درس من الهند

درس من الهند
TT

درس من الهند

درس من الهند

في مقاطعة «أوديشا» المكان الأكثر فقرًا في شرق الهند، ولد الأكاديمي الهندي «أشيوتا سامنتا» قبل نحو خمسين سنة. ونشأ يتيمًا وفقيرا، يكابد شظف العيش، إلا أنه تمكن من تحويل حياته وحياة آلاف الأطفال والفقراء نحو الأفضل.
واجه أشيوتا سامنتا ظروفًا قاسية، لكنه تمكن من الحصول على تعليم أكاديمي، ونشأ عصاميا، لكنه واصل خدماته الإنسانية المتطورة بتفانٍ ونكران الذات، سعيا إلى المساهمة في خلق عالم خالٍ من الفقر والجوع والجهل، وذلك من خلال احتضان المعدمين وأبناء العائلات الفقيرة وتوفير فرص حياة متكافئة وشريفة لهم.
وبعد تكريمه في البحرين بالحصول على جائزة عيسى لخدمة الإنسانية استمعتُ إليه يروي جانبًا من سيرته. يقول: «كانت أول خطوة لي على مسار الدرب الطويل، بين عامي 1992 - 1993، حين قمتُ بتأسيس معهد كالينغا للعلوم الاجتماعية، الذي بدأ بـ125 طفلاً من أطفال أفقر القبائل، بدأنا في مسكن مستأجر، يشتمل على غرفتين، وباستثمار لم يزد على 5000 روبية (100 دولار تقريبًا)، ادخرتها مما كنت أتقاضاه من راتب متواضع نظير عملي الأكاديمي». واليوم يتعهد المعهد بتعليم أكثر من 25000 طالب، من أبناء القبائل الأشد فقرًا؛ يتعهدهم من رياض الأطفال، ويوفر لهم التعليم المهني والتدريب، ويزودهم بالمهارات الحياتية، ويوفر لهم السكن المجاني والمأكل والملبس والرعاية الصحية.
وتؤوي مؤسسته «معهد كالينغا للعلوم الاجتماعية» أكثر من 25 ألف طالب وطالبة من فقراء وأيتام الهند والأطفال المهملين والمحرومين المهمشين، فضلا عن الأثرياء القادرين، مما حقق تفاعلاً واندماجا بين طبقات المجتمع المختلفة وقرب بين أبناء المجتمع الواحد. وبموازاة ذلك، شيد الدكتور أشيوتا سامنتا صرحا تعليميا هو عبارة عن مدينة جامعية شاسعة، تستقبل آلاف الطلاب، يتلقون في معاهدها وكلياتها التعليم والتدريب في مختلف التخصصات.
التعليم بالنسبة إليه حجر الزاوية في الخروج من كل المعضلات، يقول: «لقد عقدت العزم منذ فترة طويلة على مكافحة الفقر في المجتمعات القبلية الفقيرة في الدولة، مؤمنًا بأثر التعليم والتدريب في تغير حياة الملايين، فقد شهدت تحولاً كبيرًا في حياتي بسبب ما توفر لي من فرص للتعلم، فأردت أن أمنح فرص متكافئة للأطفال الفقراء للحصول على التعليم والتدريب وعلى المهارات اللازمة لتنمية حياتهم على أكثر من صعيد، وتمكينهم من كسب رزقهم».
يضيف: سامنتا: «في طفولتي، كافحت من أجل لقمة العيش، وما زلت أكافح لإطعام الأفواه الجائعة، فالفقر والجوع ما زالا يكتسحان أطفال القبائل». وبإصرار يقول: «لابد لي من أن أواصل المشوار والنضال من أجل الوصول إلى كل طفل محروم في العالم، حتى يتم القضاء على الفقر كليًا ومحوه عن سطح الأرض».
وحين يتحدث سامنتا عن الهند، خزان التنوع البشري، فإن رسالته الإنسانية لا تستثني أحدًا، يقول: «إن رؤيتي تتمثل بالوصول لمجتمع بشري غني فكريًا، لا جائع فيه، يتمتع فيه الناس بالسلام والرخاء بغض النظر عن طائفتهم أو عقيدتهم أو جنسهم أو عرقهم أو آيديولوجياتهم».
حين ننظر إلى ما يحققه البشر العاديون من مختلف الأعراق والأديان والألوان في سجل العطاء الإنساني، نكتشف أننا ما زلنا في بداية الطريق.



«أنقذ القطة»... ملاحظات طريفة في فن كتابة السيناريو

«أنقذ القطة»... ملاحظات طريفة في فن كتابة السيناريو
TT

«أنقذ القطة»... ملاحظات طريفة في فن كتابة السيناريو

«أنقذ القطة»... ملاحظات طريفة في فن كتابة السيناريو

تنبع أهمية كتاب «أنقذ القطة»، الذي صدرت ترجمته مؤخراً عن دار «الكرمة» بالقاهرة من كون مؤلفه بليك سنايدر أحد أشهر كتاب السيناريو في هوليوود، لا سيما عبر مسلسلات «ديزني» التلفزيونية. ورغم أن الكتاب الذي ترجمته غادة عبد العال معني أساساً بتقديم نصائح لكتاب السيناريو الجدد، فإن المؤلف يستخدم أسلوباً طريفاً يجنح إلى البساطة والسخرية في التعبير عن أفكاره بشكل لافت.

يتضح ذلك من خلال طريقة سرد المؤلف لبعض المفاهيم الأساسية في فن كتابة السيناريو وفي صناعة السينما بشكل عام مثل «المنحنى - القوس»، الذي يشير إلى التغييرات التي تطرأ على خبرات الشخصية منذ تشكلها على الورق، في بداية وعبر وسط وحتى نهاية السيناريو. إنه المصطلح الذي سوف يسمعه السيناريست الشاب أكثر من أي شيء آخر في اجتماعات مناقشة السيناريو الذي تقدم به إلى جهات الإنتاج. يسأله الجميع: «ما منحنى تطور البطل؟» أو «هل منحنى تطور هذه الشخصيات كاف؟»، بينما يجيب السيناريست الشاب بداخله في سخرية: «ما منحنى تحمل صبري على الجلوس هنا والإنصات لهذه التساؤلات التي لا تنتهي؟».

وهناك كذلك مصطلح «في نهاية اليوم»، الذي يستخدمه الوكلاء ومديرو الأعمال للإشارة إلى أنهم على وشك إخبارك بأخبار سيئة مثل قولهم: «نحب جداً السيناريو ونظن أنه سيكون ممتازاً بالنسبة إلى جوليا روبرتس، لكن في نهاية اليوم، هل هي فعلاً بحاجة إلى عمل فيلم موسيقي في العصور الوسطى؟».

ويذكر المؤلف أن «ثقوب سوداء» مصطلح أو مفهوم يشير إلى تلك الأوقات التي يعجز فيها المؤلف الشاب عن استكمال السيناريو لأنه لا يعرف كيف يطور شخصياته، أو يدفع بالأحداث إلى الأمام، فيجد نفسه يتساءل فيما جعله يحترف هذا المجال، في حين كان بوسعه أن يدخل كلية الحقوق أو ينضم إلى الجيش.

ويؤكد المؤلف أنه بعد أن يبيع السيناريست نصه السينمائي إلى استوديو وبعدما وقعوا معه عقداً لإعادة الكتابة، من الجائز أن يطردوه ثم ينتجوا الفيلم ويرسلوا إليه نسخة من مسودة السيناريو بعد إعادة كتابته. هنا يُصعق السيناريست من اكتشاف أن النص تغير بطرق غبية في الغالب، بطله «بوب» صار اسمه «كارل» وبدلاً من السيارة «البونتياك» أصبح يقود سيارة «بويك».

ويخاطب المؤلف السيناريست الشاب الذي يتعرض لمثل هكذا موقف قائلاً: «أنت ضحية محاولة سطو على حقوق الملكية، يفعلها شخص يسعى لوضع اسمه على فيلم ويظن أنه بقيامه بهذه التعديلات سيصبح النص نصه، لهذا لدينا لجنة تحكيم حقوق الملكية في نقابة المؤلفين الأميركيين الذين يقررون من الذي فعل هذا بك». ويعلق بليك سنايدر قائلاً: «قد لا تحصل على حقوقك، لكن ألا تتفق معي أن هوليوود مدينة عظيمة؟».

وعندما يبدأ الملل في التسلل إلى النص السينمائي، يحضر ما يسميه كثيرون «صاروخ التعزيز» ويقصد به اختراع شخصية أو موقف تستعيد من خلاله حيوية النص وتضفي نوعاً من البهجة والإثارة على الأحداث، لكن المؤلف يستخدم لوصف هذه الحالة مصطلحاً آخر أكثر طرافة هو «طبيب السيناريو».

ويشير المؤلف إلى أن هناك ما يعرف بـ«الخطَّاف» ويقصد به وضع جملة شديدة الجاذبية على الملصق الدعائي للفيلم إلى جوار العنوان بحيث «تخطف» الجمهور وتجعله يقرر الذهاب إلى السينما ليشاهد هذا الفيلم. وتلك الجملة تختلف عما يسمى «الجملة الملخصة» أو «السطر الواحد»، وهو ما يكتبه السيناريست في بداية نصه السينمائي بحيث يلخصه بشكل مشوق وساحر للمنتج والمخرج وفريق التمثيل، وليس للجمهور هذه المرة. إنه إذن فن السيناريو وخدعه المغوية التي تتنوع في هذا الكتاب الشيق.