زوجات الأنبياء (الحلقة 3) : {والغة}.. أقدم «جاسوسة» في التاريخ

حاربت دعوة نبي الله نوح واتهمته بالجنون

TT

زوجات الأنبياء (الحلقة 3) : {والغة}.. أقدم «جاسوسة» في التاريخ

ما أطولها فترة تلك التي قضاها نبي الله ورسوله نوح عليه السلام يدعو قومه إلى الإيمان بالله تعالى وحده، ونبذ عبادة الأصنام، وترك الشرك.. ألف سنة إلا خمسين عاما.
وما أقساها معاناة تلك التي لاحقته من جوانب شتى، وشارك فيها أقرب الناس إليه.. زوجته «والغة» التي اختارت أن تكون «جاسوسة» عليه لحساب قومها الكافرين بدعوته، المحاربين رسالته.
لم تترك «سرا» في بيت زوجها النبي الكريم إلا أذاعته بين أعدائه، ولم تدع فرصة للنيل من دعوته إلا استغلتها في تشويه صورتها، والتحريض عليها.
شاركت كفار قومها السخرية من زوجها نوح عليه السلام، حين شرع في بناء السفينة بأمر الله سبحانه وتعالى.. اتهمته بالجنون.
اختلف المؤرخون في اسمها، فقيل: «والغة».. و«واغلة».. و«واعلة».. و«واهلة».. و«والهة».
على العكس تماما من زوجات الأنبياء والرسل اللاتي تفانين في تأييد رسالات أزواجهن، وسعين إلى نشرها، شنت «والغة» زوجة نبي الله ورسوله نوح عليه السلام حربا على دعوته، حتى ضرب القرآن الكريم بها - وبشبيهتها زوجة نبي الله لوط - مثلا للكافرين، فقال تعالى: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ».. (التحريم: 10).
جاء في «معجم أعلام النساء في القرآن الكريم» لمؤلفه عماد الهلالي: «يقول العلماء والمحققون: إن نبي الله نوحا كانت له زوجتان، إحداهما مؤمنة موحدة مطيعة لنوح، وهي أم أولاده سام وحام ويافث، حملها نوح معه في السفينة ونجت من الغرق والهلاك، والأخرى والغة، وكانت كافرة مشركة منافقة غير مؤمنة بشريعة نوح ونبوته، وكانت تعاديه وتتهمه بالجنون وتنمّ عليه، وتخبر الكفار بمن يؤمن برسالته.
وقيل: كانت لنوح زوجة واحدة، هي والغة، وأولاده كلهم منها، غرقت مع من غرق من الكفار والمشركين، ولم تركب مع نوح في سفينة النجاة، وهناك قول بأنها هلكت قبل الطوفان».

* دعوة التوحيد
كان وقت طويل قد مرّ بين هبوط آدم عليه السلام إلى الأرض، وزمن ظهور نوح عليه السلام، عبدت البشرية فيه ربها عز وجل حق عبادته، وبذل الناس جهودهم في عمارة الأرض.
وعرف قوم نوح أناسا قدموا نماذج سلوكية تُحتذى في العبادة، وعمل الخير، والمعاملة الحسنة، فأحبهم الجميع، واعتبروهم القدوة الصالحة لهم، فلما ماتوا أقاموا لهم تماثيل ليخلدوا ذكراهم، وظهرت لأول مرة في التاريخ تماثيل «ود» و«سواع» و«يغوث» و«يعوق» و«نسر» التي سرعان ما اتخذوها آلهة وعبدوها.
وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك التماثيل على لسان الكافرين من قوم نوح في الآية الثالثة والعشرين من سورة نوح: «وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا».
وبعث الله تعالى رسوله نوحا عليه السلام لهداية قومه إلى عبادة الله تعالى وحده، ونبذ عبادة الأصنام، ويحذرهم من العذاب الأليم الذي ينتظرهم إذا هم ظلوا على فساد عقائدهم بعبادة الأصنام والتماثيل.
وفي الوقت نفسه كان نوح عليه السلام يبشرهم بمغفرة ذنوبهم إذا هم عبدوا الله وحده، وانتهوا عن شركهم.. قال تعالى: «إِنَّا أرسلنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قبل أن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ».. (نوح: 1 - 4).

* خيانة «والغة»
على مدى تسعمائة وخمسين سنة، بذل نوح جهودا مضنية لثني قومه عن الشرك بالله، وحثهم على عبادته تعالى وحده.
لم يترك حجة إلا ساقها لإقناعهم.. لم يكف عن دعوتهم ليلا أو نهارا.. كان يخاطبهم سرا وعلانية.. فئة قليلة اتبعت نوحا، وآمنت برسالته.
وكانت زوجته «والغة» ترصد تلك الجهود، وتبلغ بها قومها الكافرين أولا بأول. لم تكن تحفظ له سرا.
يقول الكاتب محمد علي قطب في كتابه «زوجات الأنبياء وأمهات المؤمنين»: «يبدو أنها كانت من فئة الأغنياء، وشريحة أصحاب النفوذ والسلطان، وقد تزوجها قبل أن يختاره الله تعالى رسولا ونبيا.
فلما حُمّل - نوح عليه السلام - أمانة الرسالة جنحت والغة إلى الفئة الضالة، فكانت في بيته ترقب كل ما يجدّ، ثم تنقل ذلك إلى قومها، فيعرفون لها صنيعها، وتلك هي الخيانة، وأي خيانة أعظم من إفشاء أسرار البيوت.. واستمرت على ذلك فزادها الله تعالى ضلالا، وأغفل قلبها عن ذكره باتباع هواها».
وأدرك نوح عليه السلام أن قومه أغلقوا عقولهم وقلوبهم أمام دعوته، وبالغوا في رفضها، وتمسكوا بعبادة الأصنام، وأكثروا من السخرية منه، فلجأ إلى ربه: «قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أصابعهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا».. (نوح: 5 - 12).

* أسرار البيوت
جاءت مناجاة نوح ربه بعد أن أبلغ قومه رسالة ربه، ودعاهم إلى الحق، وحذرهم من سوء عاقبة شركهم، وبعد أن تحمل أذاهم، فاستجاب له رب العالمين، وأمره بصناعة «سفينة» نجاة له ولأتباعه من المؤمنين.. قال تعالى: «فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ».
وكانت زوجته «والغة» من الذين ظلموا.. كانت من المغرقين.
إن تأمل سيرة هذه المرأة الخائنة تأخذ بأيدي المرأة المسلمة بعيدا عن الكثير من الآثام التي ارتكبتها «والغة»، خاصة وجوب الحفاظ على أسرار البيوت وعدم الخوض فيها، وإدراك حقيقة أن كل امرئ محاسب على عمله هو، وأن غيره لن ينفعه يوم لقاء ربه، وذلك بالإضافة إلى حسن اختيار الزوجات.

* ينشر بترتيب مع «وكالة الأهرام للصحافة»



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.