ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة دون {الثلث المعطل}

سلام يتعهد بانتخابات رئاسية في موعدها * 24 وزيراً وفق قاعدة «الثمانيات الثلاث» * باسيل للخارجية والمشنوق للداخلية وريفي للعدل

ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة دون {الثلث المعطل}
TT

ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة دون {الثلث المعطل}

ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة دون {الثلث المعطل}

أبصرت الحكومة اللبنانية الجديدة النور بعد مخاض مرير استمر عشرة أشهر، وعشرة أيام، انتهى أمس بإصدار مراسيم تشكيلها من قبل رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة تمام سلام، وهي حكومة لا يمتلك فيها حزب الله الأكثرية (8 وزراء له ولحلفائه من أصل 24)، كما لا يمتلك فيها «الثلث المعطل الذي يسمح له بوضع الفيتو على القرارات التي تتطلب ثلثي أصوات الوزراء، كما لا يسمح له بإسقاط الحكومة».
وسبقت لحظة إعلان الحكومة مشاورات مكثفة، أسفرت عن تذليل آخر العراقيل التي ظهرت بوجهها، وتحديدا في عقدة توزير المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الذي رفض حزب الله توزيره في موقع وزير الداخلية، قبل أن يقبل به وزيرا للعدل، مما أثار انقسامات في صفوف مناصري الحزب وحلفائه السياسيين، ترجم بإعلان بعضهم «فض الشراكة» معه، بينما ظهرت دعوات للاعتصام في الضاحية الجنوبية ليلا احتجاجا على توزير «أحد قادة المحاور»، بالإشارة إلى ريفي الذي يتهمه فريق «8 آذار» بأنه مسؤول عن بعض مسلحي مدينة طرابلس في شمال لبنان.
وأفاد مصدر لبناني لـ«الشرق الأوسط» بأن اتصالات الساعات الأخيرة أفضت إلى تذليل عقبة توزير ريفي بعد اتصالات، تولى رئيس كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط دور الوسيط فيها بين الحزب ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، الذي قالت مصادر قريبة من جنبلاط لـ«الشرق الأوسط» إنه «كان إيجابيا للغاية» وسهل عملية التأليف. وأشار وزير الصحة في الحكومة الجديدة، وائل أبو فاعور، في حديث تلفزيوني، إلى أن «جنبلاط سعى شخصيا للمساعدة على تأليف الحكومة، وتدخل مع رئيس (تيار المستقبل) سعد الحريري، وكنا نسعى لإعلان الحكومة ليل أمس (أول من أمس) كي لا يحمل الليل أي تطورات أو تعقيدات». ورأى أن «أهم ما في الأمر أن جنبلاط كرس موقعه الوسطي وفكرة التسوية، وهذا ما حصل».
فبعد رمي الفيتو بوجه ريفي في وزارة الداخلية، اتفق على تعيينه وزيرا للشؤون الاجتماعية، لكن ريفي رفض الأمر مشترطا الحصول على وزارة العدل أو الاتصالات لدخول الحكومة، فكان أن جرى تعيينه وزيرا للعدل. لكن هذا التعيين خلق مشكلة جديدة في وجه الوزير رشيد درباس الذي كان مطروحا تعيينه وزيرا للداخلية، قبل حصول مشاكل داخل الصف الواحد نتيجة «حسابات طرابلسية» بعد اعتراض أحد المرشحين الطرابلسيين الذي كان مقررا تعيينه في هذا المنصب على اسمه، فاتفق على تعيينه وزيرا للعدل، بصفته نقيبا سابقا للمحامين في الشمال، فكان أن جرى التوافق أخيرا على تعيينه وزيرا للشؤون الاجتماعية.
