المجس الفضائي «فيلة» يعاود الاتصال بالمركبة الفضائية الأم

لفك بعض الألغاز الكونية الخاصة بنشأة المجموعة الشمسية

المسبار الفضائي ينطلق نحو الشمس (رويترز)
المسبار الفضائي ينطلق نحو الشمس (رويترز)
TT

المجس الفضائي «فيلة» يعاود الاتصال بالمركبة الفضائية الأم

المسبار الفضائي ينطلق نحو الشمس (رويترز)
المسبار الفضائي ينطلق نحو الشمس (رويترز)

قال مديرو برنامج المجس الفضائي الأوروبي «فيلة» بأنه استأنف الاتصالات اللاسلكية مع المركبة الفضائية المدارية الأم على سطح مذنب الجمعة الماضي ما ينعش آمال العلماء بمواصلة المهمة الرائدة لفك بعض الألغاز الكونية الخاصة بنشأة المجموعة الشمسية. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي نجح المجس «فيلة» وهو مركبة فضائية تزن 100 كيلوغرام في الالتحام بالمسبار الفضائي «رشيد» ثم هبط أخيرا في إنجاز تاريخي على سطح المذنب 67 بي-تشوريموف - جيراسيمينكو.
وشرع المجس «فيلة» في سلسلة من التجارب المبرمجة سلفا استمرت 64 ساعة ثم توقف عن العمل وعجز عن جمع ما يكفي من أشعة الشمس لإعادة شحن بطارياته بعد أن انحرف ليهبط في منطقة ظليلة بدرجة كبيرة خلف صخرة ما تعذر معه تشغيل ألواحه للطاقة الشمسية، حسب تقرير لـ«رويترز».
لكن مع انطلاق المذنب نحو الشمس وزيادة درجة حرارته نجح المجس «فيلة» في الخروج من حالة الكمون الأسبوع الماضي ليبعث بإشارتين لاسلكيتين إلى المسبار «رشيد». كانت محاولات أخرى للاتصال بالمجس «فيلة» قد باءت بالفشل لأن المسبار «رشيد» كان منخرطا في مجموعة من التجارب والأنشطة العلمية المحددة سلفا.
وقالت وكالة الفضاء الأوروبية على موقعها الإلكتروني الخاص بالبرنامج بأن الإشارتين اللاسلكيتين يوم الأربعاء الماضي - التي استمرت كل منها دقيقتين - أكدتا مدى سلامة المجس «فيلة».
وسيقوم المسبار الفضائي «رشيد» الذي يحلق في مدار يبعد 180 كيلومترا عن سطح المذنب بخفض مستوى دورانه بواقع ثلاثة كيلومترات ليتسنى له اتخاذ موقع أفضل لاستقبال الإشارات اللاسلكية من «فيلة».
وقالت ايلزا مونتانون نائبة مدير رحلة المسبار «رشيد» بوكالة الفضاء الأوروبية خلال مؤتمر صحافي بمعرض باريس الجوي «من الأهمية بمكان أن نرى إن كان بوسعنا تأمين نمط اتصال مستقر بين المسبار والمجس».
وبمجرد استقرار عودة الاتصالات يعتزم مديرو الرحلة إعادة المجس «فيلة» للعمل ليشرع أولا في إجراء تجارب تستلزم القدر الأدنى من الطاقة مع عدم تحريك المركبة. وفي نهاية المطاف يريد العلماء إدارة المجس «فيلة» بزاوية 30 درجة حتى يتمكن مثقابه الصغير من الحفر لأخذ عينات من المذنب لتحليلها.
وتغطي المذنب مواد أصلها الكربون ربما تكون مشابهة للمركبات العضوية الموجودة على كوكب الأرض.
وقال فيليب جودون مدير مشروع «فيلة» بوكالة الفضاء الفرنسية «إنه أمر يمكننا إنجازه ربما ليس خلال الأسابيع المقبلة لكن يقينا سننجزه خلال الأشهر المقبلة». ويعتقد أن المذنبات ليست سوى متبقيات تخلفت عن الوحدات البنائية الأساسية التي نشأت عنها المجموعة الشمسية وربما تحمل في طياتها قرائن تهدي العلماء إلى كيفية وصول الماء والمواد الكيميائية التي تكونت منها الحياة إلى كوكب الأرض.
ويدور المذنب 67 بي-تشوريموف - جيراسيمينكو حول الشمس في مدار أهليلجي يمر بين مداري كوكبي الأرض والمريخ ويمتد حتى يمر بمدار كوكب المشترى.
ويقترب المذنب من أقرب نقطة من مداره حول الشمس في 13 أغسطس (آب) ما يثير أتربة قد تجعل المسبار «رشيد» يعجز عن الاستعانة بالمعدات الخاصة بتوجيهه وسيرافق المسبار «رشيد» المذنب حتى نهاية العام الجاري على الأقل قبل أن ينضم إلى المجس «فيلة»على سطح المذنب. ويأمل العلماء بأن تساعد العينات التي سيجمعها المجس «فيلة» من المذنب البالغ طوله خمسة كيلومترات وعرضه ثلاثة كيلومترات في الإفصاح عن تفاصيل كيفية نشوء الكواكب وربما الحياة نفسها. ويحتفظ المذنب المكون من جليد وصخور بجزيئات عضوية قديمة تمثل كبسولة الزمن. وتمويل مشروع «رشيد» مضمون حتى نهاية العام لكن فريق العمل طلب تمديد التمويل حتى سبتمبر (أيلول) عام 2016 حين يتجه «رشيد» إلى المذنب لالتقاط صور قبل أن يلتحم به. وبدأ هذه المشروع منذ عشر سنوات ويرى العلماء أن فرصة الهبوط ستسنح في 11 نوفمبر حين يكون المذنب على بعد 450 مليون كيلومتر من الشمس.
وسفينة الفضاء الأوروبية «روزيتا» هي الاسم الغربي لمدينة رشيد بدلتا نهر النيل بمصر التي عثر فيها على الحجر الذي فك ألغاز اللغة الهيروغليفية. أما «فيلاي» فهو مقابل اسم جزيرة فيلة بنهر النيل قرب مدينة أسوان بصعيد مصر حيث وجدت مسلة مصرية قديمة ساعدت أيضا على فك شفرة اللغة الهيروغليفية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».