«داعش» على خطى صدام في تجفيف أهوار جنوب العراق

العملية أعادت لأهالي المنطقة ذكريات زمن التهجير القسري

عراقي من سكان أهوار جنوب العراق قرب «المشحوف» وتبدو مساحات الأهوار جافة حوله («الشرق الأوسط»)
عراقي من سكان أهوار جنوب العراق قرب «المشحوف» وتبدو مساحات الأهوار جافة حوله («الشرق الأوسط»)
TT
20

«داعش» على خطى صدام في تجفيف أهوار جنوب العراق

عراقي من سكان أهوار جنوب العراق قرب «المشحوف» وتبدو مساحات الأهوار جافة حوله («الشرق الأوسط»)
عراقي من سكان أهوار جنوب العراق قرب «المشحوف» وتبدو مساحات الأهوار جافة حوله («الشرق الأوسط»)

عند مفترق الطرق ما بين المدينتين الجنوبيتين في العراق، (المدينة) التابعة لمحافظة البصرة، و(الجبايش) التابعة لمحافظة ذي قار، حيث توجد الأهوار تلك المسطحات المائية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، تشاهد اليوم العشرات من مربي الجاموس وهم يهجرون المنطقة متوجهين بحثًا عن أماكن يتوفر بها الماء بعد أن قامت «داعش» بغلق السدود في الرمادي والموصل معاقبة بذلك أهل الجنوب ومتبعة خطى الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في تسعينات القرن الماضي حيث قام بتهجير قسري لأهالي المنطقة بعد تجفيف مناطق الأهوار.
تلك المناطق التي كانت لحد قبل فترة قليلة من الزمن قريبة من لائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو، باتت اليوم أقرب أن تكون مناطق صحراوية هجرها أهلها بسبب موجة الجفاف التي ضربتها، فيما حمل محافظ ذي قار يحيى الناصري الحكومة التركية و«داعش» مسؤولية التجفيف التي تتعرض لها الأهوار الوسطى في العراق (أهوار البصرة والناصرية).
وقال الناصري لـ«الشرق الأوسط»، إن: «مناطق الأهوار في الناصرية تعيش نكبة حقيقية حاليًا فالأرض تشققت من العطش والسكان يعيشون محنة الجفاف والثروة الحيوانية والسمكية مهدده بالهلاك، فمناطق الأهوار التي كانت مغمورة بالمياه قبل نحو شهرين تعاني حاليًا من الجفاف والتدهور البيئي، وأن ما يحصل من تجفيف حاليًا هو امتداد لحقبة التجفيف التي شهدتها تسعينات القرن الماضي على يد النظام السابق».
وأضاف أن «مناطق الأهوار تعيش حالة من الجفاف والتدهور في شتى المجالات الحياتية والبيئية بسبب ضعف الإطلاقات المائية من تركيا وإغلاق السدود من قبل (داعش)».
وبيّن أن «مجمل التنوع الإحيائي والبيولوجي في مناطق الأهوار بات في خطر وأن الثروة الحيوانية التي كانت تنعم بالمياه قبل بضعة أشهر باتت اليوم مهددة بالموت والعمى من شدة العطش، لذا ندعو الحكومة المركزية العراقية لمتابعة ملف المياه والتحرك دوليًا والطلب من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إنقاذ سكان الأهوار من مخاطر التجفيف عبر الضغط على الجانب التركي لزيادة الإطلاقات المائية في الأنهر المغذية لمناطق الأهوار».
إلى ذلك، قال الخبير البيئي في منظمة طبيعة العراق المختصة بالأهوار، جاسم الأسدي في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن: «الأهوار بحاجة إلى غمرها بالمياه حتى تعيد نشاطها وحيويتها وتنعش، إلا أن أهوار المحافظة تعاني اليوم من ارتفاع من شحة في المياه الواصلة إليها بسبب المشروعات التركية والسدود التي قلصت حصة العراق المائية، وبالتالي تؤثر سلبًا على جفاف المسطحات المائية والثروة السمكية في الأهوار ونفوق أسماك عراقية نادرة».
وأضاف أن «المشكلة الأكبر تكمن في إعادة صورة للتهجير القسري الذي شهدته المنطقة سابقًا حيث إن الجفاف جعل أهالي الأهوار يعيدون التفكير في مغادرة المنطقة، بل إن أغلبهم غادروها بالفعل حفاظًا على ما لديهم من ثورة حيوانية (جاموس)».
وكان عدد سكان مناطق الأهوار 500 ألف نسمة، لكنها تقلصت إلى نحو عشر حجمها في عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بعد أن جرى تحويل مجاري الأنهار عنها وأقيمت السدود لتقسيمها؛ مما تسبب في هجرة معظم سكانها وجفافها بشكل تام، أما بقية سكانها الذي لم يرحلوا فظلوا يصطادون السمك والطيور ويربون الجاموس الذي بات اليوم مهددًا بالهلاك بسبب الجفاف.
وقال الشيخ محمد الأسدي، أحد وجهاء منطقة أهوار الجبايش في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إنه: «ما أشبه اليوم بالأمس وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد وبعد أكثر من 22 سنة أي منذ عام 1993 حيث كان صدام يقوم بتهجيرنا من خلال تغير مسرى المياه عن الأهوار بعد معارضتنا لنظامه، تعود (داعش) وتعمل بنفس الطريقة وكأن هناك نفس العقلية بالتفكير».
وأضاف أن «أغلب أهلنا اليوم هجروا المنطقة مجددًا بحثًا عن مناطق توجد بها مياه لإنقاذ ما يمكن إنفاذه من الثروة الحيوانية (الجاموس) حيث توجهوا إلى مناطق الأهوار الشرقية وغيرها من المناطق».
وكانت الأهوار موطنًا للسومريين، الذين يعدون أول من سكنها وكان القصب والنخيل يغطيان المنطقة قبل السومريين بآلاف السنيين، وهناك كثير من البحوث التي تشير إلى أن الأهوار موجودة منذ نهاية العصر الجليدي الأخير، كما تعتبر أهوار جنوب العراق من أوسع مناطق الأهوار وأقدم مأوى طبيعي في العالم، ولها دور بيئي كبير في إيواء الطيور المستوطنة والمهاجرة والمحافظة على أنواعها.



ماذا نعرف عن إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على مسعفين فلسطينيين في غزة؟

الهلال الأحمر الفلسطيني ينتشل جثث 15 مسعفاً قتلوا في إطلاق نار للجيش الإسرائيلي على سيارات إسعاف (أ.ف.ب)
الهلال الأحمر الفلسطيني ينتشل جثث 15 مسعفاً قتلوا في إطلاق نار للجيش الإسرائيلي على سيارات إسعاف (أ.ف.ب)
TT
20

ماذا نعرف عن إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على مسعفين فلسطينيين في غزة؟

الهلال الأحمر الفلسطيني ينتشل جثث 15 مسعفاً قتلوا في إطلاق نار للجيش الإسرائيلي على سيارات إسعاف (أ.ف.ب)
الهلال الأحمر الفلسطيني ينتشل جثث 15 مسعفاً قتلوا في إطلاق نار للجيش الإسرائيلي على سيارات إسعاف (أ.ف.ب)

تباينت الروايات بشأن إطلاق قوات إسرائيلية النار على سيارات إسعاف في منطقة تل السلطان في رفح جنوب قطاع غزة الشهر الماضي، ما أسفر عن مقتل 15 مسعفاً بحسب الأمم المتحدة ومصادر فلسطينية.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، كان الهلال الأحمر الفلسطيني أعلن الأحد انتشال جثث 15 مسعفاً قتلوا في إطلاق نار للجيش الإسرائيلي على سيارات إسعاف في تل السلطان في رفح جنوب قطاع غزة قبل أسبوع.

وقالت الأمم المتحدة إن القتلى كانوا من مسعفي الطوارئ الذين استجابوا لنداءات استغاثة من فلسطينيين في جنوب غزة، بينما وصفهم الجيش الإسرائيلي بأنهم «إرهابيون».

وأفادت الأمم المتحدة بأنّ 15 مسعفاً معظمهم من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وجهاز الدفاع المدني في غزة قتلوا في 23 من مارس (آذار). وكان من بينهم موظف في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

ولا يزال عامل طوارئ آخر في عداد المفقودين.

وفي الأيام التي تلت ذلك، عُثر على جثثهم مدفونة معاً في الرمال في منطقة تل السلطان برفح.

23 من مارس (آذار)؟

وقع الهجوم بينما كانت القوات الإسرائيلية تحاصر رفح حيث حذرت السلطات من أن «آلاف المدنيين» محاصرون تحت القصف.

استجابة لنداءات الاستغاثة، أرسلت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني فريقاً من عشرة مسعفين من وحدة تل السلطان في أربع سيارات إسعاف إلى منطقتي البركسات والحشاشين شرق رفح.

وفي الوقت نفسه، أرسلت هيئة الدفاع المدني في غزة ستة مسعفين في سيارة إسعاف وسيارات إطفاء إلى موقع قصف منفصل قريب.

ماذا يقول الجيش الإسرائيلي؟

أقرّ الجيش الإسرائيلي بأنّ قواته أطلقت النار على سيارات إسعاف في قطاع غزة بعدما اعتبرها «مشبوهة».

وقال الجيش في بيان إنّه «بعد دقائق قليلة» من قيام الجنود «بالقضاء على عدد من إرهابيي (حماس)» من خلال فتح النار على مركباتهم، «تحركت مركبات أخرى بشكل مثير للريبة نحو الجنود».

وأشار إلى أنه تمّ خلال حادثة إطلاق النار «القضاء» على عنصر في «حماس» هو محمد أمين إبراهيم الشوبكي «إضافة إلى ثمانية إرهابيين من (حماس) و(الجهاد الإسلامي)».

ولم تعلّق «حماس» على مقتل الشوبكي.

وأكد المتحدث باسم الجيش نداف شوشاني، الخميس، أن الجيش يحقق في الحادث، مشدداً في الوقت عينه على أنّ ما جرى «حتماً لم يكن إعداماً».

وروى مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في الأراضي الفلسطينية المحتلة جوناثان ويتال في مداخلة عبر الفيديو من دير البلح، تنسيقه مهمة الكشف عن «مقبرة جماعية» للمسعفين وعناصر الدفاع المدني.

وأوضح أن المسعفين كانوا «لا يزالون يرتدون زيّهم الرسمي، ولا يزالون يضعون القفازات»، وقتلوا أثناء محاولتهم إنقاذ أرواح، مشيراً إلى أن سيارات الإسعاف الخاصة بهم «تعرضت للقصف الواحدة تلو الأخرى أثناء دخولها منطقة كانت القوات الإسرائيلية تتقدم فيها».

من جهته، قال مسؤول عسكري إسرائيلي إن الجيش «تواصل مع المنظمات مرات عدة لتنسيق عملية إجلاء الجثث، بما يتلاءم مع القيود العملياتية».

وأضاف أنّه «إدراكاً من الجيش بأنّ العملية قد تتطلب وقتاً، تمّت تغطية الجثث بالرمال وملاءات من القماش من أجل حفظها».

ولم يعلّق الجيش على الاتهامات بأن الجثث دفنت في «مقبرة جماعية».

واتّهمت إسرائيل المسلحين الفلسطينيين مراراً باستخدام المرافق الطبية وسيارات الإسعاف دروعاً.

وسبق للدولة العبرية أن نشرت، في بعض الأحيان، لقطات يزعم أنها تظهر مسلحين في سيارات إسعاف.

ما الذي عثر عليه في عمليات البحث؟

في أعقاب الهجوم، صرّحت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في البداية بأن أحد المسعفين احتجزته القوات الإسرائيلية، تاركة تسعة آخرين وستة من أفراد «الدفاع المدني» في عداد المفقودين.

وأطلق سراح مسعف الهلال الأحمر الفلسطيني المحتجز بعد يوم واحد.

في 27 مارس (آذار)، وصل الدفاع المدني في غزة إلى موقع الهجوم وعثر على سيارة الإسعاف المدمرة، وسيارات الإطفاء، وسيارات إسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني ومعدات السلامة الخاصة ببعض الضحايا.

كما تم العثور على جثث المسعفين «مدفونة تحت الأنقاض بواسطة الجرافات الإسرائيلية».

في ذلك اليوم، لم يتمكنوا من انتشال سوى جثة قائد فريق الدفاع المدني أنور العطار.

ولم يتمكنوا من انتشال الجثث المتبقية لأن السلطات الإسرائيلية أمهلتهم ساعتين فقط لعملية البحث.

وفي مهمة بحث أخرى نُفذت في 30 مارس بالتنسيق بين الدفاع المدني في غزة والهلال الأحمر، ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة عُثر على الجثث المتبقية.

وأكد ويتال الذي نسق العملية أن الجميع دفنوا معاً.

وقال في مؤتمر صحافي إنّ «القبر الذي دفنوا فيه... كان مميزاً بضوء طوارئ من إحدى سيارات الإسعاف التي سحقتها القوات الإسرائيلية».

وأضاف أنه بالقرب من القبر «سحقت سيارات الإسعاف، وشاحنة الإطفاء، ومركبة تابعة للأمم المتحدة».

وصرحت المتحدثة باسم «الأونروا»، جولييت توما، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» بأن جثة موظف «الأونروا» كانت في مركبة الأمم المتحدة.

ما العناصر المجهولة؟

لا تزال بعض جوانب الحادث غير واضحة.

وفي حين أفاد مسؤولون فلسطينيون بمقتل 15 مسعفاً، لم يقرّ الجيش إلا بمقتل تسعة أشخاص، جميعهم مسلّحون.

ومن غير الواضح ما إذا كانت كل المركبات سارت معاً وتعرضت للنيران في الوقت نفسه.

وقال ويتال من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن «سيارات الإسعاف أصيبت الواحدة تلو الأخرى أثناء تقدمها ودخولها رفح».