وأثار إعلان الحكومة، التي حملت اسم حكومة «المصلحة الوطنية»، ارتياحا واسعا في الأوساط اللبنانية الشعبية والسياسية والاقتصادية بعد أكثر من عشرة أشهر من الجمود، والمخاطر الأمنية التي كانت سببا أساسيا في قبول حزب الله التنازل وخفض سقف مطالبه، سواء فيما يتعلق بشكل الحكومة لقبوله بعدم الحصول على الثلث الضامن الذي يسمح له بفرط عقد الحكومة في حال قرر هو وحلفاؤه الاستقالة، كما حصل مع حكومة الرئيس سعد الحريري، أو لجهة قبوله بأسماء يراها استفزازية. وقال أحد الوسطاء الذين عملوا على خط تقريب وجهات النظر بين الأفرقاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحزب بدا أكثر تساهلا فيما يتعلق بعملية تأليف الحكومة في الأسابيع الأخيرة، تحت ضغط التفجيرات الانتحارية التي ضربت المناطق المؤيدة للحزب في ضاحية بيروت الجنوبية والبقاع، لجهة اعتباره أن التوافق داخل الحكومة من شأنه أن يعطي عملية ملاحقة المفجرين فعالية أكبر، إذ سيكون الفريق السني في الحكومة شريكا في محاربة منفذي التفجيرات، كما يقلل التوافق السياسي من الاحتقان الداخلي. ونقل الوسيط عن أحد مفاوضي الحزب قوله في أحد مفاصل المفاوضات: «نحن نريد الحكومة قبل غيرنا لأن دمنا على الأرض»، في إشارة إلى عمليات التفجير.
وأفادت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» بأن الحكومة دعيت إلى الاجتماع الثلاثاء المقبل، حيث سيكون على جدول أعمالها تأليف لجنة وزارية لصياغة البيان الوزاري الذي ستتقدم به إلى المجلس النيابي من أجل نيل الثقة كما ينص الدستور. وقالت المصادر إن البيان الوزاري سيكون الامتحان الحقيقي للتوافق السياسي، بعد أن أجل البحث فيه إلى ما بعد تأليف الحكومة تجنبا لتفجيرها قبل تأليفها، وذلك بسبب إصرار فريق «14 آذار» على عدم «إعطاء أي شرعية لسلاح حزب الله» الذي حظي بتغطية من البيانات الوزارية لكل الحكومات اللبنانية التي تألفت منذ إقرار اتفاق الطائف في مطلع التسعينات من القرن الماضي. ورغم أن حكومات ما بعد عام 2005 تلاعبت لغويا من أجل عدم ذكر الأمر مباشرة، فإن غنى اللغة العربية سمح لها بإقرار صيغة يترجمها كل فريق على هواه، كذكر الحكومات الأخيرة لثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة» في مقاومة الاحتلال، وهي صيغة ترفضها قوى «14 آذار» الآن.
وقالت المصادر إن انسحاب التوافق السياسي على موضوع البيان الوزاري سيترجم من خلال تنازل أحد الطرفين عن مطالبه، أو توافقهما على صيغة مبهمة أخرى، أما في حال فشلا في ذلك فسنكون أمام مرحلة صعبة قد تعني تحول الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال بتوافق الطرفين، خصوصا أن ولاية رئيس الجمهورية تنتهي بعد نحو شهرين، ومن هنا تواجه البلاد مخاطر الفراغ الرئاسي الذي ستملأه الحكومة.
وكانت علامات «الدخان الأبيض» ظهرت صباح أمس مع توجه رئيس الحكومة المكلف تمام سلام إلى القصر الجمهوري، حيث انضم إليهما لاحقا رئيس مجلس النواب نبيه بري، مما أشر قرب صدور مراسيم تشكيل الحكومة التي صدرت قرابة الواحدة بعد الظهر.
وألقى الرئيس سلام بيانا أكد فيه أن «حكومة المصلحة الوطنية الجامعة التي شكلت تتوافر فيها جميع العناصر الدستورية والميثاقية والقانونية والتمثيلية». وقال: «شكلت بروحية قادرة على خلق مناخات إيجابية لإحياء الحوار الوطني حول القضايا الخلافية برعاية فخامة رئيس الجمهورية، وقادرة على تأمين الأجواء اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، فضلا عن الدفع باتجاه إقرار قانون جديد للانتخابات التشريعية». وأعلن مد يده إلى جميع القيادات التي دعاها إلى «التنازل لصالح مشروع الدولة، والالتقاء حول الجوامع الوطنية المشتركة، ومعالجة الخلافات داخل المؤسسات الدستورية والالتفاف حول الجيش والقوى الأمنية وإبقائها بعيدة عن التجاذبات السياسية». وجاء في البيان: «لقد شكلت حكومة المصلحة الوطنية بروحية الجمع لا الفرقة، والتلاقي لا التحدي. هذه الروحية قادرة على خلق مناخات إيجابية لإحياء الحوار الوطني حول القضايا الخلافية برعاية فخامة رئيس الجمهورية، وقادرة على تأمين الأجواء اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، فضلا عن الدفع باتجاه إقرار قانون جديد للانتخابات التشريعية».

وفي نفس السياق؛ تمكّن رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام من إعلان تشكيلة حكومية تضم 24 وزيرا وفق قاعدة «الثمانات الثلاثة»، إذ نال كل من تحالفي 8 و14 آذار ثمانية حقائب وزارية، وحصدت الكتلة الوسطية، المتمثلة بسلام والرئيس اللبناني ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط، الحقائب الثمانية الأخرى.
وباستثناء حزب القوات اللبنانية، الذي اختار طوعا عدم المشاركة في أي تشكيلة حكومية يشارك فيها حزب الله، اعتراضا على قتاله إلى جانب القوات النظامية في سوريا، ضمت الحكومة ممثلين عن أبرز الكتل البرلمانية اللبنانية. لكن حكومة سلام لم تتضمن حضورا نسائيا فاعلا لتقتصر المشاركة على وزيرة واحدة هي وزيرة المهجرين القاضية أليس شبطيني، التي أدرج اسمها في الساعات الأخيرة على لائحة المرشحين للتوزير.
وإذا كانت الحكومة الأخيرة التي شكلها رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي في 13 يونيو (حزيران) 2011، أبصرت النور بعد تسوية تخللها تضحية رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري بمقعد وزاري محسوب على الطائفة الشيعية لصالح الطائفة السنية، شغله وزير الرياضة السابق فيصل كرامي، مما رفع حصة «السنّة» إلى سبعة وزراء مقابل خمسة للشيعة، فإن سلام أعاد التوازن الطائفي إلى الحكومة. بالأرقام، انقسمت مقاعد الحكومة الأربعة والعشرون مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. وتمثلت كل من الطائفتين السنية والشيعية بخمسة مقاعد، فيما نالت الطائفة الدرزية مقعدين. ومسيحيا، ذهبت خمسة مقاعد إلى الموارنة وثلاثة إلى الأرثوذكس، في حين تمثل الكاثوليك بمقعدين، مقابل مقعد للأقليات وآخر للأرمن. وسياسيا، تمثل الرئيس اللبناني ميشال سليمان ضمن الحصة الوسطية بثلاثة وزراء، هم نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الوطني سمير مقبل، ووزيرة المهجرين أليس شبطيني، ووزير الشباب والرياضة عبد المطلب حناوي. وحصد النائب وليد جنبلاط مقعدين وزاريين يشغلهما وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور ووزير الزراعة أكرم شهيب، بينما بقي للرئيس سلام وزيران هما وزير البيئة محمد المشنوق ووزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس.
على صعيد قوى «14 آذار»، تمثل تيار المستقبل بأربعة وزراء هم وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، ووزير العدل أشرف ريفي، ووزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج، إضافة إلى وزير السياحة ميشال فرعون، في حين حصد مستقلو «14 آذار» حقيبة الاتصالات التي يتولاها الوزير بطرس حرب.
ونال حزب الكتائب اللبنانية، الذي يتزعمه الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل، حصة الأسد الوزارية في الحكومة، بعد أن صبّ امتناع القوات عن المشاركة لصالحه. وتمثلت «الكتائب» بثلاثة وزراء في الحكومة هم وزير الإعلام رمزي جريج، ووزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم، ووزير العمل سجعان قزي، علما بأن كتلة الكتائب النيابية تضم خمسة نواب.
في المقابل، فاز تحالف 8 آذار بثمانية مقاعد وزارية، ذهب أربعة منها إلى تكتل التغيير والإصلاح، الذي يضم إلى جانب كتلة النائب ميشال عون، كلا من تيار المردة برئاسة النائب سليمان فرنجية، والحزب السوري القومي الاجتماعي، وحزب الطاشناق الأرمني. وتمثل تيار عون بوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، والحزب القومي بوزير التربية والتعليم العالي إلياس أبو صعب، وهو مقرب من عون، في حين تمثل تيار المردة بوزير الثقافة روني عريجة وحزب الطاشناق بوزير الطاقة والمياه آرتور نظريان.
وتقاسمت الثنائية الشيعية المقاعد الأربعة الباقية، فنال حزب الله حقيبة الصناعة التي يتولاها الوزير حسين الحاج حسن، وشغل الوزير محمد فنيش منصب وزير الدولة لشؤون مجلس النواب. أما كتلة حركة أمل التي يرأسها بري، فقد حصدت حقيبتي الأشغال العامة والنقل، التي يتولاها الوزير غازي زعيتر وحقيبة المالية، التي يتولاها الوزير علي حسن خليل.
يُذكر أن تركيبة الحكومة الجديدة اعتمدت مبدأ المداورة في الحقائب، أي تحرير الحقائب من القيد الطائفي والمذهبيّ، باستثناء حقيبة نائب رئيس مجلس الوزراء، وفق ما أعلنه سلام في كلمته بعد تشكيل حكومته. وأوضح مكتبه الإعلامي في وقت لاحق أمس أن «المقصود بالاستثناء من المداورة هو حقيبة الدفاع التي بقيت خارج هذا المبدأ، باعتبار أن نائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل الذي بات يتولاها (الدفاع) ينتمي إلى طائفة الروم الأرثوذكس التي ينتمي إليها وزير الدفاع السابق». وأفاد بأن «موقع نائب رئيس مجلس الوزراء الذي يعود إلى طائفة الروم الأرثوذكس ليس خاضعا لأي مداورة»، نظرا لكونه المنصب الأعلى الذي يمكن لأرثوذكسي الوصول إليه في لبنان.
وباستثناء حقيبة الدفاع، التي تعد سيادية، فإن مبدأ المداورة شمل الحقائب السيادية الثلاثة المتبقية، وهي الخارجية والداخلية والمالية. فانتقلت الأخيرة من الوزير السني محمد الصفدي (14 آذار) إلى الوزير الشيعي علي حسن خليل (8 آذار). وفي حين تسلم الوزير الماروني جبران باسيل (8 آذار) حقيبة الخارجية من الوزير الشيعي عدنان منصور (8 آذار)، وذهبت وزارة الداخلية إلى الوزير السني نهاد المشنوق (14 آذار) بعد أن كانت بيد الوزير الماروني السابق مروان شربل، المحسوب على الرئيس اللبناني.

هذا وقد خرقت «حكومة المصلحة الوطنية» ثلاثة أسماء يمكن وصفها بـ«الاستفزازية»، رغم إصرار رئيس الحكومة تمام سلام والأفرقاء السياسيين منذ بدء المباحثات على استبعاد شخصيات قد «تثير الحساسية» بالنسبة إلى أي فريق. وتتوزع هذه الشخصيات بانتمائها السياسي، بين أفرقاء الحكومة الثلاثة: قوى «14 آذار» و«8 آذار»، والوسطيين، أي الرئيس ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط. وتتمثل بـالمدير العام السابق للأمن الداخلي اللواء المتقاعد أشرف ريفي المحسوب على «تيار المستقبل»، ووزير الطاقة جبران باسيل المحسوب على تكتل النائب ميشال عون، إضافة إلى السيدة الوحيدة في التشكيلة الحكومية التي اختارها الرئيس اللبناني لتكون من حصته وهي رئيسة محكمة التمييز العسكرية أليس شبطيني.
ويتصدر ريفي قائمة الأسماء «الاستفزازية»، وهو الذي كان السبب المعلن في استقالة رئيس الحكومة السابقة نجيب ميقاتي في 22 مارس (آذار) 2013، إثر اعتراض فريق «8 آذار» على التمديد له في موقعه بعد بلوغه سن التقاعد القانوني. وكاد ريفي يطيح أيضا بحكومة سلام في اللحظة الأخيرة، بسبب وضع حزب الله «فيتو» على توليه وزارة الداخلية، قبل أن تنشط الجهود في الساعات الأخيرة على أكثر من خط، لتذليل هذه العقبة، وصولا إلى منحه «وزارة العدل» بعدما رفض وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل.
وتشير المعلومات إلى أن حزب الله الذي كان على علاقة مقبولة معه خلال فترة عمله في «الأمن الداخلي»، كان وعد ريفي، بتولي وزارة الداخلية، قبل أن تنقلب الأمور رأسا على عقب، بسبب تصريحاته المهاجمة لحزب الله في الفترة الأخيرة، على خلفية الاشتباكات في طرابلس، مسقط رأس ريفي. فتحول الوعد إلى «فيتو» أبعده من الوزارة التي كان يطمح إليها. ويعرف ريفي بخبرته الأمنية التي كان لها دور أساسي في التحقيقات بقضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري التي أدت إلى اتهام خمسة أشخاص من حزب الله، إضافة إلى كشفه ما عرف بـ«شبكة الوزير السابق ميشال سماحة» التي كانت تخطط لتنفيذ عمليات أمنية في لبنان بالتنسيق مع شخصيات في النظام السوري.
