حسين فهمي لـ«الشرق الأوسط»: قوة المهرجانات في ميزانياتها

قال إن تأجيل «الجونة» لا يفيد «القاهرة السينمائي»

الفنان المصري حسين فهمي
الفنان المصري حسين فهمي
TT

حسين فهمي لـ«الشرق الأوسط»: قوة المهرجانات في ميزانياتها

الفنان المصري حسين فهمي
الفنان المصري حسين فهمي

وعد الفنان المصري حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، بتقديم دورة جديدة ومميزة من المهرجان، نافياً أن يكون إلغاء دورة الجونة السينمائي هذا العام قد أفاده، وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إنه «يواجه مجدداً أزمة اختيار الأفلام المصرية في المهرجان لسيطرة الأفلام التجارية على الإنتاج السينمائي المصري، ولمح إلى تقديم المهرجان تحية خاصة للمخرجة الأميركية الراحلة ديان ويرمان، داعياً زملاءه الفنانين لحضور المهرجان الذي سيشهده كبار صناع السينما في العالم.
واختلفت حياة الفنان حسين فهمي كثيراً منذ توليه رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي، فقد أجل مشروعاته الفنية بعد انتهائه من تصوير فيلم «الملحد»، لمتابعة أدق تفاصيل المهرجان، ومع بدء العد التنازلي لانطلاق الدورة 44 (من 13: 22 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل) أعلن حالة الطوارئ، بحسب وصفه، مضيفاً: «أذهب حالياً للمكتب يومياً، هناك مقابلات داخل وخارج المكتب، بجانب بعض السفريات السريعة المقتصرة على أمور تتعلق بالمهرجان».

وعاد فهمي متعجلاً من مهرجان «فينيسيا»، الذي حضر بعض أيامه مؤكداً: «بذلنا جهداً كبيراً، لكن المهم أننا خرجنا بنتيجة جيدة، واخترنا أفلاماً مهمة»، غير أنه لم يتمكن من حضور مهرجان تورونتو أو المهرجانات الأخرى: «لو حضرت كل المهرجانات لن أتمكن من التركيز في عملي، انشغالي بتفاصيل عديدة تحتم وجودي بالقاهرة، وقد حضرت (كان) و(فينيسيا) اللذان يعدان بجانب مهرجان برلين من أهم وأكبر ثلاث مهرجانات سينمائية في العالم، نستطيع أن نلتقي فيها بمنتجين وبها تفاعلات عديدة، وهي تعد مجالاً واسعاً لاختيارات أفلام أو أعضاء لجان تحكيم، لكننا أجرينا أيضاً اتفاقات مع شخصيات عديدة ستوجد بالمهرجان، سواء كضيوف أو في لجان التحكيم».
وبينما يرى نقاد وفنانون أن حسين فهمي محظوظ لتأجيل دورة مهرجان الجونة لهذا العام، لإتاحة الفرصة أمام «القاهرة السينمائي» لعرض أفلام عالمية مهمة كان يسبقه إليها «الجونة»، ينفي فهمي ذلك قائلاً: «حزنت جداً لعدم انعقاد مهرجان الجونة هذا العام، لأن وجود مهرجان ناجح يوجد حالة من المنافسة، أنا شخصياً أستمتع بالمنافسة، لكن غيابه لم يسهل لنا شيئاً لأن لنا خطنا وسياستنا وأهدافنا، لكنني أحزن حين يسقط منا مهرجان ناجح، وأتمنى أن يعود لاستئناف نشاطه».
أزمة اختيار الفيلم المصري في المهرجان تواجه كل من يتولى رئاسة «القاهرة السينمائي»، التي سبق وأن واجهها حسين فهمي من قبل وتتكرر هذا العام: «في بعض الدورات السابقة التي توليت فيها رئاسة المهرجان لم أجد فيلماً مصرياً لتقديمه للمهرجان، لأن إنتاجنا يتركز على أفلام تجارية، كما أن هناك أفلاماً مأخوذة من أفلام أجنبية لا أستطيع تقديمها في مهرجان دولي ولجنة تحكيم دولية، لست ضد الفيلم التجاري لكن لا بد أن يتميز في النواحي الفنية، السينما مثلث، أضلاعه (فن وصناعة وتجارة)، لذلك لا بد أن تتوفر في الفيلم مقومات فنية، سواء في موضوعه أو أسلوب تناوله، أو تصويره، لكن الناحية التجارية تغلب على الفيلم المصري، هذا ليس عيباً نحن قدمنا أفلاما تجارية مثل (العار)، (خلي بالك من زوزو)، (جري الوحوش)، لكن هناك عناصر فنية ميزتها»، مشيراً إلى أن إدارة المهرجان أمامها مجموعة أفلام تختار منها.

وظهر حسين فهمي في مقاطع فيديو مصورة عبر قناة المهرجان يتحدث فيها عن معايير اختيار المكرمين، وعن الـ«دريس كود»، قال: «سنعمل على ظهور المهرجان بشكل أنيق».
منذ تقديم فهمي لاستقالته من رئاسة المهرجان قبل 21 عاماً احتجاجاً على ضعف الميزانية ظل متحفظاً على العودة، غير أنه يبرر قبوله المسؤولية مجدداً، وهو يقول مبتسماً: «المهرجان (وحشني)... لا أقدم سوى على الأشياء التي أشعر بوحشة لها، مثلاً المسرح حينما أشعر برغبة في العودة إليه أعود إليه دونما تردد، والميزانية كانت هي الأهم بالنسبة لي، لأن أحلامي كبيرة جداً للمهرجان، كما أن السينما المصرية تستحق أن يكون لها مهرجان قوي، والقوة تستمد بالدرجة الأولى من ميزانية المهرجان، وقد حصلت على وعود بدعم مالي قوي، وهذا ما أغراني بالعودة، كما استطعنا جلب رعاة جيدين».
ولفت قائلاً: «التوقعات كبيرة مني، وهذا يضع علي مسؤوليات عديدة، وأتمنى أن أكون عند حسن ظنهم».
بين الفترة الأولى التي تولى فيها رئاسة المهرجان وعودته تغير تنظيم المهرجانات بشكل لافت كما يقول: «الدنيا تغيرت تماماً... طريقة التنظيم والاتصالات وحجز التذاكر كلها تغيرت، التكنولوجيا أحدث تطوراً ملحوظاً ولا بد أن نواكب هذا التطور».
وكشف حسين فهمي عن وجود تعاون وتنسيق بين «القاهرة السينمائي» و«البحر الأحمر السينمائي»: «بيننا تنسيق متكامل وتعاون كبير، عناصر إدارة مهرجان البحر الأحمر كلهم أصدقائي، وسيوجدون في مهرجان القاهرة ونحن سنوجد معهم في البحر الأحمر، وهناك بروتوكولات سنوقعها معاً، كما أن لدينا تنسيقاً كاملاً مع المهرجانات العربية، وستوجد السينما العربية بقوة في المهرجان.
يتطلع فهمي لوضع بصمته الخاصة على دورة القاهرة السينمائي المقبلة: «يهمني تحقيق لمسة حضارية في الدورة المقبلة، لا بد أن يكون هناك احترام كبير للسينما المصرية، التي تعد السينما الأم في المنطقة العربية، لا بد أن نقدم السينما في أفضل شكل، لذلك أدعو جميع نجوم السينما المصرية للحضور، ليس فقط حفلي الافتتاح والختام، بل في كل فعاليات المهرجان، وأن يكونوا في استقبال ضيوفنا، لدينا ضيوف مهمون جداً سيقدمون محاضرات في السينما، وستكون هناك حركة فنية على مدى أيام المهرجان، وسوف تزدهر دار الأوبرا بالأفلام والحضور».



الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».