نجل القارئ عبد الباسط عبد الصمد: لقب «صوت مكة» الأحب لوالدي

روى لـ «الشرق الأوسط» سر ارتداء والده للبدلة ووصفه في فرنسا بـ«الصوت الأسطوري»

 الشيخ طارق عبد الباسط عبد الصمد في منزله بالقاهرة («الشرق الأوسط»)
الشيخ طارق عبد الباسط عبد الصمد في منزله بالقاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

نجل القارئ عبد الباسط عبد الصمد: لقب «صوت مكة» الأحب لوالدي

 الشيخ طارق عبد الباسط عبد الصمد في منزله بالقاهرة («الشرق الأوسط»)
الشيخ طارق عبد الباسط عبد الصمد في منزله بالقاهرة («الشرق الأوسط»)

قال نجل القارئ الراحل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، إن والده كان يحب لقب «صوت مكة» الذي أطلقه عليه السعوديون عندما قام بتسجيل عدة تلاوات للمملكة أشهرها التي سجلت بالحرم المكي والمسجد النبوي الشريف في أول زيارة له للمملكة عام 1952 لأداء فريضة الحج بصحبة والده.
وروي الشيخ طارق عبد الباسط عبد الصمد، سر ارتداء والده البدلة في فرنسا، قائلاً: «عندما سافر والدي لفرنسا عام 1952 لإحياء ليالي رمضان بالمركز الإسلامي بفرنسا، وفي أثناء سيره في الشارع ليتنزه وكان مرتديًا الزى الأزهري (ويتألف هذا الزى من غطاء للرأس هو العمامة وثياب للجسم تتمثل في الكاكولة والجبة)، لاحظ أن جميع الفرنسيين ينظرون إليه ويشيرون إلى ملابسه ولعمامته، لأن الزى الأزهري لم يكن منتشرًا في أوروبا في ذلك الوقت، فأحس بأن هذا الأمر يلفت الأنظار إليه فذهب إلى صديق كان يقيم معه وبالفعل قام بشراء بدلة، وهي التي كان يرتديها والدي كلما سافر إلى أي دولة أوروبية خاصة إذا أراد أن ينزل إلى الشارع، ليظهر للناس سماحة الإسلام، وأنه دين واسع ومرن ومرح ولم يفرض على المسلمين زيًا معينًا وهو تقليد إسلامي وليس عبادة».
وعن استفادته كقارئ من شهرة والده، قال الشيخ طارق الذي التقته «الشرق الأوسط» في منزله بالقاهرة: «نعم استفدت من والدي، فعندما كان يستمع الناس أن القارئ هو طارق عبد الباسط عبد الصمد يجذب انتباهم للوهلة الأولى اسم الوالد، فهذا يكون له تأثير في وجدان الناس وأسماعهم»، مضيفًا: «كانت بداياتي مع القرآن الكريم منذ الصغر، حينما تعلقت بصوت والدي وكنت أستمع إليه وأقلده في جميع الأوقات وأصاحبه في جميع الاحتفالات والليالي القرآنية التي كان يحييها، ومنذ ذلك الحين تربيت على القرآن وأحببت سماعه وحفظه، وعندما وجد والدي أن لدي رغبة في حفظ القرآن وتلاوته، أحضر لي ولإخوتي شيخ يدعى (عطا) بالمنزل ليحفظنا القرآن مثلما كان يفعل جدي معه»، مضيفًا: «حرص والدي على تعليمنا وتحفيظنا القرآن، فنظرًا لكثرة سفره خارج مصر وانشغاله بالقرآن الكريم عهد إلى أحد المشايخ ليعلمنا القرآن الكريم. وكان هذا لا يمنع أن يجلس والدنا ليستمع إلينا ويوجه إلينا النصائح، فحفظت أنا وأشقائي العشرة القرآن الكريم، واتجهت أنا وشقيقي الشيخ ياسر، لعالم التلاوة».
وعن ذكرياته لأول قراءة للقرآن بحضور والده، قال طارق: «كان والدي يصطحبني معه في كل حفلاته ومشاركاته الداخلية والخارجية، وفي ذات مرة كان يحيي حفلاً دينيًا في محافظة قنا (جنوب مصر) وكنت وقتها في المرحلة الثانوية، وبعد أن انتهى من الاحتفال، وكان من عادات أهل الصعيد، أن تكون جلسة المقرئ في مكان مرتفع وبعد أن انتهى من التلاوة، طلب منه الحاضرون أن يقرأ أحد أبنائه، فقدمني لتلاوة القرآن أمام جمع كبير من الناس، فتملكني الرعب في البداية، خصوصًا أنني كنت سأقرأ أمام هذا المشهد لأول مرة، وكان يجلس أمامي وقتها ما يقرب من ثلاثة أو أربعة آلاف مستمع؛ لكنني قرأت القرآن وقتها وكانت لوالدي بعض الملاحظات على قراءتي أدركتها فيما بعد؛ إلا أنه سعد بتلاوتي ووجدت تشجيعًا وترحيبًا من المستمعين وقتها».
وولد الشيخ الراحل عبد الباسط عبد الصمد عام 1927 في قرية المراعزة مركز أرمنت بمحافظة قنا بصعيد البلاد، وحفظ القرآن على يد الشيخ محمد الأمير شيخ كتاب قريته.
وعمل كقارئ في الإذاعة المصرية عام 1951، وتم تعيينه قارئًا لجامع الإمام الشافعي عام 1952، وبعدها لجامع الإمام الحسين بحي الأزهر في القاهرة عام 1985.. ترك للإذاعة ثروة من التسجيلات إلى جانب المصحفين؛ المرتل والمجود، ومصاحف مرتلة لبلدان عربية وإسلامية.. جاب بلاد العالم سفيرًا لكتاب الله، وكان أول نقيب لقراء مصر عام 1984 وتوفي في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1988.
وحول وجود تشابه بين صوته وصوت والده، أكد نجل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، أنه لا شك أن عامل الوراثة له دور كبير ومهم في عملية الجينات الوراثية في الشكل كرقم واحد، ثم الصوت والملامح والحركات نفسها، فهذا شيء طبيعي دون تكلف.
وحصل طارق على ليسانس الحقوق في جامعة عين شمس، ودبلوم العلوم العسكرية من أكاديمية الشرطة والتحق بمعهد القراءات في الأزهر ودرست فيه لمدة سنتين وحصل على الإجازة في التجويد.
وعن سرّ عشق المسلمين لصوت والده، قال طارق، السر في القرآن الكريم نفسه وهذا سرّ من بركة القرآن فوالدي، رحمه الله، أخلص في تلاوة القرآن الكريم فأنعم الله عليه بصوت عذب جميل مختلف عن كل أصوات قارئي القرآن، فمثلا عندما كان في زيارة لفرنسا لإحياء ليالي رمضان في المركز الإسلامي هناك فقرأ في مسرح «كونجري» واستمع إليه أكثر من أربعة آلاف من الناس فوصفته الصحف الفرنسية بالصوت الأسطوري، وكذلك عندما كان في زيارة لدولة إندونيسيا فاحتشد المسجد بالناس كذلك خارج المسجد لمسافة امتدت كيلومترًا فامتلأ الميدان بأكثر من ربع مليون مسلم يستمعون إليه، وفي الهند حضر احتفالاً دينيًا كبيرًا وفوجئ بجميع الحاضرين يخلعون الأحذية ويقفون على الأرض وقد حنوا رؤوسهم إلى أسفل ينظرون محل السجود وأعينهم تفيض من الدمع يبكون إلى أن انتهى من التلاوة.
وعن مدرسة والده في تلاوة القرآن، حدثنا الشيخ طارق، قائلاً: «هي مدرسة السهل الممتنع وهي صعبة قليلاً؛ لكن عندما تستمع للشيخ عبد الباسط عبد الصمد يجذبك في القراءة، فكان له أسلوب متفرد فكان يبدأ قراءة القرآن بالصوت العريض ثم يصعد إلى المستوى الأعلى وبعده القرار ويطلع من القرار للجواب وبعده إلى جواب الجواب فيجذب المستمع معه فيأخذه في بحر من النشوة، بالإضافة إلى أن هناك آيات ترهيب وآيات ترغيب، فكان يقوم بعمل تمثيل نغمي للآيات القرآنية بحيث يرى المستمع حال أهل الجنة فيشتاق إليها، ويرى حال أهل النار فيستعيذ منها فكان يقوم بعمل تصوير نغمي للآيات».
وعن ذكريات الشيخ عبد الصمد في رمضان، قال نجله: «كان والدي يقضي شهر رمضان خارج مصر في مختلف دول العالم لإحياء ليالي رمضان في تلك الدول. وكان نادرًا ما يظل في مصر معنا، وإذا لم يسافر وقضى شهر رمضان معنا، فإنه كان يختلي بنفسه في تلاوة القرآن الكريم ويقرأ التفاسير وأحكام القرآن وعلومه ونحن نحرص على تلاوة القرآن ومدارسته ونتزاور فيما بيننا في رمضان»، لافتًا إلى أن «شهر رمضان بالنسبة لوالدي في بداية مشواره كان من أهم شهور العام، فكان يحيي لياليه في دواوين قريته ولا يرد أحدًا يطلب منه أن يقرأ له بضع آيات من القرآن، وكان يتنقل بين محافظات مصر، وفي إحدى المرات قرأ في مجلس المقرئين بمسجد الحسين بالقاهرة، وكان من نصيبه ربع من سورة النحل، وأعجب به الناس حتى أن المشايخ كانوا يلوحون بعمائمهم وكان يستوقفه المستمعون من حين لآخر ليعيد لهم ما قرأه من شدة الإعجاب».
وأضاف الشيخ طارق: «والدي كانت له مكانة كبيرة عند كثير من الملوك والأمراء في العالم»، لافتًا إلى أن العاهل المغربي الراحل الملك محمد الخامس كان يعشق سماع صوت والدي وعرض عليه أكثر من مرة أن يعيش في المغرب، وأن توفر له كل مقومات المعيشة الكريمة؛ لكنه رفض لحبه لمصر. وكان الملك المغربي يحضر إلى مصر خصيصًا ويذهب إلى مسجد السيدة نفيسة (جنوب القاهرة) ليستمع منه إلى قراءة القرآن الكريم، وكانا يجلسان بمسجد السيدة نفيسة حتى الفجر، وفي آخر زيارة للملك محمد الخامس بالقاهرة عرض على والدي أن يترك القاهرة ويذهب معه إلى المغرب ليستقر هناك وعرض عليه أحد القصور والجنسية المغربية فاعتذر له الشيخ ووعده بزيارة المغرب، وكان الرئيس الباكستاني يقدر والدي لدرجة أنه عندما كان يسافر إلى باكستان كان يستقبله في المطار بنفسه ويأخذه من يده من سلم الطائرة وحتى القصر الرئاسي».



المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
TT

المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)

حافظ السعوديون على مظاهر عيد الفطر السعيد التي كانت سائدة في الماضي، كما حرص المقيمون في البلاد من المسلمين على الاحتفال بهذه المناسبة السنوية وفق عاداتهم وتقاليدهم في بلدانهم، أو مشاركة السكان في احتفالاتهم بهذه المناسبة السنوية، علماً بأن السعودية تحتضن مقيمين من نحو 100 جنسية مختلفة.
ويستعد السكان لهذه المناسبة قبل أيام من حلول عيد الفطر، من خلال تجهيز «زكاة الفطر»، وهي شعيرة يستحب استخراجها قبل حلول العيد بيوم أو يومين، ويتم ذلك بشرائها مباشرة من محال بيع المواد الغذائية أو الباعة الجائلين، الذين ينتشرون في الأسواق أو على الطرقات ويفترشون الأرض أمام أكياس معبئة من الحبوب من قوت البلد بمقياس الصاع النبوي، والذي كان لا يتعدى القمح والزبيب، ولكن في العصر الحالي دخل الأرز كقوت وحيد لاستخراج الزكاة.
وفي كل عام يتكرر المشهد السائد ذاته منذ عقود في الاحتفال بعيد الفطر السعيد ومع حلوله اليوم في السعودية تستعيد ذاكرة السكان، وخصوصاً من كبار السن ذكريات عن هذه الفرائحية السنوية أيام زمان، وفق استعدادات ومتطلبات خاصة وبعض المظاهر الاحتفالية التي تسبق المناسبة.

