حرب أوكرانيا تكرس واقعاً اجتماعياً جديداً على طرفي الحدود

«الخيانة العظمى» تهمة تلاحق المتعاملين مع الأشقاء... «الأعداء»

مركبات عسكرية أوكرانية تتحرك على الطريق بالمنطقة المحررة في خاركيف بأوكرانيا (أ.ب)
مركبات عسكرية أوكرانية تتحرك على الطريق بالمنطقة المحررة في خاركيف بأوكرانيا (أ.ب)
TT

حرب أوكرانيا تكرس واقعاً اجتماعياً جديداً على طرفي الحدود

مركبات عسكرية أوكرانية تتحرك على الطريق بالمنطقة المحررة في خاركيف بأوكرانيا (أ.ب)
مركبات عسكرية أوكرانية تتحرك على الطريق بالمنطقة المحررة في خاركيف بأوكرانيا (أ.ب)

عكست التقارير الواردة من روسيا وأوكرانيا حول ازدياد عمليات الكشف عن حالات «الخيانة العظمى» مستوى الانقسام الداخلي في البلدين، وتخبط المشاعر لدى الشعبين «الشقيقين» حيال المواجهة الأسوأ في تاريخهما المشترك على مدى قرون طويلة. وبعد مرور مائتي يوم على الحرب بين «الأشقاء»، تبدو العلاقة كأنها دخلت مرحلة اللاعودة؛ إذ مهما بلغت طبيعة «الانتصارات» التي يمكن أن يحققها طرف ضد آخر، ومهما كانت نسبة انحياز جزء من المكون الاجتماعي على أحد طرفي الحدود إلى الطرف الآخر من «الوطن التاريخي المشترك»؛ فإن الأكيد؛ وفقاً لخبراء اجتماع، أنه لم يعد بمقدور الأوكرانيين والروس التعايش كشعب واحد في بلدين كما حدث خلال الحقبة التي أعقبت انهيار الدولة العظمى. ومع أن جزءاً كبيراً من التقارير التي تم الكشف عنها في إطار الجاسوسية أو العمليات الاستخباراتية ومسائل استقطاب «العملاء» على طرفي الجبهة، يبدو مفهوماً وطبيعياً في ظروف الحرب القائمة، وفي ظل التشابك الكبير العرقي والاجتماعي الذي يوفر أرضية مناسبة لهذا النشاط، فإن المخفي في الموضوع يكمن في انعكاسات الانتماء العاطفي لكثيرين في روسيا تجاه أوكرانيا، وكثيرين في البلد الجار والشقيق الأصغر تجاه الأخ الأكبر الروسي. بمعنى أن كثيراً من الحالات التي تم الكشف عنها لدى الطرفين ليست ناجمة عن نشاط استخباراتي بقدر ما تعكس مستوى الإحباط والتخبط المجتمعي. وهو أمر أظهرته نقاشات كثيرة ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي بين أفراد عائلات مشتركة أوكرانية وروسية وجدوا أنفسهم بعد اندلاع الحرب على طرفي الجبهة الدامية. يشكو كثير من أفراد عائلات «روسية» في أوكرانيا من «عدم تفهم» الأقارب على الضفة الأخرى المواجهة لوضعهم؛ بل أن كثيرين منهم باتوا يتهمون أقرباءهم بأنهم «ضحايا الدعاية» الحكومية التي تبرر الحرب. في المقابل؛ ينتقد بعض «الأوكرانيين» في روسيا تباطؤ الأقارب في الجهة الأخرى في اللجوء إلى الحماية الروسية، وإعلان العصيان ضد «السلطة النازية» التي فجرت المعركة وقادت «الاستفزاز الكبير». ثمة تقارير تحدثت عن تفكك عائلات مشتركة وعن حالات قد تكون ما زالت لم تتخذ بعداً واسعاً في وسائل الاعلام، لكنها لافتة في مضامينها، مثل السيدة الأوكرانية التي اشتكت على قنوات التواصل من أنها تتعرض لـ«عنف زوجي» متزايد بسبب مواقفها المعارضة للحرب. وثمة عشرات من حالات مماثلة تعبر يومياً صفحات التواصل الاجتماعي. جزء كبير من هذه الحالات يسيطر عليه مشاعر متناقضة بين الخوف من الانتقام والرغبة في إعلان موقف. وثمة رد فعل عكسي ظهر عند فئات «تطوعت» لدعم الطرف الأخر، رغم كل القيود ورزم القوانين التي حظرت كل أشكال التعبير عن المواقف المعارضة. هؤلاء يتحدثون في وسائل التواصل الاجتماعي عن دعوات للتظاهر أو لتحركات مناهضة للحرب، وسرعان ما وقع كثيرون منهم في دائرة الملاحقة القانونية، ونُسبت إليهم اتهامات بالتعامل مع جهات تخريبية. على المستوى الظاهر؛ هناك تقارير ازدادت تحدثت عن «عملاء لأوكرانيا» تجري ملاحقتهم في المدن الروسية وتم اعتقال كثيرين منهم في الأسابيع الاخيرة. وفي الجهة الأخرى أشارت تقارير إلى عملاء أيضاً سهلوا سيطرة القوات الروسية على كثير من المنشآت المدنية والعلمية وغيرها في مناطق أوكرانية. أما الجزء الأوضح والأكثر انتشاراً على وسائل الإعلام، من هذا النشاط، فهو الذي يتم إسناده إلى نشاط الأجهزة الخاصة في البلدين. وفي أحدث تطور من هذا النوع، أعلن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، الثلاثاء، أن عناصره اعتقلوا موظفاً رفيع المستوى كان يعمل في إحدى شركات صناعة الطيران الروسية، بتهمة خيانة الدولة. وذكرت المخابرات الروسية، في بيان، أنها تشتبه في قيام المعتقل بتسليم الجانب الأوكراني، معلومات وبيانات سرية تتعلق بصناعة الطائرات الحربية. وأضاف البيان: «خلال وجوده في منصب مدير قسم الجودة في أحد مصانع الطائرات، تمتع المتهم بإمكانية الوصول إلى وثائق تحمل صفة: (سري للغاية)». وأشارت المخابرات الروسية، إلى أن المعتقل، وهو مواطن روسي من سكان مقاطعة موسكو، قام بتصوير بعض الوثائق والمخططات المتعلقة بالمعدات الجوية الحربية وأرسلها إلى مواطن أوكراني، يعمل في مصنع جوي بمدينة أوديسا. في الشهر الماضي، كانت موسكو أعلنت خبراً مماثلاً عن اعتقال مسؤول بارز في برنامج الصواريخ «فرط الصوتية» بتهمة الخيانة. وأوضحت وكالة أنباء «تاس» الحكومية أن الأمر يتعلق بمدير المختبر الروسي الذي يدعم برنامج الصواريخ «فرط الصوتية»، ويدعى ألكسندر شيبليوك. وعمل شيبليوك مديراً لـ«معهد الميكانيكا النظرية والتطبيقية» التابع لـ«أكاديمية العلوم الروسية». وذكرت الوكالة الروسية أنه جرى تفتيش المؤسسة من قبل السلطات الأمنية، وبعدها تم اقتياد شيبليوك نحو مركز للاحتجاز في موسكو. وقبل شهور كان قد أعلن عن اعتقال مهندس بارز في سلاح الصواريخ يدعى ألكسندر كورانوف (73 عاما)، وهو مختص رائد في برنامج الصواريخ «فرط الصوتية»، ووجهت ضده تهمة «خيانة الدولة». وكان كورانوف يشغل منصب المدير العام لمنشأة أبحاث الأنظمة فائقة السرعة. واتهم كورانوف بـ«نقل معلومات سرية إلى مواطن أجنبي حول تكنولوجيا الصواريخ (فرط الصوتية) كان قد عمل عليها لفترة طويلة». في أوكرانيا؛ تم خلال الأشهر الماضية فتح أكثر من 500 قضية خيانة عظمى، وأعلنت مصادر أنه جرى فحص نحو 1200 شخص آخرين بتهم تتنوع بين الخيانة العظمى والتعاون مع حكومات أجنبية ضد مصالح البلاد. وحمل قرار الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عزل النائب العام إيرينا فينيديكتوفا، ورئيس المخابرات الأوكرانية إيفان باكانوف، عن منصبيهما بشكل مؤقت، إشارة إلى مستوى المخاوف من تغلغل النشاط الاستخباراتي الروسي داخل مؤسسات الدولة الأوكرانية.


مقالات ذات صلة

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

أوروبا رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف (رويترز)

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

نقلت «وكالة الإعلام الروسية» عن رمضان قديروف رئيس الشيشان قوله اليوم الأربعاء إن طائرة مسيّرة أطلقتها أوكرانيا هاجمت العاصمة غروزني وتسببت في سقوط مدنيين.

