شيعة لبنان.. المختلفون

معارضو «حزب الله» في الطائفة يشكون من تهديداته لكن يفشلون بالاتحاد لصده

شيعة لبنان.. المختلفون
TT

شيعة لبنان.. المختلفون

شيعة لبنان.. المختلفون

قد يعتقد البعض أن الوقت الآن مناسب للاستفادة من «التململ الشيعي» في لبنان جراء انخراط «حزب الله» في الحرب السورية وتكلفتها العالية على الشارع الشيعي، أمنيا وسياسيا وبشريا، مع توالي الجنازات في القرى الشيعية في لبنان، لكن الشارع الشيعي اللبناني أثبت - حتى اللحظة - أنه لا يزال عصيا على الاختراق من قبل خصومه. فكيف بزمرة قليلة من الناشطين الشيعة الذي يواجهون الحزب بمنطق يختلف عن منطقه الذي يحظى بشعبية واسعة في الأوساط الشيعية التي كانت خائفة من إسرائيل، ثم انتقلت اليوم إلى الخوف من إسرائيل و«التكفيريين» وهي التسمية المعتمدة للتنظيمات المتطرفة أمثال «داعش» و«جبهة النصرة».
يعاني الشيعة اللبنانيون المعارضون لـ«حزب الله» من وقوعهم بين مطرقة الحزب وسندان معارضيه. فالحزب الذي انتقل من عدم الاعتراف بهم، إلى تهديدهم، كان في بعض الأحيان أكثر رأفة بهم من خصومه الذين «استعملوا» هؤلاء كفلكلور للتعددية الوطنية في المناسبات، ثم لجأوا إلى «حزب الله» للتحاور معه عند وقوع الخطر من الفتنة السنية - الشيعية باعتباره الممثل الوحيد لشيعة لبنان. ولعل نقطة الضعف الأبرز لدى هؤلاء، هي خطابهم الوطني في زمن الطوائفيات. فغالبية المعارضين للحزب يرفضون أن يكونوا «مشروعا شيعيا» في مواجهة مشروع «حزب الله»، مفضلين التزام خيار الدولة والخطاب الوطني.
وأتت برقيات «ويكيلكيس» التي نشرتها عدة صحف قبل أربع سنوات، من بينها صحيفة «الأخبار» اللبنانية لتلقي الضوء على مواقف مجموعة من الشيعة اللبنانيين كانوا يتناقشون مع أركان السفارة الأميركية في الوضع السياسي الداخلي، وتأثير «حزب الله» في الشارع الشيعي، وكيفية مواجهة هذا التأثير. وقد شهر الإعلام الموالي للحزب بهؤلاء، وتم تصنيفهم على أنهم «خونة»، وأعطوا اسما هو «شيعة السفارة» أو «شيعة فيلتمان» بالإشارة إلى السفير الأميركي الأسبق في لبنان جيفري فيلتمان.
وقد تسلط الضوء على المعارضين الشيعة، بعد اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري في عام 2005، فخرج هؤلاء إلى العلن لأول مرة، وألفوا ما عرف بـ«اللقاء الشيعي» الذي ضم معارضين للحزب. غير أن هذا اللقاء تعرض لضربة قاصمة من قبل «14 آذار» بذهابها في وقت لاحق إلى تحالف انتخابي مع «حزب الله» وحركة «أمل»، القوة الشيعية الثانية. ويتهم الكاتب والصحافي قاسم قصير تيار «المستقبل» بتفشيل اللقاء. ويعدد قصير، الملم بملف الحركات الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط» عدة أسباب لعدم قدرة المعارضين للحزب على إثبات أنفسهم في المواجهة المفتوحة معه، أبرزها «تشتت هذه القوى وانقسامها وعدم وجود قاسم مشترك بينها»، مشيرًا إلى أن عددا من هؤلاء تم استعمالهم من قبل تيار المستقبل وقوى «14 آذار» للاستفادة منهم تكتيكيا من دون دعم حقيقي. ويضيف قصير سببا جديدا هو النظام الانتخابي الأكثري الذي يمنع هؤلاء من التمثل في البرلمان، بالإضافة إلى «سوء خطاب المعارضين الذي لا يراعي حساسيات البيئة الشيعية التي يمثلها»، معتبرًا أن هؤلاء همهم الأساسي هو انتقاد «حزب الله» وحركة «أمل» من دون الانتباه إلى ما يفكر به المواطنون الشيعة وما يراعي هواجسهم. وأوضح أن «اقتصار عمل هؤلاء على الجانب النخبوي أثر على حركتهم وقلل من وصولهم إلى الناس»، متحدثا عن عامل آخر هام هو الفساد المالي وإساءة التصرف بالأموال التي تلقاها بعض هؤلاء لتنفيذ مشاريع. ولفت إلى أنه لم يتم تنفيذ أية مشاريع ملموسة لها علاقة بتحسين أوضاع الناس، بغض النظر عن عدم دقة مقارنة قدراتهم بقدرات «حزب الله».
ويقر منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد أن المعارضين الشيعة «مظلومون» من قبل 14 آذار، إلا أنه أكد أنهم ليسوا وحدهم فـ«أيضا الأرمن المعارضين للطاشناق مظلومين وغيرهم أيضا». وقال سعيد لـ«الشرق الأوسط»: «كل من يظن أنه قادر أن يغير قوى الأمر الواقع داخل طائفته غلطان. لذلك في أي حلحلة تصبح مع حزب الله لا يمكن أن يكون للمعارضين الشيعة دور، رغم أننا نسعى لذلك». وأضاف: «نحن نعترف بهذا التقصير ونعمل من أجل حلحلة الوضع عبر إنشاء المجلس الوطني لقوى (14 آذار) ونريد أن يكون دورهم فعالا أكثر في الأيام المقبلة».
ويرى الكاتب اللبناني محمد شبارو أن ما جعل «شيعة السفارة»، بالمفهوم المعارض لـ«حزب الله»، لقمة سائغة للحزب وتهديداته واعتداءاته، هي «14 آذار» بحد ذاتها، بأحزابها وتياراتها، المتفردة دومًا بالقرار، والرافضة لأي صوت مضارب، وهو عمليًا ما أدى إلى سقوط فكر «14 آذار»، كقوى عابرة للمناطق والطوائف والمذاهب، وتحولها إلى مجلس ملّي لبعض الأحزاب المسيطرة على شارع طائفي معين. وقال: «في عام 2005، ومع انطلاق ثورة الأرز، لم يكن الشارع الشيعي خارج (الثورة)، كان حضوره من حضور باقي الطوائف، سنّة ودروز وموارنة، وإن خارج القيد الطائفي. في ذلك الوقت، شاركت أعداد ضخمة من الشيعة المعارضين للوجود السوري، في لبنان، والذين رأوا في جماهير ساحة الشهداء خير ممثل لهم ولنظرتهم إلى لبنان. لكن بعد عام 2005، انتهجت أحزاب السيادة والاستقلال سياسة إقصائية واضحة، لم تراعِ فيها أي حيثية تذكر لـ«شيعة السفارة»، بدءًا من الحلف الرباعي، مرورًا بكل السياسات المتبعة مع «حزب الله» وحركة «أمل» والتي كرستهما ممثلين وحيدين للطائفة الشيعية. ولفت إلى أنه «حتى على أبواب الانتخابات النيابية عام 2009، دخلت إلى بيت الطائفة، إما بأسماء إقطاعية، أو بأسماء هامشية غير قادرة على خرق الشارع، ولا حتى تقديم أي برنامج أو فكر مضارب، نظرًا إلى سمعتها وصيتها المعروف بقاعًا وجنوبًا». ورأى أن أحزاب وتيارات «14 آذار» لم تقدم مشروعًا واحدًا للعبور الجدي إلى الدولة المدنية. على العكس، قدمت منذ عام 2005 مشروع الدولة الطائفية المركبة وفق المحاصصة بين تيارات يمثل كل منها طائفة. تماهت مع السائد لبنانيًا حدّ العمى، بدلاً من أن تقدم جديدًا يسهم في العبور إلى الدولة. قدمت مشروعًا يضم «المستقبل» عن السنّة، و«القوات» و«الكتائب» عن الموارنة، وبقية غبّ الطلب انتخابيًا أو للمناكفة مع «حزب الله» وحركة «أمل».
ويقول الكاتب والصحافي اللبناني علي الأمين، أحد المصنفين من «شيعة السفارة» إنه لا يمكن وصف حال الشيعة المعترضة على «حزب الله» بأنها «قوى شيعية تريد أن تشبه حزب الله وتنافسه على القرار السياسي للطائفة». ويضيف الأمين الذي يدير موقع «جنوبية» المتخصص بشؤون الجنوب اللبناني: «معظم القوى الشيعية تعتبر نفسها في البعد السياسي منتمية إلى أطر وطنية تبتعد عن الجانب الآيديولوجي المذهبي - الطائفي. وإذ يشدد لـ«الشرق الأوسط» على أن لا مشروع شيعيًا لهذه القوى، يجزم بأنها تنتمي بطبيعتها إلى الهوية اللبنانية وعنوانها السياسي الذي يجعل لبنان وطنا، والهوية الوطنية هي الهوية المتقدمة على كل الهويات. ويرى الأمين أن حزب الله أوغل في هويته الآيديولوجية التي تجعله يعتقد أن من حقه أن يكون موجودا أينما احتاج الأمر، سواء في اليمن أو العراق أو سوريا، وهذا غير موجود لدى معارضيه الشيعة وجزء كبير من الشيعة غير المسيسين.
ويعتبر الأمين أن أحد أهم عناصر قوة حزب الله، إضافة إلى العسكر والمال والسياسة، هو أنه يتغذى بنفوذه من العناصر المتطرفة في المقابل، فيستفيد من «داعش» كما يستفيد «داعش» وغيره من المتطرفين من الحزب لخلق النفوذ في بيئاتها. وهذا ما يجعل الحزب يذهب بعيدا في المزيد من التعبئة المذهبية التي تجعل الناس تعيش الخوف من الخطر الوجودي، مما يجعل من الصعوبة بمكان أمام الخيارات المعتدلة أن تثبت وجودها.
ويشير الأمين إلى أن التيارات المعارضة للحزب في البيئة الشيعية هي «أطراف لها هويتها العربية والوطنية ولدى بعضها الصفة الشيعية». ويقول: «إنها قوى متنوعة منها ما له عنوان وطني، ومنها عنوان تقليدي (العائلات الكبرى) ومنها أيضا عنوان ديني يختلف مع «حزب الله» في رؤيته. لكن هذه القوى على اختلافها عارضت تدخل حزب الله في سوريا»، معتبرا أن مخاطر هذا التدخل بدأ الناس يتلمسونها اليوم، خصوصا أن الحزب بدأ بخطاب الدفاع عن الأسد، ووصل به الأمر اليوم إلى خطاب الدفاع عن لبنان، موضحًا أن الخسائر البشرية الكبيرة غير المتوقعة تلعب دورها. وقال: «هناك نوع من القلق وسؤال (إلى متى؟) بات موجودا داخل الطائفة، وهذا قد يؤدي إلى إمكانية سماع الأصوات المعتدلة. واستدرك: «لا أريد أن أقول إن هناك تحولا، لكننا في لحظة تأمل، خصوصا أن الحزب انتقل من خطاب القوة إلى لغة مختلفة فبدأ يتحدث عن أنه (لو ذهب نصفنا أو ثلاثة أرباعنا سنكمل) وهذا مؤشر على خطاب الخوف أو التخويف القائم بعدما كان يعد دائما بالانتصارات». وإذ يرى أنها «لغة لها تأثير سلبي على الجمهور»، مشيرا في المقابل إلى أن لها تأثير آخر يساهم بالمزيد من إمساك الحزب للقرار داخل الطائفة.
وفي جميع الأحوال، يرى الأمين أن ثمة فرصة الآن للقوى المعارضة للحزب للتعبير عن موقفها، وفرصة أكبر لخطوات عملية نحو المزيد من التأكيد على العودة إلى الدائرة الوطنية، وهذا هو الخيار الاستراتيجي لهذه القوى في سعيها إلى حماية لبنان وتحصينه من الداخل وحماية الطائفة من التداعيات المحتملة للتغيير الحقيقي في سوريا. ويشدد على أن يكون هذا كله في سياق تأكيد على الهوية اللبنانية كهوية متقدمة، على أساس الشراكة كمجموعات طائفية ومذهبية، مما يفرض على الجميع أن يحترم حقوق الشراكة الوطنية».
ويشدد الأمين على أن خيارات الطائفة الشيعية في لبنان هي تلك التي عبر عنها الإمام موسى الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين والقيادات الشيعية اللبنانية الأخرى التي كان لها دور في تثبيت الكيان اللبناني والتأكيد على الهوية الوطنية اللبنانية.
على الصعيد الشخصي، يرفض الأمين الذي يعيش ويعمل في ضاحية بيروت الجنوبية، أن يدخل في «ادعاءات» حول الضغوط التي يتعرض لها. مكتفيا بالقول إنها «تجربة مكلفة». ويقول: «من المؤكد أن كل من يريد أن يأخذ موقفا معارضا يعي أنها مسألة مكلفة»، ويبرر ذلك بالقول: «الناس لديها مصالحها، وحزب الله يمسك بمصالح الناس، وقد تخطى بذلك الرئيس نبيه بري الذي تراجعت خصوصيته. فالمعارض (للحزب) إذا أراد أن يذهب لمراجعة البلدية في بعض شؤونه سيلاقي مصاعب، وكذلك في مؤسسات الدولة الرسمية وحتى القطاع الخاص. ليخلص إلى القول إن تكلفة معارضة الحزب هي «تكلفة عالية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا».
وفي الإطار نفسه، يشير الناشط السياسي، وعضو تجمع «لبنان المدني» مالك مروة إلى أن صحيفة «الأخبار» كانت أول من استعمل تعبير «شيعة السفارة»، معتبرا أن هذه التسمية يمكن أن تستعمل مع أي شخص يختلف مع «حزب الله» وهي طريقة لتخوينه وهدر دمه في مكان ما. ويرى مروة أن مضمون ما نشر في برقيات «ويكيليكس» عن الشخصيات الشيعية المعارضة لا يمكن أن يقارن بما قاله حلفاء «حزب الله» في هذه البرقيات. ويفضل مروة استعمال تعبير «المختلفون» بدلا من المعارضين، معتبرا لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية هؤلاء خيارهم هو الدولة والعودة إليها، وبناء وطني يتسع فيه الجميع. ويشدد على أن هؤلاء لا يمتلكون مشروعا شيعيا ثانيا، لكنهم مضطرون أن يتحدثوا اللغة الطائفية، وأن يتكلموا كشيعة لأن النظام السياسي في لبنان يصنف الناس وفق انتماءاتها الطائفية.
ويلمح مروة إلى أن عدم تأطير «المختلفين الشيعة» عملهم في هيئة أو حزب، مرده أن هذا التأطير سيجعلهم في مواجهة الخطر المباشر. ويقول: «فضل الكثيرون العمل على الصعيد الفردي تجنبا لمخاطر العمل كمجموعة»، ويشدد مروة على أن الخروج من الاستقطاب الطائفي القائم يحتاج إلى مساهمة كبيرة جدا. ويرى أن الشيعة في لبنان، وغيرهم من الأقليات في المنطقة، يحتاجون إلى الخطاب السني المعتدل. وإذ يؤكد أن غالبية السنة في المنطقة هم معتدلون، يرى أن الظواهر المتشددة تستهدف الاعتدال السني بالدرجة الأولى. ويأخذ على المكونات السياسية والطائفية الأخرى في لبنان عدم اعترافها بوجود شيعة يختلفون عن «حزب الله»، ويحصرون حوارهم معه، مما يضعف دور المختلفين الذي يواجهون باللحم الحي ماكينة سياسية عسكرية اقتصادية تدفع ملايين الدولارات سنويا. ويضيف: «الشيعة المستقلون في لبنان، هم أكثر أناس تركوا، وهم يتابعون نضالهم من دون كلل أو ملل» معتبرا أن تأثير هؤلاء بات كبيرا إلى حد أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اعترف بخطرهم، بعد أن كان يتجاهلهم طويلا ويعتبرهم غير موجودين.
ويؤكد مروة أن «الإيرانيين والسوريين ابتدعوا مسألة (حصرية المقاومة)، ووضعوها بيد (حزب الله) وبقية المكونات صفقت له، واعترفت له بهذا الحق، مما أعطاه مشروعية معينة في نظر الناس العاديين». واعتبر أن المواجهة لا تكون بخطاب شيعي مضاد، بل بخطاب وطني. وعبر مروة عن شعور متنامٍ بين أبناء الطائفة الشيعية في لبنان حين قال: «نحن نقف ضد حزب الله حرصا عليه وعلى الشيعة ولبنان. وتلويث يده بالدم السوري مرفوض تمامًا، وهو مشروع خاسر، ونقول له دائما: «سلم سلاحك للجيش اللبناني، ولنبحث في كيفية حماية أنفسنا».
ويبدي مروة أسفه لأن خصوم حزب الله يحاولون استعمال الشيعة المستقلين في المواسم التي يحتاجونهم فيها، كالانتخابات أو عند حصول مشكلات في البلد، أما عندما يريدون حل المشكل، فيذهبون إلى «حزب الله».
ومع هذا كله، يرى مروة بارقة أمل «لأن وهم القوة جربته كل الطوائف اللبنانية قبل الشيعة، وكان الخاسر دوما لبنان واللبنانيين، وهذا ما سيكتشفه الشيعة آجلا أم عاجلا». مشيرًا إلى أن الحل الثاني هو «حروب أهلية لا تنتهي».



منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».