واستبق ريفي أمس، إعلان التشكيلة النهائية للحكومة، بإصداره بيانا، رد فيه على حزب الله المعترض عليه ومتهما إياه بالتعطيل، قائلا: «أراد أن يجعل من حقيبة الداخلية عقدة التأليف، والحقيقة أنه هو عقدة كل البلد، وأنا لن أشارك في إعطائه فرصة الاستمتاع بلحظة العرقلة من جديد». وتوجه إلى الحريري بالقول: «لن أرضى أن أكون جزءا من المشكلة التي تواجه تأليف الحكومة»، مؤكدا أنه «يقف مع أي قرار يتخذه الحريري ويرى فيه مصلحة للبلاد».
واستكمالا لسلسلة الانتقادات التي لحقت وتلحق بريفي من قبل معارضيه، أعلن أمس المدير العام للأمن العام السابق اللواء جميل السيد، أحد الضباط الأربعة الذي سبق أن أوقفوا في قضية اغتيال الحريري، قطع علاقته التشاورية بفريق «8 آذار»، عادا أنه «ما من سبب مبدئي أو أخلاقي يبرر لهم التفريط في وزارة العدل تحديدا، لأن العدل والأمن توأمان بالنسبة للمجتمع، ولأن من يعد غير مؤهل للأمن فهو غير مؤهل للعدل كذلك، خصوصا أن الفريق نفسه كان قد عارض في الأمس القريب التمديد للواء أشرف ريفي كمدير عام لـ(الأمن الداخلي)».
من جهته، لا يقل وزير الطاقة والمياه السابق وصهر النائب ميشال عون، جبران باسيل، «استفزازا» بالنسبة إلى فريق «14 آذار»، لا سيما أنه يعد «المدلل» في «التيار الوطني الحر» والوزير الذي يرفض عون الاستغناء عنه، حتى إنه هدد بعدم تأليف حكومة ميقاتي السابقة إذا لم يكن باسيل وزيرا فيها. وسبق لباسيل أن ترشح للانتخابات النيابية في عامي 2005 و2009 عن دائرة الشمال - البترون، لكنه خسر أمام مرشحين من فريق «14 آذار». أما المعركة الكبرى التي خاضها عون، فكانت في الحكومة التي أبصرت النور أمس، بعدما كان اعترض على مبدأ المداورة في الحقائب بشكل عام والتنازل عن وزارة الطاقة التي يتولاها صهره بشكل خاص، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ فريق «8 آذار» قراره مجتمعا بمقاطعة الحكومة أو الاستقالة منها في حال أقدم سلام على تأليفها. وبقيت هذه العقبة محور محادثات الأسبوعين الأخيرين إلى أن رضي عون بالتنازل عن «الطاقة» لصالح حليفه الأرمني «الطاشناق»، من دون أن يستغني عن باسيل، إنما هذه المرة في وزارة الخارجية. وللسيدة الوحيدة التي «زينت» الحكومة الذكورية، رئيسة محكمة التمييز العسكرية أليس شبطيني، المحسوبة على الرئيس سليمان، موقعها الاستفزازي بالنسبة إلى حزب الله. ويعود هذا الأمر إلى شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي عند اتخاذها قرار تخلية سبيل أربعة موقوفين في جرم التعامل مع إسرائيل مقابل كفالة مالية، مما أدى إلى شن حزب الله هجوما عليها، مطالبا بتنحيتها وبتحويل الملفات التي حكمت فيها للتفتيش القضائي. وفي حين حمل نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم القضاء، اللبناني مسؤولية عدم التهاون مع العملاء الإسرائيليين، عدت حينها قناة «المنار»، التابعة لحزب الله، أن أسباب إطلاق سراح هؤلاء مجهولة بقدر ما هي مشبوهة، سائلة عن دوافع ما أقدمت عليه القاضية شبطيني، ولمن تقدم شبطيني أوراق اعتمادها؟



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.