1915: عنصرية عند غريفيث ودَميل
فيلمان كبيران خرجا للعروض التجارية سنة 1915 هما «كارمن» Carmen لسيسيل ب. دميل و«مولد أمّة» Birth of a Nation لد و. غريفيث. واحد انضوى وآخر بقي محور اهتمام إلى اليوم.
في عام 1915 أوردت مجلة The Moving Pictures تقريراً يقول إن الصحافة أحبّت فيلم دَميل «كارمن» لدرجة «غياب رأي سلبي واحد»، حسب قولها. بذلك قصدت أن كل من كتب عن الفيلم من النقاد أو سواهم كتبوا معجبين بالعمل.
على ذلك، خرج فيلم «كارمن» من التاريخ ولا نجد له بعد تلك الحقبة أي موضع فعلي في عداد أفضل ما جادت به السينما الصامتة. أما «مولد أمّة»، فقد استحوذ على الاهتمام الفائق والشهرة إلى يومنا هذا.
«مولد أمّة» كان أول فيلم روائي طويل لمخرجه ديفيد وورك غريفيث (ليس أول فيلم روائي طويل في التاريخ كما يعتقد البعض). كان المخرج حقق شهرة جيدة ومطردة منذ أن بدأ إخراج الأفلام القصيرة سنة 1908 (أنجز في ذلك العام نحو 50 فيلماً من بكرة وبكرتين) لذلك كان بانتظار فيلمه الطويل الأول جمهور غفير بناه غريفيث سنة بعد سنة، لكن السبب الأقوى الذي منح الفيلم شعبيّته آنذاك موضوعه القائم على الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب الأميركيين بسبب إصدار الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن آنذاك وثيقة تحرير العبيد التي ثارت عليها معظم الولايات الجنوبية (ألاباما، مسيسيبي، جورجيا، ساوث كارولاينا وسواها) وبعض ولايات الغرب كذلك. ما قصّه غريفيث مأخوذ عن رواية توماس ديكسون جونيور The Clansman: An Historical Romance of the Ku Klux Klan.
ديكسون كان عنصري التفكير ومن أبرز مؤيدي عصبة كوكلس كلان ومناهضي تحرير العبيد ومؤمن بأن العنصر الأبيض هو الأرقى. مشكلة غريفيث هي أنه لم يدل بصوت مخالف حين وضع السيناريو (مع فرانك إ. وودز) بل نقل الأحداث بصوتها العنصري مصوّراً بطولة العصبة العنصرية ووحشية الجنود الأفرو - أميركيين الذين اقتحموا البلدة ومنازلها وطاردوا نساءها لإشباع شهوة همجية.
حين نعود إلى بَميل وفيلمه المنسي «كارمن» (وهو أيضاً فيلم روائي طويل) فإن المخرج كان حقق عدة أفلام سابقة له لكن «كارمن» يبقى أهمّها. فيه تخطت الممثلة جيرالدين فارار الحاجز ما بين التمثيل المسرحي الذي نشأت عليه وذاك السينمائي. الفيلم اقتباس عن رواية بروسبر ميريمي (1803 - 1870) الرومانسية التي كان استلهمها من زيارة قام بها لجزيرة كورسيكا سنة 1845. عنها لحن جورج بيزيه أوبرا بالعنوان نفسه سنة 1874 واقتباس دَميل لم يكن الأول سينمائياً، لكنه حتى ذلك الحين الأكمل.
هذا الفيلم وباقي ما حققه دَميل في ذلك العام يكشف عن أن سعيه لتطوير لغة الفيلم اعتمد على كيفية توفير المعالجة القصصية بنجاح في مقابل رغبة د. و. غريفيث تطوير ملكية التعبير البصري بالاتكال على التوليف كوسيلة أولى. المنهجان سيختلفان على نحو أكثر وضوحاً خلال الأعوام التالية وإن لم يكن لصالح غريفيث بالضرورة كونه اضطر للتوقف عند سقف معيّن غير قادر على تطويره، في حين أن دَميل، الذي عرف قيمة الفيلم الملحمي تماماً كغريفيث، استخدم الصيغة الملحمية للتوسع مبحراً على سطح أفقي التشكيل يستمد من حكايات التاريخ ويدمجها بالإيحاءات الدينية حيثما استطاع ذلك.
غريفيث أقدم في العام التالي على تحقيق «تحمّل» Intolerance سارداً حكايات تدعو لعدم التعصب.
دَميل انصرف لتحقيق أعمال أخرى حصدت بدورها نجاحاً بينها، وفي سنة 1915 أيضاً، «الخداع» (The Cheat) حيث تضطر زوجة تدمن القمار استدانة 10 آلاف دولار من تاجر ياباني مقابل أن تنام معه في اليوم التالي. تحاول نقض الاتفاق لكنه يهاجمها فتطلق عليه النار. كان هذا واحداً من أولى الأفلام التي صوّرت مواطن من جنوب شرقي آسيا كشرير. الحال أن الشخصية المذكورة كان يمكن لها أن تكون أميركية بيضاء أيضاً (قام بها الممثل سيسو هاياكاوا) لكن ذلك لم يحدث وعن قصد.