كيف يقيس العلماء نتائج اصطدام «دارت» بالكويكب «ديمورفوس»؟

بعد النجاح المبدئي لأول تجربة للدفاع الكوكبي

الكويكبان ديمورفوس وديديموس كما يتم رصدهما في أرصاد المراصد الفلكية
الكويكبان ديمورفوس وديديموس كما يتم رصدهما في أرصاد المراصد الفلكية
TT

كيف يقيس العلماء نتائج اصطدام «دارت» بالكويكب «ديمورفوس»؟

الكويكبان ديمورفوس وديديموس كما يتم رصدهما في أرصاد المراصد الفلكية
الكويكبان ديمورفوس وديديموس كما يتم رصدهما في أرصاد المراصد الفلكية

بردود فعل أشبه بمشاهدي أفلام الإثارة والتشويق في قاعات السينما، وقف العلماء في مختبر جامعة «جونز هوبكنز» للفيزياء التطبيقية بأميركا، الذين يديرون أول مهمة للدفاع الكوكبي في العالم، وهم يصفقون، بعد نجاح مركبة إعادة توجيه الكويكب المزدوج (دارت) في الاصطدام بالكويكب «ديمورفوس»، حيث تمثلت علامات نجاح المهمة في التقاط كاميرات المركبة صورة كشفت تفاصيل الكويكب، قبل أن يحدث الاصطدام، الذي انقطعت معه الصور التي كانت توفرها كاميرا المركبة مع اقترابها رويداً رويداً من الكويكب.
ولكن هل أنفقت وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» 330 مليون دولار على هذا المشروع، بهدف التقاط صور واضحة للكويكب قبل اصطدام المركبة «دارت» به؟ بالقطع لا، فما حدث فجر اليوم (الثلاثاء)، وما صاحبه من احتفالات، هو مرحلة يمكن تسميتها بمرحلة «السكرة»، لتأتي بعد ذلك «الفكرة»، والمتمثلة في قياس مدى نجاح المركبة «دارت» في تحقيق هدفها الذي أُطلقت من أجله قبل عشرة شهور، وهو إحداث تغيير في مدار الكويكب «ديمورفوس».
والكويكب «ديمورفوس»، هو جسم صغير قطره 530 قدماً (160 متراً)، يدور حول كويكب أكبر يبلغ ارتفاعه 2560 قدماً (780 متراً) يسمى «ديديموس»، ولا يشكّل أيٌّ من الكويكبين أي تهديد للأرض، والهدف الذي كانت تسعى له المهمة، هو اختبار قدرة المركبة «دارت» على تغيير مدار «ديمورفوس» حول «ديديموس» عند اصطدامها بالأول.
والتوقعات التي سبقت المهمة، هي أن يؤدي الاصطدام إلى تقصير مدار «ديمورفوس» بنحو 1%، أو ما يقرب من 10 دقائق، ويعني النجاح في تحقيق ذلك، أن العالم قادر مستقبلاً على تغيير مدار كويكب عندما يكون في مسار تصادم مع الأرض، وهذا هو السبب في أن تلك التجربة أطلق عليها «أول مهمة للدفاع الكوكبي».
ويقول ماجد أبو زهرة، رئيس الجمعية الفلكية بجدة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «القياس الدقيق لمدى انحراف الكويكب، هو أحد الأغراض الأساسية للاختبار، وسيكون مفاجئاً للمتابعين إذا لم يُحدث الاصطدام أي تغيير في المدار، ولكن المتوقع أنه سيحدث تغييراً يؤدي إلى تقصير مدار ديمورفوس نحو 10 دقائق، وقد تصدق هذه التوقعات أو تقل المدة أو تزيد، وهذا ما سيسعى العلماء لمعرفته خلال الأسابيع المقبلة من خلال القياسات التي ستوفرها التلسكوبات الأرضية».
وعند ملاحظة النظام الثاني المكون من كويكبي «ديديموس - ديمورفوس» من التلسكوبات الأرضية، يظهر الثنائي كنقطة صغيرة واحدة من الضوء وسط سماء مرصعة بالنجوم، وتضيء النقطة وتخفت بشكل دوري عندما يتحرك الكويكب ديمورفوس (160 متراً) حول ديديموس الأكبر (780 متراً)، الذي يخفيه مؤقتاً، ومن تواتر هذه الانخفاضات في السطوع تمكّن علماء الفلك من تحديد الفترة المدارية لكويكب «ديمورفوس» بدقة (11 ساعة و55 دقيقة)، ومن هذه الانخفاضات في السطوع سيتمكنون من حساب مقدار التغير في مدار «ديمورفوس» بعد تأثير اصطدام المركبة «دارت».
