نجح المزارع المصري محمود التهامي، صاحب مزرعة مانجو بمدينة الإسماعيلية «شرق القاهرة» بموسم 2022 في تعويض خسائر الموسم الماضي، بعد نجاحه في هزيمة داء «العفن الهبابي الأسود الموسمي»، الذي تمنحه التغيرات المناخية «إكسير الحياة». غير أن تقريراً دولياً أصدره أخيراً معهد «ماكس بلانك للكيمياء» بألمانيا والمعهد القبرصي، حمل نبأً غير سار للتهامي، مؤداه أنه «قد لا يصبح قادراً على تكرار قصة نجاحه في المواسم القادمة».
وتعاونت وزارة الزراعة المصرية مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) في الإرشاد الزراعي اللازم، الذي مكّن التهامي وأقرانه من مواجهة الارتفاعات غير المعتادة في درجة الحرارة خلال فبراير (شباط) الماضي، والتي تضر بمحصول المانجو، وتمنح «العفن الهبابي الأسود الموسمي» الظروف المناسبة للانتشار، لكن كان ذلك في إطار ما تم رصده من ارتفاعات بالحرارة يمكن التعامل معها، وهو ما قد لا يصبح متاحاً عندما ترتفع درجات الحرارة 5 درجات مئوية خلال هذا القرن بإقليمي الشرق الأوسط وشرق المتوسط، كما توقع التقرير الدولي، الذي صدر استعداداً لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «كوب 27»، الذي تستضيفه مدينة شرم الشيخ المصرية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ويحدد التقرير الذي نُشر في العدد الأخير من مجلة «ريفيو أوف جيوفيزيكس»، إقليم شرق المتوسط كنقطة ساخنة للتطرف المناخي، ومن خلال تحليل الوضع في 17 دولة بالإقليم، هي (البحرين وقبرص ومصر واليونان وإيران والعراق وإسرائيل والأردن والكويت ولبنان وعمان وفلسطين وقطر والمملكة العربية السعودية وسوريا وتركيا والإمارات العربية المتحدة)، خلصوا إلى أن «المنطقة تزداد احتراراً بمعدل مرتين تقريباً أسرع من المتوسط العالمي، وبسرعة أكبر من غيرها».
وتشير التوقعات المستندة إلى الوضع الحالي إلى حدوث ارتفاع إجمالي خلال الأعوام القادمة من القرن الحالي لتصل إلى 5 درجات مئوية أو أكثر، وسيكون الارتفاع أقوى في الصيف، ويرتبط بموجات حر غير مسبوقة يمكن أن تكون مدمِّرة للمجتمع، كما توقع التقرير.
علاوة على ذلك، أشار التقرير إلى أن «المنطقة ستشهد نقصاً في هطول الأمطار مما يضرّ بالأمن المائي والغذائي، ومن المتوقع أن تتأثر جميع القطاعات الاجتماعية والاقتصادية بشكل خطير، مع آثار مدمِّرة محتملة على صحة وسبل عيش 400 مليون شخص يعيشون في شرق المتوسط، مع تداعيات سلبية في جميع أنحاء العالم».
وبالإضافة إلى متوسط الزيادة في درجات الحرارة، يلفت الباحثون الانتباه إلى «ظهور ظواهر (الطقس المتطرفة) ذات التأثيرات الاجتماعية المدمرة المحتملة»، وتشمل «شدة ومدة موجات الحر والجفاف والعواصف الترابية والأمطار الغزيرة التي من المتوقع أن تؤدي إلى حدوث فيضانات مفاجئة».
ويتزامن مع ذلك، ارتفاع في مستوى سطح البحر في دول الإقليم بوتيرة مماثلة للتقديرات العالمية، وهذا من شأنه أن ينطوي على تحديات خطيرة للبنية التحتية الساحلية والزراعة، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تملح طبقات المياه الجوفية الساحلية، بما في ذلك دلتا النيل بمصر المكتظة بالسكان والمزروعة.
ولتجنب الأحداث المناخية الشديدة في المنطقة. يلمّح جوس ليليفيلد، مدير معهد «ماكس بلانك للكيمياء»، الباحث الرئيسي في التقرير، إلى ضرورة «تطبيق شعار مؤتمر (كوب 27) جيداً، وهو (معاً من أجل تنفيذ عادل وطموح)».
ويقول ليليفيلد في تقرير نشره الموقع الرسمي للمعهد في 6 سبتمبر (أيلول) الجاري: «نظراً لأن الكثير من النتائج الإقليمية لتغير المناخ عابرة للحدود، فإن التعاون الأقوى بين البلدان أمر لا غنى عنه للتعامل مع الآثار السلبية المتوقعة، وأصبحت الحاجة إلى تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ أكثر أهمية من أي وقت مضى».
وتحقيق الأهداف الرئيسية لاتفاقية باريس يمكن أن يثبّت الزيادة السنوية في درجة الحرارة بإقليم شرق المتوسط عند نحو 2 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، بدلاً من 5 درجات مئوية المتوقعة، وهو معدل مدمر للحياة في المنطقة، كما يؤكد ليليفيلد.
ويتفق مع الرأي السابق محمد عبد المنعم، كبير مستشاري المكتب الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة (فاو) للتغيرات المناخية، الذي أكد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «العالم لم يعد يملك رفاهية الوقت في التعامل مع المشكلة، وأنه لا بديل عن تحقيق أهداف اتفاقية باريس، التي لن تعالج الوضع المتدهور، لكنها تمنع حدوث مزيد من التدهور».
وتعجب عبد المنعم من وجود بعض الأصوات التي لا تزال تنكر تغيرات المناخ، رغم ما شهدناه هذا الصيف وما توقعه هذا التقرير وتقارير أخرى، منها التقرير الدوري للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الذي صدر أخيراً، بمشاركة أكثر من 100 باحث عن التغيرات المناخية حول العالم. ويقول عبد المنعم: «التقرير الأخير كشف بوضوح عن أننا أمام واقع مناخي غير طبيعي ستكون له انعكاساته على الزراعة والأمن الغذائي والمائي والطقس والصحة».
«التطرف المناخي» يتوعد الشرق الأوسط خلال الأعوام المقبلة
مطالب بتفعيل «اتفاقية باريس» لمواجهته
«التطرف المناخي» يتوعد الشرق الأوسط خلال الأعوام المقبلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة