أعداد السكان».

الدراسات المستقبلية للبراكين
يقول ستنتشيكوف: «تساعد البراكين العملاقة العلماء في تحديد الآليات الكامنة وراء العمليات المناخية الحالية والمستقبلية، إذ إنّ الانفجارات البركانية تسمح لنا بفهم الآليات الفيزيائية للمناخ بشكل أفضل؛ لأنها توضّح كيف يمكن لتغيير التوازن الإشعاعي للأرض أن يؤثر في المناخ. وهذا سيمكننا من التنبؤ بشكل أفضل بالاحترار العالمي وتغير المناخ في المستقبل».
وفي ورقة بحثية سابقة بعنوان «الإشارات البركانية في المحيطات»، أثبت ستنتشيكوف أنه بدءاً من عام 1850 أدت الانفجارات البركانية إلى تأخير الاحتباس الحراري بمعدّل يقارب 30 في المائة. إذ إنّ الفريق الحكومي الدولي المعنيّ بتغير المناخ (IPCC)، حدّد عام 1850 بوصفه خط أساس قياسياً لدراسة درجات حرارة سطح الأرض، ليشمل فترة ما قبل الصناعة حتى يومنا هذا، وهي الفترة الزمنية التي تم فيها إطلاق معظم ثاني أكسيد الكربون.
ويرى ستنتشيكوف أننا إذا أردنا أن نفهم المناخ فإن علينا أن نفهم آثار الانفجارات البركانية في المناخ، وأن ندرك أنّ النشاط البركاني في أي مكان يمكن أن يؤثر في الظروف الجوية للعالم بأسره.
ويشير إلى أنه لم تكن توجد دراسات أو ملاحظات كافية تتناول المرحلة الأولية للانفجارات البركانية. علاوة على ذلك، لا تقدم النماذج المناخية الحالية المستخدمة لدراسة تأثير الانفجارات البركانية تفاصيل كافية. ولمعالجة هذه الفجوة، قام هو وفريقه بتعديل النماذج الحالية من أجل فهم أفضل للمراحل الأولى لتطوير السحابة البركانية.

تأثير الانفجارات البركانية على الشرق الأوسط

> تؤثر الانفجارات البركانية التي تجري حول العالم تأثيراً شديداً على منطقة الشرق الأوسط. وسطياً، يكون التأثير على مناخ الشرق الأوسط أكبر بمرتين من التأثيرات على نصف الكرة الشمالي. يقول ستنتشيكوف: «يتضخم تأثير المناخ البركاني في الشرق الأوسط بسبب تغير الدوران الذي تسببه الانفجارات البركانية الاستوائية القوية».
على سبيل المثال، بعد انفجار بركان «بيناتوبو» عام 1991 في الفلبين، كان هناك تساقط قوي للثلوج في فلسطين وإسرائيل وشمال الشرق الأوسط. وفي العامين 1991 و1992 كان لهذه الانفجارات تأثير قوي على البحر الأحمر؛ إذ شهدت المنطقة ابيضاض الشعاب المرجانية في البحر الأحمر لمدة عامين بسبب تبريد السطح وتعزيز اختلاط المياه بالقرب منه.
وفي سبتمبر من العام 2007 ثار بركان «جبل الطير» في جنوب البحر الأحمر، ما أدى إلى تكوين جزيرة بركانية هناك. ويقول ستنتشيكوف: «انبعثت من هذا الانفجار البركاني كمية لا بأس بها من ثاني أكسيد الكبريت، وكان ذلك حدثاً مثيراً للاهتمام. إذ يمكن أن يتأثر الشرق الأوسط بأكمله بالانفجارات القوية، ولهذا فمن المنطقي النظر إلى تأثيراتها في المنطقة».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»
TT

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

توصَّل باحثون في «مركز علوم الحياة بجامعة» فيلنيوس في ليتوانيا، إلى اكتشاف طريقة جديدة رائدة في مجال البحث الجيني تسمح بإسكات (أو إيقاف عمل) جينات معينة دون إجراء قطع دائم للحمض النووي (دي إن إيه).

وتُقدِّم الدراسة مساراً جديداً محتملاً لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً يشبه الضغط على زر «إيقاف مؤقت» على التعليمات الجينية داخل الخلايا.

آلية عمل نظام «كريسبر» الجديد

اكتشف فريق البروفسور باتريك باوش من معهد الشراكة لتقنيات تحرير الجينوم بمركز العلوم الحياتية في جامعة فيلنيوس بليتوانيا، بالتعاون مع خبراء دوليين في البحث المنشور في مجلة «Nature Communications» في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، نظاماً جديداً مختلفاً للتعديل الجيني.

