أثار إعلان شركة «تويتر» عن بدء اختبار «ميزة جديدة»، تتيح للمواقع الإلكترونية الإعلامية نشر روابطها بشكل أكثر جذباً، تساؤلات حول مدى تأثير ذلك على ترويج الأخبار على منصات التواصل الاجتماعي. وفي حين أكد خبراء أن «الميزة الجديدة تأتي في سياق خطط (تويتر) لدعم صُناع الأخبار»، قال آخرون إنها «جزء من المنافسة المستمرة مع مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، ونموذجها الربحي الأكثر فعالية».
الإعلان عن «الميزة الجديدة» جاء عبر تغريدة لأمير شيفات، رئيس إدارة تطوير المنتجات بشركة «تويتر» في 25 أغسطس (آب) الماضي، قال فيها إن «المنصة بدأت اختبار ميزة جديدة تحمل اسم (تويت تايز) مع 3 مؤسسات هي (النيويورك تايمز)، و(الوول ستريت جورنال)، و(الغارديان)». وتتيح «تويت تايز» نشر روابط المواقع الإلكترونية بصورة مختلفة بصرياً؛ حيث تظهر معها صورة كبيرة، وعنوان بخط عريض وواضح، بهدف دفع الناس للنقر على هذه الروابط. وتقول «تويتر» في إعلانها إن «الميزة الجديدة تظهر روابط المواقع الإلكترونية بشكل أكثر جاذبية وديناميكية، مما يتيح للجمهور التفاعل معها بشكل أكبر».
مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يرى أن «ميزة (تويت تايز) تعد أمراً ممتازاً للناشرين من صحف ومجلات وقنوات تلفزيونية ناشطة على منصة التغريدات». وتابع في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بات من المعروف في الوسط الإعلامي أن وسائل التواصل الاجتماعي ما عادت مفيدة لجهة جلب الزوار إلى المواقع الإلكترونية بشكل عام، وخصوصاً إذا كان المنشور يحتوي على رابط خارجي».
ويضيف كيالي: «وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية تعاني حالياً من خسارة في عدد المشتركين والزوار، وهو ما ينعكس تلقائياً على عائداتها المالية وأرباحها... في حين تحقق وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، مثل (تيك توك) و(إنستغرام ريل) زيادة في عدد المشتركين والزوار». ويرجع كيالي السبب في ذلك إلى أن «وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية غير مُعدة لإبقاء المتصفحين على منصاتها بعكس الوسائل الحديثة، والتي لا يوجد فيها خيار النقر على روابط خارجية، إلا في حالة الإعلانات الممولة». ويلفت إلى أن «منصة (تويتر) تسعى من خلال الميزة الجديدة التي تختبرها حالياً إلى التوقف عن منافسة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، عبر قبولها تقاسم الكعكة مع الناشرين، وتخليها عن فكرة إبقاء المتصفحين على منصتها؛ بل على العكس العمل على جذبهم، ودفعهم للنقر على روابط خارجية، وذلك في مقابل أن يكون لديها متصفحون وناشرون لديهم ولاء للمنصة».
بدوره يرى خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصّص في الإعلام الرقمي، أن «هذه الخطوة تأتي في اتجاه تدعيم علاقة (تويتر) مع صُناع الأخبار». يذكر في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تويتر كالعادة ستختبر الميزة الجديدة مع مجموعة من الشركاء القريبين، قبل توسيعها تدريجياً في دولة معينة، ثم إطلاقها على مستوى العالم».
ويلفت البرماوي إلى أن «النموذج الربحي هو واحد من الإشكاليات الكبيرة التي يواجهها صُناع الأخبار مع منصة التغريدات؛ حيث تتيح (تويتر) فرصاً محدودة في هذا المجال، إذ تعتبر منصة لتوزيع المحتوى وليس تسويقه، على غرار (يوتيوب) و(فيسبوك)» وهما أيضاً منصتان لتوزيع المحتوى؛ لكن لدى الأخيرتين نماذج ربحية قوية، تسمح لصُناع المحتوى بالحصول على عوائد مالية من نشر مواضيعهم على هذه المنصات عن طريق الإعلانات، من دون أن يبحثوا عن زيادة عدد الزيارات إلى مواقعهم الإلكترونية».
ويتابع البرماوي بأن «آلية (تويتر) الإعلانية ليست قوية، ولذلك تبحث عن بدائل لتحسين طريقة عرض المحتوى وتمكين الجمهور من مشاركة الروابط، في محاولة لإعادة تقديم المنصة كوسيلة لتسويق المحتوى وليس توزيعه فقط».
وبالفعل تحاول منصة «تويتر» الآن تحسين علاقتها بصُناع الأخبار وناشري المحتوى وتطوير النموذج الربحي، وذلك عبر تقديم مجموعة من التحديثات والمزايا الجديدة. ففي بداية سبتمبر (أيلول) العام الماضي، أطلقت «تويتر» خدمة «كبار المتابعين» (سوبر فولويرز) التي تتيح لـ«المؤثرين» على المنصة، الحصول على اشتراكات مالية من متابعيهم، بعد دعوتهم للاشتراك في الخدمة الجديدة. ويحصل «كبار المتابعين» على محتويات حصرية من «المؤثرين» الذين يتابعون حساباتهم مقابل اشتراكات شهرية تتراوح ما بين 3 و5 و10 دولارات، وتأتي هذه الخطوة تماشياً مع «استراتيجية (تويتر) الرامية لتوسيع قاعدة جمهورها»، وفقاً لمراقبين.
وفي مايو (أيار) من العام الماضي، أطلقت «تويتر» ميزة «علبة البقشيش» (تيب جار) التي تسمح للمستخدمين بالتبرع للحسابات التي يفضلونها، وهو ما يراه مراقبون محاولة من جانب منصة التغريدات «للبحث عن سبل لجمع العائدات المالية بعيداً عن الإعلانات».
أيضاً، في سبيل تطوير محتواها الخبري، أعلنت «تويتر» في مايو من العام الماضي عن استحواذها على شركة «سكرول» (Scroll)، وهي شركة ناشئة أطلقت في بداية عام 2020، تسمح لمستخدميها بقراءة محتوى المواقع الإلكترونية من دون إعلانات، مقابل اشتراك شهري تبلغ قيمته 5 دولارات. وهو ما اعتبره خبراء محاولة من جانب «تويتر» للحصول على مصادر بديلة للدخل.
خطوات «تويتر» لتعزيز علاقتها مع صُناع الأخبار، تأتي في سياق محاولة مواقع التواصل الاجتماعي بناء علاقات مع الصحف والناشرين، على مدار السنوات الماضية. وكان قد بدأها «فيسبوك» بتوفير خدمات أفضل تتيح زيادة التعرض لروابط المواقع الإلكترونية التي تنشر على المنصة، بهدف زيادة معدل الزيارات، وبالتالي الإعلانات والعوائد المالية. ثم تطورت الخدمات عبر النشر المباشر على «فيسبوك» ضمن ما تسمى «المقالات الفورية» (Instant articles)، وبعد ذلك أتاح «فيسبوك» للمواقع الإخبارية الحصول على عائدات مالية من نشر فيديوهات البث المباشر.
مهران كيالي يعتقد أن تفعيل هذه الميزة على مستوى العالم سيشكل «انفراجة» لصُناع الأخبار الذين يجدون حالياً صعوبة في تحويل القراء من وسائل التواصل الاجتماعي إلى مواقعهم الإلكترونية. ويوضح أن «تفعيل هذه الميزة سيؤدي إلى زيادة عدد الزوار والقراءات على المواقع الإلكترونية، وبالتالي سيحقق مردوداً مالياً أعلى لهذه المواقع»؛ مشيراً إلى أنه «حتى الآن لم يجد الناشرون التركيبة المثالية التي تمكنهم بشكل منظم من عمل عوائد مادية من وسائل التواصل الاجتماعي، كما يفعلون على المواقع الإلكترونية».
غير أن خالد البرماوي لا يعتقد أن هذه الميزة سيكون لها تأثير كبير؛ بل يقول إن «تأثيرها لن يتجاوز 5 في المائة بالنسبة لوسائل الإعلام التي تعتمد على (تويتر) في نشر وتسويق محتواها». وللعلم، لدى «تويتر» حالياً نحو 237.8 مليون مستخدم نشط شهرياً، بحسب تقرير الشركة عن عائدات الربع الثاني من عام 2022، بزيادة عن العام الماضي الذي كان عدد المستخدمين فيه يقدر بنحو 217 مليون مستخدم نشط شهرياً. وحالياً تواجه الشركة نزاعاً قضائياً على خلفية اتهام رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك لها بـ«إخفاء معلومات عن عدد الحسابات الوهمية»، في إطار صفقة الاستحواذ التي أعلن عنها في أبريل (نيسان) الماضي.
كيالي يؤكد أنه «لا توجد علاقة» بين الميزة الجديدة والصراع القانوني الدائر حالياً بين منصة التغريدات وماسك، في إطار صفقة الاستحواذ التي أعلن عنها قبل بضعة أشهر، والتي توقفت جراء اتهام ماسك لـ«تويتر» بإخفاء معلومات عن عدد الحسابات الوهمية على المنصة. أما البرماوي الذي يوافق على أنه «لا توجد علاقة بين هذه الخطوة وقضية الحسابات الوهمية»، فإنه يرى أن «المنصة بشكل عام تحاول تطوير وتحسين علاقتها مع صُناع الأخبار، باعتبارها المنصة الأقرب شكلاً للأخبار».
في سياق متّصل، يتزامن إطلاق الميزة الجديدة لصُناع الأخبار مع مجموعة من التحديثات الأخرى التي تنفذها المنصة. إذ إنها أطلقت الأسبوع الماضي ميزة جديدة تحمل اسم «دائرة تويتر»، تتيح للمغردين حول العالم مشاركة تغريداتهم مع مجموعات محدّدة من المتابعين. ومعها يكون بمقدورهم اختيار قائمة المتابعين الذين يمكنهم رؤية تغريداتهم والتفاعل معها بسهولة عند نشرها، وهو ما يمكنهم من إجراء محادثات ذات طابع شخصي.
وفعلاً، اختُبرت النسخة التجريبية من هذه الميزة على مجموعة محدودة من رواد المنصة في أبريل الماضي، قبل أن يصار إلى تعميمها عالمياً. كذلك في إطار التحديثات المستمرة، أطلقت «تويتر» ميزة تتيح للمستخدم «تعديل التغريدات»، استجابة لمطالب المستخدمين طوال السنوات الماضية؛ لأنه لم يكن بإمكان المغردين تعديل تغريداتهم، إذا كانت فيها أخطاء إملائية –مثلاً- وكان الحل الوحيد أمامهم هو حذفها.
«ميزة تويتر» الجديدة لصُناع الأخبار... بين المنافسة والدعم
«ميزة تويتر» الجديدة لصُناع الأخبار... بين المنافسة والدعم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة