ميخائيل غورباتشوف، صانع تفكيك الاتحاد السوفياتي من دون نيته فعل ذلك، توفّي في الوقت الذي يبدو فيه أنّ خليفته فلاديمير بوتين يريد إعادة تشكيل الإمبراطورية الروسية. غورباتشوف وبوتين رجلان طبع العلاقة بينهما توافق على مصالح مشتركة من ناحية، وتناقضات في الرؤية السياسية ومواقف سلبيّة أحدهما من الآخر من ناحية أخرى، كما نقرأ في موجز عن تقرير لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسيّة عن طبيعة العلاقة التي جمعت بين هذين الرجلين.
يوضح جان روبير رافيو، أستاذ الدراسات الروسية وما بعد حقبة الاتحاد السوفياتي في جامعة نانتير الفرنسيّة، أنّ العلاقات التي جمعت الرجلين كانت ضعيفة جداً، ويقول «أعتقد أنّ بوتين احتقر غورباتشوف كرئيس للدولة لأنّه اعتبره ضعيفاً، وعزا إليه نقص الذكاء السياسي».
ويرى رافيو، أنّ تأخّر الكرملين برسالة التعزية يدّل على أمرين، أوّلهما أنّ عدم شعبية غورباتشوف لا تزال مهمة عند الشعب الروسي، والآخر أنّ «بوتين شهد نهاية الاتحاد السوفياتي كفترة مضطربة للغاية على المستوى الشخصي، وبالتالي جسّد غورباتشوف له شكلاً من أشكال عدم الاستقرار».
* استراتيجيات مختلفة
يعتبر التقرير، أنّ العلاقات كانت دائماً غير سويّة بين ميخائيل غورباتشوف وزعماء الكرملين الجدد، سواء كان بوريس يلتسين، عدو غورباتشوف اللدود، أو فلاديمير بوتين؛ إذ كان آخر زعيم لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية والرئيس الحالي للكرملين متناقضين في كثير من النواحي.
فعلى المستوى الشخصي، «كان غورباتشوف عفوياً نسبياً في اتصالاته السياسية، بينما مع بوتين، كلّ شيء محسوب»، بحسب رافيو الذي يضيف أّنّ الرجلين تبنّيا استراتيجيات مختلفة جذرياً، «وضع غورباتشوف السياسة الخارجية في خدمة السياسة الداخلية، في حين أنّ السياسة الداخلية في عهد بوتين تخضع تماماً للسياسة الخارجية والاستعادة (للدور الروسي) على المستوى الدولي».
* غورباتشوف يثني على بوتين... وينتقده
لفت التقرير إلى أنّه خلال مقابلة غورباتشوف الأخيرة مع «لوفيغارو» عام 2019، اعتبر الزعيم السوفياتي السابق أنّ «المواطنين الروس، وهو جزء منهم، يقدّرون كثيراً ما فعله الرئيس بوتين للتغلّب على الفوضى السياسية والفشل الاقتصادي في سنوات التسعينات»، لكنّه أيضاً انتقد كثيراً زعيم الكرملين في السنوات الأخيرة.
وفي عام 2009، في مقابلة لغورباتشوف مع وكالة «أسوشييتد برس»، قارن حزب فلاديمير بوتين، روسيا الموحّدة، بـ«نسخة أسوأ من الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي».
في مقابلة أخرى، نشرتها عام 2016 إحدى وسائل الإعلام الروسية، أعرب غورباتشوف عن أسفه لحقيقة أنّ بوتين يحكم البلاد من خلال «صداقاته الشخصية»، حتى أنّه اتّهمه بخيانة شعبه من خلال تنظيم تزوير انتخابي ومصادرة الأصول العامة، والتظاهر بالإصلاح بينما يترك البلاد تغرق في مزيد من الفساد.
عام 2011، نقلت مجلّة «إكسبرس» عن غورباتشوف أسفه حول الترتيبات الانتخابية لفلاديمير بوتين؛ إذ اعتبر الانتخابات التشريعية في ديسمبر (كانون الأول) من ذاك العام إخفاقاً، «على السلطة أن تدرك أنه كان هناك العديد من عمليات التزوير، وأنّ النتائج المعلنة لا تعكس إرادة الناخبين، المزيد والمزيد من الروس مقتنعون بأنّ هذه النتائج ليست صادقة».
