شاشة الناقد

مشهد من فيلم الوسترن «ميت لأجل دولار»
مشهد من فيلم الوسترن «ميت لأجل دولار»
TT

شاشة الناقد

مشهد من فيلم الوسترن «ميت لأجل دولار»
مشهد من فيلم الوسترن «ميت لأجل دولار»

Dead of a Dollar *** العودة إلى الغرب الوحيد

تطالعنا موسيقى ألكسندر روزينسكي في أول الفيلم في لحن يبدو مستنسخاً من أحد ألحان إنيو موريكوني أو سواه ممن وضعوا موسيقى أفلام الوسترن سباغتي الإيطالية. هذا التشابه مناسب إلى حد كون أحداث «ميت لأجل دولار» تقع في قرية مكسيكية قريبة من الحدود الأميركية كشأن أفلام سيرجيو ليوني وسيرجيو كوربوتشي وميشيل لوبو.
لكن «ميت لأجل دولار» للمخرج وولتر هِل له كيانه الخاص وهو يغوص مجدداً في حياة الغرب الأميركي على النحو الذي عمدت إليه الكلاسيكيات الشهيرة. بذلك هو بعيد عن التصنيف الإيطالي للغرب وطرقه. في الوقت ذاته، يفرض المكان في تلك القرية المكسيكية ابتعاداً عن النمط الفعلي السابق للوسترن الأميركي، وذلك على نحو يجعل الفيلم منفرداً في ذاته باستثناء أن أحداث فيلم Buchanan Rides Alone، وهو فيلم وسترن أميركي تقع على الحدود الفعلية بين المكسيك والولايات المتحدة وهو سبق كل الأفلام الإيطالية كذلك كونه من نتاج 1958 سنوات قليلة قبل رواج سينما الغرب الإيطالية والإسبانية.
مخرج «بوكانن يركب وحيداً» (من بطولة راندولف سكوت) كان الراحل بد بويتيكر، ومن ينتظر العناوين الأخيرة التي تلي نهاية الفيلم سيجد أن وولتر هِل أهدى فيلمه هذا لروح بويتيكر (1916 - 2001) الذي التصقت غالبية أفلامه بقصص الغرب الأميركي ومن بينها - أيضاً - Man From the Alamo وHorizon West وThe Tall T وRide Lonesome من بين أخرى.
لافت في فيلم هِل أن الموضوع ليس عن دولار واحد. بل هناك ذكر لـ500 دولار و1000 دولار و2000 دولار وصولاً إلى 10 آلاف دولار. لكن في الوقت ذاته، يضعنا العنوان على حافة الطريق مع ثلاثية الدولارات لسيرجيو ليوني. كما مع «الرائعون السبعة (The Magnificent Seven) لجون سترجز (1960) المأخوذ عن Seven Samurai لأكيرا كوروساوا (1954).
وهناك خط آخر يؤدي إلى فيلم The Professionals لرتشرد بروكس (1966) من حيث إن الحكاية في فيلم هِل وفيلم بروكس تقوم على أميركي يطلب من مجموعة اللحاق بخاطف زوجته واستعادتها. لكن كل من هذين الفيلم مختلف جداً في التفاصيل، كذلك يختلف فيلم وولتر هِل عن أحداث كل فيلم يستعيد الناقد ذكراه بإيحاء من هذا الفيلم الجديد الماثل.
في صلبه فإن «ميت لأجل دولار» عمل قائم بذاته يتبع شغف المخرج بأفلام الغرب، وهو الذي قال أكثر من مرّة إن كل أفلامه مستقاة من الوسترن، وفي مرّة أخرى قال: «لا أمانع في تحقيق أفلام وسترن فقط». حتى بعض أفلامه البوليسية يمكن استعادتها واستبدال زمانها فإذا بها صالحة لأن تكون نصّ أفلام وسترن.
لدينا هنا حكاية رجل ثري اسمه مارتن كِد (هاميش لينكلتر) يستأجر خدمة واحد من صيادي الجوائز لاسترجاع زوجته راتشل (راتشل برونزناهان) التي خطفها رجل أسود اسمه ألايجا (براندون سكوت). صياد الجوائز هو بورلند (كريستوف فولتز) وسيصاحبه للمهمة سيرجنت بو (وورن بورك). المهمّة المطلوب إنجازها ستمنح الأول 2000 دولار ومارتن يدفع 500 على الحساب.
يلحق بورلند وبو الخاطف والمخطوفة إلى بلدة مكسيكية صغيرة. هناك يدرك بورلند أشياء كثيرة وأهمها أن راتشل هاربة من زوجها المخادع والعنيف وليست مخطوفة من قِبل ألايجا. سيكتشف أيضاً أن المنطقة تتبع عصابة شرسة يقودها تابييرو (بنجامِن برات) تعتزم قتله وقتل الآخرين كلهم. فوق كل ذلك، هناك جو (وليم دافو) الذي له ثأر قديم على بيرلند الذي قبض عليه وأودعه السجن.
كل هذه الخيوط تتلاقى في سياق مشدود في رحى فيلم أراده المخرج هِل أن يعيش الغرب كما اعتادت أفلام الغرب في الخمسينات معايشته: قاس، مخادع، يشوبه العنف ويتوزّع على جانبيه رجال القانون والخارجون عن القانون في مواجهات عديدة.
أفلام غرب حديثة استحدثت شفرة معاصرة تنتمي إلى القرن الحادي والعشرين في معالجاتها. وولتر هِل يتحاشى ذلك. يقدّم فيلم وسترن كما يتم تقديم الهمبرغر في المطاعم الأميركي... أصلي وناقل للثقافة الرسترنية جيداً.
الجانب الوحيد الذي لا يلتئم تماماً مع كلاسيكيات أفلام الوسترن هو أنه لا يوجد سبب واحد (على الشاشة) لمنح كريستوف فولتز الدور الأول. نعم أميركا قامت على مهاجرين، لكن فولتز لا يتصرّف كمهاجر وهو ليس من الثقافة والبيئة الأميركية لكي يُثير الإعجاب بصرف النظر عن مستوى أدائه. بلكنة يحاول جعلها أميركية لكنها تبقى مكشوفة وبأداء منفرد أكثر مما هو مميّز، يمضي لاعباً الدور بحضور غير مشبع.
عدا هذا الوضع، فإن الفيلم يحتاج إلى منطقة وسط (أو فصل ثانٍ كما يقال في لغة السيناريو) أفضل. تتقاطع هنا كل الخيوط لكن على نحو متكلّف إلى حد. هذا قبل أن يعيد المخرج الثقة الممنوحة له بتنفيذ سلسلة معارك في النهاية يؤكد فيها مهارته المشهودة.
الفيلم، في النهاية، له إيجابية مهمّة: ممثلان أفرو - أميركيان وشريف مكسيكي صادق (لا نراه إلا لماماً في الأفلام) ووضع امرأة تستحق الإعجاب لكونها تمردّت على عنف زوجها وخداعه وشرّه. المشهد الذي تقتل فيه زوجها (الذي وصل للبلدة لقتلها) استدعى تصفيقاً في الصالة عاكساً رد فعل عاطفي في محلّه.
هي امرأة عانت كثيراً قبل أن تفلت من قبضة جلاّدها وترتبط بعشيق أسود. حوارات الفيلم تكشف الكثير لكنها تبقى مسددة بحكمة ومن دون تطويل. وفي تلك الخاتمة تلتقي الخيوط بأسرها لكي تمتزج أو تذوب ليحيا البعض ويموت البعض الآخر، كما هي العادة في كل فيلم من النوع.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.