الأستار... رحلة بالصور مع البيت العتيق

كتاب للمصور السعودي عادل القريشي في حب الكعبة

لقطة لعملية إسدال كسوة الكعبة الجديدة  -  باب الكعبة والضياء (تصوير: عادل القريشي)
لقطة لعملية إسدال كسوة الكعبة الجديدة - باب الكعبة والضياء (تصوير: عادل القريشي)
TT

الأستار... رحلة بالصور مع البيت العتيق

لقطة لعملية إسدال كسوة الكعبة الجديدة  -  باب الكعبة والضياء (تصوير: عادل القريشي)
لقطة لعملية إسدال كسوة الكعبة الجديدة - باب الكعبة والضياء (تصوير: عادل القريشي)

بشغف وحب أمضى المصور السعودي عادل القريشي أربعة أعوام يصور لقطات كتابه الثاني، ومن خلاله هامت كاميرته بالكعبة وبعناصرها. وأخيراً، نشرت صوره في كتابين من القطع الكبير تحت عنوان «أستار». تصفح الكتاب يحتاج إلى وقت وتأنٍ، فقراءة كتاب بهذا الحجم سواء من ناحية الحجم الفعلي أو من ناحية الموضوع، يحتاج إلى فسحة من التأمل والهدوء.
- البدايات
يبدأ القريشي كتابه بتتبع رحلة أستار الكعبة من ولادتها في «شِلل» من خيوط الحرير السوداء الملتفة حول بعضها، نراها في لقطة بديعة تأخذ بيدنا للبدايات ونتبع الخيوط وهي تنتظم جنباً لجنب ليخرج القماش كما نراه كاسياً ذلك العمران المقدس. تشدني لقطات «شلل» الخيوط السوداء، رغم طغيان اللون الأسود فإن هناك حركة تميز بين الخيوط بلمعة خاصة وبخيط أبيض وحيد يضم أطرافها كم تضم الشرائط ضفائر الشعر.
ننطلق من البدايات إذن، وهنا أسأل القريشي عن الكتاب وهو الثاني له بعد كتاب «الأغوات»، كيف جاءت الفكرة؟ يقول «جاءتني الفكرة بينما كنت أصور في الحرم المدني وأنا أعمل على كتاب (الأغوات). بدا بديهياً أن يكون مشروعي التصويري الثاني عن الكعبة».

الباب والمفتاح  -  عملية تغيير الكسوة في يوم عرفة (تصوير: عادل القريشي)

الكعبة موضوع ضخم جداً، ولكنه أيضاً موضوع غطته ملايين الكاميرات في العالم، يعرف أنها «أكثر مبنى صُوّر في العالم»، ولكنه قرر أن يقدم رؤيته الخاصة وأن تكون صوره مرتبطة بالبيت العتيق كرمز للوحدانية، واختار لتوقيته يوم عرفة في موسم الحج. ولهذا؛ استغرقت عملية التصوير أربعة أعوام، من يوم عرفة ليوم عرفة تدربت عدسات الكاميرا على الصبر.
يقول «الكعبة تحدٍ كبير لي كمصور، أكثر مبنى صور في التاريخ، ولم أكن أعتقد أن أستطيع إنتاج كتاب واحد عن الكعبة، ولكن في النهاية أنتجت كتابين».
وأضاف «لأن الموضوع محصور في شيء يراه الناس كل يوم، فكرت أن الناس متعودة على رؤية الكعبة والكسوة عليها مشدودة ومنسدلة بأحسن طريقة، بينما في يوم عرفة تظهر الكسوة الجديدة وكأنها متموجة فأعجبتني هذه الزاوية لأنطلق منها».
أسأله عن الفترة الطويلة التي قضاها في إعداد الكتاب وخاصة مرحلة التصوير، يجيب ببساطة «بطبيعتي أحب أن آخذ وقتي في التصوير. كنت أنتظر من عام للتالي لأحصل على اللقطات التي أريدها». ورغم أن الكتاب أيضاً يضم صوراً للمعتمرين والمصلين في أيام مختلفة يشير إلى أن جل التصوير كان في أيام عرفة «تركيزي كان على موسم الحج».
الصور تتعامل بحب وافتتان مع عملية تغيير الكسوة، مع الأستار وهي ترفع عن البناء المقدس، صوره ترينا الأستار وهو مبرومة تمسها الحبال لتسدلها بينما يرفع المصلون أكفهم بالدعاء. في لقطات أخرى نرى تفاصيل للحركة الدائبة في عملية تغيير الكسوة عبر لقطات للعمال على سطح الكعبة يخيطون أستارها. تلتقط عدسة الكاميرا التفاصيل بدقة في أحيان وفي أحيان أخرى تبدو التفاصيل غائمة كأن المصور يستخدم فرشاة الرسام، ليحول صفوف العابدين لأمواج بشرية مجتمعة في طقس واحد. في صورة فائقة الإبداع والتعبير نرى الكعبة وهي تقف شامخة مزهوة بثوبها الأغلى وتحتها ما يشبه الأمواج البشرية، غائبة الملامح الشخصية ولكنها منتظمة في الموج البشري النابض بالحب والدعاء.
في صور أخرى يتفنن المصور في استخدام الضوء للتعبير عن القدسية والروحانية، مثل صور للباب يتألق ويضيئ ملقياً ما يشبه الشعاع الذهبي على المعتمرين والمصلين، وفي صورة ثانية يبدو وكأن الضوء قد ألقى ستارة من الضوء على الأشخاص والبناء.


قماش كسوة الكعبة قبل خياطته  -  ضفائر من خيوط الحرير السوداء في مصنع الكسوة

- البداية خيط من الحرير
أعود مع القريشي للمرحلة الأولى من مشروعه الضخم، أسأله إن كان زار مصنع الكسوة في مكة المكرمة «ماذا كان في بالك والغرض من الذهاب، العاملون أم عملية الحياكة؟»، يجيب بأن هدفه من الزيارة لم يكن لتسجيل عملية الحياكة «لم أرغب في تصوير (مكننة) حياكة الكسوة؛ فذلك كان سيدخل الكتاب في روح مختلفة». هدفه كان رؤية القماش وأن يجد صيغاً جديدة لتصويره «كنت أريد الخروج بصور غير مألوفة للكسوة، أردت تصويرها وهي لفائف من القماش المطوي في طبقات متتابعة (قمت بنفسي بطي قطعة من القماش لأصل إلى صورة هامة في سرد القصة)».
تابع المصور بعدسته رحلة الخيوط الحريرية السوداء التي تتحول لتصبح «لفات» من القماش تحاك مع مثيلاتها قبل يضاف لها التطريز الذهبي في مرحلة لاحقة. تلفتني صورة لـ«رول» القماش الأسود المطبوع بالآيات القرآنية وهي مفروده على صفحتين متقابلتين، مكونة ما يشبه الطريق أو الصراط.
- وراء الكواليس
تعرض لقطات تالية الآيات المطرزة بخيوط الفضة والذهب، لقطات مقربة جداً بحيث نشعر بأننا نسمع تنفس الخطاط، هنا نرى كل خيط وكل غرزة، وأيضاً نلمح اسم «عبد الرحيم أمين» في الأسفل، وكأن اللقطة تأخذنا للشخص الذي قضى أيامه ممسكاً بالإبرة والخيط ليطرز الآيات القرآنية على القماش وهي نظرة لكواليس حياكة الكسوة.
لاسم عبد الرحيم أمين قصة يسردها لنا القريشي قائلاً «أردت التركيز على هذا الاسم من خلال اللقطة المقربة»، ويشرح «بعد جولة التصوير الأولى للكعبة قمت بتكبير الصور ووجدت اسمه، ثم عدت لصور قديمة تعود لأكثر من أربعين عاماً ووجدت الاسم موجوداً ما يعني أنه شخص كبير في السن، وراودتني رغبة في أن ألتقط صوراً لهذا الرجل قبل وفاته. وفي أول زيارة لمصنع الكسوة طلبت أن أقابل عبد الرحيم أمين، ولكن الرد جاء مفاجأة إذا اكتشفت أنه توفي منذ زمن، وتساءلت (ولكن اسمه ما زال موجوداً على الكسوة)، وهنا عرفت أن هناك أمراً ملكياً ببقاء اسم خطاط الكسوة عليها ما دام الخط المستخدم له، وقد أكرمه الله بأن جعل اسمه على الكسوة لسنوات طويلة».
تأخذنا هذه الجزئية وحرص المصور على إبراز العامل الإنساني للحديث عن صور الأشخاص المختلفين الذي توقفت عندهم عدسة القريشي، فهناك صور عديدة للمصلين وهم في وضع السجود أو وهم يبتهلون أمام باب الكعبة أو يلمسون بأيديهم الحجر الأسود. ولكن القريشي يقدم لنا أيضاً وجوهاً باسمة وقفت أمام عدسته، نساء ورجال وأطفال من جميع أنحاء العالم، وصور للعاملين في الحرم المكي. أسأله إن كان تصوير الوجوه شغفاً خاصاً عنده، ويجيب «بالفعل، هي شغفي فعلاً، أتمنى أن أصور (بورتريهات)».
أشير إلى لوحة لفتت انتباهي وهي للحجاج أمام الكعبة وهم يحملون مظلات ملونة، تبدو مثل لوحة فنية بها الكثير من الحركة والفرحة، يقول «فعلاً كأنها حديقة ورد، الصورة التقطت في أول أيام عيد الأضحى، حيث درج الحجاج على حمل المظلات المهداة لهم من الشركات التجارية المختلفة».

اسم خطاط الكعبة عبد الرحيم أمين على الكسوة (تصوير: عادل القريشي)

سجل المصور الكثير من الأشخاص في كتابه، ولكن غاب عن كتابه صور العاملين في مصنع الكسوة، لماذا؟ يقول «صورت بالفعل عدداً من العمال، لكن عندما انتهت مرحلة التصوير قررت أنا ومصمم الكتاب أننا لو بدأت في إدخال المكننة، سيتخذ الكتاب طريقاً مختلفة؛ لأنه كتاب روحاني أكثر، فهو ليس تأريخاً لصناعة إنما هو عن تأريخ الكسوة، كأنها لها حياة منفصلة ولم أرد إدخال ناس غير العباد».
- تصميم الكتاب
ننتقل في الحديث لعملية تصميم الكتاب وتقسيمه وتوزيع الصور. يرجع ذلك أولا للمصمم «أنا أشبّه عملي بمن ينقب في منجم، أغوص فيه وأحفر وأخرج مجوهرات، وأنا في بالي عقد ثمين. وعندما أحمل الجواهر وأعطيها للصائغ ليصنع ذلك العقد، قد أتدخل في التصميم ولكن يظل هو صاحب الصنعة».
يشير إلى أنه أراد أن يعبّر الكتاب عن طريقة عمله «عند التصوير أردت أن أفكك الكعبة إلى عناصرها، فهناك الباب، والحجر الأسود، والركن اليماني، ومقام إبراهيم، والميزاب، وحجر إسماعيل والأستار وبعدها العباد، الناس».
- السدنة والمفتاح
يفرد الكتاب الأول قسماً لمفتاح الكعبة وللسدنة من بني شيبة، تفتتح الفصل صورة بالغة التعبير ليد كبير السدنة وهي ممسكة بالمفتاح، القبضة تبدو قوية وثابته وتترك أثراً بليغاً في النفس.
يتحدث القريشي عن السدنة والمهمة التي كرموا بها بحمل مفاتيح الكعبة منذ الأزل «السدنة مثيرون للاهتمام، لهم حق ثابت بشرف السدانة، أنا عندي قناعة أن المفتاح ليس قطعة الحديد، الصورة الأولى فيها عنفوان وما أردت قوله هو (اليد هي المفتاح) وليست قطعة الحديد، التي قد تتغير ولكن السدنة لا يتغيرون، دائماً من بني شيبة».

لقطة من كتاب «الأستار»

عبر صور متتالية قدم القريشي صوراً لعدد من المفاتيح، منها صورة لمفتاح الكعبة الرئيسي ثم صورة أخرى لمقام إبراهيم (يفتح فقط عند التنظيف)، ومفتاح باب التوبة داخل الكعبة إضافة إلى صورة لمفتاح الكعبة الأثري القابع في متحف الحرمين بمكة المكرمة. غير أن صورة لمفتاح حديث صغير جداً تلفت انتباهي وأسأله عنه «يقول المفتاح الصغير الحديث هو مفتاح لخزانة داخل الكعبة تستخدم لحفظ القفل والمفتاح عند القيام بغسل الكعبة». ويمكن النظر لصورة المفتاح الحديث على أنها تبرز التسلسل التاريخي للمفاتيح، خاصة مع وجود صورة المفتاح الأثري الذي يعود لعهد السلطان عبد الحميد الثاني مؤرخ بعام 1309 هجرية.
في تصويره ليد كبير السدنة وهي ممسكة بالمفتاح عبر صورتين، يشير إلى أنه أراد التعبير عن مغزى معين «مغزى طريقة مسك المفتاح في الصورة الثانية أردت أن تظهر مسكة الحق، فبنو شيبة لديهم حق إلهي بحمل المفتاح يتوارثون المفاتيح كابراً عن كابر؛ ولهذا صورت أفراد العائلة وأجيالها حتى أصغر طفل، هناك أجيال من المفاتيح كما هناك أجيال من بني شيبة».
في مقدمة الكتاب يتحدث القريشي عن سهولة وبساطة العقيدة الإسلامية وهو وصف ينسحب على محتويات كتابه، إذا تميزت صوره بالبساطة وبالعمق بنظرة فلسفية يقول «هناك نقطة مهمة، أن الكعبة هي تختصر عقيدة التوحيد، (الله لا إله إلا هو) إله واحد، الرقم واحد هو قلب العقيدة الإسلامية. وبهذا المفهوم نجد أن الكعبة تمثل الوحدانية، هي مبنى واحد وله باب واحد، بمفتاح واحد، الحجرة لا تضم سوى باب واحد في الداخل، مزراب واحد لتصريف المياه، فالكعبة هي التجسيد المعماري لعقيدة التوحيد».


مقالات ذات صلة

السعودية تعلن بدء التخطيط الزمني لموسم الحج المقبل

الخليج الأمير سعود بن مشعل أكد ضرورة تكثيف التنسيق بين كافة القطاعات لتهيئة كافة السبل لتطوير الخدمات (إمارة منطقة مكة المكرمة)

السعودية تعلن بدء التخطيط الزمني لموسم الحج المقبل

نحو تهيئة كافة السبل لتطوير الخدمات وتسهيل طرق الحصول عليها وتحسين المرافق التي تحتضن هذه الشعيرة العظيمة، أعلنت السعودية عن بدء التخطيط الزمني لحج 1446هـ.

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا الحجاج المصريون النظاميون يؤدون مناسك الحج (أرشيفية - وزارة التضامن الاجتماعي)

مصر تلغي تراخيص شركات سياحية «متورطة» في تسفير حجاج «غير نظاميين»

ألغت وزارة السياحة والآثار المصرية تراخيص 36 شركة سياحة، على خلفية تورطها في تسفير حجاج «غير نظاميين» إلى السعودية.

أحمد عدلي (القاهرة)
الخليج 7700 رحلة جوية عبر 6 مطارات نقلت حجاج الخارج إلى السعودية لأداء فريضة الحج (واس)

السعودية تودّع آخر طلائع الحجاج عبر مطار المدينة المنورة

غادر أراضي السعودية، الأحد، آخر فوج من حجاج العام الهجري المنصرم 1445هـ، على «الخطوط السعودية» من مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي في المدينة المنورة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صورة للطرفين عقب توقيع الاتفاقية (مجموعة السعودية)

«مجموعة السعودية» توقّع صفقة لشراء 100 طائرة كهربائية

وقّعت «مجموعة السعودية» مع شركة «ليليوم» الألمانية، المتخصصة في صناعة «التاكسي الطائر»، صفقة لشراء 100 مركبة طائرة كهربائية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الثوب الأغلى في العالم بحلته الجديدة يكسو الكعبة المشرفة في المسجد الحرام بمكة المكرمة (هيئة العناية بشؤون الحرمين)

«الكعبة المشرفة» تتزين بالثوب الأنفس في العالم بحلته الجديدة

ارتدت الكعبة المشرفة ثوبها الجديد، الأحد، جرياً على العادة السنوية من كل عام هجري على يد 159 صانعاً وحرفياً سعودياً مدربين ومؤهلين علمياً وعملياً.

إبراهيم القرشي (جدة)

الرئيس التنفيذي لـ«تكامل»: كأس العالم ستقدم للسعودية فرصة فريدة لإطلاق «إبداعاتها»

قطاع الرياضة خلق أكثر من 14 ألف وظيفة وجلب نحو 10 ملايين دولار من مبيعات التذاكر والإنفاق السياحي (الشرق الأوسط)
قطاع الرياضة خلق أكثر من 14 ألف وظيفة وجلب نحو 10 ملايين دولار من مبيعات التذاكر والإنفاق السياحي (الشرق الأوسط)
TT

الرئيس التنفيذي لـ«تكامل»: كأس العالم ستقدم للسعودية فرصة فريدة لإطلاق «إبداعاتها»

قطاع الرياضة خلق أكثر من 14 ألف وظيفة وجلب نحو 10 ملايين دولار من مبيعات التذاكر والإنفاق السياحي (الشرق الأوسط)
قطاع الرياضة خلق أكثر من 14 ألف وظيفة وجلب نحو 10 ملايين دولار من مبيعات التذاكر والإنفاق السياحي (الشرق الأوسط)

> ما التأثيرات الكبيرة والملموسة التي ستشهدها سوق العمل السعودية نتيجة استضافة كأس العالم 2034؟

- نحن بدأنا بالفعل في مشاهدة تأثير نمو الاقتصاد الرياضي في السعودية، هذا الحدث ليس مجرد مَعْلَم بارز، بل هو دليل على الأساس المتين الذي وُضع خلال السنوات الماضية. في عام 2020، خلق قطاع الرياضة أكثر من 14 ألف وظيفة، وجلب نحو 10 ملايين دولار أميركي من مبيعات التذاكر والإنفاق السياحي، وزاد عدد الوظائف في الأندية الرياضية بنسبة 129 في المائة. استضافة كأس العالم ستسهم في هذا التطور، بخلق مزيد من فرص العمل لتلبية الطلب المتزايد من الزوار حتى عام 2034 وما بعده. بالإضافة إلى ذلك، فإن قطاعي الضيافة والسياحة، اللذين يشهدان بالفعل طلباً متزايداً بفضل استراتيجيات التنويع في المملكة، من المتوقع أن يلعبا دوراً أكبر في توظيف الشباب السعوديين.

د. أحمد اليماني الرئيس التنفيذي لشركة «تكامل» (الشرق الأوسط)

> ما الفرص الوظيفية الجديدة التي قد تنشأ من استضافة هذا الحدث العالمي؟

- استضافة كأس العالم ستخلق تنوعاً هائلاً في الفرص الوظيفية، ليس فقط في أثناء الحدث بل قبله وبعده أيضاً. سنرى فرصاً وظيفية تظهر في مجالات السياحة، واللوجيستيات، والضيافة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بالإضافة إلى إدارة الحشود والفعاليات للتعامل مع الزيادة الكبيرة في عدد الزوار. إذا نظرنا، على سبيل المثال، إلى أولمبياد الصين عام 2008، فقد أدى ذلك إلى خلق نحو مليوني وظيفة، ليس فقط في البناء وتخطيط الفعاليات ولكن أيضاً في مجالات مثل التجزئة، الإعلام، والتكنولوجيا، وحتى الرياضيين الشباب. في السعودية، نتوقع تأثيراً مماثلاً، لكن مع إضافة مثيرة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والأتمتة وكثير من الفرص الوظيفية اللامحدودة المتاحة.

كأس العالم تقدم فرصة فريدة لإطلاق الإبداع، ليس فقط في كيفية العمل ولكن أيضاً فيما يجري إنشاؤه. الفرص الوظيفية حقاً لا حدود لها، حيث يلعب كل قطاع دوراً في إحياء هذا الحدث. فكِّر في العلاقة غير المتوقعة بين كرة القدم وألعاب الفيديو على سبيل المثال، فقد أدت كرة القدم إلى نمو كبير في الألعاب الإلكترونية، مما أسهم في نمو القيمة التجارية، والفرص الاقتصادية، والوظائف لمطوري التكنولوجيا، واللاعبين، وجميع المشاركين. بحلول عام 2029، من المتوقَّع أن تصل إيرادات الرياضات الإلكترونية العالمية إلى 5.9 مليار دولار. من المثير للدهشة أنه لم يكن من المتصور أو المتوقع قبل فترة طويلة أن كرة القدم يمكن أن تولِّد مثل هذه القيمة في الألعاب الإلكترونية. ومع ذلك، اليوم، تشكل صناعات جديدة بالكامل، وهو تطور نتوقع رؤيته في المملكة مع استمرار دعمها للابتكار.

بالإضافة إلى ذلك، يتجاوز تأثير كأس العالم تنمية الرياضيين المحترفين، بل بجعل الرياضة جزءاً أكبر من الحياة اليومية في المملكة. إنه يتعلق بتنمية شغف الرياضة وجعلها جزءاً رئيسياً من ثقافتنا. يمكن أن تكون الرياضة وسيلة لاجتماع العائلات والمجتمعات معاً مع لعب دور رئيسي في تشكيل شخصيات الجيل الأصغر. بالنسبة إلى الشباب، من خلال الرياضة يتعلمون المنافسة، والعمل بجدٍّ، والتعامل مع الانتصارات والهزائم. تساعد هذه التجارب على بناء الشخصية، والصمود، وأخلاقيات العمل القوية... وهي صفات تفيدهم، بعيداً عن الرياضة. مع مبادرات مثل أكاديمية «مهد» الرياضية وزخم كأس العالم، تبني المملكة مستقبلاً، إذ تنسجم الرياضة مع الحياة اليومية وخلق مسارات للمهن والفرص.

> كيف ترى أن استضافة الحدث العالمي تسهم في تعزيز الاقتصاد السعودي بشكل عام؟ وكيف يمكن استدامة الآثار الاقتصادية لهذا الحدث على المدى الطويل؟

- كأس العالم هو حدث واحد فقط في قطاع واحد، لكنه يُبرز الرؤية التحويلية التي تدفع نمو واستثمار السعودية. لقد خلقت المملكة قطاعات جديدة كلياً من الصفر-الرياضة، والإعلام، والثقافة، والسياحة، والترفيه... تطورت هذه المجالات من شغف إلى صناعات اقتصادية مزدهرة تشهد نمواً متسارعاً. ينمو قطاع الرياضة بوتيرة سريعة، ومن المتوقع أن تصل قيمته إلى 2.4 مليار دولار بحلول عام 2030، وأن يسهم بـ1.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، أي ما يعادل 16.5 مليار دولار سنوياً، مما يُظهر الدمج المتزايد للرياضة في الاقتصاد السعودي. سيكون لكأس العالم تأثير مباشر في الصناعات المجاورة والقطاعات الجديدة. سيؤدي استقبال ملايين الزوار الدوليين إلى زيادة الإيرادات من خلال الإنفاق على الإقامة والطعام والنقل، مما يحفز توسع الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد. أخيراً، سيكون لكأس العالم تأثير دائم طويل الأمد، إذ نستفيد من البنية التحتية والرؤية التي جرى الحصول عليها من الحدث للاستثمار في شركاتنا الصغيرة والمتوسطة المحلية لتنمو في سوق متوسعة عبر جميع القطاعات في المملكة.

> كيف تخطط «تكامل» للتركيز على القطاعات الجديدة الناشئة من كأس العالم ودعم نموها؟

- «تكامل» تقع في صميم تطوير القطاعات. من خلال الاستفادة من خبرتنا في التكنولوجيات المتقدمة، نضمن استعدادنا للمستقبل. وفي قلب جهودنا توجد منصة «قوى»، وهي سوق عمل رقمية فريدة لا مثيل لها. «قوى» هي منصة غيَّرت كيفية تواصل الأعمال والعمال في السعودية. مع نحو 12 مليون مستخدم وما يقرب من 10 ملايين عقد موثَّق، تجعل «قوى» الأمر أسهل من أي وقت مضى للأعمال في إدارة عمليات العمل، والوصول إلى بيانات فورية عن فرص العمل، والتكيف مع المطالب المتزايدة لقطاعات مثل السياحة، والرياضة، وإدارة الفعاليات، وهي مجالات ستشهد نمواً كبيراً خلال وبعد كأس العالم. لحدث بأهمية كأس العالم، «قوى» ضرورية لضمان تشغيل سوق العمل بكفاءة وتلبية وتحديد الطلب المتزايد على المحترفين المهرة عبر القطاعات الحيوية للحدث.

بالإضافة إلى الابتكار الرقمي، تتبع «تكامل» نهجاً يركز على الإنسان، مكرسةً لتمكين القوى العاملة السعودية بالمهارات اللازمة للنجاح في هذه القطاعات المتنامية. يجمع نهج «تكامل» الشامل بين التطوير المهني، وإعادة التدريب، والشهادات، وتطوير القيادة من خلال برامج مثل برنامج الاعتماد المهني، الذي يزوّد المواهب بالشهادات لنمو القطاع المستدام، وأكاديمية «تكامل» التي تقدم تدريبات متخصصة للقطاعات ذات الطلب العالي. بالإضافة إلى ذلك، قامت زمالة الترفيه، بالشراكة مع هيئة الترفيه العامة، بتدريب أكثر من 600 من القادة المستقبليين لدفع الابتكار في قطاع الترفيه المتنامي. معاً، تشكل هذه البرامج استراتيجية متماسكة لتمكين المواهب السعودية.

> ما رؤية «تكامل» لدورها في المستقبل بعد استضافة الحدث العالمي؟

- في «تكامل» تتمثل رؤيتنا للمستقبل في وضع الأشخاص في قلب كل ما نفعله. نعتقد أنه من خلال الاستثمار في الأفراد، وتدريبهم، وتمكينهم، وإلهامهم، يمكننا فتح إمكاناتهم للابتكار وإيجاد طرق جديدة لتحسين جودة حياتهم. إنها دورة مستمرة: عندما ينمو الأشخاص، تنمو المجتمعات، وهذا يدفع التقدم للجميع.

إبداع الناس ونموهم يقودان إلى تحسينات ملموسة وهادفة في الحياة اليومية. خذْ على سبيل المثال، «سلامة». إنه أكثر من مجرد برنامج تفتيش ذكي، إنه حل مصمم لتوفير الوقت والجهد، حيث يقلل من أوقات تفتيش المركبات بنسبة 50 في المائة. هذا هو النوع من الأثر العملي الذي نهدف إليه، مدفوعاً بالإبداع البشري ومدعوماً بأدوات ذكية. لكن لا نقتصر على ما نخلقه اليوم، تماماً كما لم تتوقف «أمازون» عند كونها مكتبة. بطريقة مماثلة، نرى كل مبادرة نقطة انطلاق لشيء أكبر. كشف الدكتور أحمد اليماني، الرئيس التنفيذي لشركة «تكامل»، الشركة السعودية الحكومية التي وُلدت من رحم مبادرات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وتدير عدة منصات حكومية متعلقة بسوق العمل السعودية مثل «قوى»، و«أجير»، و«الاعتماد المهني»، عن التأثيرات العميقة والمتنوعة لاستضافة السعودية كأس العالم 2034 على سوق العمل المحلية.

وقال اليماني في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الحدث ليس معلماً بارزاً في تاريخ الرياضة السعودية فحسب، بل أيضاً دليل على الأساس المتين الذي وُضع في السنوات الأخيرة، مما يعزز نمو الاقتصاد وخلق الوظائف.