«فاغنر» تعزز حضور روسيا في أفريقيا... وفرنسا ترد بهجوم مضاد

متظاهرون يلوحون بعلمي روسيا ومالي في باماكو عاصمة مالي يوم 27 مايو 2021 ضد النفوذ الفرنسي في البلاد (أ.ف.ب)
متظاهرون يلوحون بعلمي روسيا ومالي في باماكو عاصمة مالي يوم 27 مايو 2021 ضد النفوذ الفرنسي في البلاد (أ.ف.ب)
TT

«فاغنر» تعزز حضور روسيا في أفريقيا... وفرنسا ترد بهجوم مضاد

متظاهرون يلوحون بعلمي روسيا ومالي في باماكو عاصمة مالي يوم 27 مايو 2021 ضد النفوذ الفرنسي في البلاد (أ.ف.ب)
متظاهرون يلوحون بعلمي روسيا ومالي في باماكو عاصمة مالي يوم 27 مايو 2021 ضد النفوذ الفرنسي في البلاد (أ.ف.ب)

ازداد النفوذ الروسي في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة على حساب النفوذ الفرنسي، مستفيداً من نشاط بارز لمجموعة «فاغنر» الروسية والجيوش الإلكترونية الروسية، والأموال التي تدفعها روسيا في القارة السمراء لكسب التأييد، وفيما لم تتخذ فرنسا، ولمدة طويلة، خطوات أمام تقدم موسكو في أفريقيا، قررت السلطات الفرنسية التصدي والتحضير لهجوم مضاد، وفق تقرير لمجلة «أفريقيا الشابة» Jeune Afrique.
* يقظة أثارتها «فاغنر»
يشير التقرير إلى أن القادة السياسيين والعسكريين الفرنسيين باتوا الآن مستعدين للرد بشكل منهجي على أي هجوم روسي جديد من نوع إشاعة الأخبار الكاذبة عن أعمال الجيش الفرنسي في أفريقيا «كاتهام فرنسا زوراً بالقيام بمجازر بحق السكان المحليين عبر فبركة فيديو في هذا الخصوص استطاعت الأجهزة الفرنسية أن تكشف أنه مزور».
ويقول ضابط كبير في الجيش الفرنسي إن القوات الفرنسية عززت يقظتها؛ «إذ إن قدرة (فاغنر) على إثارة المشاعر المعادية للفرنسيين في أفريقيا، وتعبئة الجماهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضد فرنسا، هائلة».
ووفق التقرير، بدأ مرتزقة «فاغنر» عملهم في جمهورية أفريقيا الوسطى في نهاية عام 2017، دون أن تقلق باريس في بداية الأمر، ثم وصلت «فاغنر» إلى مالي في نهاية عام 2021، مما دفع بجنود عملية «برخان (العملية الفرنسية في منطقة الساحل للتصدي للجماعات الإرهابية)» إلى حزم أمتعتهم.
وقد تبدد الهدوء في باريس الذي ظهر في وجه التوسع الروسي، فبات الدبلوماسيون والجنود الفرنسيون يتعاملون مع التهديد بجدية بالغة لدرجة أنهم لم يعودوا يخفون قلقهم من امتداد عمل «فاغنر» إلى بلدان أخرى ناطقة بالفرنسية، مثل بوركينا فاسو والكاميرون أو حتى السنغال؛ بحسب التقرير.
* روسيا تعمل على كسب الرأي العام
وكانت الاستراتيجية الروسية، من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى مالي، هي نفسها، بمبدأ رئيسي واحد: كسب معركة الرأي العام من خلال إثارة المشاعر المعادية للفرنسيين، واللعب على وتر مناهضة الاستعمار.
ويرى التقرير أن النشاط الروسي «ليس السبب الوحيد لتراجع نفوذ فرنسا في أفريقيا؛ إذ تركت مرحلة الاستعمار الفرنسي، وما تخللتها من عمليات عسكرية مثيرة للجدل، إضافة إلى نشاط العملاء السريين (الفرنسيين)، آثارها بخلق شعور راسخ جيداً برفض فرنسا في القارة، حيث أصبح الخطاب الرسمي لباريس مسموعاً بشكل أقل».
وأفاد التقرير بأن في لعبة الشطرنج هذه، أظهر الاستراتيجيون الروس مدى جودة آلة الدعاية الخاصة بهم، فتلعب قناة تلفزيون «روسيا اليوم (RT) » وموقع «سبوتنيك»، اللذان تمولهما الدولة الروسية، دوراً مهماً في الدعاية لروسيا من خلال تغطيتهما الإعلامية شديدة التوجيه، «فيتم تقديم جزء من أعمال هاتين الوسيلتين الاعلاميتين مجاناً لوسائل الإعلام الأفريقية، التي بدورها تعيد إنتاج موضوعاتهما أو أفلامهما الوثائقية كما هي، وهكذا تعمل (روسيا اليوم) على افتتاح غرفة تحرير أفريقية في نيروبي، وبدأت في التوظيف، بينما أطلق (سبوتنيك) نسخته الأفريقية، مع الطموح المعلن لتغطية أخبار القارة السمراء».
ويرى التقرير أن الفضل الأكبر لتنامي نفوذ روسيا في أفريقيا هو الدور الذي تلعبه مجموعة «فاغنر»؛ إذ «يشكل هذا العدد الضخم من المجموعات التي يرأسها يفغيني بريغوجين، الأوليغارشي المقرب من فلاديمير بوتين، ذراعاً مسلحة للكرملين في الخارج، على الرغم من أن بوتين ينفي رسمياً أي صلة له بهذه المجموعة».
وعلى المستوى المحلي، لا يتردد استراتيجيو «فاغنر» في تمويل وسائل الإعلام، مثل إذاعة «لينغو سونغو Lengo Songo » في جمهورية أفريقيا الوسطى، أو دفع أموال للصحافيين مباشرة، 10 آلاف فرنك أفريقي (نحو 15 دولاراً أميركياً) لكل مقال في وسائل الإعلام المطبوعة بوسط أفريقيا، وكذلك رعاية مسابقة ملكة جمال جمهورية أفريقيا الوسطى في عام 2018، أو طباعة الكتب المدرسية.
وكذلك تستخدم مجموعة «فاغنر» «وكلاء محليين» لنشر الخطاب المؤيد لروسيا والمناهض لفرنسا، من شخصيات المجتمع المدني وحركات، يتقاضون رواتب مقابل الترويج للدعاية الروسية، «ويعدّ أداما بن ديارا، نائب المجلس الوطني الانتقالي في مالي (CNT)، أحد أكثر الأمثلة رمزية».
ويعترف مصدر في «الإليزيه» بالوجود الروسي في مالي: «لطالما قللنا من شأن الهجوم الروسي في أفريقيا، عندما تكون في الواقع ساحة المعركة نفسها، وفقاً لمنطق الكرملين، فإن مالي لا تقل أهمية عن أوكرانيا»، مشيراً الى جهود «فاغنر» العسكرية في مالي.
إضافة إلى ذلك، ينسج الروس علاقات مع «مؤثرين» على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل الفرنسي - البنيني كيمي سيبا، والسويسرية -الكاميرونية ناتالي يامب، وفي حين أن كيمي سيبا يحرص على عدم دعم موسكو كثيراً في العلن، فإن ناتالي يامب، تنشر فيديوهات بشكل منتظم من منزلها في سويسرا تهاجم فيه عملية «برخان»، مطلقة عليها تسمية «حثالة برخان»، في حين تنشط آلاف الحسابات الوهمية الروسية على صفحات هؤلاء «المؤثرين» (الموالين لموسكو) لإعادة نشر محتوياتهم على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
* الخطة الفرنسية المضادة
يعترف ديبلوماسي فرنسي بأن المسؤولين الفرنسيين أضاعوا كثيراً من الوقت قبل التصدي للتقدم الروسي بأفريقيا، قائلاً: «لم نر هذا التهديد (الروسي) قادماً، يستغل الروس الآن أخطاءنا وافتقارنا إلى الاستراتيجية».
ويشرح عسكري في وزارة الجيوش الفرنسية: «ليس لدينا خيار: يجب أن نستجيب (للتحدي الروسي). يمكننا الاستمرار في تجاهل الأمر، لكن هذا لن يوقف الروس. عليك أن تفهم أن هذه الحرب الهجين ليست بالضرورة قذرة».
ويزيد عسكري آخر: «تغير الزمن، في بعض الأحيان يكون لفريق (صور جيد)؛ (بمعنى فريق إعلامي على مواقع التواصل) تأثير أكبر من 3 فرق للمشاة».
وفي إطار تصدي فرنسا للتقدم الروسي بأفريقيا، أمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، بإنشاء «فرقة عمل» من عدد قليل من الأشخاص بتكتم، في وزارة الخارجية الفرنسية لمتابعة هذه الملفات، ووضع رد مناسب على الدعاية الروسية، وتم تعيين سيلفان إيتي، السفير الفرنسي السابق لدى أنغولا، مبعوثاً خاصاً للدبلوماسية العامة في أفريقيا، وضمن ورقة مهمته، الترويج لعمل فرنسا في القارة الأفريقية؛ لأن السلطات الفرنسية باتت مقتنعة، وفق التقرير، بأنه لكسب حرب الاتصالات ضد الروس، يجب عليهم أولاً التواصل بشكل أفضل بشأن ما يفعلونه من حيث التنمية».
ويحلل ديبلوماسي فرنسي قائلاً: «ما نقوم به في مجال التنمية تجاوزه عملنا العسكري تماماً»، نتيجة لذلك، عندما تسأل الشباب الأفارقة الناطقين بالفرنسية عن تصورهم لفرنسا، فإنهم يرون فيها (عملية عسكرية) و(نهباً للموارد). علينا أن ننجح في تغيير هذه النظرة».
وبين إغلاق «فيسبوك» لمئات الحسابات الوهمية من روسيا وفرنسا في ديسمبر (كانون الأول) 2020 أن عسكريين فرنسيين انخرطوا كذلك في الصراع مع الروس عن طريق الحسابات الالكترونية الوهمية.
وضمن جهودها للتصدي للروس، عينت فرنسا في يوليو (تموز) 2021 جنرالاً مقتنعاً بضرورة الانخراط في حرب المعلومات، هو الجنرال تييري بوركار، رئيساً لأركان الجيش الفرنسي من قبل إيمانويل ماكرون. وتبنى الجيش الفرنسي بعد 3 أشهر، عقيدة عسكرية للتصدي في مجال المعلوماتية، من أجل هيكلة وسائل الجيش الفرنسي القتالية في الفضاء السيبراني، وعُهد إلى قيادة الدفاع الإلكتروني «كومسايبر (Comcyber)»، ومقرها مدينة رين الفرنسية، الإشراف على هذه العقيدة العسكرية، وتخضع للسلطة المباشرة لرئيس أركان الجيش الفرنسي.


مقالات ذات صلة

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

العالم إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

أعلنت السلطات المعينة من روسيا في القرم إسقاط طائرة مسيرة قرب قاعدة جوية في شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا، في حادثة جديدة من الحوادث المماثلة في الأيام القليلة الماضية. وقال حاكم سيفاستوبول ميخائيل رازفوجاييف على منصة «تلغرام»: «هجوم آخر على سيفاستوبول. قرابة الساعة 7,00 مساء (16,00 ت غ) دمرت دفاعاتنا الجوية طائرة من دون طيار في منطقة قاعدة بيلبيك».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا، اليوم الخميس، من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين الذي اتهمت موسكو كييف بشنّه، لتكثيف هجماتها في أوكرانيا. وقال بوريل خلال اجتماع لوزراء من دول الاتحاد مكلفين شؤون التنمي«ندعو روسيا الى عدم استخدام هذا الهجوم المفترض ذريعة لمواصلة التصعيد» في الحرب التي بدأتها مطلع العام 2022. وأشار الى أن «هذا الأمر يثير قلقنا... لأنه يمكن استخدامه لتبرير تعبئة مزيد من الجنود و(شنّ) مزيد من الهجمات ضد أوكرانيا». وأضاف «رأيت صورا واستمعت الى الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، صباح اليوم (الخميس)، نقلاً عن خدمات الطوارئ المحلية، أن حريقاً شب في جزء من مصفاة نفط في جنوب روسيا بعد هجوم بطائرة مسيرة. وقالت «تاس»، إن الحادث وقع في مصفاة «إلسكاي» قرب ميناء نوفوروسيسك المطل على البحر الأسود. وأعلنت موسكو، الأربعاء، عن إحباط هجوم تفجيري استهدف الكرملين بطائرات مسيرة، وتوعدت برد حازم ومباشر متجاهلة إعلان القيادة الأوكرانية عدم صلتها بالهجوم. وحمل بيان أصدره الكرملين، اتهامات مباشرة للقيادة الأوكرانية بالوقوف وراء الهجوم، وأفاد بأن «النظام الأوكراني حاول استهداف الكرملين بطائرتين مسيرتين».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

تثير الهجمات وأعمال «التخريب» التي تكثّفت في روسيا في الأيام الأخيرة، مخاوف من إفساد الاحتفالات العسكرية في 9 مايو (أيار) التي تعتبر ضرورية للكرملين في خضم حربه في أوكرانيا. في الأيام الأخيرة، ذكّرت سلسلة من الحوادث روسيا بأنها معرّضة لضربات العدو، حتى على بعد مئات الكيلومترات من الجبهة الأوكرانية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. تسببت «عبوات ناسفة»، الاثنين والثلاثاء، في إخراج قطارَي شحن عن مساريهما في منطقة محاذية لأوكرانيا، وهي حوادث لم يكن يبلغ عن وقوعها في روسيا قبل بدء الهجوم على كييف في 24 فبراير (شباط) 2022. وعلى مسافة بعيدة من الحدود مع أوكرانيا، تضرر خط لإمداد الكهرباء قرب بلدة في جنو

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.


تونس: إحالة 40 متهماً بينهم 20 أمنياً إلى «دائرة الإرهاب»

الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)
الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)
TT

تونس: إحالة 40 متهماً بينهم 20 أمنياً إلى «دائرة الإرهاب»

الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)
الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)

أعلنت مصادر حقوقية أن دائرة الاتهام المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب لدى محكمة الاستئناف في تونس قررت إحالة نحو 40 متهماً، بينهم 20 أمنياً وضابطاً، إلى «الدائرة الجنائية لقضايا الإرهاب».

وحدة من قوات النخبة قرب محكمة تونسية (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)

أعلنت مصادر حقوقية أن دائرة الاتهام المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب لدى محكمة الاستئناف في تونس قررت إحالة نحو 40 متهماً، بينهم 20 أمنياً وضابطاً، على «الدائرة الجنائية لقضايا الإرهاب»، في علاقة بملف فرار 5 مساجين مصنَّفين «إرهابيين خطيرين» يوم 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 من أكبر سجون البلاد، سجن المرناقية، الذي يعتقل فيه عادة أبرز المتهمين في قضايا جنائية بينها ملفات «المجموعات المسلحة والإرهاب والتآمر على أمن الدولة» .

وحسب لسان الدفاع عن المتهمين فإن «دائرة الاتهام» دعمت قرار ختم البحث الذي أعده قاضي التحقيق قبل أسابيع، وتمسكت بإحالة كل المتهمين إلى المحاكمة بعد أن وجهت إليهم اتهامات كثيرة بينها «تكوين وفاق إرهابي والمساعدة على ارتكاب جرائم إرهابية واستعمال تراب الجمهورية لارتكاب جرائم إرهابية ضد بلد آخر ومواطنيه، والتحضير لذلك، وتوفير بأي وسيلة كانت المعدات والأزياء ووسائل النقل والمواد والتجهيزات والمؤونة والمواقع الإلكترونية والوثائق والصور لفائدة تنظيم إرهابي للمساعدة على ارتكاب جرائم إرهابية».

فريق الدفاع عن المحامية عبير موسي: مندوبتنا مهددة بالإعدام (متداولة في وسائل الإعلام التونسية)

نقاط استفهام ؟

ومنذ إعادة إيقاف السجناء الفارين الخمسة المتهمين في قضايا ذات صبغة إرهابية خطيرة فتحت السلطات الأمنية والقضائية أبحاثاً حول ملابسات الفرار من «أكبر سجون البلاد تحصيناً وحراسة»، وأُوقِفَ عدد من كبار المسؤولين في قطاعات المخابرات والسجون والأمن العمومي في وزارتي الداخلية والعدل عن العمل، وأحيل عشرات السجناء والأمنيين والضباط على التحقيق.

