بري: لن أتدخّل في تشكيل الحكومة ولقاء الرئيسين كان الأسوأ

أمل لـ«الشرق الأوسط» بتلازم اتفاق الترسيم البحري بآخر سياسي

رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري (أرشيفية - رويترز)
رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري (أرشيفية - رويترز)
TT

بري: لن أتدخّل في تشكيل الحكومة ولقاء الرئيسين كان الأسوأ

رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري (أرشيفية - رويترز)
رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري (أرشيفية - رويترز)

تراجعت الآمال المعقودة على إمكانية تفاهم رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون مع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي، ولم يعد تأليفها يتصدر جدول أعمال المرحلة السياسية الراهنة الذي يتجاوز انطلاق الحراك الرئاسي ولو بخجل إلى ترقب ما سيحمله في جيبه هذا الأسبوع الوسيط الأميركي آموس هوكستاين في زيارته المرتقبة إلى بيروت لتسوية النزاع بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية، في ضوء ارتفاع منسوب التفاؤل ولو بحذر بأنه يسعى للتوصل إلى إعلان للنيات يمكن أن يؤسس لإحداث خرق يفتح الباب أمام تزخيم وساطته لنزع فتيل التصعيد السياسي الذي يمكن أن يتلازم مع تصعيد عسكري لاستئناف المفاوضات غير المباشرة إنما على الساخن.
فتراجع الاهتمام بتشكيل الحكومة لم يأتِ من فراغ، كما يقول رئيس المجلس النيابي نبيه بري لـ«الشرق الأوسط»، كاشفاً أن الاجتماع الأخير بين الرئيسين عون وميقاتي كان من «أسوأ الاجتماعات وأعاد النقاش حول تأليف الحكومة إلى المربع الأول وهذا ما لم نكن نتمناه». ولفت بري إلى أن «الأجواء التي سادت لقاء عون - ميقاتي لم تكن مشجعة على الإطلاق، وهذا ما دفعني لاتخاذ قراري بعدم التدخل بتشكيل الحكومة تاركاً المهمة على عاتق الرئيسين من دون أن يعني أن (بموقفي بعدم التدخل) أُقفل الباب أمام تأليفها».
وأكد بري أنه كان ولا يزال مع «تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد لقطع الطريق على إقحام البلد في اشتباك دستوري ليس في محله، (لكني اتخذت قراري بعدم التدخل) بعد أن اصطدمت مشاورات تأليفها في اللقاء الأخير للرئيسين بحائط مسدود»، مجدداً رفضه توسيع الحكومة بضم 6 وزراء دولة لأنه ليس في وارد استحضار ما أصاب حكومة الرئيس تمام سلام بعد انتهاء الولاية الرئاسية للرئيس ميشال سليمان من معاناة حيث أخذ كل وزير يتصرف على أنه رئيس للجمهورية، وبالتالي «لا أحبذ توسيعها كما هو مطروح، وكنت أبلغت موقفي إلى ميقاتي، مع أنني لن أتوانى عن دعمه في مهمته لتسهيل ولادة الحكومة وإخراجها من التأزم المفتعل».
وفي هذا السياق، سأل مرجع حكومي سابق: «هل يحق لعون القول بأن تعويم حكومة تصريف الأعمال يخالف الدستور بذريعة أنها غير مكتملة الأوصاف وهو من وقّع على مراسيم تشكيلها إلى جانب ميقاتي؟ أم أنه يريد الإطاحة باتفاق الطائف لاسترداد صلاحيات رئيس الجمهورية؟».
كما سأل المرجع نفسه، الذي فضل عدم ذكر اسمه، ما إذا كان عون يخطط بتوجيه من فريقه السياسي الذي يديره رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل للعودة إلى ما قبل اتفاق الطائف بتعيين الوزراء واختياره من بينهم رئيساً للحكومة. وقال إن عون يحن إلى الماضي عندما ترأس الحكومة العسكرية بتكليف من الرئيس أمين الجميل قبل دقائق من انتهاء ولايته الرئاسية.
وأكد المرجع نفسه لـ«الشرق الأوسط» أن الماضي قد مضى وأن لا مجال للعودة بالبلد إلى مرحلة ما قبل الطائف الذي كان وراء وضع دستور جديد. وقال إن عون في حينها تزعم حكومة أقل ما يقال فيها بأنها بتراء بامتياز ولا جدال فيها باستقالة الوزراء المسلمين منها، واستمر يقود الدولة بحكومة مقطوعة النسل إلى أن اضطر للجوء إلى السفارة الفرنسية ومنها إلى باريس بعد أن أخرجته وحدات من الجيش السوري من القصر الجمهوري.
واتهم عون بأنه يطلق يد وريثه السياسي ليستثمر في تأزيم الوضع ويشترط لتعويمه بأن يكون له اليد الطولى في تشكيل الحكومة، وهو كان ولا يزال صاحب مقولة راجعوا جبران في كل شاردة وواردة.
لذلك فإن تشكيل الحكومة إلى مزيد من التأزم، وإن كان هناك من يراهن على احتمال ولادتها قبل الأيام العشرة الأخيرة التي تُبقي على البرلمان في حال انعقاد دائم إلى حين انتخاب رئيس جمهورية جديد قبل انتهاء الولاية الرئاسية لعون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
أما على صعيد الحراك الرئاسي، فإن بري يحتفظ لنفسه بتحديد الموعد الذي يفتتح فيه البرلمان جلساته المخصصة لانتخاب الرئيس، على أن تسبق الجلسات الدعوة لعقد جلسة نيابية لإقرار الموازنة للعام الحالي ومعها إقرار رزمة من المشاريع الإصلاحية المطلوبة من لبنان للتفاوض مع صندوق النقد الدولي لمساعدته للنهوض من أزماته المالية والاقتصادية.
وتوقع المصدر النيابي بأن يدعو بري المجلس للانعقاد هذا الأسبوع لإقرار الموازنة، وإلا فإن الجلسة ستعقد حتماً في الأسبوع المقبل. وبالنسبة للاستحقاق الرئاسي سيبقى من أولى أولويات بري الذي يأمل، كما يقول لـ«الشرق الأوسط»، بتوافق يؤدي إلى انتخاب رئيس يجمع بين اللبنانيين ولا يقسم أو يفرق بينهم، مبدياً ارتياحه إلى حد ما للموقف الذي اتخذه تكتل «قوى التغيير» في البرلمان.
ووصف موقف التكتل بأن لا بأس فيه، ما دام النواب الأعضاء فيه قد أبدوا استعدادهم للتعاون والتواصل مع زملائهم النواب، وقال: «كنت وما زلت أدعو للتوافق وأعمل لأجله وعلينا أن ننتظر لنرى، لأن البلد في حاجة إلى رئيس توفيقي، تكمن قوته في أن يكون جامعاً للبنانيين ولا ينحاز إلا لإنقاذ البلد من الأزمات التي يرزح تحت وطأتها وتستدعي توفير الحلول الناجعة بلا أي تأخير».
وتطرق بري إلى عودة الوسيط الأميركي إلى بيروت، وقال: «نحن نعطي أهمية لاسترجاع ثروتنا النفطية والغازية في البحر. وآمل أن يؤدي الوصول إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية من دون التفريط بحقوقنا إلى ترسيم سياسي في البلد يؤشر إلى التفاؤل بالخروج من أزماتنا».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.