«الهيبة الوثائقي»... جسر المرحلتين

يحرّك نجاح «الهيبة» بأجزائه الخمسة الفضول لسماع الخفايا بلسان الأبطال. على كنبة تبادل الجلوس عليها نجوم بمراتب في القلوب، مرّوا وعلّموا، يروي صناع العمل رحلة عمرها أكثر من 5 آلاف دقيقة درامية و150 حلقة. يغدقون الحب كمن يتكلم عن طفل يفاخر أهله بفورة لمسات الإبداع.
يكلل «الهيبة الوثائقي» (شاهد) الأصداء جراء التعب. وبطريقه، يوطّد العلاقة بمُشاهد يشاء بملء إرادته أن يمسكه العمل من يده ويدخله في كواليس الإنتاج الضخم؛ فلا يبقى مشاهداً من الخارج، ليصبح جزءاً مما دار في الداخل.
«الوثائقي» جسر بين مرحلتين: الخمسة أجزاء بجماهيريتها وجوائزها وتصدّرها الأرقام وعناوين الصحف، و«الهيبة الفيلم» المُرتقب عرضه في السينما قريباً، كختام مضيء، قبل المغادرة للإقامة الطويلة في الذاكرة. اكتماله بحجم مرجع يتكئ عليه الجهد الجماعي، واثقاً من عدم الاهتزاز.
لم يخطر في بال المنتج صادق الصبّاح أن يولّد الجزء الواحد أجزاءً تتصاعد نحو القمة. فكر والمخرج سامر البرقاوي بأن جزءاً واحداً يكفي للانتشاء بالأصداء. إلى أن رن الهاتف، فكانت إدارة «إم بي سي» تناقش مع شركة «الصبّاح أخوان» أهمية استكمال المشروع. أمام معضلتين، وجد المنتج اللبناني نفسه. ينظر إلى الكاميرا ويشرح: «لم يكن معظم ما تقدّم للجزء الثاني بمستوى بريق الأول، كما لم نتمهل في خلفيات الشخصيات وتاريخها. جذور الماضي ألهمت جزءاً ثانياً عنوانه (الهيبة - العودة)».

تيم حسن نجم «الهيبة» بأجزائه الخمسة

راهن البرقاوي على تأصيل الشخوص كمَن يشيّد عمارة على أساسها يضمن متانة المبنى. بينما يردّ على «جانب تجاري للاستثمار في الأجزاء غايته الربح»، يتوقف الصبّاح عند قرار برتبة الجرأة: «أنهينا المسلسل بجزئه الخامس في عز جماهيريته. أردنا ختاماً عند ذروة النجاح».
خطر لتيم حسن شكل العلاقة مع الجمهور من دون حسم ما قد تنحو تماماً إليه. في ثنايا الورق، لمح تفاعلاً بهيئة استثنائية، عزّزه تأكيد البرقاوي أن الإنتاج الضخم يقود صنّاع الدراما نحو اتجاهات صحيحة. بحضورها المهيب، تتحدث منى واصف عن «نجاح ساحق لم يحتج إلى رهان»، مشيرة إلى منعطف زمني: «ما قبل (الهيبة) ليس كما بعده»، ليلاقيها الصبّاح بإصرار: «ينبغي للدراما اللبنانية والعربية المحافظة على هيبتها».
كما يسعده شراء شركة إنتاج تركية حقوق «الهيبة»، ودبلجته على قنوات هندية. يحمّله الانتشار الكبير مسؤولية كبيرة. عام 2017 بدأ المشوار، آنذاك، أراد الصبّاح فكرة من خارج الصندوق تصبح مشروعاً خاصاً يحاكي إشكاليتي السلاح والعنف. تعمق البرقاوي وفريق الكتابة بروح العشيرة، وتشربوا من البحوث ما يتيح خلق مناخ يجاور الواقع. يعود المنتج المنفذ زياد الخطيب إلى البدايات حيث لمح مغامرة: «كانت الخشية ألا تستذوق الشاشات نوع المسلسل فتحجب عرضه في ساعة الذروة. النتيجة أنه عَبَر الحدود».
تغيب نادين نجيم بطلة الجزء الأول، وتحضر الوجوه الأنثوية في البطولة: فاليري أبو شقرا، نيكول سابا، سيرين عبد النور، ديما قندلفت، وإيميه الصيّاح. قلب جبل شيخ الجبل ذواق يخفق للجمال. استعدن أدوارهن والمشاهد العصية على النسيان، كما تكلم مؤثرون في التركيبة، يغيب عنهم عبد المنعم عمايري، البطل المضاد في الجزء الخامس، عن المجريات واللحظات الفارقة.
تكتمل ولادة سعيد سرحان الممثل بأدائه الوفي لشخصية علي شيخ الجبل. ولعله كعبدو شاهين، انتظر نجاحاً لم يتوقّع مداه. تحمّس عادل كرم لأداء شخصية نمر السعيد، رغم أنها عذبته نفسياً، وكجوزف بونصار، لم يفكر مرتين قبل الموافقة على الدور. يمر الناقد جمال فياض على ركيزة مهمة: اهتمام «الهيبة» بذهنية سكان الجرود، والمتورطين بالتهريب عبر المعابر. ويلفت إلى ما اكترث له البرقاوي: «تركيبة المجتمع والعلاقة بين أفراده».
هذا قصدُ رفيق علي أحمد المتمهل عند «التفاعل داخل العائلة، وهو يعبر عن وجدان الجماعة». يلاقيه فياض بتبنّي «النظرة الإيجابية» لشخصية جبل رافض تجارة الأسلحة الثقيلة والمخدرات: «هذا يكرس بطولته وعدم الاعتراض على تمثل الصغار والكبار به».
«الهيبة» منح فاليري أبو شقرا فرصة الحضور التمثيلي وحمّلها مسؤولية؛ وكان عودة بعد غياب لإيميه الصيّاح. ترك كثيراً في سيرين عبد النور، وما كانت لتشاء الاكتفاء بجزء واحد لولا الضرورة الدرامية. نيكول سابا استعادت أقوى المشاهد، مثلها ديما قندلفت الآتية بنزعة ثأرية تُكوّن الشخصية.
كثيرون تساءلوا مع الناقد محمد حجازي عما يمكن أن يقدمه المشروع بتعدد أجزائه، وكانت النتيجة «حكاية مختلفة». لم يفت الصبّاح الرد على انتقادات، عللها بأن الفن أفق رحب يتسع للتشويق القادر على إيصال الرسائل. تماس المسلسل مع الجمهور، حركش بالدمع، فانذرف حزناً على موت شاهين، ليشعر فنان الشخصية بأن قطعة من روحه تفارق الحياة.
يدين النجاح لعوامل تصنعه، منها اسم تيم حسن، المحلِّق بجبل في الأعالي. يعزو «الشتائم غير الحادة» إلى ارتباطها بجزء من النسيج اللغوي المنطوق؛ فلا مفرّ من شطحات الألسن حين تتمايل الأحداث أمام مرايا الواقع. بروح الدعابة يلطف خشونة المواقف: «ما تهكلوا للهم»، «وربّي»، «يا صبر الله»، «منتهية»، «فرج»، «إثبات»... النجومية القصوى نادرة.