وعلى عكس نظام «كريسبر كاس9 (CRISPR-Cas9)»، المعروف الذي اشتهر بقدرته على قطع الحمض النووي (DNA)، يعمل نظام «كريسبر» من النوع «آي في إيه» (IV-A CRISPR) بشكل مختلف، حيث يستخدم مركباً موجهاً بالحمض النووي الريبي لإسكات الجينات دون انشقاق خيوط الحمض النووي «دي إن إيه (DNA)».

كما يستخدم النظام الجديد مركباً مؤثراً يجنِّد إنزيماً يُعرف باسم «دين جي (DinG)». ويعمل هذا الإنزيم عن طريق التحرك على طول خيط الحمض النووي (DNA)، وتسهيل إسكات الجينات من خلال عملية غير جراحية.

تقنية «كريسبر-كاس9» للقص الجيني

هي أداة تعمل كمقص جزيئي لقص تسلسلات معينة من الحمض النووي (دي إن إيه). وتستخدم الحمض النووي الريبي الموجه للعثور على الحمض النووي المستهدف. و«كاس9» هو البروتين الذي يقوم بالقص، وهذا ما يسمح للعلماء بتعديل الجينات عن طريق إضافة أو إزالة أو تغيير أجزاء من الحمض النووي، وهو ما قد يساعد على علاج الأمراض الوراثية، وتعزيز الأبحاث.

** آفاق جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي

بروتينات وحلقات

يستخدم نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» بروتينين مهمين، هما «Cas8»، و«Cas5» للعثور على بقع محددة على الحمض النووي (DNA). ويبحث هذان البروتينان عن تسلسل قصير من الحمض النووي بجوار المنطقة المستهدفة التي تتطابق مع دليل الحمض النووي الريبي. وبمجرد العثور عليه يبدآن في فك الحمض النووي وإنشاء هياكل تسمى حلقات «آر (R)».

وحلقات «آر» هي الأماكن التي يلتصق فيها الحمض النووي الريبي بخيط واحد من الحمض النووي (DNA)، وتعمل بوصفها إشارةً للنظام لبدء إيقاف أو إسكات الجين.

وكما أوضح البروفسور باوش، فإن «آر» في حلقة «R» تعني الحمض النووي الريبي. وهذه الهياكل أساسية لأنها تخبر النظام متى وأين يبدأ العمل. ولكي تكون حلقات «آر» مستقرةً وفعالةً يجب أن يتطابق الحمض النووي، ودليل الحمض النووي الريبي بشكل صحيح.

وظيفة إنزيم «دين جي»

يساعد إنزيم «DinG» نظام «كريسبر» على العمل بشكل أفضل من خلال فك خيوط الحمض النووي (DNA). وهذا يجعل من الأسهل على النظام التأثير على قسم أكبر من هذا الحمض النووي، ما يجعل عملية إسكات الجينات أكثر فعالية وتستمر لفترة أطول.

وأشار البروفسور باوش إلى أنه نظراً لأن إنزيم «DinG» يمكنه تغيير كيفية التعبير عن الجينات دون قطع الحمض النووي، فقد يؤدي ذلك إلى تطوير أدوات وراثية أكثر أماناً في المستقبل.

تطبيقات محتملة لتخفيف تلف الحمض النووي

يحمل الاكتشاف إمكانات هائلة لتحرير الجينوم والبحث في المستقبل، إذ يمكن أن تخفف الطبيعة غير القاطعة لهذه الطريقة من المخاطر المرتبطة بتلف الحمض النووي( DNA). وهو مصدر قلق عند توظيف تقنيات تحرير الجينات الحالية.

ومن خلال تمكين تعديل الجينات دون إحداث تغييرات دائمة في الحمض النووي( DNA) يمكن أن يكون هذا النهج الجديد مفيداً بشكل خاص في التطبيقات السريرية مثل العلاج الجيني للاضطرابات الوراثية. كما أن القدرة الفريدة لهذا النظام على عبور الحمض النووي دون إجراء قطع، أمر مثير للاهتمام لتطبيقات تحرير الجينات المتقدمة.

الدقة والسلامة

ويعتقد فريق البحث بأن هذه الطريقة يمكن أن تزوِّد العلماء وخبراء التكنولوجيا الحيوية بأدوات أكثر دقة لدراسة وظائف الجينات وتصحيح التشوهات الجينية بطريقة خاضعة للرقابة.

ويمثل الاكتشاف تقدماً كبيراً في مجال البحث الجيني؛ حيث يفتح نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» آفاقاً جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي، ويمكن أن تحدث هذه الطريقة ثورةً في كيفية دراسة الأمراض الوراثية وعلاجها، مع التركيز على الدقة والسلامة.