السعوديون يحرصون على الإفطار الجماعي يوم العيد (أرشيفية - واس)

وحافظت بعض المدن والمحافظات والقرى والهجر في السعودية على مظاهر العيد التي كانت سائدة في الماضي؛ إذ حرص السكان على إبقاء هذه المظاهر ومحاولة توريثها للأبناء. ولوحظ خلال الأعوام الماضية حرص السكان على إحياء المظاهر الاحتفالية بعيد الفطر من خلال موائد العيد بمشاركة جميع سكان الحي، وتمثلت هذه المظاهر في تخصيص أماكن بالقرب من المساجد أو الأراضي الفضاء ونصب الخيام داخلها وفرشها بالسجاد ليبدأ سكان الأحياء بُعيد الصلاة بالتجمع في هذه الأماكن وتبادل التهنئة بالعيد، ثم تناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، بعدها يتم إحضار موائد العيد من المنازل أو المطابخ، التي لا تتعدى الكبسة السعودية والأكلات الشعبية الأخرى المصنوعة من القمح المحلي، وأبرزها الجريش والمرقوق والمطازيز، علماً بأن ربات البيوت يحرصن على التنسيق فيما يتعلق بهذه الأطباق لتحقيق التنوع في مائدة العيد وعدم طغيان طبق على آخر.
ويحرص السكان على المشاركة في احتفالية العيد التي تبدأ بتناول إفطار العيد في ساعة مبكرة بعد أن يؤدي سكان الحي صلاة العيد في المسجد يتوجه السكان إلى المكان المخصص للإفطار، الذي يفرش عادة بالسجاد (الزوالي) مع وضع بعض المقاعد لكبار السن ليتسنى لهم المشاركة في هذه الاحتفالات وفي المكان يتم تبادل التهاني بالعيد وتناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، وبعدها يبدأ إخراج موائد العيد من المنازل وتوزيعها على السفرة التي تفرش عادة في الساحات القريبة من المسجد أو في الأراضي الفضاء داخل الحي أو حتى في الشوارع الفرعية، كما تقيم إمارات المناطق والمحافظات إفطاراً في مقراتها في ساعة مبكرة من الصباح يشارك بها السكان من مواطنين ومقيمين.

الأطفال أكثر فرحاً بحلول العيد (أرشيفية - واس)

وبعد انتهاء إفطار العيد يتوجه أرباب الأسر مع عائلاتهم إلى الأقارب للتهنئة بالعيد ضمن اعتبارات تتعلق بأعمار المزارين ودرجة القرابة، حيث الأولوية لعمداء الأسر وكبار السن منهم، ولأن الساعة البيولوجية للسكان يصيبها الخلل خلال شهر الصوم، فإن البعض يحرص على أخذ قسط من الراحة قبيل صلاة الظهر أو بعدها، ثم يبدأ بعد العصر بزيارة الأقارب والأصدقاء حتى المساء، حيث يخيّم الهدوء على المنازل، ويحرص المشاركون في الإفطار على تذوق جميع الأطباق التي غالباً ما يتم إعدادها داخل المنازل، التي لا تتعدى أطباق الكبسة والجريش وأحياناً القرصان أو المرقوق أو المطازيز، خصوصاً في أيام الصيف، حيث كانت موائد العيد خلال الشتاء تزين بالأكلات الشعبية مثل الحنيني والفريك.
وفي الوقت الذي اختفت فيه بعض مظاهر العيد القديمة عادت هذه الأجواء التي تسبق يوم عيد الفطر المبارك بيوم أو يومين للظهور مجدداً في بعض المدن والقرى بعد أن اختفت منذ خمسة عقود والمتمثلة في المناسبة الفرحية المعروفة باسم العيدية، التي تحمل مسميات مختلفة في مناطق السعودية، منها «الحوامة» أو «الخبازة» أو «الحقاقة» أو «القرقيعان» في المنطقة الشرقية ودول الخليج، كما تم إحياء هذا التراث الذي اندثر منذ سنوات الطفرة وانتقال السكان من منازلهم الطينية إلى منازل حديثة، وقد ساهمت الحضارة الحديثة وانتقال السكان من الأحياء والأزقة الطينية في القرى والمدن في اختفاء هذا المظهر الفرحي للصغار في شهر رمضان ومع حلول العيد. يشار إلى أن المظاهر الاحتفالية لعيدية رمضان قبل عقود عدة تتمثل في قيام الأطفال بطرق الأبواب صباح آخر يوم من أيام رمضان وطلب العيدية التي كانت لا تتعدى البيض المسلوق أو القمح المشوي مع سنابله والمعروف باسم «السهو»، ثم تطور الأمر إلى تقديم المكسرات والحلوى، خصوصاً القريض والفصفص وحب القرع وحب الشمام والحبحب، وحلّت محلها هدايا كألعاب الأطفال أو أجهزة الهاتف المحمول أو النقود.