شاشة الناقد

أنا دي أرماس في دور «الشقراء» مارلين مونرو
أنا دي أرماس في دور «الشقراء» مارلين مونرو
TT

شاشة الناقد

أنا دي أرماس في دور «الشقراء» مارلين مونرو
أنا دي أرماس في دور «الشقراء» مارلين مونرو

مأساة الشقراء والرجل البدين
Blonde ****

مارلين مونرو، ولأسباب متعددة، كانت الممثلة الأشهر في تاريخ السينما (أو بين الأعلى شهرة على الأقل)، لا ينافس اسمها الذائع إلا جمالها وأداؤها الأنثوي الساطع. لكنها كانت امرأة بوجهين متلازمين: هي الممثلة التي تطفح جمالاً وإغراء في الظاهر، والمرأة التعسة والحزينة في الداخل. من أسباب تعاستها الدفينة الفترة التي عاشتها تحت سُلطة والدتها العنيفة وما تعرضت إليه من قسوة حين كانت صغيرة. الفيلم يمنحنا قبساً من نشأتها قبل أن ينتقل إلى فترة أخرى في مطلع الخمسينات وهي تبدأ بشق طريقها فوق أشواك من الاستنزاف العاطفي والمصالح الفردية.
تؤدي (الكوبية الأصل) أنا دي أرماس دور مونرو كما لو كانت هي. لقد درست حركاتها وتصرّفاتها الصغيرة قبل الكبيرة وطريقة كلامها. ومنحها المخرج ميزة أن الفيلم حولها وهي المحور فيه والشخصية التي كانت، في الوقت ذاته، محور اهتمام العالم. لا يمكن أن يخطئ مخرج ماهر مثل أندرو دومينيك في عملية توجيه الدفّة لإدارة ممثلته على النحو الذي يعكس الشخصية واقعياً.
هناك تجاوزات وبعض الخيال المسكوب فوق أرض الواقع، لكن ما يسرده الفيلم مستخلص من حياة امرأة عاملتها الحياة بحنان وقسوة في وقت واحد. أصبحت نجمة كبيرة ومبهرة وعلى ألسنة عشرات الملايين، وأودت بها إلى أحضان رجال (بينهم الرئيس جون ف. كندي والمنتج ريتشارد ف. زانوك) عاملوها كما لو كانت دمية للجنس. في هذا الصدد لا يشيح الفيلم بوجهه بعيداً عن الأوضاع التي تم فيها استغلال مونرو بلا أدنى حرج أو عاطفة.
من ماضيها سحبت مارلين (التي وُلدت باسم نورما جين باركر) حاجتها إلى أب لم تلتقِ به في حياتها. والكثير من علاقاتها الغرامية كانت بلورة لرغبتها في رجل يكبرها سناً يمكن لها أن تعتبره بمثابة الأب. هي أيضاً امرأة لم ترزق بطفل. تم إجهاضها مرّة عنوة وفي المرّة الثانية، بعد سنوات عديدة، خسرت جنينها قبل الوضع. هذا كله زادها حزناً وتعاسة وقتامة. لا عجب أنها أدمنت الحبوب المخدرة وماتت - ولو نظرياً - بسببها. ليس أن مارلين كانت بريئة من قيادة حياة ماجنة. حين نراها تستجيب بلا دواعٍ طبيعية لشابين أحدهما ابن الممثل تشارلي تشابلن والآخر ابن الممثل إدوارد ج. روبنسن، يدرك المرء أي بيئة هوليوودية (وغير الهوليوودية) كانت تعيش فيها.
«بلوند» هو فيلم جيد وكاشف يحمل ملفّاً من المواقف المعادية لهوليوود. أحياناً يبدو تقليدياً في سرد حكايته وأحياناً ما يستغل المخرج الفرصة لمنح المَشاهد قوّة مضاعفة من القتامة والحزن الدفين. في بعضه يشبه مجلات الفضائح، لكن في كليّته يستخدم هذا الأسلوب للإدانة وتوجيه تحية لممثلة عرفت بجمالها ولم تعرف بأي من حسناتها.

The Whale
الحوت***

عن مسرحية كتبها سامويل د. هنتر وتم تقديمها في نيويورك سنة 2012، استوحى المخرج دارن أرونوفسكي فيلمه الجديد «الحوت» وعالجه بأسلوب يحفظ للمسرحية حضورها لكنه يتعامل مع توزيع لقطات الفيلم وتحريك الشخصية الرئيسية في مكانها المحدود على نحو جيد. برندان فرايزر، الممثل المنسي منذ فترة، بدأ يزداد وزناً منذ سنوات وأضاف إليه ما رفع وزنه إلى 270 كيلوغراماً خصيصاً للفيلم، متجاوزا قيام روبرت دنيرو بزيادة وزنه لبطولة Raging Bull (مارتن سكورسيزي، 1980) بنحو 100 كيلوغرام.
الفيلم عن حالة إنسانية صعبة ومؤسفة وتشارلي (فرايزر) الذي لا يستطيع التغلب عليها رغم رغبته في ذلك. وأهم ما في العمل جدّيته في تناول هذه الدراما وأداء فرايزر الذي يحكم الطوق حول حالته ويعايشها بضعفه وآلامه معاً. لتحقيق جو يكتم على النفس ويمنح المُشاهد شيئاً من المشاركة في واقعية المأساة، اختار المخرج حجم لقطات ذات شكل صندوقي (ما يعرف بـ1‪33 Ratio). على ذلك، لا يتحتم على المُشاهد أن يشعر بأنه محبوس داخل هذا الصندوق، وذلك لأن المخرج تعامل مع التصوير (ماثيو ليباتيك) والتوليف (أندرو وايزبلوم) على نحو تعامله مع محيط واسع. اللقطات متنوعة الزوايا والانتقال من وإلى المشاهد سلس وينم عن خبرة.
هناك شخصيات أخرى تدخل منزل تشارلي بينها ممرضة تشفق عليه وراهب كاثوليكي يريده أن يتوجه إلى الله قبل أن يموت بسكتة قلبية متوقعة. هناك أيضاً ابنته التي كانت صغيرة عندما تم طلاقه من زوجته (أمّها) والآن يضيف شعوره بالذنب لإهماله لها فوق كل مشاعره المتهالكة الأخرى. أرونوفسكي يمنح الممثلين جميعاً تفاصيل جيدة. يتحرّكون ويؤدون أدوارهم جيداً. طبعاً، فرايزر يبقى الأساس (ومحتمل جداً دخوله أوسكار 2023 وفوزه). يجسد الحالة التي تدعو للأسف لكنه لا يضعها كمادة استهلاكية للتندر عليها.


مقالات ذات صلة

«منتدى الأفلام السعودي» يجمع خبراء العالم تحت سقف واحد

يوميات الشرق ‎⁨تضم النسخة الثانية معرضاً يجمع «سلسلة القيمة» في أكثر من 16 مجالاً مختلفاً ومؤتمراً مختصاً يتضمن 30 جلسة حوارية⁩

«منتدى الأفلام السعودي» يجمع خبراء العالم تحت سقف واحد

بعد النجاح الكبير الذي شهده «منتدى الأفلام السعودي» في نسخته الأولى العام الماضي 2023، تستعد العاصمة السعودية الرياض لانطلاقة النسخة الثانية من «المنتدى».

«الشرق الأوسط» (الدمام)
يوميات الشرق ياسمين رئيس مع أسماء جلال في مشهد من الفيلم (حسابها على «فيسبوك»)

فنانون مصريون يتجهون للإنتاج السينمائي والدرامي

انضمت الفنانة المصرية ياسمين رئيس لقائمة الممثلين الذين قرروا خوض تجربة الإنتاج السينمائي من خلال فيلمها الجديد «الفستان الأبيض».

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما يبدأ الجزء الثاني من سجن آرثر فليك.. الصورة من صالة سينما سعودية حيث يُعرض الفيلم حالياً (الشرق الأوسط)

فيلم «الجوكر2»... مزيد من الجنون يحبس أنفاس الجمهور

يخرج آرثر فليك (واكين فينيكس) من زنزانته، عاري الظهر، بعظام مقوّسه، يسحبه السجانون بشراسة وتهكّم...

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق يشجّع المهرجان الأطفال والشباب في مجال صناعة السينما (الشرق الأوسط)

الشيخة جواهر القاسمي لـ«الشرق الأوسط»: الأفلام الخليجية تنمو والطموح يكبُر

الأثر الأهم هو تشجيع الأطفال والشباب في مجال صناعة السينما، ليس فقط عن طريق الإخراج، وإنما أيضاً التصوير والسيناريو والتمثيل. 

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق صورة تذكارية لفريق عمل مهرجان «الجونة» (إدارة المهرجان)

فنانون ونقاد لا يرون تعارضاً بين الأنشطة الفنية ومتابعة الاضطرابات الإقليمية

في حين طالب بعضهم بإلغاء المهرجانات الفنية لإظهار الشعور القومي والإنساني، فإن فنانين ونقاد رأوا أهمية استمرار هذه الأنشطة وعدم توقفها كدليل على استمرار الحياة.

انتصار دردير (القاهرة )

المخرج تاكيشي كيتانو لـ«الشرق الأوسط»: عليّ أن أكون قادراً على التعبير عن نفسي بالطريقة وبالأسلوب الذي أراه

تاكيشي كيتانو (ذ هوليوود ريبورتر).
تاكيشي كيتانو (ذ هوليوود ريبورتر).
TT

المخرج تاكيشي كيتانو لـ«الشرق الأوسط»: عليّ أن أكون قادراً على التعبير عن نفسي بالطريقة وبالأسلوب الذي أراه

تاكيشي كيتانو (ذ هوليوود ريبورتر).
تاكيشي كيتانو (ذ هوليوود ريبورتر).

ذات مرّة لبّى المخرج الأميركي سام بكنباه نداءات النقاد وقام بتحقيق فيلم يخلو من العنف (باستثناء مشهد واحد لا يندرج تحت الوصف تماماً). الفيلم كان «حكاية كابل هوغ الشعرية» (The Ballad of Cable Hogue)... وفشل الفيلم تجارياً.

تعليق بكنباه على ذلك كان ساخراً: «يطلبون مني التخلي عن مشاهد العنف، وعندما أفعل، يفشل الفيلم».

المخرج الياباني تاكيشي كيتانو لديه المشكلة ذاتها: إذا ما أنجز فيلماً لا يقوم على العنف كعادة أعماله فإن القلّة تحتفي به. حدث هذا عندما قام في عام 1999 بتحقيق Kikujiro، دراما خفيفة حول رجل (كيتانو نفسه) ينطلق مع صبي صغير يبحث عن أمّه. الإقبال كان أقل على نحو ملحوظ من أفلام كيتانو الأخرى.

«السيّاف الأعمى زاتويشي (أشاي ناشنال كومباني).

سؤال في العنف

أذكر له ذلك في لقائي معه خلال حضوره مهرجان ڤينيسيا (أحد رواد هذا المهرجان منذ سنوات بعيدة) فيبتسم ويجيب: «ربما لم يكن فيلماً جيداً. لا أدري. لكن الدرس الذي تعلّمته في مهنتي أن المخرج عليه أن يلبي حاجته الشخصية وإذا ما اضطر إلى القيام بشيء مختلف فإن عليه أن يتوقع عدم استجابة الآخرين له. هذا يحدث كل يوم مع كتّاب روايات ورسّامين وموسيقيين وممثلين ومخرجين».

مهنته كمخرج بدأت سنة 1989 عندما حقق «شرطي عنيف» (Violent Cop). أحداثه، مثل عنوانه. كيتانو يلعب فيه دور الشرطي الذي لا يؤمن بأن يمضي الجناة من دون عقاب ويكتشف أن زميلاً له يتاجر بالمخدرات. سوف لن يرحمه ولن يرحم شركاءه. يعلّق على هذا الفيلم الأول بقوله: «أردت أن أمنح المشاهدين عملاً يقتص من المجرمين الخارجين عن القانون والذين يعتقدون أنهم فوقه. لا يهمني أن أكتب وأخرج فيلماً يتناول مثل هذه القصص درامياً أو كنوع إرشادي. أنا مثل بطل الفيلم أريد للقانون أن يحكم ويكون قوياً في الحكم».

كيتانو في «غضب محطّم» (مهرجان ڤنيسيا).

‫* هذا المنوال يتكرر في كل أفلامك اللاحقة تقريباً. هل هو الحل أو أنك تصنع هذه الأفلام تلبية لرغبة الجمهور؟‬

- في البداية لا يعرف المخرج ما يريده الجمهور بالتحديد، لكن ذلك يتغيّر سريعاً. حين تسأل إذا ما كان العنف هو الحل، فإن الجواب البديهي أنه ليس كذلك لكني أتمنى لو كان هناك من يرى غير ذلك. لا أمارس العنف في حياتي على الإطلاق لكن أفلامي تعبّر عن نظرتي ومعرفتي. أيضاً أنا لا أصنع أفلامي لكي تطرح حلاً، بل لتقديم وضع يتضمن بالطبع رغبة الفيلم بالوصول إلى جمهور يقدّر ما أقوله.

عبر أفلامه، يعمد كيتانو لتداول صورة عن يابان لم تعد موجودة. صورة مستمدة من زمن الفروسية في قرون ماضية. يابان الساموراي والياكوزا والإمبراطورية التي تتنازع فيما بينها. حين أسأله إذا ما كان هذا صحيح، يقول:

«ليس كله صحيحاً. العصابات موجودة في أفلامي وموجودة في تاريخ اليابان وحاضره. لا أدّعى أنني أنقل صورة واقعية، لكن أوافق على أني أقدم أفلاماً تعبّر عن فروسية وبطولة مضت، وعليّ أن أكون قادراً على التعبير عن نفسي بالطريقة وبالأسلوب الذي أراه».

ياكوزا من جديد

فيلمه الجديد «غضب محطّم» (Broken Rage) هو ثالث ثلاثية عن عصابات الياكوزا التي يعود تاريخها حسب بعض المراجع إلى القرن السابع عشر. فيلم كيتانو لا يتحدث عن عصابات الأمس، بل تقع أحداثه في الزمن الحاضر. الموضوع، بحد ذاته، يتيح لكيتانو الاشتغال على النوعية التي يحبّها أكثر من سواها وهي مزيج من الحركة (الأكشن) والجريمة والمشاهد العنيفة.

كان مقدّم «توك شو» كوميدي على الشاشة الصغيرة قبل أن يؤدي دور القائد الياباني القاسي سنة 1983 في فيلم ناغيزا أوشيما «ميلاد سعيد، مستر لورنس» (Merry Christmas Mr. Lawrence).

* ذكرت في أحاديث مختلفة لك أن هذا الفيلم جعلك تفكّر بالتحوّل إلى الإخراج. كيف ذلك؟

- قبل ذلك لم أكن فكّرت في السينما كمخرج. حين راقبت أوشيما وهو يدير كل شيء ويصنع من كل مشهد الصورة التي يريد وينتج عن ذلك الفيلم الذي يتحدّث فيه عن كل ما في باله وغايته، أدركت أن هذا ما أود القيام به. كنت أجلس وأراقبه من دون تطفّل.

‫*‬ لكن أسلوبك غير أسلوبه.

- هذا طبيعي ولو لم يكن أوشيما بل مخرج آخر لكان هذا أيضاً أمر طبيعي. عندما أدركت ما أريد القيام به فعلاً وأن إخراج الأفلام هو الخطوة الصحيحة لي وجدت أن عليّ أن أنجز ما ينتمي إليّ فقط.

أفلام كيتانو لا تعرف المهادنة. أسلوبه يتبع نهجاً فنياً واضحاً. المهم لديه هو أن تكون الصورة نقية. الكاميرا تعيش الحدث والفكرة سهلة الوصول.

هذا مؤكد في أفلامه البوليسية مثل «سوناتين» (Sonatine) و«ما بعد الغضب» (Beyound Outrage) و«أخ» (Brother) من بين أخرى. حتى عندما يختار الانتقال إلى حكاية ليست معاصرة فإنه يبقى في أفضل حالاته. مثال ذلك «السيّاف الأعمى زاتويشي» (The Blind Swordsman‪:‬ Zatoichi) الفيلم الذي حققه سنة 2003 والذي يأتي بعد سلسلة من تلك الأسطورة حول محارب أعمى ينتصر للحق. كالعادة لعب كيتانو بطولة هذا الفيلم أيضاً.

في «غضب محطّم» يؤدي دور قاتل محترف نراه ينفّذ عمليّتين بنجاح كبير. بعد ذلك هو في قبضة رجلي بوليس يريدان منه تنفيذ عملية خطرة وصعبة لحسابهما مقابل إطلاق سراحه ومنحه هوية جديدة. المهمّة هي الانضمام إلى المافيا اليابانية (الياكوزا) كجاسوس. الفيلم ممتع بصرياً كمعظم أفلامه بالإضافة إلى ذلك هناك اشتغال على أسلوب السرد وتقسيم الحبكة لمنهجين من تفعيل الحكاية:

«لا أدري إذا كنت لاحظت أنه وراء قناع الدراما ومشاهد العنف هناك دائماً خيط ساخر. ما يقع في الفيلم لا يقع في الحياة. السينما ليست لنقل الحياة كما هي وإلا لما كانت هناك حاجة لها».