في مقر الجمعية الملكية الجغرافية بلندن، أقيم حفل، أول من أمس، لإطلاق رحلة «قلب العرب» الاستكشافية التي ستقوم بتتبع خطى المستكشف الإنجليزي هاري سانت جون (عبد الله) فيلبي. حضر الحفل الأمير خالد بن بندر بن سلطان بن عبد العزيز، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى المملكة المتحدة، والأميرة آن راعية الرحلة وعدد من الشخصيات الرفيعة، إضافة إلى فريق المستكشفين.
الرحلة الاستكشافية ستقطع 1.300 كم من العقير على الساحل الشرقي من المملكة العربية السعودية، إلى جدة في الغرب، وستقوم بتتبع خطى أولى رحلات فيلبي في الجزيرة العربية، التي أسفرت عن منحه وسام المؤسسين من الجمعية الجغرافية الملكية.
https://twitter.com/heartofarabia_/status/1574659878127566849?s=20&t=UIWb30qQYXReQ_4mqgCocg
سيقود رحلة «قلب الجزيرة العربية» في نسختها الثانية المستكشف البريطاني مارك إيفانز، مع فريق مكون من ريم فيلبي حفيدة هاري سانت جون (عبد الله) فيلبي، والمصورة الفوتوغرافية آنا ماري بافالاتش، وخبير الخدمات اللوجستية آلان موريسي.
خلال كلمته الافتتاحية، يذكر مارك إيفانز أن فيلبي كان مختلفاً عن الرحالة الذين سبقوه في استكشاف الجزيرة العربية، وكان ذلك حدثاً عابراً في حياتهم، فهو قضى جل حياته فيها، قطعها من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها. رحلة فيلبي قبل 105 أعوام تميزت بالمعلومات الغزيرة التي دونها في مذكراته والخرائط المفصلة والملاحظات الدقيقة عن الصحراء والحياة البرية. وهو ما يؤكد عليه إيفانز «يعتبره الكثيرون من أعظم المستكشفين الأوائل لشبه الجزيرة العربية وهو لم ينطلق عبر أرض مجهولة فحسب، بل استغرق وقتاً في تسجيل كل شيء يراه بأكبر قدر من التفاصيل».
تستعير الرحلة الاسم نفسه الذي أطلقه فيلبي على رحلته في عام 1917، وستنطلق في اليوم نفسه والشهر أيضاً.
يتحدث إيفانز عن الرحلة الأم بإعجاب وتقدير لإنجاز لم يكن سهلاً في وقته: «أطلق فيلبي رحلته يوم 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1917، سائراً على الأقدام وعلى ظهر الجمال وفي ظروف قاسية وفي مناطق شهدت صراعات بين القبائل». يستطرد مسجلاً الالتزام والشغف الذي ميز فيلبي: «بعد 14 يوماً من السفر الشاق ربما سيكون آخر شيء يخطر على بالي عند وصولي لمدينة الرياض هو أن أشرع على الفور برسم خريطة للمدينة، ولكن هذا يثبت لنا أن فيلبي كانت لديه شهية نهمة للمعرفة والمعلومات. مسلحاً فقط ببوصلة ومعتمداً على خطواته وحساباته الخاصة قام فيلبي برسم الخريطة الأولى للمدينة، تلك الخريطة كانت سبباً لمنحه ميدالية الجمعية الجغرافية الملكية كما ترون من اللوحة الموضوعة في مقر الجمعية هنا، وهو أمر لا يحصل عليه إلا هؤلاء الذين قدموا مشاركات قيمة للجمعية الجغرافية».
رحلة فيلبي إذن هي المثال والدافع وأيضاً الدليل الذي سيعتمد عليه الفريق الحالي: «باستخدام كم هائل من تدويناته التي سجل بها دقائق سيره، سننطلق في اليوم نفسه (15 نوفمبر) من المكان نفسه الذي انطلق منه منذ أكثر من مائة عام. سنستخدم العربات ذات الدفع الرباعي وأيضاً الجمال». ويشير إلى أن الفريق سيحاول العثور على الأماكن نفسها التي صورها فيلبي وسيكون عليهم تسجيل ملاحظات حولها.
يستمر إيفانز شارحاً للحضور مسار الرحلة: «ستتوقف المجموعة في الرياض (مثلما فعل فيلبي) ثم بعدها ننطلق في المرحلة الثانية لنمر عبر المناطق البركانية وطرق الحجاج، لنصل في بداية العام المقبل لمدينة جدة على البحر الأحمر».
يجمل إيفانز حديثه بلمحات من حياة الصحراء التي يعرفها جيداً: «في ليالٍ تنخفض فيها درجات الحرارة لما تحت الصفر، سنجتمع حول نيران المعسكر بحثاً عن الدفء».
يقول إنه سُئل كثيراً عما يمكن أن يكون مصدر قلق بالنسبة له خلال الرحلة، معلقاً ببساطة: «أعترف بأن ما يقلقني هو حالة الجمال. الإبل مثلها مثل العديد من البشر تعيش حياة ناعمة جداً ومريحة هذه الأيام، فهي ليست مضطرة للتجول في الصحراء بحثاً عن فضلات ضئيلة وعشب أو القليل من الماء».
يقدم إيفانز فريق الرحلة؛ آن ماري التي تلتقط الحكايات في صورها، وريم فيلبي حفيدة عبد الله فيلبي، التي تحمل جينات جدها: «عندما تواصلت معها كانت تتسلق الجبال في بيرو بأميركا الجنوبية». ويضيف أن البعثة ستحمل معها علماً خاصاً وشهيراً: «سنحمل معنا العلم الشهير الذي حمله (أبولو 11) إلى القمر منذ سنوات عديدة. ليس من السهل الحصول على هذا العلم فهو علم نادي المستكشفين في نيويورك، ولإقناع القائمين على النادي باستعارته يجب أن تكون قادراً على إثبات أنك كنت تقوم برحلة استكشافية، وليست مغامرة، وأنك تفعل شيئاً ما يسهم في المعرفة والفهم».
من الجانب العلمي، ستسهم البعثة في الأبحاث التي تجريها جامعة كاوست في جدة عن توزيع الخفافيش وأنواعها عبر آلة خاصة تجمع الترددات المختلفة لها. يشرح أن القرى التي مر بها فيلبي في رحلته لم يتبقَّ منها سوى بعض البيوت الطينية المهجورة واستوطنتها الخفافيش.
في كلمتها للحضور، علقت الأميرة آن وهي راعية الجمعية الملكية الجغرافية: «ما تعلمته اليوم ليس فقط عن فيلبي نفسه ولكن أيضاً عن عمتي العظيمة الأميرة أليس (التي قامت برحلة للجزيرة العربية في 1938)، كنت أعرف أنها كانت تميل للمغامرات إلى حد ما، لأن فكرتها عن العطلة كانت أن تأخذ قارباً إلى جزر الهند الغربية، وتعود بعد شهرين. تعلمت الكثير عن اهتماماتها الأولية وفهمها للأماكن».
وأشارت الأميرة آن إلى أنها تعلمت الكثير عن جغرافيا البلدان المختلفة، عبر السفر مع والدتها الراحلة. وأضافت أن رحلة قلب الجزيرة العربية تؤكد أهمية المراقبة والحضور البدني في زمن يعتمد فيه الجميع على رؤية الأماكن على شاشة الهاتف، «يتعلق الأمر بالملاحظة الحقيقية واستيعاب الأشياء. كيف عاش الناس في البيئة التي لاحظها المستكشف؟ ما المختلف في ذلك؟ من المهم أن نفهم بالمصطلحات الحديثة ما الذي تغير وكان موجوداً من قبل». وعلقت قائلة إن العديد من المتابعين للرحلة الاستكشافية سيحسدون كل مَن يشارك فيها.
* يمكن متابعة تقدم الفريق بما في ذلك التحديثات الصوتية اليومية على موقع البعثة
https://heartofarabiaexpedition.com