دراسة: النظام الغذائي عالي السكر يعطل ميكروبيوم الأمعاء ويسبب السمنة

استهدفت الفئران في المختبر

دراسة: النظام الغذائي عالي السكر يعطل ميكروبيوم الأمعاء ويسبب السمنة
TT

دراسة: النظام الغذائي عالي السكر يعطل ميكروبيوم الأمعاء ويسبب السمنة

دراسة: النظام الغذائي عالي السكر يعطل ميكروبيوم الأمعاء ويسبب السمنة

توصلت دراسة جديدة على الفئران إلى أن السكر قد يعطل مجتمع البكتيريا التي تعيش في الأمعاء، ما يؤدي إلى استنفاد الخلايا المناعية الأساسية والتسبب في السمنة.
وقد اقتصرت هذه النتائج حاليا على الفئران في المختبر، لكن إذا أظهرت دراسات المتابعة اتجاهات مماثلة في البشر، فقد يؤدي ذلك في النهاية إلى علاجات لأمراض التمثيل الغذائي والسمنة، وفق ما يقول الباحث الكبير إيفايلو إيفانوف الأستاذ المشارك بعلم الأحياء الدقيقة والمناعة بكلية فاجيلوس للأطباء والجراحين بجامعة كولومبيا.
وفي الدراسة الأخيرة، التي نُشرت في الـ29 من أغسطس (آب) بمجلة «Cell»، وجد العلماء أن إطعام الفئران نظامًا غذائيًا عالي السكر يحتوي على السكروز والمالتوديكسترين تسبب في بكتيريا معينة تسمى البكتيريا الخيطية المجزأة (SFB) في الفئران. حيث تموت الأمعاء بسبب فرط نمو بق الأمعاء. وقد أدت الخسارة المفاجئة لـ SFB لتفاعل متسلسل في أمعاء الفئران أدى في النهاية إلى تغيير كيفية امتصاص الحيوانات للدهون الغذائية. وهذا بدوره تسبب في إصابة الفئران بالسمنة وتطور سمات «متلازمة التمثيل الغذائي»؛ وهي مجموعة من الحالات (مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة السكر في الدم ومقاومة الأنسولين) التي تزيد بشكل جماعي من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية ومرض السكري من النوع الثاني، وذلك حسب ما نشر موقع «لايف ساينس» العلمي المتخصص.
وتشير النتائج إلى أن SFB تحمي بطريقة ما من متلازمة التمثيل الغذائي وزيادة الوزن، ولكن كيف يفعل بق الأمعاء ذلك؟ فقد اتضح أن SFB «تتحدث» إلى جهاز المناعة، ما يشجع على إنتاج نوع معين من الخلايا المناعية يسمى Th17. حيث تفرز هذه الخلايا المناعية البروتينات التي تؤثر على بطانة الأمعاء وتمنع امتصاص الدهون الزائدة عبر الأنسجة إلى مجرى الدم.
وعلى نطاق واسع، يمكن العثور على SFB في العديد من الحيوانات (بما في ذلك القوارض والأسماك والطيور)، ولكن لم يتم العثور عليها في البشر، وفق ما أشار إيفانوف؛ الذي يقول «مع ذلك، فإن البشر يحملون مجموعة مختلفة من بكتيريا الأمعاء التي يمكن أن تحفز خلايا Th17 تمامًا مثل SFB، وتلمح الأبحاث المبكرة إلى أن هذه البكتيريا قد يتم استنفادها بالمثل من خلال الأنظمة الغذائية عالية السكر. وبعبارة أخرى، على الرغم من أن البشر قد لا يحملون SFB، إلا أن السكر لا يزال يمارس تأثيرات مماثلة على الميكروبيومات الموجودة في الفئران والأمعاء البشرية وأنظمة المناعة».