وأسفرت الأبحاث المطولة عن إيقاف عدد من المسؤولين الأمنيين وحراس السجون وضباط الأمن، وتوجيه الاتهام كذلك إلى عدد من السجناء الآخرين وعائلات موقوفين.

كما أضيفت إلى لائحة الاتهامات الموجهة إلى الموقوفين والمتهمين المساجين والأمنيين وعائلات المتهمين بـ«المشاركة» في تهريب المساجين المتشددين الخمسة تهم «إفشاء وتوفير ونشر معلومات بأي وسيلة كانت لفائدة تنظيم إرهابي، أو شخص له علاقة بالإرهاب بقصد المساعدة على ارتكاب جرائم إرهابية، وعدم إشعار السلط ذات النظر حالاً بما أمكن له الاطلاع عليه من أفعال، وما بلغ إليه من معلومات أو إرشادات حول ارتكاب جرائم إرهابية، والفرار من السجن، والمشاركة في الاعتداء على الأملاك والأشخاص، وجمع أموال لفائدة وفاق وتنظيم إرهابي وأشخاص لهم علاقة بالإرهاب».

لكن محامين وحقوقيين ممن يتابعون هذا الملف منذ أكثر من عام طرحوا نقاط استفهام حول بعض ملابساته من بينها حول مبررات إيقاف زوجة سجين فر من السجن، وإصدار بطاقة إيداع ضدها بسبب عدم إعلام السلطات القضائية بفرار زوجها.

أحكام بالمؤبد والإعدام

يُذْكر أن بعض المتهمين المدنيين والعسكريين في هذه القضية يواجهون أحكاماً ثقيلة تصل إلى المؤبد والإعدام، علماً أن الفارين الخمسة الذين وقعت إعادة إيقافهم أحيلوا إلى المحاكمة بتهم المشاركة في جرائم إرهابية بينها قتل أمنيين وعسكريين ومدنيين في جرائم إرهابية ارتُكبت ما بين عاميْ 2013 و2015، بينها جريمتا اغتيال المعارضين السابقين محمد الإبراهيمي وشكري بالعيد.

من جهة أخرى، نظَّم محامون ونشطاء سياسيون من فريق الدفاع عن المحامية عبير موسي، رئيسة «الحزب الدستوري الحر» الموقوفة منذ أكتوبر 2013 أمام قصر الرئاسة في قرطاج، تحركات انتقدت توجيه تهم خطيرة جداً إليها تصل عقوبتها للإعدام، وفق الفصل 72 من القانون الجزائي، بينها «تبديل هيئة الدولة». وطالب هؤلاء النشطاء والمحامون بالإفراج عنها، لكن المحكمة رفضت طلبات الإفراج، وأحالت موسي في قضايا كثيرة بعضها رفعتها ضدها الهيئة العليا للانتخابات.

في الوقت نفسه، أكد قياديون من «جبهة الخلاص الوطني»، التي تضم نحو 10 أحزاب سياسية وشخصيات حقوقية معارضة، أن المحاكم ستبدأ قريباً النظر في ملفات عشرات المتهمين في قضايا «التآمر على أمن الدولة والفساد وتبييض الأموال، وبينهم رجال أعمال وبرلمانيون ومسؤولون سابقون في الحكومة وإعلاميون ونشطاء».

وكانت الإيقافات في هذه القضايا قد بدأت أواخر 2022 باعتقال رئيس الحكومة الأسبق علي العريض ومقرَّبين منه، ثم توسعت منذ شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) 2023 لتشمل رجل الأعمال والسياسي المثير للجدل منذ عقود كمال اللطيف وسياسيين معارضين مستقلين وقياديين في أحزاب عدة، بينهم عصام الشابي الأمين العام لـ«الحزب الجمهوري»، وغازي الشواشي الأمين العام السابق لحزب «التيار الديمقراطي»، ورضا بلحاج الأمين العام لحزب «أمل» والوزير السابق، والحقوقيان جوهر بن مبارك وخيام التركي، وعشرات من قيادات حركة «النهضة»، بينها رئيسها راشد الغنوشي ونائباه العجمي الوريمي ومنذر الونيسي ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري.

وقد وجَّهت دائرة الاتهام مؤخراً إلى عدد من هؤلاء الموقوفين اتهامات تصل عقوبتها للسجن المؤبد والإعدام، بينها التآمر على أمن الدولة و«الإرهاب».