المنطلقات السياسية والفكرية للتنظيمات والقوى السياسية في إيران

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

المنطلقات السياسية والفكرية للتنظيمات والقوى السياسية في إيران

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

عن «مركز المسبار للدراسات والبحوث»، صدر للباحث سلطان محمد النعيمي كتاب «التيارات والقوى السياسية في إيران.. قراءات متبانية». وضم الكتاب مباحث تسعة تناولت جمعية علماء الدين، والنهج السياسي والاقتصادي والثقافي لليمن المحافظ، والمؤسسة الثقافية لأنصار اليمين المتطرف، وجناح اليمين الوسط، ونهجه السياسي والاقتصادي والثقافي. وجاءت المباحث الأخرى لتدرس جناح اليسار المحافظ: الهياكل التنظيمية الممثلة لهذا الجناح، رابطة علماء الدين المناضلين وهياكلها التنظيمية، ومنها منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، وحزب العمل الإسلامي، وجمعية نساء الجمهورية الإسلامية. ودرس المؤلف ضمن هذا المبحث النهج السياسي والاقتصادي والثقافي لجناح اليسار المحافظ.
أما المبحث السادس فتناول جناح اليسار الوسط، والهياكل التنظيمية له مثل حزب جبهة المشاركة الإسلامية الإيرانية، ورابطة اتحادات الطلاب الإسلامية في أنحاء إيران، وحزب التضامن الإيراني الإسلامي، بالإضافة إلى النهج السياسي، والاقتصادي، والثقافي لهذا الجناح. وركز المؤلف مبحثه السابع على التيار الليبرالي ورموزه ونهجه السياسي والاقتصادي والثقافي، متناولا فيه حركة الحرية الإيرانية، وحزب الأمة الإيرانية، وجماعة إيران الغد، وحركة المسلمين المناضلين.
وجاء المبحث الثامن بعنوان «قراءات التيارات لإشكاليات النظام المختلفة»، ولاية الفقيه، والقراءات المختلفة للدين، ودور الشعب والمشاركة الشعبية، والرقابة التصحيحية، وقوى داخل النظام، وقوى خارج النظام، والسياسة الخارجية، والوضعان الاقتصادي والثقافي.
أما المبحث الأخير فركز على الممارسة السياسية (انتخابات رئاسة الجمهورية، انتخابات مجلس الشورى الإسلامي، قضية عمدة إيران، قضية الاغتيالات والاعتقالات السياسية، قضية مصادرة الصحف والمطبوعات).
يقول المؤلف النعيمي في تقديمه: «تأتي دراسة المرتكزات الفكرية والسياسية والاقتصادية وغيرها للقوى والتنظيمات السياسية بوصفها إحدى السبل لمعرفة توجهات الدول وتفاعلاتها الداخلية. يصدق هذا القول على الحالة الإيرانية التي تحظى بهذه الممارسة منذ فترة ليست بالبسيطة. وعلى الرغم من ذلك ظلت هذه الحالة - أي الممارسة السياسية - وفق المنظومة الحزبية بين صعود وهبوط خلال الفترات المتعاقبة على إيران بدءا من الدولة القاجارية وتجربة الحياة الدستورية، مرورا بالدولة البهلوية التي ضيقت الخناق على القوى والأحزاب السياسية حتى انتهى المطاف برغبة الشاه محمد رضا بهلوي في ضم جميع الأحزاب تحت مظلة حزب أوحد وهو حزب (رستا خيز)، وانتهاء بنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية».
ومن هنا، كما جاء على الغلاف الأخير، فإن دراسة المنطلقات الفكرية للتنظيمات والقوى السياسية في إيران تسهم كثيرا في تقريب الصورة للمتابع للشأن الإيراني لمعرفة التموجات الداخلية في الساحة الإيرانية، وقراءة تلك القوى لمحيطها الإقليمي والدولي.
ورغم التشعبات الكثيرة للحركات السياسية، وانقساماتها حتى التيار الواحد، لاعتبارات مرحلية أو تباينات فكرية، درسها الكتاب، فإن الباحث النعيمي يقسمها صائبا إلى ثلاثة تيارات رئيسية، كما تجلت بشكل خاص في الثورة الإيرانية عام 1979، وهي:
التيار الليبرالي، الذي تمثله القوى الوطنية وعلى رأسها حركة الحرية بزعامة مهدي بازركان، الذي ألف الحكومة عشية الثورة، بالإضافة إلى شخصيات مثل أبي الحسن بني صدر، الذي أصبح أول رئيس للجمهورية الإسلامية. أما التيار الثاني فهو التيار الديني، الذي تجسد في حزب الجمهورية الإسلامية والمؤسسات الثورية الأخرى. والتيار الثالث هو التيار اليساري، الذي تبنى أفكاره كل من الحزب الشيوعي الإيراني (توده)، و«فدائيي خلق»، ثم «منظمة فدائيي خلق».
ويشخص الكتاب نقطة مهمة، أثرت لاحقا على مسار الثورة الإيرانية برمتها، وهي حصول اتفاق ضمني وما يشبه التحالف التكتيكي، كما يقول الباحث، بين كل من التيار الديني والتيار الليبرالي، وذلك لمواجهة التيار اليساري، الذي اضطر بدوره للجوء للعمل السري تحت ضغط قوى حزب الله واللجان الثورية.