ويضيف إيفانوف «حقًا ما يعطي التأثير هو الخلايا التائية؛ لذا تحفز البكتيريا الخلايا التائية، فالخلايا التائية هي التي توفر التأثير. ونحن نفترض أنه في البشر سيكون تحفيز هذه الخلايا التائية مفيدًا أيضًا».
وفي دراستهم الأخيرة على الفئران، وضع الباحثون الفئران على نظام غذائي غني بالسكر والدهون لمدة شهر ليروا كيف يمكن أن تتغير حشرات الأمعاء. فوجدوا أن النظام الغذائي حفز نمو بكتيريا تسمى «Faecalibaculum rodentium»، والتي أدت بشكل أساسي إلى مزاحمة SFB التي تنمو في أمعاء الفئران، ما أدى إلى استنفاد أعدادها. ونظرًا لأن الفئران فقدت SFB بشكل مطرد، انخفض العدد الإجمالي لخلايا Th17 أيضًا واكتسبت وزنًا وطورت مقاومة الأنسولين وعدم تحمل الغلوكوز؛ وكلها علامات لمتلازمة التمثيل الغذائي.
لم تُلاحظ هذه التأثيرات في الفئران التي تناولت نظامًا غذائيًا منخفض السكر أو قليل الدسم، أو في الفئران التي تغذت على نظام غذائي خالٍ من السكر وعالي الدهون. ولكن الفئران التي تغذت على نظام غذائي عالي السكر وقليل الدسم خسرت أيضًا بسرعة SFB الخاصة بها. ويشير هذا إلى أن السكر كان على وجه التحديد هو الذي يتسبب في الخسارة الضارة للبكتيريا وخلايا Th17.
وفي هذا الإطار، بيّن إيفانوف أن خلايا Th17 قدمت في الأساس «درعًا» يحمي الفئران من الإصابة بأمراض التمثيل الغذائي، كما دمر السكر هذا الدرع بشكل غير مباشر عن طريق العبث بالميكروبيوم.
وفي تجربة مختلفة، استبعد الفريق SFB من مجموعة من الفئران ثم أطعمها نظامًا غذائيًا خاليا من السكر وعالي الدهون. ووجد أن هذه الفئران اكتسبت أيضًا وزنًا وأصيبت بأمراض التمثيل الغذائي، على الرغم من عدم تناول السكر. إذ انه في الأساس (بدون البق الصحيح) لم تصنع الفئران ما يكفي من خلايا Th17 وبالتالي كانت تفتقر إلى هذا الدرع المذكور أعلاه. كما وجد الفريق أنه يمكنهم توفير هذا الدرع بطريقتين؛ الأولى عن طريق إطعام الفئران بروبيوتيك مشبع بـ SFB، والثانية عن طريق حقن خلايا Th17 مباشرة في أجسامها.
ويشير هذا إلى أنه إذا تم بالفعل استنفاد أمعاء الفأر من SFB، فإن تقليل السكر لن يساعد القوارض على تجنب مرض التمثيل الغذائي. وانه إذا تم نقل هذه النتيجة إلى البشر، فإن هذا يشير إلى أن استهلاك كميات أقل من السكر لن يكون مفيدًا بالضرورة إذا تعطل ميكروبيوم الأمعاء بالفعل. لذلك، قد تكون هناك حاجة إلى تدخل إضافي لاستعادة حشرات الأمعاء أو خلايا Th17 لهؤلاء الأشخاص، حسب إيفانوف.
ويؤكد إيفانوف أن «هناك حاجة إلى مزيد من البحث لمعرفة ما إذا كانت هناك قوى مماثلة تعمل في الأمعاء البشرية». لذلك يحاول هو وفريقه فهم كيف تساعد بكتيريا الأمعاء خلايا Th17 على النمو في أمعاء الفئران وما إذا كانت هذه الآلية تنطبق أيضًا على البشر؟ قائلا «حتى بعد 10 سنوات من هذه الدراسة، فإننا لا نفهم تمامًا كيف تحفز البكتيريا بهذه العملية أو الآلية الخلايا التائية. نحن نعرف الكثير، ولكن لا يزال هناك الكثير من الأسئلة».


مقالات ذات صلة

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

صحتك تمارين النهوض بالرأس من التمارين المنزلية المعروفة لتقوية عضلات البطن

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

نصح أستاذ أمراض قلب بجامعة ليدز البريطانية بممارسة التمارين الرياضية، حتى لو لفترات قصيرة، حيث أكدت الأبحاث أنه حتى الفترات الصغيرة لها تأثيرات قوية على الصحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

خلصت دراسة إلى أن عادات العمل قد تهدد نوم العاملين، حيث وجدت أن الأشخاص الذين تتطلب وظائفهم الجلوس لفترات طويلة يواجهون خطراً أعلى للإصابة بأعراض الأرق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

ما أفضل وقت لتناول القهوة لحياة أطول؟... دراسة تجيب

أشارت دراسة جديدة إلى أن تحديد توقيت تناول القهوة يومياً قد يؤثر بشكل كبير على فوائدها الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

قدمت منظمة الصحة العالمية، اليوم، تطمينات بشأن فيروس «إتش إم بي في»، وهو عدوى تنفسية تنتشر في الصين، مؤكدةً أن الفيروس ليس جديداً أو خطيراً بشكل خاص.

«الشرق الأوسط» (جنيف - بكين)

لماذا يرفض مصريون إعادة تمثال ديليسبس لمدخل قناة السويس؟

تمثال ديليسبس بمتحف قناة السويس (فيسبوك)
تمثال ديليسبس بمتحف قناة السويس (فيسبوك)
TT

لماذا يرفض مصريون إعادة تمثال ديليسبس لمدخل قناة السويس؟

تمثال ديليسبس بمتحف قناة السويس (فيسبوك)
تمثال ديليسبس بمتحف قناة السويس (فيسبوك)

في الوقت الذي يشهد تصاعداً للجدل حول إعادة تمثال ديليسبس إلى مكانه الأصلي في المدخل الشمالي لقناة السويس، قررت محكمة القضاء الإداري بمصر الثلاثاء تأجيل نظر الطعن على قرار إعادة التمثال لجلسة 21 يناير (كانون الثاني) الحالي، للاطلاع على تقرير المفوضين.

وتباينت الآراء حول إعادة التمثال إلى موقعه، فبينما رأى معارضو الفكرة أن «ديليسبس يعدّ رمزاً للاستعمار، ولا يجوز وضع تمثاله في مدخل القناة»، رأى آخرون أنه «قدّم خدمات لمصر وساهم في إنشاء القناة التي تدر مليارات الدولارات على البلاد حتى الآن».

وكان محافظ بورسعيد قد أعلن أثناء الاحتفال بالعيد القومي للمحافظة، قبل أيام عدة، بأنه طلب من رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إعادة تمثال ديليسبس إلى مكانه في مدخل القناة بناءً على مطالبات أهالي المحافظة، وأن رئيس الوزراء وعده بدراسة الأمر.

ويعود جدل إعادة التمثال إلى مدخل قناة السويس بمحافظة بورسعيد لعام 2020 حين تم نقل التمثال إلى متحف قناة السويس بمدينة الإسماعيلية (إحدى مدن القناة)، حينها بارك الكثير من الكتاب هذه الخطوة، رافضين وجود تمثال ديليسبس بمدخل قناة السويس، معتبرين أن «المقاول الفرنسي»، بحسب وصف بعضهم، «سارق لفكرة القناة وإحدى أذرع التدخل الأجنبي في شؤون مصر».

قاعدة تمثال ديليسبس ببورسعيد (محافظة بورسعيد)

ويعدّ فرديناند ديليسبس (1805 - 1894) من السياسيين الفرنسيين الذين عاشوا في مصر خلال القرن الـ19، وحصل على امتياز حفر قناة السويس من سعيد باشا حاكم مصر من الأسرة العلوية عام 1854 لمدة 99 عاماً، وتقرب من الخديو إسماعيل، حتى تم افتتاح القناة التي استغرق حفرها نحو 10 أعوام، وتم افتتاحها عام 1869.

وفي عام 1899، أي بعد مرور 5 سنوات على رحيل ديليسبس تقرر نصب تمثال له في مدخل القناة بمحافظة بورسعيد، وهذا التمثال الذي صممه الفنان الفرنسي إمانويل فرميم، مجوف من الداخل ومصنوع من الحديد والبرونز، بارتفاع 7.5 متر، وتم إدراجه عام 2017 ضمن الآثار الإسلامية والقبطية.

ويصل الأمر بالبعض إلى وصف ديليسبس بـ«الخائن الذي سهَّل دخول الإنجليز إلى مصر بعد أن وعد عرابي أن القناة منطقة محايدة ولن يسمح بدخول قوات عسكرية منها»، بحسب ما يؤكد المؤرخ المصري محمد الشافعي.

ويوضح الشافعي (صاحب كتاب «ديليسبس الأسطورة الكاذبة») وأحد قادة الحملة التي ترفض عودة التمثال إلى مكانه، لـ«الشرق الأوسط» أن «ديليسبس استعبد المصريين، وتسبب في مقتل نحو 120 ألف مصري في أعمال السخرة وحفر القناة، كما تسبب في إغراق مصر بالديون في عصري سعيد باشا والخديو إسماعيل، وأنه مدان بالسرقة والنصب على صاحب المشروع الأصلي».

وتعد قناة السويس أحد مصادر الدخل الرئيسية لمصر، وبلغت إيراداتها في العام المالي (2022- 2023) 9.4 مليار دولار، لكنها فقدت ما يقرب من 50 إلى 60 في المائة من دخلها خلال الشهور الماضية بسبب «حرب غزة» وهجمات الحوثيين باليمن على سفن في البحر الأحمر، وقدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخسائر بأكثر من 6 مليارات دولار. وفق تصريح له في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.

في المقابل، يقول الكاتب المصري علي سعدة، إن تمثال ديليسبس يمثل أثراً وجزءاً من تاريخ بورسعيد، رافضاً ما وصفه في مقال بجريدة «الدستور» المصرية بـ«المغالطات التاريخية» التي تروّجها جبهة الرفض، كما نشر سعدة خطاباً مفتوحاً موجهاً لمحافظ بورسعيد، كتبه مسؤول سابق بمكتب المحافظ جاء فيه «باسم الأغلبية المطلقة الواعية من أهل بورسعيد نود أن نشكركم على القرار الحكيم والشجاع بعودة تمثال ديليسبس إلى قاعدته».

واجتمع عدد من الرافضين لإعادة التمثال بنقابة الصحافيين المصرية مؤخراً، وأكدوا رفضهم عودته، كما طالبوا فرنسا بإزالة تمثال شامبليون الذي يظهر أمام إحدى الجامعات الفرنسية وهو يضع قدمه على أثر مصري قديم.

«المهندس النمساوي الإيطالي نيجريلي هو صاحب المشروع الأصلي لحفر قناة السويس، وتمت سرقته منه، بينما ديليسبس لم يكن مهندساً، فقد درس لعام واحد في كلية الحقوق وأُلحق بالسلك الدبلوماسي بتزكية من والده وعمه وتم فصله لفشله، وابنته نيجريلي التي حصلت على تعويض بعد إثباتها سرقة مشروع والدها»، وفق الشافعي.

وكانت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية قد أصدرت بياناً أكدت فيه أن ديليسبس لا يستحق التكريم بوضع تمثاله في مدخل القناة، موضحة أن ما قام به من مخالفات ومن أعمال لم تكن في صالح مصر.

في حين كتب الدكتور أسامة الغزالي حرب مقالاً يؤكد فيه على موقفه السابق المؤيد لعودة التمثال إلى قاعدته في محافظة بورسعيد، باعتباره استكمالاً لطابع المدينة التاريخي، وممشاها السياحي بمدخل القناة.

وبحسب أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس المصرية والمحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، الدكتور جمال شقرة، فقد «تمت صياغة وثيقة من الجمعية حين أثير الموضوع في المرة الأولى تؤكد أن ديليسبس ليس هو صاحب المشروع، لكنه لص سرق المشروع من آل سان سيمون». بحسب تصريحاته.

وفي ختام حديثه، قال شقرة لـ«الشرق الأوسط» إن «ديليسبس خان مصر وخدع أحمد عرابي حين فتح القناة أمام القوات الإنجليزية عام 1882، ونرى بوصفنا مؤرخين أنه لا يستحق أن يوضع له تمثال في مدخل قناة السويس».