التباسات مالية وقانونية تلاحق السعر «الرسمي» الجديد لليرة اللبنانية

في أحد محال الصرافة في بيروت بعد قرار وزارة المال اللبنانية خفض سعر صرف الليرة ليصبح 15 ألف ليرة للدولار (رويترز)
في أحد محال الصرافة في بيروت بعد قرار وزارة المال اللبنانية خفض سعر صرف الليرة ليصبح 15 ألف ليرة للدولار (رويترز)
TT

التباسات مالية وقانونية تلاحق السعر «الرسمي» الجديد لليرة اللبنانية

في أحد محال الصرافة في بيروت بعد قرار وزارة المال اللبنانية خفض سعر صرف الليرة ليصبح 15 ألف ليرة للدولار (رويترز)
في أحد محال الصرافة في بيروت بعد قرار وزارة المال اللبنانية خفض سعر صرف الليرة ليصبح 15 ألف ليرة للدولار (رويترز)

استعصى على الكثير من اللبنانيين، بمن فيهم قيادات مالية ومصرفية، التفسير الدقيق لسريان السعر الرسمي الجديد لليرة إزاء الدولار الأميركي بدءاً من أول نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل وحدود شموله بنود الموازنة العامة ومندرجات المنظومة الاستهلاكية والمصرفية. وذلك بعدما خفّضته وزارة المال في قرار مفاجئ مساء الأربعاء بنحو 10 أضعاف ليبلغ 15 ألف ليرة بدلاً من 1500 ليرة لكل دولار. ثم عاودت بعد ساعتين فقط إلى ربط التصحيح بإقرار خطة التعافي الحكومية.
وبدت المقاربات متباينة إلى حدود التناقض في تحديد سريان مفعول السعر الرسمي الجديد لليرة، كما سارت التقديرات الخاصة بالنتائج والانعكاسات في الاتجاه الملتبس عينه. في حين لاذ البنك المركزي، حتى الساعة، بصمت لافت حيال الالتباسات التي رافقت القرار وتصويبه اللاحق، رغم مرجعيته القانونية وشراكته المنوه عنها في النص الأول لبيان وزارة المال، بينما أكدت مصادر معنية، أن حاكمية مصرف لبنان وافقت مسبقاً على القرار وشاركت في إعداد صياغته.
ما هو مؤكد، بحسب مصادر مصرفية متابعة، أن تحولات نوعية وفورية ستطرأ على الهيكل النقدي والقائم حالياً فوق تشوهات صريحة ينتجها تعدد أسعار الصرف، في حين أن السعر الواقعي الوحيد تقرره الأسواق الموازية وغير النظامية عبر تطبيقات تغزو هواتف معظم اللبنانيين. ولذا؛ تفرض الفوارق الكبيرة في الأسعار المتنوعة للعملة الوطنية إعادة هيكلة السعر الرسمي المعتمد مع ضرورة مراعاة العجوزات المحققة التي ضربت المداخيل جراء تدهور الليرة بنسبة قاربت 95 في المائة والارتفاعات الحادة والمطردة للتضخم التي تعدت نسبها التراكمية 1200 في المائة.
ويعتبر مسؤول مصرفي كبير في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أنه لا مفر من اعتماد خيار تعويم الليرة تدريجاً، وبحيث تقترب تباعاً من السعر المعتمد على منصة «صيرفة» التي يديرها البنك المركزي. وبذلك، فإن تحديد موعد سريان قرار خفض السعر الرسمي إلى 15 ألف ليرة لكل دولار بعد مهلة شهر، يمكن فهم استهدافه بتمكين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من التعامل بكفاءة مع مقتضياته واستثناءاته التي ستشمل خصوصاً القروض السكنية السابقة المحررة بالدولار والمقدرة حالياً بنحو 400 مليون دولار، بحيث لا تطالها الفروقات السعرية الجديدة، ووفقاً لما هو مرتقب من تعاميم تنظيمية ستصدر عن مصرف لبنان.
وتؤكد المصادر المالية والمصرفية، أن ربط القرار بشرط إقرار خطة التعافي لن يحول دون سريان مفاعيله الواقعية. إنما ينبغي التريث في تقدير الانعكاسات على جداول الضرائب والرسوم وفقاً للقرارات التنظيمية التي ستصدرها وزارة المال. في حين سيختص البنك المركزي عبر تعاميم تطبيقية بتحديد مُهل متدرجة أيضاً لإعادة هيكلة ميزانيات البنوك، والأهم بالنسبة لأصحاب الحقوق تحديد البدلات الجديدة للسحوبات من مدخرات البنوك، والتي تعتمد حالياً سعر 8 آلاف ليرة لكل دولار أو 12 ألف ليرة لحصص المستفيدين «اختيارياً» من التعميم رقم 158 الذي يمكنهم من سحب 800 دولار شهرياً موزعة مناصفة بين 400 دولار نقدي و400 يتم تصريفها بالليرة.
لكن، ما تسبب في التباس كبير، بحسب المسؤول، هو مضمون التصويب اللاحق الصادر عن وزارة المال، والذي نوّه بأن «ما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية بشأن تغيير سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي سوف يتم على خطوتين، الأولى على صعيد الدولار الجمركي والأخرى على صعيد سعر الصرف الرسمي المراد اعتماده بالتنسيق مع المصرف المركزي والذي يعدّ خطوة أساسية باتجاه توحيد سعر الصرف. وهذا مشروط بإقرار خطة التعافي التي يعمل عليها والتي من شأنها أن تواكب تلك الخطوة».
وفي التتبع، يتبين أن وزارة المال وقعت في حفرة صنعتها بنفسها، وفقاً للمسؤول المصرفي. فهي حددت في بيانها الأول، بدء تطبيق سعر الصرف الجديد اعتباراً من مطلع نوفمبر. بل هي صنّفته «كخطوة أولى باتجاه توحيد سعر الصرف تدريجياً». وحيث «تمّ الاتفاق عليها بين وزارة المالية والمصرف المركزي لاعتماد سعر 15 ألف ليرة مقابل كل دولار أميركي، عملاً بأحكام المادتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف، كما سائر النصوص التنظيمية والتطبيقية الصادرة عن مصرف لبنان، على أن تعمل السلطات المالية والنقدية على احتواء أي تداعيات على الأوضاع الاجتماعية للمواطن اللبناني (على سبيل المثال القروض السكنية)، وكذلك على مساعدة القطاع الخاص على الانتقال المنظّم إلى سعر الصرف الجديد المعتمد».
وتتمدد الالتباسات إلى الخلفية القانونية الخاصة بقرار وزارة المال التشاركي مع حاكمية البنك المركزي، ولا سيما أن مجلس شورى الدولة كان أصدر قراراً ربط فيه تعديل سعر الصرف بقانون صادر عن مجلس النواب. بينما جاءت لافتة في مضمونها تغريدة لرئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، ورد فيها، أن «إعلان وزير المال عن توحيد سعر الصرف في الموازنة غير صحيح. فالموازنة لم تعتمد سعر صرف 15 ألفاً. بل الحكومة اعتمدت الدولار الجمركي على 15 ألفاً بعد ضياع استمر 6 أشهر. للأسف، تتابع الحكومة تخبطها المخجل وتلقي بعجزها على جيوب الناس، وهو ما حذرنا منه وواجهناه منذ اللحظة الأولى وسنكمل».
وبالفعل، فإن ما ورد في فذلكة الموازنة التي أقرها مجلس النواب قبل أيام تضمن توجهات تخص سعر الصرف من دون تحديد للسعر وللمهل الزمنية. فالمطالعة بيّنت «أن توحيد سعر الصرف بات حاجة ملحة، وهو أحد المداخل الأساسية لأي خطة تعافي اقتصادي مع ما يستتبعه من استعادة للثقة في النظام المالي والمصرفي لتأمين الاستقرار الاجتماعي والحد من تفاقم التضخم وانعكاساته».
وفي التوضيحات اللاحقة، فإن «المحافظة على إيرادات الخزينة من التهرب والتحايل من جراء تعدد أسعار الصرف (حق) لا بد من السعي وراءه كالسير في اعتماد سعر واقعي للدولار؛ كون الإيرادات المحققة من فرق سعر الصرف لا تصل بمعظمها إلى المستهلك. كذلك احتواء أثر تقلب سعر الصرف على النفقات المقدرة والواردات المرتقبة، وخاصة فيما يسببه من تفاقم في عجز الميزانية، والذي يخفف حكماً من الضغوطات التمويلية الإضافية ويقلل من المخاطر المالية. وذلك من خلال اعتماد سعر صرف منطقي في تقدير واردات الخزينة والتي هي المصدر الوحيد حالياً للتمويل في غياب المصادر الأخرى».
كذلك، فإن ما يرد في مشروع خطة التعافي الحكومية بشأن سعر الصرف يتسم بالوصف ولا يقل غموضاً عن الالتباسات التي رافقت بياني وزارة المال. فمع إقراراها بأن نظام الصرف الحالي لم يعد مستداماً، تشير إلى إجراء غير واضح لتوحيد سعر الصرف للمعاملات المصرح بها بعد تحويل منصة «صيرفة» إلى منصة تداول ملائمة تجري من خلالها جميع المعاملات المصرح بها ويحدد سعر الصرف فيها على أساس يومي. وبالحاجة إلى إنشاء هيكل نقدي جديد لاستعادة الثقة وكبح جماح التضخم وانخفاض سعر الصرف، ووضع آلية شفافة وتعتمد على السوق في تحديد أسعار الفائدة والصرف.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

مليون نازح إضافي في سوريا منذ بدء هجوم الفصائل

توافد النازحين السوريين إلى معبر المصنع لدخول لبنان (أ.ف.ب)
توافد النازحين السوريين إلى معبر المصنع لدخول لبنان (أ.ف.ب)
TT

مليون نازح إضافي في سوريا منذ بدء هجوم الفصائل

توافد النازحين السوريين إلى معبر المصنع لدخول لبنان (أ.ف.ب)
توافد النازحين السوريين إلى معبر المصنع لدخول لبنان (أ.ف.ب)

أفادت الأمم المتحدة، الخميس، أن أكثر من مليون شخص، معظمهم نساء وأطفال، نزحوا في الآونة الأخيرة في سوريا، منذ بدء هجوم الفصائل المسلحة، الذي أدّى إلى إسقاط الرئيس بشار الأسد.

مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوتشا)، في بيان: «حتى 12 ديسمبر (كانون الأول)، نزح 1.1 مليون شخص إضافي في مختلف أنحاء البلاد منذ بدء تصعيد الأعمال القتالية في 27 نوفمبر (تشرين الثاني). معظم هؤلاء نساء وأطفال».