جيناتنا العظيمة

عبد الله القصيمي
عبد الله القصيمي
TT

جيناتنا العظيمة

عبد الله القصيمي
عبد الله القصيمي

ثمة فرق بين النقد الثقافي الساعي لإصلاح حال أمة ما وتسليط الأضواء على الأخطاء التي تعيق التطور من جهة، وجلد الذات الذي يصبح إدماناً، من جهة أخرى. هذا ما خطر ببالي وأنا أعيد قراءة كتاب الفيلسوف السعودي عبد الله العلي القصيمي «العرب ظاهرة صوتية». من وجهة نظره، العرب مُصوّتون فقط في حين لا يكتفي الآخرون بإصدار الأصوات، بل يتكلمون ويفكرون ويخططون وهم أيضاً خلاقون قاموا بإبداع الحضارات والقوة والفكر وتجاوزوا الطبيعة وفهموها وقاموا بتفسيرها قراءة فهم وتغيير وبحث عن التخطي والتفوق.

مثل هذا النقد مدمر لأنه يبشر بسقوط يستحيل النهوض منه لأن المشكلة في الجينات، والجينات لا يمكن إصلاحها. «العرب ظاهرة صوتية»، شعار رفعه العديد من الكتاب وأصبحت «كليشة» مكرورة ومملة، ولا يمكن أن يكون هذا التوجه نافعاً لأنه لا يضع خطة عمل، بل يرمي العربي في حفرة من الإحباط. مع أن هناك الكثير مما نراه من إنجازات دولنا في الجوانب النهضوية وأفرادنا على الصعيد العلمي ما يدعو إلى التفاؤل، لا الإحباط.

ما الذي خرج به جلد الذات الذي يمارسه المثقفون العرب على أنفسهم وثقافتهم بعد كل هذه العقود المتتابعة؟ بطبيعة الحال، ليس هذا موقف الجميع، إلا أن الأصوات المتطرفة توصلت إلى أن العرب لديهم مشكلة جينية، تمنعهم من مواكبة قطار الحداثة وإصلاح مشكلاتهم والانتقال إلى نظام الحياة المدنية المتحضرة. لا خلاف على تطوير أنظمة الحياة وتطبيق فلسفة المنفعة العامة للمجتمع وإعلاء قيمة حقوق الإنسان والحرية، وإنما الخلاف هو في هذا الوهم الذي يُخيل لبعض المثقفين أن المشكلة ضربة لازب وأنه لا حل، وهذا ما يجعل خطابهم جزءاً من المشكلة لا الحل، لأن هذا الخطاب أسس لخطاب مضاد، لأغراض دفاعية، يتجاهل وجود المشكلة وينكرها.

لا فائدة على الإطلاق في أن ننقسم إلى فريقين، فريق التمجيد والتقديس للثقافة العربية وفريق مشكلة الجينات. وأصحاب الرؤية التقديسية هم أيضاً يشكلون جزءاً كبيراً من المشكلة، لأنهم لا يرغبون في تحريك شيء، وذلك لأنهم يؤمنون بأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، وإن دخلت معهم في نقاش فتحوا لك صفحة الماضي المجيد والانتصارات العسكرية وغزو العالم في العصر الوسيط يوم كان العرب حقاً متفوقين، وكان المثقف الأوروبي يتباهى على أقرانه بأنه يتحدث العربية ويفهم فلسفة ابن رشد.

يخطئ الإسلاميون، وهم من يرفع شعار التقديس، عندما يتخيلون أن تجربتهم هي التمثيل الأوحد للديانة الإسلامية، فالنص حمَّال أوجه وفي باطنه آلاف التفاسير، والناجح حقاً هو من يستطيع أن يتخلى عن قراءاته القديمة التي ثبت فشلها ولم تحل مشكلات الشعوب التي تتوق إلى الحياة الكريمة. يخطئ من يتصور أن بإمكانه أن يسحق الأقليات ويحكم بالحديد والنار، وها هي تجربة صدام حسين وبشار الأسد ماثلة أمام عيوننا.

لقد بدأت مشكلتنا منذ زمن قديم، فالأمة العربية الإسلامية أدارت ظهرها للعلم في لحظته المفصلية في قرون الثورة العلمية والاكتشافات، ولهذا تراجعت عن المكانة العظيمة التي كانت للحضارة العربية الإسلامية يوم كانت أقوى إمبراطورية على وجه الأرض. دخلت حقاً في عصور الانحطاط عندما رفضت مبدأ السببية الذي قام عليه كل العلم بقضه وقضيضه، وولجت في عوالم من الدروشة والتخلف، ليس فقط على صعيد العلوم المادية، بل على الصعيد الأخلاقي أيضاً، وأصبحت صورة العربي في الذاكرة الجمعية تشير إلى شخص لا يمكن أن يؤتمن ولا أن يصدّق فيما يقول. هذا ما يجعله ضيفاً ثقيلاً من وجهة نظر بعض المجتمعات الغربية التي لجأ إليها العرب للعيش فيها.

لقد عاش العربي في دول تقوم على فرق ومذاهب متباغضة متكارهة قامت على تهميش الأقليات التي تحولت بدورها إلى قنابل موقوتة. هذا المشهد تكرر في كل الأمم وليس خاصاً بالعرب، فنحن نعلم أن أوروبا عاشت حروباً دينية دموية اختلط فيها الديني بالسياسي وأزهقت بسببها مئات الآلاف من الأرواح، لكنهم بطريقة ما استطاعوا أن يداووا هذا الجرح، بسبب الجهود العظيمة لفلاسفة التنوير ودعاة التسامح والتمدن والتعامل الإنساني الحضاري، ولم يعد في أوروبا حروب دينية كالتي لا زالت تقع بين العرب المسلمين والأقليات التي تعيش في أكنافهم. العرب بحاجة إلى مثل هذا التجاوز الذي لا يمكن أن يحصل إلا في ضفاف تكاثر الدول المدنية في عالمنا، وأعني بالمدنية الدولة التي تعرف قيمة حقوق الإنسان، لا الدول التي ترفع شعار العلمانية ثم تعود وتضرب شعوبها بالأسلحة الكيماوية.

الدولة المدنية، دولة الحقوق والواجبات هي الحل، ومشكلة العرب ثقافية فكرية وليست جينية على الإطلاق. ثقافتنا التي تراكمت عبر العقود هي جهد بشري أسس لأنظمة أخلاقية وأنماط للحياة، وهذه الأنظمة والأنماط بحاجة إلى مراجعة مستمرة يديرها مشرط التصحيح والتقويم والنقد الصادق، لا لنصبح نسخة أخرى من الثقافة الغربية، وإنما لنحقق سعادة المواطن العربي وحفظ كرامته.