«نغمات تقاوم الاندثار»... فرق مصرية تُحيي الأغاني التراثية

تعيد تقديمها في حفلات جماهيرية بجانب توثيقها

ياسر أنور خلال إحدى حفلاته التراثية (الشرق الأوسط)
ياسر أنور خلال إحدى حفلاته التراثية (الشرق الأوسط)
TT

«نغمات تقاوم الاندثار»... فرق مصرية تُحيي الأغاني التراثية

ياسر أنور خلال إحدى حفلاته التراثية (الشرق الأوسط)
ياسر أنور خلال إحدى حفلاته التراثية (الشرق الأوسط)

بينما تتزايد صيحة أغاني «الراب» و«المهرجانات» في مصر، بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، فإن ثمة فرقاً موسيقية مصرية من بينها فرقة عبد الحليم نويرة، وأم كلثوم للموسيقى العربية، تسعى للحفاظ على الأغاني التراثية، وتعيد تقديم أعمال سيد درويش وعبده الحامولي، وداود حسني، وألمظ، ومنيرة المهدية، ومحمد عثمان، وزكريا أحمد وغيرهم في حفلات تلقى ترحيباً جماهيرياً واضحاً.
ومن بين الفرق التي تحيي الأغاني التراثية في مصر، «فرقة الغوري للموسيقى العربية والتراث»، والتي يقودها المايسترو عمر الشهابي، وتضم 35 عضواً، وهي حسب تعبيره «تقدم الفن والتراث كما يجب»، ويرجع ظهورها إلى الوجود عام 1971. بعد فرقة عبد الحليم نويرة التي أُنشئت في أواخر ستينيات القرن الماضي عام 1967. وتقدم فرقة الغوري حفلاً غنائياً في يوم الثلاثاء الأول من كل شهر، ضمن برنامج محدد في قصر ثقافة الغوري.
ويقول الشهابي لـ«الشرق الأوسط»: «إن الفرقة تقدم أغاني وموشحات وأدواراً يعود تاريخها لما قبل الحرب العالمية الأولى، وما بعدها، وهي فترات سيطرت فيها الأزمات على الذوق الفني، وتدنى فيها مستوى بعض ما كان يعرض للجمهور من أغنيات، لكن مع استقرار العالم، خلال فترة الخمسينيات والستينيات، عاد الطرب لأصالته، واستعاد جماله ومكانته، وهذا النوع من الغناء يحظى برعاية كبيرة لدينا، ونقوم بأرشفته، وتصنيفه، وتوثيقه باسم المطرب، والملحن وكاتب الكلمات، ونوع الأغنية، وتاريخ تقديمها لأول مرة، والمسرح الذي انطلقت منه».
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يقوم المسؤولون عن فرقة الغوري بتسجيل حفلاتها، وإذاعتها على شبكة الإنترنت، مع حفظها مصورة في مكتبة القصر، وهي تتجاوز المئات، حسب الشهابي، الذي يتولى قيادة الفرقة منذ 3 سنوات.
الدكتور عصمت النمر، وهو استشاري جراحة مصري، وصاحب مشروع «مصر فون»، الذي يصفه بأنه «متفرد» في توثيق التراث الغنائي المصري القديم، إذ يغطي الفترة من بداية عشرينيات القرن الماضي حتى منتصف الخمسينيات، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن التراث جزء مهم من الهوية المصرية، وهو مرآة للحياة الاجتماعية، ويمكن ملاحظة ذلك فيما قدمه فنانونا من أغنيات منذ بداية العشرينيات وحتى الثلاثينيات، واكبوا بها الحركة الوطنية، وثورة 19. وعبروا عن الأزمات التي مر بها الاقتصاد العالمي، وأثرت على حياة الناس في مصر، وهذه الأمور تبدو واضحة في شكل الأغنية والكلمات التي تضمنتها، وقد جمعت الكثير من المواويل، والموشحات، والطقاطيق، والأدوار، والأناشيد الدينية والابتهالات، والتواشيح، وقمت بحفظها، وقد قمت ببعض المحاولات لدراستها وتحليلها بالكتابة والنشر عنها». وأضاف أنه «أنشأ إذاعة (مصر فون) منذ 10 سنوات، على شبكة الإنترنت للبث على مدار الساعة، وقد كان لدي في السابق موقع كبير بالاسم نفسه، خصصته للغرض ذاته، لكنني لم أستطع القيام بأعباء تشغيله فتوقف، وانتهى».

ولا يوجد إضافة لما يقوم به النمر من أي جهات لحفظ التراث الغنائي في الوطن العربي، وفق النمر، سوى «مؤسسة واحدة، هي مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية» (آمار)، وتتخذ من لبنان مقراً لها، ويرأسها كمال قصار، وتقوم بجهد جيد في عملية الجمع والحفظ، وهو دور تنقصه إتاحة هذه الكنوز للناس، حتى تستمع لها وتستمتع بها، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا تبنت الإذاعات الموجودة تقديمه يومياً في وقت ومدة محددة».
ويذكر النمر أن اهتمامه بجمع التراث بدأ في السبعينيات حين تعرف بالشيخ إمام عيسى، وقد ربطته به صداقة طويلة وبدأ يلح عليه أن يسمعه أغنيات من التراث، غير تلك التي كان يغنيها من ألحانه، وقد قاده القرب منه لعشق الغناء القديم، ومن هنا بدأ سعيه لجمع الأغنيات التراثية، وظل على هدفه هذا حتى توفر له «أكثر من 25 ألف مادة غنائية تراثية».
من جهته يوضح قائد فرقة «فرانكو كايرو» المايسترو ياسر أنور في حديثه لـ«الشرق الأوسط» الأسباب التي جعلته يتجه بفرقته، التي بدأت عام 2006. نحو أغاني التراث، وحرصه على الانطلاق منها، مشيراً إلى أن «الفكرة لم تكن له وحده، لكنها كانت لمجموعة من الشباب، منهم من توفى مبكراً، وكان عليه هو وزملاؤه أن يكملوا الحلم، وتقديم مادة فنية يوصلون من خلالها أصواتهم للناس، ويضيف: «كان لا بد أن يقع اختيارنا على القديم، لأنه سند وأساس للجديد، وقد بدأنا العمل على تراث فنان الشعب سيد درويش، فهو الذي يرجع له فضل إيجاد شكل للأغنية المصرية، وقد جعل لكل لحن بداية ونهاية لم تكن موجودة من قبل، كما قام باستيحاء موسيقاها وكلماتها من روح المصريين، وعلى نهجه سار القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي، ومحمد عبد الوهاب، وغيرهم من أبناء الجيل الذي جاء بعده».
وأشار أنور إلى أن فرقته التي تتكون من 12 عضواً معظمهم من الفتيات والأطفال، تغني التراث المعروف لسيد درويش كما هو دون تغيير كلمة واحدة، وقدمت حتى الآن أكثر من مائة لحن له، إضافة لأغنيات من ألحان رياض السنباطي، وعبد الوهاب غنتها نجاة وأم كلثوم، ووردة. وعن دور الأطفال في الفرقة، يذكر أنور أنهم «الجيل الذي يجب إعداده ليتحمل مسؤولية حفظ الأغنية المصرية وتطويرها».



سكان في غرب اليمن يكابدون للحصول على المياه النظيفة

انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
TT

سكان في غرب اليمن يكابدون للحصول على المياه النظيفة

انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)

مع دخول الحرب التي أشعلها الحوثيون عامها العاشر، لا يزال ملايين من النازحين يعانون جراء غياب الخدمات ويعيشون في تجمعات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، حيث تشكل أزمة المياه النظيفة في مناطق الساحل الغربي لليمن واحدة من صور المعاناة التي يعيشها النازحون بسبب الحرب.

يقول حسن، وهو أب لأربعة أطفال وصل إلى منطقة «يختل» قبل خمس سنوات، إنهم يسيرون لساعات من أجل جلب بضعة صفائح من الماء، وفي بعض الأيام، يعود وأطفاله خالي الوفاض، حيث يبدو أن المياه تفرّ بعيداً عن متناول اليد.

الصراع من أجل المياه في اليمن تفاقم بسبب سنوات الحرب (الأمم المتحدة)

ولأن الحرب أجبرت أكثر من 4.5 مليون يمني على ترك منازلهم، فقد لجأ الكثير منهم إلى قرى ريفية مثل «يختل» القريبة من ميناء المخا على ساحل البحر الأحمر، ومع وصول المزيد من الأسر النازحة، وغالباً لا يحملون سوى الملابس على ظهورهم، زاد الضغط على الموارد الشحيحة بالفعل.

وفي ظل هذه الظروف، يتنافس السكان المتزايدون على الوصول إلى المياه والمأوى والخدمات الأساسية؛ مما يؤدي إلى تفاقم التحديات التي يواجهها كل من النازحين والسكان المحليين. كما أدى انخفاض خصوبة التربة وزيادة ملوحة مصادر المياه وارتفاع مستويات سطح البحر إلى تهديد الزراعة على طول الساحل الغربي، خصوصاً في هذه المنطقة.

لهذا؛ يجد سكان المنطقة، الذين اعتمدوا في السابق على الزراعة على نطاق صغير لإعالة أسرهم، أنه من المستحيل تقريباً زراعة المحاصيل أو إطعام مواشيهم، حيث أصبح المناخ معادياً بشكل متزايد لأساليب الزراعة التقليدية.

كما أن صيد الأسماك على نطاق صغير، الذي كان أيضاً شريان حياة للاقتصاد المحلي، في انحدار. ومع فشل المحاصيل وتناقص مخزون الأسماك، أصبح لدى السكان خيارات أقل.

مهمة صعبة

يقرّ محمد علي، وهو أحد سكان «يختل» بالصعوبة، حيث يستيقظ كل يوم قبل الفجر للبحث عن الماء، وهي مهمة تستهلك صباحاته وتستنزف طاقته، كما أن رحلاته اليومية إلى نقاط المياه المشتركة محفوفة بعدم اليقين، هل سيجد ما يكفي من المياه لأسرته أم لا.

وفق المنظمة الدولية للهجرة، تفاقم الصراع من أجل المياه بسبب سنوات الحرب التي دمَّرت البنية الأساسية التي كانت ذات يوم حيوية للبقاء؛ لأن نظام المياه، الذي تم بناؤه في الأصل لخدمة 200 منزل، أصبح الآن ممتداً إلى ما هو أبعد من حدوده، في محاولة لتلبية احتياجات أكثر من 1500 أسرة، بما في ذلك مئات النازحين الذين هربوا من العنف في مناطق خطوط التماس بين القوات الحكومية والحوثيين.

البحث اليومي عن المياه يستهلك وقت الأسر وطاقتها لفترة طويلة (الأمم المتحدة)

من خلال إعادة تأهيل خطوط الأنابيب وبناء نقاط مياه جديدة، ساعدت تدخلات المنظمة الأممية في تخفيف العبء على الأسر وتخفيف الصراع على الموارد. كما يعالج المشروع المخاطر الصحية من خلال ضمان حصول كل من المجتمعات المضيفة والأسر النازحة على وصول موثوق به إلى المياه النظيفة.

وجزءاً من هذه الجهود في منطقة «يختل»، يتم توسيع شبكة توزيع المياه. ويشمل ذلك تركيب أنابيب أكبر وبناء مرافق تخزين مياه إضافية، وضمان توزيع العرض المحدود بكفاءة عبر المجتمع.

وبحسب المنظمة الأممية، تم إدخال أنظمة ضخ المياه بالطاقة الشمسية؛ مما يوفر مصدر طاقة مستداماً يقلل من الاعتماد على الوقود الباهظ الثمن وغير المتاح في كثير من الأحيان، ومساعدة المجتمعات على تحمل التقلبات الجوية المتطرفة مثل الفيضانات بشكل أفضل.

مساعدة على الصمود

تتضمن جهود منظمة الهجرة الدولية ترقية نظام المياه لتحسين قدرته على الصمود في مواجهة الفيضانات، والتخطيط بعناية لتجنب المناطق المعرضة للفيضانات وإنشاء تدابير وقائية، بالإضافة إلى ذلك، سيتم تركيب أجهزة تعقيم المياه بالكلور الأوتوماتيكية لتطهير المياه.

وبينما يتم إحراز تقدم في منطقة «يختل»، تستمر صراعات مماثلة في أجزاء أخرى من الساحل الغربي اليمني وفقاً للمجتمع الإغاثي، ففي مخيم للنازحين في حيس، يشارك سامي، وهو أب لاثني عشر طفلاً، قصة مألوفة عن المشقة، ويذكر أن معظم الأشخاص الذين يذهبون لجلب المياه هم من الأطفال؛ فهم لا يذهبون إلى المدرسة لأنهم مضطرون إلى المساعدة.

الجفاف يهدد مناطق واسعة باليمن مما يتسبب في شح المياه (إ.ب.أ)

تؤكد المنظمات الإغاثية أن عدم القدرة على الحصول على المياه النظيفة أدى إلى حرمان أطفاله من التعليم؛ مما أجبرهم على القيام بدورة من الأعمال المنزلية اليومية.

وبغرض معالجة النقص الحاد في المياه، تشرف منظمة الهجرة الدولية على بناء بئر جديدة من شأنها أن توفر مياه نظيفة وموثوقة لآلاف الأسر النازحة والمجتمعات المضيفة.

تجزم المنظمات الإغاثية أنه ومن خلال توفير هذا المصدر الثابت للمياه، سيتم تخفيف العبء المادي على الأسر وتقليل المخاطر الصحية المرتبطة بالمياه الملوثة، لكن رغم ذلك، تظل التحديات هائلة، حيث يستمر تغير المناخ والأحداث الجوية المتطرفة في جميع أنحاء اليمن في تضخيم أزمة المياه؛ مما يزيد من ضغوط الصراع والنزوح.