ويضيف أبو زهرة: «من المتوقع أن يؤدي الاصطدام إلى دفع الكويكب (ديمورفوس) بالقرب من (ديديموس)، مما يؤدي إلى تسريع فترة مداره لمدة تصل إلى عدة دقائق، سيتم تحديدها على وجه الدقة لاحقاً من خلال الأرصاد التي تتم بالتلسكوبات الأرضية».
ولن تظهر النتائج الدقيقة لحجم التأثير في تغيير المدار الذي أحدثته «دارت» إلا خلال شهرين على أقصى تقدير، كما توقعت إيلينا آدامز، أحد المسؤولين عن المهمة من جامعة «جونز هوبكنز» للفيزياء التطبيقية في مؤتمر صحافي (الثلاثاء)، لكنّ هناك تأثيراً آخر قد تظهر نتائجه سريعاً، وهي النتائج المباشرة لهذا الاصطدام.
وتوقع العلماء أن يؤدي الاصطدام إلى إحداث فوهة بركان، وإلقاء تيارات من الصخور والأوساخ في الفضاء، وستقع مهمة الكشف عن هذا التأثير على القمر الصناعي (ليشيا كيوب).
ويقول أبو زهرة: «بعد ثلاث دقائق من اصطدام المركبة (دارت) حلق القمر الصناعي (ليشيا كيوب) بالقرب من موقع الاصطدام، والتقط صور اندفاع عمود المادة المقذوفة عن تحطم المركبة (دارت) ثم أرسلها إلى الأرض، ومن المرجح أن يتم نشر الصور في 28 سبتمبر (أيلول) 2022، حيث يستغرق الأمر بعض الوقت للأقمار الصناعية من نوع (كيوب سات) الصغيرة للقيام بإرسال كامل البيانات».
وقبل المهمة أصر العلماء على أن (دارت) لن تحطم الكويكب ديمورفوس عند اصطدامها به، حيث يبلغ حجم المركبة الفضائية ما لا يقل (570 كيلوغراماً)، مقارنةً بالكويكب البالغ 11 مليار رطل (5 مليارات كيلوغرام)، ولكن يمكن أن يؤدي الاصطدام إلى إحداث فوهة بركان، وإلقاء تيارات من الصخور والأوساخ في الفضاء، بالإضافة إلى التأثير الأهم، وهو تقليص مداره الذي يستغرق 11 ساعة و55 دقيقة حول ديديموس.
وقالت لوري غليز، مديرة قسم علوم الكواكب في «ناسا»، بعد نجاح مهمة الاصطدام في مؤتمر صحافي: «الآن يبدأ العلم، سنرى بشكل حقيقي مدى فاعليتنا في تغيير مدار الكويكب».
ويشبه توم ستاتلر، عالم برنامج «دارت» في مكتب تنسيق الدفاع الكوكبي التابع لـ«ناسا»، الاصطدام بإلحاق الضرر بساعة يدك دون أن تشعر بذلك في أول يوم أو يومين، ولكن بعد بضعة أسابيع، ستبدأ في ملاحظة أنها لم تعد تحافظ على الوقت الصحيح بعد الآن، ويقول: «هذا ما نسعى لإحداثه في توقيت مدار الكويكب، لاختبار إمكانية تنفيذ ذلك مستقبلاً مع كويكب في مسار تصادمي مع الأرض، بدلاً من تفجيره، كما كانت تتخيل الأفلام».
وقالت ليندلي جونسون، مسؤول الدفاع الكوكبي في «ناسا»: «يوفر نجاح (دارت) إضافة مهمة إلى مجموعة الأدوات الأساسية التي يجب أن نحصل عليها لحماية الأرض من التأثير المدمر لكويكب، وهذا يوضح أننا لم نعد عاجزين عن منع هذا النوع من الكوارث الطبيعية».
ومن أجل هذا الهدف الذي تحدثت عنه جونسون لا يرى أبو زهرة، أن إنفاق 330 مليون دولار مبالغ فيه، وقال: «من المهم لحماية كوكب يضم 7.6 مليار إنسان، فهم التهديد المحتمل للكويكبات وأن يتم تعقبها ومناقشة ما يمكن أن نفعله إذا كان كويكب ما في مسار اصطدام قبل بضع سنوات من ذلك الحدث».
ولحسن الحظ، لا توجد كويكبات تهدد الأرض حالياً، ولكن الكثير من الكويكبات بحجم (ديمورفوس) لم يتم اكتشافها بعد، ويمكن لهذه الكويكبات أن تدمر مدينة إذا تحطمت.


