الأستار... رحلة بالصور مع البيت العتيق

كتاب للمصور السعودي عادل القريشي في حب الكعبة

لقطة لعملية إسدال كسوة الكعبة الجديدة  -  باب الكعبة والضياء (تصوير: عادل القريشي)
لقطة لعملية إسدال كسوة الكعبة الجديدة - باب الكعبة والضياء (تصوير: عادل القريشي)
TT

الأستار... رحلة بالصور مع البيت العتيق

لقطة لعملية إسدال كسوة الكعبة الجديدة  -  باب الكعبة والضياء (تصوير: عادل القريشي)
لقطة لعملية إسدال كسوة الكعبة الجديدة - باب الكعبة والضياء (تصوير: عادل القريشي)

بشغف وحب أمضى المصور السعودي عادل القريشي أربعة أعوام يصور لقطات كتابه الثاني، ومن خلاله هامت كاميرته بالكعبة وبعناصرها. وأخيراً، نشرت صوره في كتابين من القطع الكبير تحت عنوان «أستار». تصفح الكتاب يحتاج إلى وقت وتأنٍ، فقراءة كتاب بهذا الحجم سواء من ناحية الحجم الفعلي أو من ناحية الموضوع، يحتاج إلى فسحة من التأمل والهدوء.
- البدايات
يبدأ القريشي كتابه بتتبع رحلة أستار الكعبة من ولادتها في «شِلل» من خيوط الحرير السوداء الملتفة حول بعضها، نراها في لقطة بديعة تأخذ بيدنا للبدايات ونتبع الخيوط وهي تنتظم جنباً لجنب ليخرج القماش كما نراه كاسياً ذلك العمران المقدس. تشدني لقطات «شلل» الخيوط السوداء، رغم طغيان اللون الأسود فإن هناك حركة تميز بين الخيوط بلمعة خاصة وبخيط أبيض وحيد يضم أطرافها كم تضم الشرائط ضفائر الشعر.
ننطلق من البدايات إذن، وهنا أسأل القريشي عن الكتاب وهو الثاني له بعد كتاب «الأغوات»، كيف جاءت الفكرة؟ يقول «جاءتني الفكرة بينما كنت أصور في الحرم المدني وأنا أعمل على كتاب (الأغوات). بدا بديهياً أن يكون مشروعي التصويري الثاني عن الكعبة».

الباب والمفتاح  -  عملية تغيير الكسوة في يوم عرفة (تصوير: عادل القريشي)

الكعبة موضوع ضخم جداً، ولكنه أيضاً موضوع غطته ملايين الكاميرات في العالم، يعرف أنها «أكثر مبنى صُوّر في العالم»، ولكنه قرر أن يقدم رؤيته الخاصة وأن تكون صوره مرتبطة بالبيت العتيق كرمز للوحدانية، واختار لتوقيته يوم عرفة في موسم الحج. ولهذا؛ استغرقت عملية التصوير أربعة أعوام، من يوم عرفة ليوم عرفة تدربت عدسات الكاميرا على الصبر.
يقول «الكعبة تحدٍ كبير لي كمصور، أكثر مبنى صور في التاريخ، ولم أكن أعتقد أن أستطيع إنتاج كتاب واحد عن الكعبة، ولكن في النهاية أنتجت كتابين».
وأضاف «لأن الموضوع محصور في شيء يراه الناس كل يوم، فكرت أن الناس متعودة على رؤية الكعبة والكسوة عليها مشدودة ومنسدلة بأحسن طريقة، بينما في يوم عرفة تظهر الكسوة الجديدة وكأنها متموجة فأعجبتني هذه الزاوية لأنطلق منها».
أسأله عن الفترة الطويلة التي قضاها في إعداد الكتاب وخاصة مرحلة التصوير، يجيب ببساطة «بطبيعتي أحب أن آخذ وقتي في التصوير. كنت أنتظر من عام للتالي لأحصل على اللقطات التي أريدها». ورغم أن الكتاب أيضاً يضم صوراً للمعتمرين والمصلين في أيام مختلفة يشير إلى أن جل التصوير كان في أيام عرفة «تركيزي كان على موسم الحج».
الصور تتعامل بحب وافتتان مع عملية تغيير الكسوة، مع الأستار وهي ترفع عن البناء المقدس، صوره ترينا الأستار وهو مبرومة تمسها الحبال لتسدلها بينما يرفع المصلون أكفهم بالدعاء. في لقطات أخرى نرى تفاصيل للحركة الدائبة في عملية تغيير الكسوة عبر لقطات للعمال على سطح الكعبة يخيطون أستارها. تلتقط عدسة الكاميرا التفاصيل بدقة في أحيان وفي أحيان أخرى تبدو التفاصيل غائمة كأن المصور يستخدم فرشاة الرسام، ليحول صفوف العابدين لأمواج بشرية مجتمعة في طقس واحد. في صورة فائقة الإبداع والتعبير نرى الكعبة وهي تقف شامخة مزهوة بثوبها الأغلى وتحتها ما يشبه الأمواج البشرية، غائبة الملامح الشخصية ولكنها منتظمة في الموج البشري النابض بالحب والدعاء.
في صور أخرى يتفنن المصور في استخدام الضوء للتعبير عن القدسية والروحانية، مثل صور للباب يتألق ويضيئ ملقياً ما يشبه الشعاع الذهبي على المعتمرين والمصلين، وفي صورة ثانية يبدو وكأن الضوء قد ألقى ستارة من الضوء على الأشخاص والبناء.


قماش كسوة الكعبة قبل خياطته  -  ضفائر من خيوط الحرير السوداء في مصنع الكسوة

- البداية خيط من الحرير
أعود مع القريشي للمرحلة الأولى من مشروعه الضخم، أسأله إن كان زار مصنع الكسوة في مكة المكرمة «ماذا كان في بالك والغرض من الذهاب، العاملون أم عملية الحياكة؟»، يجيب بأن هدفه من الزيارة لم يكن لتسجيل عملية الحياكة «لم أرغب في تصوير (مكننة) حياكة الكسوة؛ فذلك كان سيدخل الكتاب في روح مختلفة». هدفه كان رؤية القماش وأن يجد صيغاً جديدة لتصويره «كنت أريد الخروج بصور غير مألوفة للكسوة، أردت تصويرها وهي لفائف من القماش المطوي في طبقات متتابعة (قمت بنفسي بطي قطعة من القماش لأصل إلى صورة هامة في سرد القصة)».
تابع المصور بعدسته رحلة الخيوط الحريرية السوداء التي تتحول لتصبح «لفات» من القماش تحاك مع مثيلاتها قبل يضاف لها التطريز الذهبي في مرحلة لاحقة. تلفتني صورة لـ«رول» القماش الأسود المطبوع بالآيات القرآنية وهي مفروده على صفحتين متقابلتين، مكونة ما يشبه الطريق أو الصراط.
- وراء الكواليس
تعرض لقطات تالية الآيات المطرزة بخيوط الفضة والذهب، لقطات مقربة جداً بحيث نشعر بأننا نسمع تنفس الخطاط، هنا نرى كل خيط وكل غرزة، وأيضاً نلمح اسم «عبد الرحيم أمين» في الأسفل، وكأن اللقطة تأخذنا للشخص الذي قضى أيامه ممسكاً بالإبرة والخيط ليطرز الآيات القرآنية على القماش وهي نظرة لكواليس حياكة الكسوة.
لاسم عبد الرحيم أمين قصة يسردها لنا القريشي قائلاً «أردت التركيز على هذا الاسم من خلال اللقطة المقربة»، ويشرح «بعد جولة التصوير الأولى للكعبة قمت بتكبير الصور ووجدت اسمه، ثم عدت لصور قديمة تعود لأكثر من أربعين عاماً ووجدت الاسم موجوداً ما يعني أنه شخص كبير في السن، وراودتني رغبة في أن ألتقط صوراً لهذا الرجل قبل وفاته. وفي أول زيارة لمصنع الكسوة طلبت أن أقابل عبد الرحيم أمين، ولكن الرد جاء مفاجأة إذا اكتشفت أنه توفي منذ زمن، وتساءلت (ولكن اسمه ما زال موجوداً على الكسوة)، وهنا عرفت أن هناك أمراً ملكياً ببقاء اسم خطاط الكسوة عليها ما دام الخط المستخدم له، وقد أكرمه الله بأن جعل اسمه على الكسوة لسنوات طويلة».
تأخذنا هذه الجزئية وحرص المصور على إبراز العامل الإنساني للحديث عن صور الأشخاص المختلفين الذي توقفت عندهم عدسة القريشي، فهناك صور عديدة للمصلين وهم في وضع السجود أو وهم يبتهلون أمام باب الكعبة أو يلمسون بأيديهم الحجر الأسود. ولكن القريشي يقدم لنا أيضاً وجوهاً باسمة وقفت أمام عدسته، نساء ورجال وأطفال من جميع أنحاء العالم، وصور للعاملين في الحرم المكي. أسأله إن كان تصوير الوجوه شغفاً خاصاً عنده، ويجيب «بالفعل، هي شغفي فعلاً، أتمنى أن أصور (بورتريهات)».
أشير إلى لوحة لفتت انتباهي وهي للحجاج أمام الكعبة وهم يحملون مظلات ملونة، تبدو مثل لوحة فنية بها الكثير من الحركة والفرحة، يقول «فعلاً كأنها حديقة ورد، الصورة التقطت في أول أيام عيد الأضحى، حيث درج الحجاج على حمل المظلات المهداة لهم من الشركات التجارية المختلفة».

اسم خطاط الكعبة عبد الرحيم أمين على الكسوة (تصوير: عادل القريشي)

سجل المصور الكثير من الأشخاص في كتابه، ولكن غاب عن كتابه صور العاملين في مصنع الكسوة، لماذا؟ يقول «صورت بالفعل عدداً من العمال، لكن عندما انتهت مرحلة التصوير قررت أنا ومصمم الكتاب أننا لو بدأت في إدخال المكننة، سيتخذ الكتاب طريقاً مختلفة؛ لأنه كتاب روحاني أكثر، فهو ليس تأريخاً لصناعة إنما هو عن تأريخ الكسوة، كأنها لها حياة منفصلة ولم أرد إدخال ناس غير العباد».
- تصميم الكتاب
ننتقل في الحديث لعملية تصميم الكتاب وتقسيمه وتوزيع الصور. يرجع ذلك أولا للمصمم «أنا أشبّه عملي بمن ينقب في منجم، أغوص فيه وأحفر وأخرج مجوهرات، وأنا في بالي عقد ثمين. وعندما أحمل الجواهر وأعطيها للصائغ ليصنع ذلك العقد، قد أتدخل في التصميم ولكن يظل هو صاحب الصنعة».
يشير إلى أنه أراد أن يعبّر الكتاب عن طريقة عمله «عند التصوير أردت أن أفكك الكعبة إلى عناصرها، فهناك الباب، والحجر الأسود، والركن اليماني، ومقام إبراهيم، والميزاب، وحجر إسماعيل والأستار وبعدها العباد، الناس».
- السدنة والمفتاح
يفرد الكتاب الأول قسماً لمفتاح الكعبة وللسدنة من بني شيبة، تفتتح الفصل صورة بالغة التعبير ليد كبير السدنة وهي ممسكة بالمفتاح، القبضة تبدو قوية وثابته وتترك أثراً بليغاً في النفس.
يتحدث القريشي عن السدنة والمهمة التي كرموا بها بحمل مفاتيح الكعبة منذ الأزل «السدنة مثيرون للاهتمام، لهم حق ثابت بشرف السدانة، أنا عندي قناعة أن المفتاح ليس قطعة الحديد، الصورة الأولى فيها عنفوان وما أردت قوله هو (اليد هي المفتاح) وليست قطعة الحديد، التي قد تتغير ولكن السدنة لا يتغيرون، دائماً من بني شيبة».

لقطة من كتاب «الأستار»

عبر صور متتالية قدم القريشي صوراً لعدد من المفاتيح، منها صورة لمفتاح الكعبة الرئيسي ثم صورة أخرى لمقام إبراهيم (يفتح فقط عند التنظيف)، ومفتاح باب التوبة داخل الكعبة إضافة إلى صورة لمفتاح الكعبة الأثري القابع في متحف الحرمين بمكة المكرمة. غير أن صورة لمفتاح حديث صغير جداً تلفت انتباهي وأسأله عنه «يقول المفتاح الصغير الحديث هو مفتاح لخزانة داخل الكعبة تستخدم لحفظ القفل والمفتاح عند القيام بغسل الكعبة». ويمكن النظر لصورة المفتاح الحديث على أنها تبرز التسلسل التاريخي للمفاتيح، خاصة مع وجود صورة المفتاح الأثري الذي يعود لعهد السلطان عبد الحميد الثاني مؤرخ بعام 1309 هجرية.
في تصويره ليد كبير السدنة وهي ممسكة بالمفتاح عبر صورتين، يشير إلى أنه أراد التعبير عن مغزى معين «مغزى طريقة مسك المفتاح في الصورة الثانية أردت أن تظهر مسكة الحق، فبنو شيبة لديهم حق إلهي بحمل المفتاح يتوارثون المفاتيح كابراً عن كابر؛ ولهذا صورت أفراد العائلة وأجيالها حتى أصغر طفل، هناك أجيال من المفاتيح كما هناك أجيال من بني شيبة».
في مقدمة الكتاب يتحدث القريشي عن سهولة وبساطة العقيدة الإسلامية وهو وصف ينسحب على محتويات كتابه، إذا تميزت صوره بالبساطة وبالعمق بنظرة فلسفية يقول «هناك نقطة مهمة، أن الكعبة هي تختصر عقيدة التوحيد، (الله لا إله إلا هو) إله واحد، الرقم واحد هو قلب العقيدة الإسلامية. وبهذا المفهوم نجد أن الكعبة تمثل الوحدانية، هي مبنى واحد وله باب واحد، بمفتاح واحد، الحجرة لا تضم سوى باب واحد في الداخل، مزراب واحد لتصريف المياه، فالكعبة هي التجسيد المعماري لعقيدة التوحيد».


مقالات ذات صلة

مصر تلغي تراخيص شركات سياحية «متورطة» في تسفير حجاج «غير نظاميين»

شمال افريقيا الحجاج المصريون النظاميون يؤدون مناسك الحج (أرشيفية - وزارة التضامن الاجتماعي)

مصر تلغي تراخيص شركات سياحية «متورطة» في تسفير حجاج «غير نظاميين»

ألغت وزارة السياحة والآثار المصرية تراخيص 36 شركة سياحة، على خلفية تورطها في تسفير حجاج «غير نظاميين» إلى السعودية.

أحمد عدلي (القاهرة)
الخليج 7700 رحلة جوية عبر 6 مطارات نقلت حجاج الخارج إلى السعودية لأداء فريضة الحج (واس)

السعودية تودّع آخر طلائع الحجاج عبر مطار المدينة المنورة

غادر أراضي السعودية، الأحد، آخر فوج من حجاج العام الهجري المنصرم 1445هـ، على «الخطوط السعودية» من مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي في المدينة المنورة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صورة للطرفين عقب توقيع الاتفاقية (مجموعة السعودية)

«مجموعة السعودية» توقّع صفقة لشراء 100 طائرة كهربائية

وقّعت «مجموعة السعودية» مع شركة «ليليوم» الألمانية، المتخصصة في صناعة «التاكسي الطائر»، صفقة لشراء 100 مركبة طائرة كهربائية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الثوب الأغلى في العالم بحلته الجديدة يكسو الكعبة المشرفة في المسجد الحرام بمكة المكرمة (هيئة العناية بشؤون الحرمين)

«الكعبة المشرفة» تتزين بالثوب الأنفس في العالم بحلته الجديدة

ارتدت الكعبة المشرفة ثوبها الجديد، الأحد، جرياً على العادة السنوية من كل عام هجري على يد 159 صانعاً وحرفياً سعودياً مدربين ومؤهلين علمياً وعملياً.

إبراهيم القرشي (جدة)
الخليج 
«اعتدال» و«تلغرام» يتعاونان منذ عام 2022 على الوقاية ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» و«تلغرام» يزيلان خلال الحج مليوني محتوى «متطرف»

تمكّن «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف» (اعتدال)، ومنصة «تلغرام» خلال موسم الحج للعام الحالي، من إزالة أكثر من مليونَي محتوى متطرف، ورصد الجانبان ازدياداً.

غازي الحارثي (الرياض)

«هدن إنسانية» للتلقيح ضد شلل الأطفال في غزة

TT

«هدن إنسانية» للتلقيح ضد شلل الأطفال في غزة

طفل يتلقى جرعة التطعيم في مستشفى بخان يونس (أ.ب)
طفل يتلقى جرعة التطعيم في مستشفى بخان يونس (أ.ب)

من المقرر أن تبدأ الأحد «هدن إنسانية» لا تزال ملامحها غير واضحة، هدفها السماح ببدء التطعيم ضد مرض شلل الأطفال على نطاق واسع في قطاع غزة.

وأعلن مسؤول في وزارة الصحة التابعة لحركة «حماس» لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بدء حملة التلقيح ضد شلل الأطفال وسط قطاع غزة السبت، بعدما أفادت الأمم المتحدة بموافقة إسرائيل على «هدن إنسانية» للسماح بتطعيم الأطفال رغم الحرب المستمرة منذ نحو 11 شهراً.

وقال الطبيب موسى عابد، مدير الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة بقطاع غزة، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن فرق وزارة الصحة بالتعاون مع الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية بدأت «أمس (السبت) بحملة التطعيم ضد شلل الأطفال في المنطقة الوسطى».

من جهته، أوضح عامل أجنبي في المجال الإنساني أن وزارة الصحة أطلقت حملة التطعيم السبت، لكن الحملة ستنفّذ على نطاق أوسع الأحد.

وقالت السلطات الإسرائيلية من جانبها، إن اللقاحات سيجري تقديمها من الساعة السادسة صباحاً حتى الثانية من بعد الظهر، من الأحد إلى الثلاثاء، في وسط القطاع. وأضافت: «في نهاية كل حملة تطعيم مناطقية، سيجري تقييم للوضع».

وحددت وزارة الصحة في غزة ووكالات الأمم المتحدة 67 مركزاً للتطعيم، في المستشفيات والمستوصفات والمدارس في وسط القطاع الفلسطيني الصغير.

وفي الجنوب، سيكون هناك 59 مركزاً، إضافة إلى 33 مركزاً في الشمال الذي بات غير مأهول إلى حد كبير. وفي هذين الجزأين من القطاع، سيجري التطعيم في مرحلة ثانية ثم ثالثة.

وبعدما غاب 25 عاماً عن الأراضي الفلسطينية، تأكدت أول إصابة بشلل الأطفال في غزة لدى طفل في شهره العاشر بدير البلح، بعد رصد الفيروس في عيّنات مياه جمعت نهاية يونيو (حزيران) في خان يونس ودير البلح.

وأرسلت الأمم المتحدة 1.2 مليون جرعة، واللقاحات عبارة عن قطرات فموية وليست حقناً.

وقال فلسطينيون قدموا مع أطفالهم، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنهم حضروا من أجل تلقي الجرعة الأولى خوفاً من انتشار الأوبئة بين الأطفال، وكلهم تقريباً من النازحين.

- عدم توافر النظافة

وجاء عائد أبو طه (33 عاماً) مع طفله الذي يبلغ 11 شهراً إلى مستشفى ناصر في خان يونس، للحصول على الجرعة الأولى من التطعيم.

وقال إنها «حملة مهمة جداً للتطعيم ضد شلل الأطفال في ظل تكدّس أعداد النازحين وانتشار كثير من الأمراض بسبب استمرار الحرب الإسرائيلية».

وتابع: «جئت ليأخذ ابني الجرعة الأولى من هذا التطعيم لشدة خوفي على ابني من أن يصيبه أي مرض».

كذلك، حضر بكر ديب (35 عاماً) ليحصل أطفاله الثلاثة؛ وهم طفل في عامه الثالث وطفلة تبلغ 5 سنوات وأخرى عمرها 8 سنوات، على الجرعة الأولى.

وقال: «كنت في البداية متردداً وخائفاً جداً من مدى أمان هذا التطعيم. لكن بعد التأكيدات على أمانه وذهاب الجميع لنقاط التطعيم، قررت الذهاب بأطفالي أيضاً كي أحميهم من الأمراض».

وأضاف: «أطفالي أصيبوا بأمراض عدة بسبب الحرب وعدم توافر النظافة نتيجة الظروف التي نعيشها».

وأدى هجوم «حماس» على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (ترين الأول)، إلى مقتل 1199 شخصاً، معظمهم مدنيون، وفق تعداد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» يستند إلى أرقام إسرائيلية رسمية.

وخُطف 251 شخصاً في ذلك اليوم، لا يزال 103 منهم محتجزين في غزة، بينهم 33 أعلن الجيش موتهم.

وتسبّب القصف والعمليات البرية الإسرائيلية على قطاع غزة رداً على هجوم «حماس» بمقتل ما لا يقل عن 40 ألفاً و691 شخصاً، وفقاً لآخر أرقام وزارة الصحة التابعة لـ«حماس». وتؤكد الأمم المتحدة أن غالبية القتلى من النساء والأطفال.

وفي قطاع غزة، قتل 9 فلسطينيين من عائلة واحدة، بينهم امرأتان، في قصف صباح السبت، على منزل في مخيم النصيرات، بحسب ما أفاد الطبيب مروان أبو نصار «وكالة الصحافة الفرنسية» في مستشفى العودة إلى حيث نقلت جثامينهم.

وأكد أحمد الكحلوت من «الدفاع المدني» في غزة سقوط قتلى وجرحى بعد غارة إسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع.

وبحسب صور بثتها «وكالة الصحافة الفرنسية»، لجأ رجال إنقاذ إلى أضواء المشاعل أو الهواتف الجوالة لنقل مصابين إلى سيارات إسعاف، بينما بحث آخرون عن مفقودين تحت الأنقاض.

وفي جنوب القطاع، أفاد «الهلال الأحمر» الفلسطيني بمقتل 5 أشخاص في قصف لمنزل بخان يونس.

وفي المساء، أفاد «الدفاع المدني» ومصدر طبي في مستشفى المعمداني بسقوط «شهداء وجرحى نتيجة قصف إسرائيلي على أرض ملاصقة لقسم المختبرات بمستشفى المعمداني بمدينة غزة».

من جهتها، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية «استهداف حرم المستشفى الأهلي (المعمداني) مساء أمس (السبت)» في هجوم أسفر عن «كثير من الشهداء والإصابات».

وأعلن الجيش الإسرائيلي الجمعة، أنه أنهى عملية استمرت شهراً في خان يونس (جنوب) ودير البلح (وسط).

- العملية العسكرية في الضفة

توازياً، دارت معارك في جنين السبت، إذ واصل الجيش الإسرائيلي لليوم الرابع توالياً عمليته العسكرية الدامية في شمال الضفة الغربية المحتلة منذ عام 1967.

وفي الحي الشرقي لمدينة جنين، قالت فايزة أبو جعفر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وهي تشير إلى الدمار المحيط بها: «الوضع صعب، صعب جداً، على الأطفال وعلى الجميع. خوف ورعب. ودمار...».

وقال مجدي المهدي: «المياه مقطوعة والكهرباء مقطوعة... كل البنية التحتية دمّرت. لم تبقَ بنية تحتية».

ووصف ما حدث بأنه «حرب»، مضيفاً: «أقاموا ثكنة عسكرية قبالتنا، وكانوا يُحضرون الشبان إليها للتحقيق معهم».

ومنذ بدء الحرب بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة، ازدادت أعمال العنف في الضفة الغربية.

وتشهد الضفة الغربية توغلات إسرائيلية منتظمة، لكن من النادر أن تنفذ بشكل متزامن في مدن عدة، وبإسناد جوي، كما يحدث منذ الأربعاء.

ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) عن المسؤول في بلدية جنين بشير مطاحن، قوله إن «المياه قد انقطعت عن 80 في المائة من المدينة وكامل المخيم، بسبب تدمير الشبكات وعدم قدرة الطواقم الفنية على الوصول إلى تلك الشبكات».

وخلال زيارة لجنين السبت، قال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، إن القوات الإسرائيلية «لن تسمح للإرهاب (في الضفة الغربية) بأن يرفع رأسه» لتهديد إسرائيل.

وأضاف: «لذلك، فإن المخطط هو الذهاب من مدينة إلى مدينة، ومن مخيم إلى مخيم، بمعلومات استخبارية ممتازة وبقدرات عملياتية جيدة جداً وبغطاء استخباري جوي متين جداً».

وقُتل 22 فلسطينياً على الأقل، معظمهم مقاتلون، خلال العملية الإسرائيلية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية المحتلة التي بدأتها الدولة العبرية الأربعاء. وقال الجيش الإسرائيلي إنهم جميعهم «إرهابيون»، بينما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) أن من بين القتلى رجلاً ثمانينياً.

وأعلنت «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» أن 14 على الأقل من القتلى ينتمون إلى جناحيهما العسكريين؛ «كتائب القسام» و«سرايا القدس».