كما أعرب الزعيم السابق عن أسفه لفترة رئاسة دميتري ميدفيديف بين عامي 2008 و2012، والتي وصفها بأنّها «أسوأ شكل من أشكال الديمقراطية».
* نقاط مشتركة
وفق التقرير، اشترك بوتين وغورباتشوف منذ سنوات في رفض «الإمبريالية» الأميركية، ففي ديسمبر 2021، لم يكن لدى الزعيم السابق كلمات قاسية كافية لوصف الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنّ نهاية الاتحاد السوفياتي «أسكرتهم (الأميركيين)، غطرسة، ورضا عن النفس، وأعلنوا أنفسهم منتصرين في الحرب الباردة في الوقت الذي أنقذنا فيه العالم معا من المواجهة».
كما انتقد غورباتشوف لوكالة الأنباء الروسية ريا نوفوستي «انتصار» واشنطن، وانتقد كذلك، مثل بوتين، رغبة المعسكر الغربي في «بناء إمبراطورية جديدة» من خلال توسيع حلف شمال الأطلسي، في آخر حديث علني له.
وفي 2014، كان أيضاً من أشدّ المؤيّدين للرئيس الروسي أثناء غزو شبه جزيرة القرم، مستنكراً التدخل الأميركي، بحسب التقرير.
وقال غورباتشوف خلال الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لسقوط جدار برلين في ألمانيا «سأدافع بحزم عن روسيا وعن رئيسها فلاديمير بوتين».
وصرّح لوكالة الأنباء الروسية (إنترفاكس) «أنا مقتنع تماماً بأنّ بوتين اليوم يدافع عن مصالح روسيا أفضل من أي شخص آخر».
وفي 2016، أعلن غورباتشوف لصحيفة «صنداي تايمز»، صراحة عن تأييده لضم روسيا شبه جزيرة القرم، «أنا دائماً أؤيد الإرادة الحرة للشعب، وإرادة غالبية سكان القرم لمّ شملهم مع روسيا»؛ مما دفع أوكرانيا لحظر دخوله إلى أراضيها لمدة خمس سنوات.
* الموقف من حرب أوكرانيا
وأوضح التقرير، أنّ غورباتشوف الذي كانت والدته أوكرانيّة، لم يعبّر علناً عن موقفه من «العملية العسكرية الخاصة» التي أطلقها بوتين في أوكرانيا في فبراير (شباط) الفائت، بسبب المرض الّذي أنهكه.
لكن وفقاً لمترجمه السابق بافيل بالاتشينكو، الذي قابلته محطة «فوكس نيوز» قبل ثلاثة أيام من اندلاع الحرب في أوكرانيا، فإنّ ميخائيل غورباتشوف «حذّر دائماً من أنّ أموراً خطيرة للغاية قد تحدث بين روسيا وأوكرانيا»، مضيفاً «لكنه فعل دائماً ما في وسعه للتقريب بين هاتين الدولتين بدلاً من رؤية الفجوة تستمرّ في الاتساع، والتي نراها الآن تتسع. بالنسبة له، من الناحية العاطفية، هذا أمر مأساوي».
أوائل أغسطس (آب)، قال المنتج التلفزيوني المجري يانوس زوكلير، وهو صديق مقرب جداً من غورباتشوف، لصحيفة «بليك» Blick اليومية السويسرية، إنّ الزعيم السابق «يدين بشدة الحرب منذ البداية»، مضيفاً «بالنسبة له، هذه حرب بين إخوة، كان والده روسياً ووالدته أوكرانية»، وأشار إلى أنّه إذا كان الأمر متروكا لغورباتشوف «فإن الحرب ستتوقّف على الفور».
وأشار التقرير إلى أنّ زوكلير المقرّب من بوتين أخبر الصحيفة اليومية (بليك) أيضاً، أنّ غورباتشوف كان سيحاول مرات عدّة الاتصال بالرئيس بوتين عبر الهاتف، «لكن بوتين لم يتصل به أبداً، حتى أنّه لم يرفع سماعة الهاتف، كانا يلتقيان مرّة في السنة، وإلّا لما كان هناك اتصال بينهما».
بين الازدراء والمصالح المشتركة... علاقة متقلّبة جمعت بوتين وغورباتشوف
بين الازدراء والمصالح المشتركة... علاقة متقلّبة جمعت بوتين وغورباتشوف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة