جيمس كليفرلي... وجه بريطانيا الدبلوماسي الجديد

«ليز تفوز» تغريدة من كلمتين أعلن بها وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي فوز زميلته في حزب المحافظين، ورئيسته الجديدة، بسباق رئاسة الحكومة.
لم يكن تعيين كليفرلي، الذي كان يشغل منصب وزير التعليم قبل أسبوعين فقط، على رأس وزارة الخارجية قراراً مفاجئاً. فقد عمدت ليز تراس، رئيسة الحكومة الجديدة، إلى مكافأة النواب الموالين لها، الذين دعموا حملتها في وجه منافسها المحافظ ريشي سوناك؛ وكان كليفرلي في المقدّمة.
إلا أن أيامه الأولى في المنصب لم تسِر وفق ما خطّط له. فبعد يومين من تعيينه كبيراً للدبلوماسيين البريطانيين، توفيت الملكة إليزابيث الثانية بعد إمضاء 70 عاماً على العرش. وبعد 3 أيام، وجد نفسه بين أعضاء «مجلس العرش» الذي نصّب تشارلز الثالث ملكاً جديداً على المملكة المتحدة. وعقب ذلك بساعات، توجّه كليفرلي إلى إحدى قاعات قصر باكنغهام، ليمثّل الحكومة البريطانية في لقاءات جمعت العاهل الجديد بممثلين عن دول الكومنولث.
دخل كليفرلي، البالغ 53 عاماً، معترك ويستمنستر السياسي في عام 2015، وتسلم عدة مناصب وزارية، تُوّجت هذا الشهر بثاني أهم حقيبة في الحكومة.
فمن هو وزير الخارجية البريطاني الجديد؟ ما أولوياته؟ وما علاقته بالعالم العربي؟
- النشأة والخدمة العسكرية
كان رئيس سيراليون، جوليوس مادا بيو، بين أوّل مهنّئي كليفرلي على تعيينه في حكومة تراس. وكانت لهذه التهنئة رمزية خاصة، إذ حملت إشارة إلى أصول والدته التي يفتخر بها وزير الخارجية البريطاني الجديد. وقال الرئيس إن «تعيينك سيلهم الملايين من السيراليونيين الذين يرونك ابناً لهذا البلد. يحتفي السيراليونيون معك، ويتمنون لك التوفيق في دورك الجديد. لا شكّ أن والدتك الراحلة إيفلين سونا كليفرلي (...) فخورة بإنجازاتك».
وُلد كليفرلي في 4 سبتمبر (أيلول) 1969 بمدينة لويشام في لندن، لوالد بريطاني يدعى جيمس فيليب، عمل مسّاح أراضٍ، ووالدة من سيراليون تدعى إيفلين سونا، عملت ممرضة.
تلقى كليفرلي تعليمه في مدرستي ريفرستون وكولف الخاصتين، وكلاهما في «لي غرين» بلندن. ثم انضمّ إلى الجيش، إلا أنه حُرم من مسيرة عسكرية كاملة بسبب إصابة في الساق عام 1989. التحق بعد ذلك بكلية الفنون التطبيقية في غرب لندن؛ حيث حصل على بكالوريوس في إدارة الضيافة، والتقى سوزانا سباركس التي تزوج منها عام 2000. وأنجبا ولدين، هما فريدي وروبرت.
بعد تخرجه، بدأ كليفرلي مسيرة مهنية في قطاع النشر الورقي والرقمي. والتحق بشركة «إنفورما» مديراً للمبيعات الدولية عام 2002. وفي 2004 انضم إلى شركة «كريمسون» للنشر مديراً للإعلانات، ثم أصبح عام 2006 مديراً للتجارة الإلكترونية في شركة «كاسبيان». وفي 2007 شارك في تأسيس شركة «بوينت آند ثاير» للنشر على الإنترنت، التي أعلنت إفلاسها عام 2008، وتم حلّها عام 2011.
ورغم إصابته في نهاية الثمانينات، انضمّ كليفرلي إلى جيش الاحتياط البري البريطاني عام 1991. وتم تكليف كليفرلي في الجيش بصفته ملازماً ثانياً في 6 أكتوبر (تشرين الأول) ، وأصبح ملازماً ثانياً فنياً في يناير (كانون الثاني) 1993. وتمّت ترقيته إلى رتبة ملازم أول في 6 أكتوبر 1993، ثم إلى رتبة نقيب في 26 مايو (أيار) 1998، وإلى رتبة رائد في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2003.
وحتى عام 2005، كان قائد بطارية 266 التابعة لبطارية المدفعية الملكية، ثم تمّت ترقيته إلى رتبة عقيد في الأول من مارس (آذار) 2015.
- صعود سريع
خاض كليفرلي أولى تجاربه السياسية عام 2007، عندما فاز بمقعد في مجلس لندن. وفي عام 2009 عيّنه رئيس بلدية العاصمة البريطانية بوريس جونسون سفيراً للشباب، وأصبح منذ ذلك الحين حليفاً وثيقاً له.
وفي عام 2015، انتخب جيمس كليفرلي في البرلمان للمرة الأولى ممثلاً عن دائرة برينتري في إيسيكس، شمال شرقي العاصمة. وقدّم نفسه عام 2016 مدافعاً عن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، ومقراً بالتعقيدات التي قد ترافق عملية «الطلاق». ورغم التحديات، رأى كليفرلي أن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، هو أقل ضرراً من التراجع عن تنفيذ «بريكست».
وأعيد انتخاب كليفرلي نائباً عن دائرته في الانتخابات العامة المبكّرة لعام 2017 بغالبية 62.8 في المائة. وأصبح نائباً لرئيس حزب المحافظين عام 2018، ثم وزير دولة في الوزارة المعنية بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
رشّح كليفرلي نفسه لخلافة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي في 29 مايو 2019 ليسحب ترشحه في 4 يونيو (حزيران) مقراً بأنه لا يحظى بدعم عدد كافٍ من النواب للصمود في انتخابات حزب المحافظين.
- ولاء ثابت
شهدت مسيرة كليفرلي السياسية قفزة نوعية عقب انتخاب بوريس جونسون رئيساً لحزب المحافظين والحكومة، انتقل خلالها من سياسي مجهول نسبياً لدى غالبية البريطانيين إلى وزير للخارجية.
عُيّن كليفرلي عام 2019 رئيساً مشاركاً للحزب، إلى جانب بن إليوت، ثم حصل في 13 فبراير (شباط) على منصب وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. واستمر في هذا المنصب المندرج تحت وزارة الخارجية حتى 8 فبراير 2022، وقام خلال هذه الفترة بزيارات لدول عربية؛ استمتع خلالها «بوجبات عربية شهية» وتعلّم بعض الكلمات العربية الدارجة، كما قال لـ«الشرق الأوسط» في حديث سابق.
وقبل أيام من شنّ روسيا حرباً على أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، تسلّم كليفرلي منصب وزير الدولة لشؤون أوروبا وأميركا الشمالية. ولم يتأخّر عن المساهمة في دفع جهود حكومته لحشد الدعم لأوكرانيا، وفرض أكبر حزمة عقوبات غربية على روسيا.
وبخلاف رئيس الحكومة ووزيري الخارجية والدفاع، لم يزر كليفرلي أوكرانيا، إلا أنه اتّخذ خطاً صارماً ضد موسكو منذ بداية الحرب، وأدان خلال جولة أميركية وزيارة إلى إستونيا «الفظائع» التي تمارسها روسيا بحق الأوكرانيين.
وأثار دور كليفرلي في إدارة الأزمة الأوكرانية انتقادات واسعة، إذ واجه برنامج اللجوء عدّة تحديات عند إطلاقه، وتأخّر في النظر بآلاف الطلبات.
وكان كليفرلي وفياً لبوريس جونسون حتى إعلان الأخير استقالته في 7 يوليو (تموز) الماضي، ودافع عن أدائه رئيساً للحكومة رغم التجاوزات التي اتُّهم بها خلال فترة إغلاقات «كورونا». وقال كليفرلي متحدّثاً عن رئيس الحكومة السابق: «عملت معه لسنوات، لقد دعمته وما زلت أعتبره سياسياً رائعاً». وبينما قدّم عشرات المسؤولين استقالتهم من حكومة جونسون، رفض كليفرلي سحب ثقته من رئيس الوزراء السابق. وكافأ جونسون حليفه بمنصب وزير التعليم في حكومة لتصريف الأعمال، الذي شغله حتى 5 سبتمبر.
وانتقل هذا الولاء إلى ليز تراس، التي شغلت منصب وزيرة الخارجية في حكومة جونسون. ورأى كليفرلي أن سياسات تراس الاقتصادية ستنجح في إخراج البلاد من أزمة غلاء المعيشة الأسوأ منذ عقود.