مقالات ذات صلة

محاكاة حاسوبية ترجّح نشأة قمري المريخ جراء حطام كويكب

يوميات الشرق كوكب المريخ (رويترز)

محاكاة حاسوبية ترجّح نشأة قمري المريخ جراء حطام كويكب

قال موقع «سبيس» إن محاكاة حاسوبية رجّحت أن قمري كوكب المريخ المحيرين، فوبوس وديموس، ربما تكوّنا من الحُطام الناتج عن اقتراب كويكب كبير من الكوكب الأحمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا لحظة اندلاع الحريق أثناء اختبار الصاروخ «إبسيلون إس» في مركز تانيغاشيما الفضائي (رويترز)

حريق ضخم بموقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان (فيديو)

اندلع حريق ضخم صباح اليوم (الثلاثاء) في موقع تجارب تابع لوكالة الفضاء اليابانية أثناء اختبارها صاروخ «إبسيلون إس» الذي يعمل بالوقود الصلب.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق يمرّ بالمرحلة الأخيرة من حياته قبل موته (إكس)

صورة استثنائية لنجم يُحتضَر على بُعد 160 ألف سنة ضوئية من الأرض

أظهرت أول صورة مقرَّبة لنجم يُعرَف باسم «WOH G64» إحاطته بالغاز والغبار، مُبيِّنة، أيضاً، اللحظات الأخيرة من حياته، حيث سيموت قريباً في انفجار ضخم...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مركبة الفضاء «ستارشيب» تظهر وهي تستعد للإطلاق من تكساس (رويترز)

«سبيس إكس» تستعد لإجراء اختبار سادس لصاروخ «ستارشيب» وسط توقعات بحضور ترمب

تجري «سبيس إكس» اختباراً سادساً لصاروخ «ستارشيب» العملاق، الثلاثاء، في الولايات المتحدة، في محاولة جديدة لاستعادة الطبقة الأولى منه عن طريق أذرع ميكانيكية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد جانب من الجلسة الافتتاحية لـ«منتدى دبي للمستقبل»... (الشرق الأوسط)

«منتدى دبي»: 7 تطورات رئيسية سيشهدها العالم في المستقبل

حدد نقاش المشاركين في «منتدى دبي للمستقبل - 2024» 7 تطورات رئيسية تمثل لحظة محورية للبشرية، منها العودة إلى القمر والطاقة الشمسية.

«الشرق الأوسط» (دبي)

ضجيج المدن يحجب فوائد الطبيعة في تهدئة الأعصاب

ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
TT

ضجيج المدن يحجب فوائد الطبيعة في تهدئة الأعصاب

ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)

أثبتت دراسة بريطانية حديثة أن الضوضاء البشرية الناتجة عن حركة المرور يمكن أن تخفي التأثير الإيجابي لأصوات الطبيعة في تخفيف التوتر والقلق.

وأوضح الباحثون من جامعة غرب إنجلترا أن النتائج تؤكد أهمية أصوات الطبيعة، مثل زقزقة الطيور وأصوات البيئة الطبيعية، في تحسين الصحة النفسية؛ ما يوفر وسيلة فعّالة لتخفيف الضغط النفسي في البيئات الحضرية، وفق النتائج المنشورة، الخميس، في دورية «بلوس وان».

وتسهم أصوات الطبيعة في خفض ضغط الدم ومعدلات ضربات القلب والتنفس، فضلاً عن تقليل التوتر والقلق الذي يتم الإبلاغ عنه ذاتياً، وفق نتائج أبحاث سابقة.

وعلى النقيض، تؤثر الأصوات البشرية، مثل ضوضاء المرور والطائرات، سلباً على الصحة النفسية والجسدية، حيث ترتبط بزيادة مستويات التوتر والقلق، وقد تؤدي إلى تراجع جودة النوم والشعور العام بالراحة.

وخلال الدراسة الجديدة، طلب الباحثون من 68 شخصاً الاستماع إلى مشاهد صوتية لمدة 3 دقائق لكل منها. تضمنت مشهداً طبيعياً مسجلاً عند شروق الشمس في منطقة ويست ساسكس بالمملكة المتحدة، احتوى على أصوات طبيعية تماماً مثل زقزقة الطيور وأصوات البيئة المحيطة، دون تدخل أي أصوات بشرية أو صناعية، فيما تضمن المشهد الآخر أصواتاً طبيعية مصحوبة بضوضاء مرور.

وتم تقييم الحالة المزاجية ومستويات التوتر والقلق لدى المشاركين قبل الاستماع وبعده باستخدام مقاييس ذاتية.

وأظهرت النتائج أن الاستماع إلى الأصوات الطبيعية فقط أدى إلى انخفاض ملحوظ في مستويات التوتر والقلق، بالإضافة إلى تحسين المزاج.

بالمقابل، أدى إدخال ضوضاء المرور إلى تقليل الفوائد الإيجابية المرتبطة بالمشاهد الطبيعية، حيث ارتبط ذلك بارتفاع مستويات التوتر والقلق.

وبناءً على النتائج، أكد الباحثون أن تقليل حدود السرعة المرورية في المناطق الحضرية يمكن أن يعزز الصحة النفسية للإنسان من خلال تقليل الضوضاء؛ ما يسمح بتجربة أصوات الطبيعة بشكل أفضل.

كما أشارت الدراسة إلى أهمية تصميم المدن بشكل يقلل من الضوضاء البشرية، ما يوفر للسكان فرصاً أكبر للتفاعل مع الطبيعة.

ونوه الفريق بأن هذه النتائج تفتح المجال لإعادة التفكير في كيفية تخطيط المدن بما يعزز التوازن بين التطور الحضري والحفاظ على البيئة الطبيعية، لتحقيق فوائد صحية ونفسية ملموسة للسكان.