مشاهدات عام كامل على خط نار {داعش}

لم تكن الصحافة مهنة المتاعب عندي، لأنها بالدرجة الأولى ليست مهنة، فهي حب المغامرة التي تصب في خدمة الناس، لذا اعتمدت هذا المبدأ من اليوم الأول لعملي كصحافي في المؤسسات الصحافية المختلفة في بلدي، والدولية، التي توجتها بعملي مع صحيفة «الشرق الأوسط» هذه الصحيفة العريقة والمحبوبة لدى الناس.
أبدأ يومي كصحافي ومراسل منذ الصباح الباكر، حيث أتقصى كل صغيرة وكبيرة تحدث في حدود عملي في كافة محافظات إقليم كردستان ومحافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها في محافظات ديالى ونينوى وصلاح الدين، وأضيفت إليها منذ عام تغطية أخبار مدينة الموصل أيضا، وذلك بعد سيطرة تنظيم داعش على هذه المدينة في يونيو (حزيران) من العام الماضي، فأصبحت حدود التغطية أوسع بكثير مما كانت عليها قبل هذا التاريخ.
العام الماضي كان عاما صعبا على إقليم كردستان، و ما زال الإقليم يعاني من المشكلات الاقتصادية جراء الحصار الاقتصادي الذي فرضته الحكومة الاتحادية السابقة عليه، وما يعيشه المواطن الكردي من ظروف معيشية صعبة إثر ذلك مع وجود نحو مليوني نازح في الإقليم، لذا كنت أحاول جاهدا إيصال هذه المعاناة، فالأسواق توقفت وتوقفت معها المشاريع الاقتصادية التي كانت تزدهر بها كردستان، وأصبحت مأساة الرواتب التي توزع كل ثلاثة أشهر حديث الشارع الكردي الذي لم ينفض عنه لحد الآن غبار هذه الأزمة، التي أتعبت الإقليم كثيرا.
ومع سيطرة التنظيم على الموصل في 10 يونيو من العام الماضي، بدأ سكان هذه المدينة بالنزوح إلى مناطق إقليم كردستان، هربا من بطش «داعش»، وكانت موجات النزوح بحد ذاتها كارثة إنسانية كبيرة، تعتبر الأولى منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وكانت على ثلاث موجات، بدأت الأولى مع دخول «داعش» الموصل، حيث ترك مئات الآلاف من الموصليين مدينتهم، ونزحوا باتجاه محافظتي أربيل ودهوك المحاذيتين لمحافظة نينوى. صورة النزوح ما زالت في مخيلتي، السيارات كانت تقف في طوابير طويلة أمام مدخل مدينة أربيل بالإضافة إلى وجود مئات من الأشخاص رجالا ونساء وأطفالا وصلوا مشيا على الأقدام من الموصل، في المقابل كانت قوات الأسايش (الأمن الكردي) والبيشمركة تساعد النازحين وتستقبلهم بحفاوة وتقدم لهم الماء والطعام لتزيل عنهم تعب الرحلة الطويلة المحملة بالخوف. أما الموجة الثانية من النزوح فكانت نزوح مسيحيي الموصل الذين جردهم تنظيم داعش من كل ما يملكون من أموال وأوراق تعريفية وأجبرهم على التوجه مشيا على الأقدام نحو إقليم كردستان.
وكانت قصة والد الفتاة المسيحية (ريتا) في حينها الأبرز بين القصص التي أعددتها عن تلك المأساة، والتي نقلت قصة رجل ضرير في مخيم شلاما في أربيل، حيث اختطف «داعش» ابنته التي كانت تعيش في تركيا، أثناء مجيئها إلى بلدتها لأصحاب والدها قبل يوم من سيطرة «داعش» على البلدة.
أما الموجة الثالثة من النزوح فكانت أكثر مأساوية وبدأت بهجمة واسعة من قبل «داعش» في بداية أغسطس (آب) الماضي، استطاع خلالها احتلال كافة مناطق سهل نينوى، وقضاء سنجار، واعتقل التنظيم الآلاف من الإيزيديين وقتل رجالهم وسبي نسائهم وأطفالهم، فيما حوصر الآلاف منهم في جبل سنجار، لأشهر، واهتمت تغطيتي لهذه الأحداث بنقل الكارثة الإنسانية أولا وقصص الفتيات الإيزيديات وعوائلهن، وقصة المحاصرين في الجبل من خلال نقل معاناتهم بشكل يومي. الناس كانوا يموتون من الجوع والعطش، وكانت حكومة الإقليم تحاول بكل جهودها من أجل إيصال الحاجات الأساسية لهم.
ولم يمض وقت طويل إلا وبدأت قوات البيشمركة معركة واسعة ضد التنظيم بمساندة من طيران التحالف الدولي، واستطاعت خلال مدة قصيرة استعادة غالبية هذه الأراضي، فكانت تغطيتي مرافقة للبيشمركة والمعارك في سهل نينوى وكركوك ومحافظة ديالى، لحظة بلحظة، من خلال نقل التصريحات من قادة البيشمركة والمسؤولين الأمنيين، وصور المعركة، وما زلت مستمرا في التغطية الحربية، وواجهت الكثير من المخاطر خلال هذه التغطيات سواء خطورة قذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا التي كانت تتساقط بين لحظة وأخرى أو خطورة قناصة «داعش»، حتى إنه وقبل أيام وأثناء وجودي في محور الخازر شرق الموصل، في الخطوط الأمامية لقوات البيشمركة سقط عدد من صواريخ تنظيم داعش المحلية الصنع بالقرب من الخط الذي كنت أوجد فيه، فالكثير من زملائنا الإعلاميين قتلوا وأصيبوا خلال تغطية هذه المعارك، فيما وقع عدد آخر في أسر التنظيم، وما زالوا مجهولي المصير، أما الصور الأخرى للمعركة فكانت تتمثل في المباني التي فجرها «داعش»، فالتنظيم سلم هذه المدن رمادا ودمر كل ما فيها من بنية تحتية.
والجانب الآخر المهم من عملي هو تغطية الأحداث في سوريا وإيران والعلاقات بين الأكراد وتركيا وعملية السلام في تركيا، إلى جانب نقل صورة مما يتعرض له الأكراد في إيران من قمع على يد النظام الإيراني، وتغطية مستمرة لمعارك كوباني بين المقاتلين الأكراد و«داعش»، وعملية تحرير المدينة من التنظيم.
ويبقى هدفي الأول هو الوصول إلى السبق الصحافي بخبر دقيق، لتدخل هذه الجريدة إلى كل بيت كردي لتكون فردا من العائلة الكردية، وتنقل صوتها المحمل بالسلام إلى العالم الخارجي.