وفي 6 سبتمبر، أصبح كليفرلي وزيراً للخارجية في واحدة من أكثر الحكومات البريطانية تنوعاً، إلى جانب وزيرة الداخلية سويلا برافرمان المولودة في الهند، ووزير الخزانة كوازي كوارتنغ المنحدر من جذور غانية.
تولّى كليفرلي منصبه بينما تمرّ البلاد بظروف اقتصادية وسياسية عصيبة. فبالإضافة إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا والعلاقات المتوترة بشكل متزايد مع الصين، سيتعيّن عليه إدارة الخلافات المتصاعدة مع الاتحاد الأوروبي بشأن وضع آيرلندا الشمالية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
- بريطانيا العالمية
تبنّى كليفرلي شعار «بريطانيا العالمية» بعد بريكست، ملتزماً «استعادة» مكانة بلاده على الساحة الدولية بعد «تحررها» من قيود الاتحاد الأوروبي.
يعوّل كليفرلي على الخبرة التي اكتسبها في وزارة الخارجية خلال السنتين الماضيتين، وزيراً لشؤون الشرق الأوسط ثم أوروبا وأميركا الشمالية. وفيما لم يعلن بعدُ عن أولويات وزارته، احتراماً لفترة الحداد الوطني بعد وفاة الملكة، لا شكّ أنها ستندرج في إطار السياسات الخارجية التي اعتمدتها ليز تراس، عند شغلها منصب وزير الخارجية في حكومة جونسون.
وخصص كليفرلي أول تعليق له، عقب انتخاب تراس زعيمة لحزب المحافظين، للحديث عن الحرب الروسية - الأوكرانية، وقال إن «علينا بكل تأكيد أن نقف بثبات في دعمنا للرئيس (فولوديمير) زيلينسكي وشعب أوكرانيا. ليس لدي شك في أننا سنستمر حلفاء أقوياء (لكييف) كما كنا في عهد بوريس جونسون».
ودعمت تراس سياسة خارجية جريئة، قريبة من توجّهات الحليف الأميركي على الجانب الآخر من الأطلسي. فاتّخذت موقفاً صارماً من روسيا، وكانت من أول الداعمين لإرسال أسلحة هجومية ثقيلة لأوكرانيا، كما كانت سبّاقة في دعم سكان هونغ كونغ عبر برنامج واسع للتأشيرات، وعزّزت دور بريطانيا في المحيطين الهندي والهادئ، وحذّرت من اعتماد بلادها على شبكة «هواوي» الصينية للـ«5 ج».
- علاقة وطيدة مع العالم العربي
خلال شغله منصب وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عمل كليفرلي على تعزيز علاقة بلاده بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وانخرط في مباحثات اقتصادية واستثمارية مع دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص، وذلك لبحث تعزيز التعاون التجاري غداة بريكست.
وقاد كليفرلي مباحثات لإطلاق مراجعة مشتركة للعلاقات التجارية والاستثمارية، «وهي إحدى الآليات التي ستتيح إيجاد طرق لزيادة التجارة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي»، كما أوضح في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط». وقال إن بلاده «حريصة جداً على تعزيز العلاقة التجارية القوية جداً بالفعل، وتوسيع هذه الشراكة إلى مجالات تحظى باهتمام في الخليج، بما في ذلك الطاقة الخضراء والتعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن مجالات التعاون الاقتصادي التقليدية».
وأكد الوزير أن «علاقتنا طويلة الأمد (مع دول الخليج) خدمتنا بشكل جيد». ولكن الآن بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي «نتطلع إلى بناء علاقة أقوى ومستدامة، والبحث عن فرص أعمال في كل من بريطانيا ودول الخليج لسنوات وعقود مقبلة».
وبسؤاله عن الانتقادات التي تواجه المملكة المتحدة؛ خصوصاً من المعارضة، حول العلاقة الجيدة مع السعودية، أجاب الوزير أن «المملكة العربية السعودية اقتصاد رئيسي في الساحة العالمية، ولها تأثير كبير في المنطقة، فهي الوصي على أقدس المواقع في الإسلام، ومن الضروري للغاية أن نحافظ على علاقة قوية وإيجابية مع المملكة (...) أعتقد أن الانتقادات غالباً ما تكون غير عادلة، وفي كثير من الأحيان تستند إلى معلومات غير دقيقة».