الأغلبية الفلسطينية غير راضية عن قرار سياسي بوقف إصدار التصاريح لإسرائيل

السلطة أوقفت التعامل معها لأسباب سياسية واقتصادية بعد تدفق غير مسبوق

الأغلبية الفلسطينية غير راضية عن قرار سياسي بوقف إصدار التصاريح لإسرائيل
TT

الأغلبية الفلسطينية غير راضية عن قرار سياسي بوقف إصدار التصاريح لإسرائيل

الأغلبية الفلسطينية غير راضية عن قرار سياسي بوقف إصدار التصاريح لإسرائيل

لم يلق قرار السلطة الفلسطينية وقف توزيع طلبات التصاريح الخاصة بالفلسطينيين لدخول إسرائيل وتوزيعها، قبولا شعبيا. إذ عبر الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي، فورا، عن غضبهم من القرار المفاجئ الذي أحبط أحلامهم بزيارة القدس ومدن الداخل، بعد منعهم من ذلك لسنوات طويلة.
وفوجئ آلاف المراجعين أمس، باعتذار دائرة الارتباط المدني والبلديات والمجالس المحلية عن استقبال طلباتهم لإصدار تصاريح لدخول إسرائيل أثناء شهر رمضان، من دون إبداء الأسباب، وذلك بعد أيام من إصدار إسرائيل تصاريح لآلاف الفلسطينيين فعلا.
وقال شبان كثيرون بأنهم سيتوجهون مباشرة إلى الحواجز الإسرائيلية للطلب منهم العبور إلى القدس بعد فحص هوياتهم الشخصية.
وكانت إسرائيل قررت منح الفلسطينيين تسهيلات كبيرة في رمضان، تقوم على منحهم تصاريح لزيارة الأهل داخل الخط الأخضر، من دون تحديد العمر، وطيلة أيام الأسبوع باستثناء أيام الجمعة والسبت، وتصاريح للصلاة في المسجد الأقصى طيلة أيام الأسبوع، وتصاريح لزيارة قطاع غزة كذلك.
وقال مسؤول الإدارة المدنية الإسرائيلية، يوآف مردخاي، بأنه تقرر هذا العام منح تسهيلات غير مسبوقة للفلسطينيين شريطة استمرار حفظ الأمن والنظام.
ومنذ الأحد الماضي، لم يستطع موظفو البلديات والمجالس المحلية التي أوكلت إليهم مهمة تسلم طلبات إصدار التصاريح وتسليمها كذلك، متابعة الأعداد المهولة من الفلسطينيين الذين تدفقوا بالآلاف لتقديم طلبات الحصول على تصاريح.
ويستهدف الكثير من الفلسطينيين الصلاة في المسجد الأقصى، وينشد آخرون السياحة في إسرائيل نفسها.
ومنذ بدأت الانتفاضة الثانية عام 2000 منعت إسرائيل الفلسطينيين من تخطي بوابات الجدران الكبيرة التي تحيط بالضفة، ولم تمنح التصاريح إلا لعدد قليل ضمن شروط معقدة، تستلزم أن يكون المتقدم تجاوز سن الـ35، وأن يكون متزوجا ولديه أولاد، ويريد التصريح لأسباب تجارية أو صحية، وحتى الكثير من هؤلاء رفضوا لأسباب أمنية.
وقال شبان فلسطينيون بأن زيارة القدس وعكا ويافا هو مثل حلم صعب. واستغل فلسطينيون حصولهم على التصاريح من أجل المبيت في إسرائيل.
ونشر مئات على مواقع التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين، صورهم في مطاعم وفنادق وشوارع إسرائيل وعلى شواطئها.
وأثار ذلك مخاوف سياسية من أن الإجراءات الإسرائيلية تخفي وراءها أهدافا أخرى، من بينها تشجيع السلام الاقتصادي، وفتح نافذة لتنفيس الاحتقان، وتقوية نفوذ الإدارة المدنية للجيش الإسرائيلي عند الفلسطينيين على حساب السلطة، وكذلك دفع الحركة الاقتصادية في إسرائيل نفسها.
وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، بأن أسبابا سياسية وأخرى اقتصادية كانت وراء وقف التعامل مع التصاريح.
وأكد مسؤول فلسطيني أن الأمر نوقش في المجلس الثوري لحركة فتح، إذ تقرر أن لا تلعب السلطة دور الوسيط بين إسرائيل وشعبها وكأنها ساعي بريد. كما أن الإجراءات ليست بريئة وتهدف إلى تشجيع السلام الاقتصادي على حساب السياسي.
ونقلت وسائل إعلام فلسطينية محلية، عن مصادر مختلفة قولها، بأن الغرف التجارية طلبت من عباس وقف إصدار التصاريح لعدم ضرب موسم رمضان على التجار، وقولها كذلك بأن طلبا من إسرائيل للشرطة الفلسطينية بتفتيش الحافلات وتدقيق الهويات والتصاريح لدى الفلسطينيين كان سببا في غضب السلطة.
وأصدرت وزارة الإعلام الفلسطينية بيانا أمس، عدت فيه أن التسهيلات الإسرائيلية المزعومة، هي «خلط للأوراق، واختزال للقضايا العادلة والمشروعة بأخرى هامشية». وحثت الوزارة وسائل الإعلام الوطنية والعربية والدولية على الحذر من المزاعم الإسرائيلية، وعدم إعادة تسويق الخطاب الإسرائيلي المراوغ في قضايا أطلق عليها مسمى التسهيلات؛ لأن جوهر صراعنا مع الاحتلال يحمل قيمة واحدة هي الحرية، وتكفي نظرة على الممارسات والحواجز والإجراءات اليومية لكشف عورة الاحتلال.
لكن ذلك لم يكن مقنعا لكثيرين هبوا على مواقع التواصل الاجتماعي يطلبون من القيادة السياسية إعادة تصاريحهم الخاصة وبطاقات الشخصيات المهمة لإسرائيل، كخطوة أولى من خطوات وقف تصاريح الناس.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.