المشهد: سينما في مالمو

المشهد: سينما في مالمو
TT

المشهد: سينما في مالمو

المشهد: سينما في مالمو

* هناك سينمائي عربي لم تسلّط عليه الأضواء بعد على نحو كاف اسمه محمد قبلاوي يعيش ويعمل في مدينة مالمو في السويد. هو فلسطيني الأصل ترعرع مهاجرًا ومحبًا للسينما كبر فيها وعمل لها. ليس أي سينما بل السينما العربية.

* قبل خمس سنوات جمع من حوله عددًا من المتعاونين وأطلق الدورة الأولى من مهرجان «مالمو للسينما العربية». لم ننظر إلى المهرجان آنذاك إلا كمحاولة أخرى لنشر سينما يتم تجميع أفلامها من الدول العربية المتباينة في مدينة تقطنها جالية عربية لا بأس بها مع احتمالات فشل قوية.

* بعض أصحاب هذه النظرة معذورون لأن آخرين قاموا بالمهمّة ذاتها وفشلوا. كان هناك مثلاً مهرجان للسينما العربية في مؤسسة فرنسية - عربية مرموقة اسمها «مركز العالم العربي في باريس» أثمرت عن نجاح ثم هوت. وفي روتردام تكرر الأمر ذاته: مهرجان روتردام للسينما العربية كان أملاً كبيرًا تحت إشراف الشاب (حينها على الأقل) انتشال التميمي ثم تغيّرت إدارته فسقط من علوه. ما الذي سيتميّز به المهرجان الجديد على نحو لا يعرّضه لما وقع سابقًا؟

* كان هذا هو السؤال والجواب جاء بعد الدورة الثانية: الكثير. ذلك أن محمد قبلاوي برهن على أنه ليس مجرد هاو طارئ وأن الشغف الذي في ذاته ليس مثل برق ليلة ماطرة يزول سريعًا. ها هو ينجز منذ ذلك الحين خطوة متقدّمة تلو خطوة متقدّمة أخرى. وما هي إلا فترة وجيزة والمهرجان بات حضورًا مؤكدًا لسينما تشكل بانوراما مهمّة وثرية خصوصًا لأعين المشاهدين العرب المهاجرين وأولئك الغربيين من مواطنين وسواهم.

* وقبل يومين وصل ما يؤكد أن الرحلة ما زالت تنطوي على مفاجآت: كل من المهرجان المذكور ومعهد الفيلم السويدي توصلا إلى اتفاق يقضي بإنشاء صندوق دعم لمساعدة السينمائيين تحقيق أفلامهم. المبلغ المخصص للفيلم الواحد هو 15 ألف يورو. ليس مبلغًا كبيرًا لكنه بالتأكيد مشجعًا لمخرجين ومنتجين يبحثون في علب الكبريت عن عود يشعلون به بداية الطريق.

* بعيد بداية هذا العام، أعلن المهرجان عن قيامه بإنشاء ذراع توزيعية لأفلام عربية مختارة بحيث يتم عرضها في عدد من المدن السويدية الرئيسة، إسهامًا في تعريف الجمهور العام بها. الفيلم الذي اختير ليكون الأول في هذا التوجه هو «فتاة المصنع» للمخرج المصري محمد خان.

* مستوى الأفلام التي تم عرضها في الدورة الرابعة التي أقيمت في الثلاثين من سبتمبر (أيلول) الماضي ارتفع عما كان عليه سابقًا، وذلك حسب من توجه إلى المهرجان بحضوره. ولعل الجوائز التي منحت فيه آنذاك تدل على ذلك: الأولى للفيلم المغربي «وداعًا كارمن» لمحمد أمين بنعموري ولجنة التحكيم الخاصة للفيلم الطويل لفيلم «طالع نازل» للبناني محمود حجيج، بينما جائزة أفضل مخرج ذهبت إلى الفلسطيني هاني أبو أسعد عن فيلمه «عمر».

* هناك سينمائي عربي لم تسلّط عليه الأضواء بعد على نحو كاف اسمه محمد قبلاوي. نحن المشغولون دومًا بالمطالبة بالمبادرات سمحنا لأنفسنا (أو بعضنا فعل ذلك ولو من دون قصد) لمتابعة نشاطاته بعين تراقب من بعيد ببرود. بعضنا الآخر بات يدرك أن الرجل جاد فيما يقوم به وأنه يستحق الثناء بقدر ما يستحق التشجيع. فشكرًا لك.



شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
TT

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)

معطراً بالنعناع ★★☆

رسائل شفهية في عتمة الأماكن

فيلم محمد حمدي الأول مختلف جداً عن أي فيلم مصري (أو عربي) حٌقّق في تاريخ السينما العربية. الاختلاف بحد ذاته لا يمنح الفيلم درجة التقييم. من الممكن أن يكون مختلفاً وبديعاً أو مختلفاً ورديئاً وهو أقرب إلى التصنيف الثاني. فيلم داكن في الصورة وفي الذوات البشرية التي تسكنه. يجد المخرج لها مبررات مناسبة. هذا لأن أبطاله يتقدمهم دكتور محبط (علاء الدين حمادة)، يعيشون حالات من الكآبة المطلقة تزداد عبثاً مع تناولهم الحشيشة طوال الوقت. أي نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم (التي تبلغ 113 دقيقة). وعوض استمتاعهم بهذه «السلطنة» تبقى أدمغتهم واعية وقادرة على الحديث في مسائل وجودية وسياسية (على الخفيف) مع قليل من الشّعر وكثير من الذكريات التي تتشابك بحيث لا تتضح لها زاوية فعلية تنطلق منها أو تعود إليها.

في دقائقه الـ10 الأولى يؤسّس أسلوب عمله من حالات شخصية وتصوير (قام به بنفسه) وإيقاع. هذا الإيقاع خافت باستمرار والمُشاهد عليه أن يفتح أذنيه جيداً ليتمكّن من التقاط الكلمات المتبادلة. هذا لأن الإيقاع الخافت يشمل كذلك الأداء والتلقين وتشخيص الحالات. الدكتور وأصحابه (من ثلاثة لأربعة حسب المشاهد) يركضون في الظلمة مثل جرذان هاربة من مطاردين (لا نعرفهم) ويأوون دوماً إلى خرابات تضمّهم بعتمتها أو إلى شِقق هي بدورها تبدو كخرابات كلّ شيء فيها قديم وباهت. حتى في ساعات النهار فإن النور مبتسر تأكيداً أو ترميزاً للحالة التي يمر بها أشخاص الفيلم.

الصورة، على الرغم من سوداويتها، هي أهم وأفضل من الموضوع المطروح. صحيح أن رجال الفيلم يتعاطون، لجانب الحشيش، مسائل تهمّهم، لكن ليس كل ما يهم شخصية ما في فيلم ما يهم المشاهدين. بالضرورة. لذا تنحصر الحسنات في الصورة. بينما تمرّ المَشاهد بإيقاع خافت ورتيب، مما يحدّ كثيراً من قدرة الفيلم على التواصل مع مشاهديه.

* عروض حالياً في مهرجان مراكش

Maria ★★★

العمق العاطفي لماريا كالاس

«ماريا» هو ثالث فيلم بيوغرافي ينجزه المخرج التشيلي بابلو لاراين (حسب اللفظ الأسباني) بعد (Jackie) «جاكي»، 2016 و(Spencer) «سبنسر»2021. مثل سابقيه هو فيلم عن امرأة ومثلهما هو عن شخصية حقيقية هي مغنية الأوبرا ماريا كالاس (هناك حفنة أفلام عنها أهمها «Maria By Callas» لتوم وولف، 2017) إلى جانب فيلم إيطالي آخر في التحضير بعنوان «Maria‪/‬Callas» لروبرت دورنهلم.

«ماريا» (ذِ أبارتمنت)

معالجة لاراين تختلف كونها متّصلة بالكيفية التي يحاول فيها تقديم رؤيته لشخصياته فهو يسعى دائماً إلى التقاط العمق العاطفي أكثر مما يهتم لسرد السيرة حكائياً. على ذلك، «ماريا» كما يقدّمه هنا يبقى على السطح أكثر من الدخول في عمق شخصيّته. ما يشغله في سرد الأيام الأخيرة من حياة بطلته هو التصاميم الفنية والديكوراتية وتحريك الكاميرا عبرها وهذا جيد لولا إنه يأتي على حساب تحديدٍ أفضل لمن هي ماريا كالاس.

يسرد الفيلم أحداثها الأخيرة وبعض مواقفها الشخصية والفنية لكن الحكاية يمكن لها أن تكون عن أي شخصية لمغنية وإن كانت خيالية. بطبيعة الحال، وكما بات مألوفاً، يعمد المخرج إلى مشاهد استرجاعية (الفلاشباك) بالأبيض والأسود لكن أهم عنصر في هذه الدراما هي محاولة ماريا التغلّب على ذكرياتها مع أرسطو أوناسيس (الذي تركها للزواج من جاكي كينيدي، شخصية فيلم لوراين السابق).

* عروض حالياً في مهرجان البحر الأحمر

TROIS AMIES ★⭐︎

حوارات ومشاهد تُراوح مكانها

لا يبتعد المخرج موريه في فيلمه «ثلاث صديقات» عن التيمة التي اختارها سابقاً لمعظم ما حقّقه من أفلام مثل «تغيير عنوان» (Changement d'adresse) 2007، و«هل نُقبّل» (Shall We Kiss) 2007، و«الأشياء التي نقولها، الأشياء التي نفعلها» (Les Choses qu'on dit, les Choses qu'on fait) 2020. التيمة المذكورة لا تخرج عن نطاق تداول وتناول العلاقات المتأرجحة ما بين الحب والجنس، أو الحب من دون جنس أو العكس.

«ثلاث صديقات» (موبي دَك فيلمز)

القصّة في عنوانها: 3 صديقات جوان (إنديا هير)، ريبيكا (سارا فورستييه) وأليس (كامل كوتان) والعديد من الحكايات السابقة (تشعر جوان إنها مسؤولة عن موت حبيبها السابق إريك لأنها تركته)، وفي الحكايات الحاضرة يتداولن التجارب التي مررن بها مع آخرين. لا الأحداث مهمّة ولا الحوار (يمتد بلا نهاية) يعني كثيراً. كل ذلك يَرِد مثل قراءة صفحة واحدة من مجلة إشاعات ومن دون لمسات فنية تذكر. بدورها كل لقطة تشبه، تأسيساً وإدارة. ما يسبقها وما يليها.

* عروض: حالياً في صالات فرنسية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز