هل يحدث برلوسكوني مفاجأة في انتخابات إيطاليا على غرار فريقه لكرة القدم؟

برلوسكوني (وسط الصورة) خلال مشاهدته مباراة لفريقه «مونزا» يوم 13 أغسطس الماضي (إ.ب.أ)
برلوسكوني (وسط الصورة) خلال مشاهدته مباراة لفريقه «مونزا» يوم 13 أغسطس الماضي (إ.ب.أ)
TT

هل يحدث برلوسكوني مفاجأة في انتخابات إيطاليا على غرار فريقه لكرة القدم؟

برلوسكوني (وسط الصورة) خلال مشاهدته مباراة لفريقه «مونزا» يوم 13 أغسطس الماضي (إ.ب.أ)
برلوسكوني (وسط الصورة) خلال مشاهدته مباراة لفريقه «مونزا» يوم 13 أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

يوم الأحد الماضي، وقبل سبعة أيام من موعد إجراء الانتخابات الإيطالية العامة، ذهب سيلفيو برلوسكوني لمشاهدة مباراة فريق «مونزا» بكرة القدم. ولم يكن يتوقع أن هذا الفريق، الذي كان قد اشتراه منذ عامين بثلاثة ملايين يورو وأنفق عليه خمسين مليوناً لتعزيزه بشراء مجموعة من اللاعبين، سيفوز على فريق نادي «يوفنتوس» أحد أقوى الفرق الإيطالية والأوروبية.
لم يفوت برلوسكوني تلك الفرصة ليصرح أمام أنصاره أن هذا الفوز ليس سوى مؤشر على ما سيحصل في انتخابات هذا الأسبوع، حيث ترجح كل الاستطلاعات ألا يتجاوز حزب «فورزا إيطاليا» الذي يتزعمه 7 في المائة من الأصوات، ولا يستبعد عدم حصوله على الحد الأدنى الذي يحدده القانون للدخول إلى البرلمان.
فريق «مونزا»، الذي صعد العام الماضي إلى الدرجة الأولى، هو اليوم في المركز الأخير ضمن ترتيب بطولة الدوري الإيطالي، ولم يحقق حتى الآن سوى هذا الانتصار المفاجئ الذي يريد برلوسكوني أن يجعل منه رمزاً لانبعاثه السياسي ومحاولة لاستعادة أسطورته السياسية المتهاوية، فيما لا يزال يملك ثروة مالية هائلة وإمبراطورية إعلامية لا سابقة لها في إيطاليا.
تقع مونزا في قلب المنطقة التي يمكن أن نسميها «برلوسكونيا»، شمال شرقي مدينة ميلانو، المركز الصناعي والاقتصادي والمالي الإيطالي الأول. وفي ميلانو، يوجد المجمع السكني الضخم الذي بناه برلوسكوني في سبعينات القرن الماضي، وأطلق منه القناة التلفزيونية الأولى التي كانت أساس إمبراطوريته الإعلامية التي تضم أكثر من خمسة آلاف موظف. وفي ميلانو أيضا، يقوم المقر الرئيسي لدار النشر الأولى في إيطاليا «موندادوري» التي اشتراها برلوسكوني منذ سنوات، وعلى مسافة قريبة منها تقع دارته الشهيرة «فيلا سان مارتينو» التي اشتراها في العام 1974 بمبلغ زهيد من أرستقراطية شابة ويتيمة، بفضل مساعي المحامي الذي كان في الواقع يعمل لحسابه.
منذ أسابيع، تردد الأوساط المحيطة بسيلفيو برلوسكوني أنه العقل الراجح في الائتلاف اليميني الذي بات من شبه المؤكد فوزه في الانتخابات المقبلة، وأن الفاشيين الجدد الذين تخشى أوروبا ونصف إيطاليا وصولهم إلى الحكم، سوف يحتكمون لرشده واعتداله.
لكن جميع الاستطلاعات تقول عكس ذلك تماماً. الفاشيون الجدد في حزب «إخوان إيطاليا»، يطمحون بزعامة جيورجيا ميلوني للحصول على 25 في المائة من الأصوات، وحزب «الرابطة اليميني» المتطرف على 12 في المائة. فيما من المستبعد أن يتجاوز حزب «فورزا إيطاليا»، الركيزة الثالثة في الترويكا اليمينية، نسبة 8 في المائة ليكون الخاصرة الرخوة في الحكومة اليمينية المتطرفة التي تستعد للإمساك بالسلطة، وبالتالي يعجز أن يكون قادراً على دفعها نحو الاعتدال والامتثال لقواعد اللعبة المتفق عليها في المشروع الأوروبي الذي كان، عدة مرات، خشبة الخلاص لإيطاليا من مشاكلها الاقتصادية ومتاعبها المالية.
لكن الوقائع تبقى أهم من الاستطلاعات، وهي تلقي بظلال كثيفة على برلوسكوني الذي يدخل عامه السابع والثمانين قبل نهاية هذا الشهر. ترشح برلوسكوني تسع مرات لمنصب رئيس الوزراء، وتولى رئاسة الحكومة الإيطالية أربع مرات، على الرغم من أنه واجه 36 دعوى قضائية، بعضها لا يزال جارياً في قضايا الفساد المالي والتهرب من الضرائب والتحرش الجنسي والرشوة. وقد تعافى في السنوات الأخيرة من إصابة بالسرطان، وخضع لعملية قلب مفتوح، ثم تعافى من (كوفيد) ويتردد على المستشفى بانتظام.
في بداية هذا العام، حاول الوصول إلى رئاسة الجمهورية التي يحلم بها منذ سنين، لكنه فشل فشلاً ذريعاً حيث كان حلفاؤه أول من تخلى عنه.
وفي يوليو (تموز) الفائت، عندما قرر سحب تأييده لحكومة ماريو دراغي، انشق عنه عدد من القيادات الوازنة في حزبه، وبات أثراً بعد عين في المشهد السياسي.
لكن رغم كل هذه الانتكاسات، لم تنقصه الحيلة يوماً للبقاء في واجهة الأحداث التي تفاخر دوماً بأنه الأقدر على صنعها. في مارس (آذار) الماضي، أعلن خطوبته الرسمية مع رفيقته مرتا فاسينا، البالغة من العمر 33 عاماً، وهي موظفة سابقة في المكتب الصحافي لفريق ميلان، وكانت «هديته» لها في تلك المناسبة ترشيحها على قائمة الحزب في جزيرة صقلية.
السؤال الذي يحير كثيرين، هو لماذا يصر برلوسكوني على خوض هذه المعركة الأخيرة في مثل هذه الظروف من الوهن الشخصي والانهيار في شعبيته السياسية؟ هل أن الهدف الحقيقي، كما كان دائماً، هو حماية مصالحه المالية والاقتصادية؟
يقول الذين يعرفونه عن كثب، ومنهم كاتب سيرته الصحافي الأميركي آلان فريدمان الذي يعيش في إيطاليا منذ سنوات، إن ما يسعى إليه برلوسكوني هو استعادة الاعتبار والانتقام من خصومه وأعدائه الكثر.
في العام 2013 طُرد برلوسكوني من عضوية مجلس الشيوخ بعد صدور حكم ضده يقضي بتأديته الخدمة الاجتماعية سنتين، وهو مصمم على الثأر والعودة ربما رئيساً للمجلس الذي طرد منه، إذا صدقت التسريبات بأن الاتفاق بين أطراف الائتلاف اليميني يقضي بإعطائه رئاسة مجلس الشيوخ.
الانطباع العام في الأوساط السياسية الإيطالية هو أن الحكومة المقبلة، في حال الفوز المرجح للائتلاف اليميني، ستكون عنصرية، ضد الهجرة، وضد الاتحاد الأوروبي، وأن برلوسكوني لن يكون قادراً على منع ذلك. لكن الذين ما زالوا يؤمنون بقدرته على صنع الأحداث، لا يستبعدون في اللحظة الحاسمة أن يخرج أرنباً آخر من قبعة الساحر.


مقالات ذات صلة

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

أصبح برنامج «تشات جي بي تي» الشهير الذي طورته شركة الذكاء الاصطناعي «أوبن إيه آي» متاحا مجددا في إيطاليا بعد علاج المخاوف الخاصة بالخصوصية. وقالت هيئة حماية البيانات المعروفة باسم «جارانتي»، في بيان، إن شركة «أوبن إيه آي» أعادت تشغيل خدمتها في إيطاليا «بتحسين الشفافية وحقوق المستخدمين الأوروبيين». وأضافت: «(أوبن إيه آي) تمتثل الآن لعدد من الشروط التي طالبت بها الهيئة من أجل رفع الحظر الذي فرضته عليها في أواخر مارس (آذار) الماضي».

«الشرق الأوسط» (روما)
العالم إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

في الخامس والعشرين من أبريل (نيسان) من كل عام تحتفل إيطاليا بـ«عيد التحرير» من النازية والفاشية عام 1945، أي عيد النصر الذي أحرزه الحلفاء على الجيش النازي المحتلّ، وانتصار المقاومة الوطنية على الحركة الفاشية، لتستحضر مسيرة استعادة النظام الديمقراطي والمؤسسات التي أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم. يقوم الدستور الإيطالي على المبادئ التي نشأت من الحاجة لمنع العودة إلى الأوضاع السياسية التي ساهمت في ظهور الحركة الفاشية، لكن هذا العيد الوطني لم يكن أبداً من مزاج اليمين الإيطالي، حتى أن سيلفيو برلوسكوني كان دائماً يتغيّب عن الاحتفالات الرسمية بمناسبته، ويتحاشى المشاركة فيها عندما كان رئيساً للحكومة.

شوقي الريّس (روما)
شمال افريقيا تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

أعلنت الحكومة المصرية عن عزمها تعزيز التعاون مع إيطاليا في مجال الاستثمار الزراعي؛ ما يساهم في «سد فجوة الاستيراد، وتحقيق الأمن الغذائي»، بحسب إفادة رسمية اليوم (الأربعاء). وقال السفير نادر سعد، المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء المصري، إن السفير الإيطالي في القاهرة ميكيلي كواروني أشار خلال لقائه والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، (الأربعاء) إلى أن «إحدى أكبر الشركات الإيطالية العاملة في المجال الزراعي لديها خطة للاستثمار في مصر؛ تتضمن المرحلة الأولى منها زراعة نحو 10 آلاف فدان من المحاصيل الاستراتيجية التي تحتاج إليها مصر، بما يسهم في سد فجوة الاستيراد وتحقيق الأمن الغذائي». وأ

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.