«الشرق الأوسط» (غروزني)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (رويترز)

«الناتو» يدعو الغرب لتوفير «دعم كافٍ» لأوكرانيا لـ«تغيير مسار» الحرب

حضّ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، الأربعاء، أعضاء الناتو على تزويد أوكرانيا بما يكفي من أسلحة لـ«تغيير مسار» الحرب.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يمين) والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

حذر الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته في مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» ترمب من أن الولايات المتحدة ستواجه «تهديداً خطيراً».

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي أشخاص ورجال إنقاذ سوريون يقفون بالقرب من أنقاض مبنى في موقع غارة جوية على حي في مدينة إدلب التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في شمال سوريا، 2 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحمّل روسيا وإيران مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا

قالت أوكرانيا، الاثنين، إن روسيا وإيران تتحملان مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا، حيث سيطرت «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة لها على مساحات واسعة من الأراضي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في أثينا 26 أكتوبر 2020 (رويترز)

لافروف يتهم الغرب بالسعي إلى وقف إطلاق النار لإعادة تسليح أوكرانيا

اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الدول الغربية، الاثنين، بالسعي إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا بهدف إعادة تسليح كييف بأسلحة متطورة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

التحقيق مع مدعي «الجنائية الدولية» بعد مزاعم عن «سوء سلوك جنسي»

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
TT

التحقيق مع مدعي «الجنائية الدولية» بعد مزاعم عن «سوء سلوك جنسي»

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (رويترز)

تم اختيار مراقب من الأمم المتحدة لقيادة تحقيق خارجي في مزاعم سوء سلوك جنسي ضد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، وفقا لما علمته وكالة أسوشيتد برس أمس الثلاثاء.

ومن المرجح أن يثير هذا القرار مخاوف تتعلق بتضارب المصالح نظرا لعمل زوجة المدعي العام السابق في الهيئة الرقابية.

وقدم خان تحديثات حول التحقيقات الحساسة سياسيا التي تجريها المحكمة في جرائم حرب وفظائع في أوكرانيا وغزة وفنزويلا، وغيرها من مناطق النزاع خلال اجتماع المؤسسة السنوي هذا الأسبوع في لاهاي بهولندا. لكن الاتهامات ضد خان خيمت على اجتماع الدول الأعضاء الـ124 في المحكمة الجنائية الدولية.

فقد كشف تحقيق لوكالة أسوشيتد برس في أكتوبر (تشرين الأول) أنه بينما كان خان يعد أمر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو، كان يواجه في الوقت ذاته اتهامات داخلية بمحاولة الضغط على إحدى مساعداته لإقامة علاقة جنسية معها، واتهامات بأنه تحرش بها ضد إرادتها على مدار عدة أشهر.

وفي اجتماع هذا الأسبوع، قالت بايفي كاوكرانتا، الدبلوماسية الفنلندية التي تترأس حاليا الهيئة الرقابية للمحكمة الجنائية الدولية، للمندوبين إنها استقرت على اختيار مكتب الأمم المتحدة لخدمات الرقابة الداخلية، حسبما أفاد دبلوماسيان لوكالة أسوشيتد برس طلبا عدم الكشف عن هويتهما لمناقشة المحادثات المغلقة.

وأعربت منظمتان حقوقيتان مرموقتان الشهر الماضي عن قلقهما بشأن احتمال اختيار الأمم المتحدة لهذا التحقيق بسبب عمل زوجة خان، وهي محامية بارزة في حقوق الإنسان، في الوكالة في كينيا بين عامي 2019 و2020 للتحقيق في

حالات التحرش الجنسي. وقال الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان ومبادرات النساء من أجل العدالة القائمة على النوع، في بيان مشترك إنه يجب أن يتم تعليق عمل خان أثناء إجراء التحقيق، ودعتا إلى «التدقيق الشامل في الجهة أو الهيئة المختارة للتحقيق لضمان عدم تضارب المصالح وامتلاكها الخبرة المثبتة».

وأضافت المنظمتان أن «العلاقة الوثيقة» بين خان والوكالة التابعة للأمم المتحدة تتطلب مزيدا من التدقيق. وقالت المنظمتان: «نوصي بشدة بضمان معالجة هذه المخاوف بشكل علني وشفاف قبل تكليف مكتب الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة بالتحقيق».