استقال اثنان من كبار مستشاري الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على خلفية ما كشف عنه زعيم المافيا الهارب خارج البلاد سادات بكر بشأن تورطهما ونواب بحزب العدالة والتنمية الحاكم في وقائع فساد وابتزاز وسوء استغلال للوظيفة وممارسة الضغط على شركات ورجال أموال للحصول على رشاوى بمبالغ طائلة. ما دفع 5 من أحزاب المعارضة إلى تقديم شكاوى جنائية إلى المدعي العام في أنقرة للتحقيق في المزاعم التي أوردها بكر وعززها بنشر محادثات عبر تطبيق «واتساب» بين المستشارين وضحاياهما.
وأعلن كوركماز كاراجا، أحد كبار مستشاري إردوغان عضو لجنة السياسة الاقتصادية بالرئاسة وعضو المجلس التنفيذي للحزب الحاكم استقالته عبر «تويتر»، ليل الثلاثاء - الأربعاء، مبررا ذلك بأن «هذا الهجوم غير القانوني طال ابنتي وزوجتي وأصبح مرة أخرى تهديدا لصحتي… ولهذه الأسباب أستقيل من منصبي».
واتهم بكر، نهاية الأسبوع الماضي، كاراجا بأنه من بين مجموعة من كبار المسؤولين المقربين من الرئيس رجب طيب إردوغان، الذين سعوا للحصول على رشاوى من شركات كبرى، لكن كاراجا نفى ذلك، ثم أقدم على تقديم استقالته.
وسبق ذلك بيومين فقط، استقالة مستشار آخر بارز للرئيس، هو سركان تاران أوغلو، الذي اتهمه بكر بالحصول على رشاوى ضخمة بملايين الدولارات عبر الضغط على شركات وتجميد حسابات رجال أعمال بالبنوك ثم ابتزازهم من أجل إزالة التجميد.
ونشر بكر، الذي كان قد هرب في السابق إلى دبي، قائلا إن ذلك كان بمساعدة مسؤولين كبار بوزارة الداخلية التركية، محادثات واتساب ومقاطع فيديو الأعمال تؤكد مزاعم تورط تاران أوغلو ورئيس مجلس مؤسسة أسواق رأس المال الأسبق، علي فؤاد تاشكسينلي أوغلو الذي كان في السابق أيضا وزيرا للطاقة كما سبق أن عمل مديرا لبنك آسيا الذي كان يتبع حركة «الخدمة» التابعة للداعية فتح الله غولن بعد اتهامها بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016 كما عين أيضا في بنك «خلق» التابع للدولة، وشقيقته نائبة حزب العدالة والتنمية عن مدينة أرضروم، شمال شرق تركيا، زهراء تاشكسينلي أوغلو، وصالح أوراكجي، مدير عام الجمارك الأسبق.
واستقال تارار أوغلو في صمت، ونقل عنه صحافيون أن استقالته من منصبه كمستشار للرئيس جاءت لأسباب صحية أيضا. فيما لم تعلق رئاسة الجمهورية أو حزب العدالة والتنمية على استقالة تاران أوغلو وكاراجا.
وكشف بكر، السبت الماضي، عبر حساب يستخدمه على «تويتر» باسم «الشاويش المجنون» بعد إغلاق حسابه الرسمي من قبل السلطات في الإمارات بطلب من الحكومة التركية بعد خطوات تطبيع العلاقات بين البلدين، أيضا عن أن تارار أوغلو أخفى مبلغ 180 مليون دولار في 4 خزائن حديدية في فيلا يملكها في منطقة بهشلي إيفلار وشقتين بمنطقة هالكالي في إسطنبول، وأنه قام بنقل بعض هذه الأموال ولا يزال بعضها موجودا في هذه الخزائن، وأنه حصل على هذه الأموال كرشاوى باستغلال منصبه في رئاسة الجمهورية.
وزعم بكر أن علي فؤاد تاشكسنلي أوغلو وشقيقته النائبة زهراء، طلبا من مينه توزلو سينر ارن، مالكة شركة «ماركا يتريم» القابضة، رشوة قدرها 12 مليون ليرة تركية لرفع التجميد عن حسابات الشركة.
وفي محادثات مع المستشار الثاني المستقيل من الرئاسة، كوركماز كاراجا، الذي تدخل في الموضوع من أجل الحصول على رشوة قدرها 200 ألف ليرة تركية، بحسب المحادثات التي نشرها بكر، قالت سينر ارن إن إحدى صديقاتها وجهتها إلى تاران أوغلو لحل مشكلتها، لكن بعد أن أبلغته بعدم قدرتها على دفع هذا المبلغ، وأن تاران أوغلو أراد مقابلتها، وأنها التقت به هي وزوجها رجل الأعمال إبراهيم سنر ارن في فندق شيراتون أنقرة، حيث يقع المكتب الاستشاري الذي تديره النائبة زهرة تاشكسينلي أوغلو أي أنهم يعملون معا جميعا (تاران أوغلو وتاشكسنيلي أوغلو وشقيقته).
ونشر بكر أيضا محادثاتها مع كاراجا، التي طُلب منها دفع مبالغ، منها 200 ألف ليرة كبداية.
وفتح مكتب المدعي العام في أنقرة، الأربعاء، تحقيقا بحق المزاعم الواردة بشأن تاران أوغلو وعلاقته وكذلك علي فؤاد تاشكسنلي أوغلو وشقيقته مع سينر أرن.
وسبق أن وجه بكر اتهامات لأعضاء في حزب العدالة والتنمية الحاكم، لا سيما المقربين من إردوغان، بتهريب مخدرات وجرائم قتل والكسب غير المشروع. ومؤخرا صادرت السلطات التركية ممتلكاته في إسطنبول. وكان في السابق من المقربين من حزب العدالة والتنمية الحاكم ومن أقوى الداعمين له والآن يعمل على كشف فساد المحيطين بالرئيس إردوغان منذ هروبه، وخصص جانبا واسعا من قبل لوزير الداخلية سليمان صويولو وعلاقاته بعصابات المافيا والجريمة المنظمة.
وطلبت تركيا بشكل رسمي من الإمارات اعتقال بكر، البالغ من العمر 51 عاما، والذي اعترف بأنه زعيم مافيا، وقال إن لديه أدلة على هاتفه تدين مسؤولين يتعاملون مع عالم الجريمة في تركيا، وتحظى تغريداته بمتابعة الملايين في تركيا، كما كانت من قبل تسجيلاته المصورة قبل أن يمنع من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ليلجأ إلى الكتابة عبر حسابات أخرى أبرزها حاليا «الشاويش المجنون»، كما يقوم نجل شقيقه بنشر أخباره وإعادة نشر تغريداته عبر حسابه الشخصي الذي بات أيضا يحظى بمتابعة الملايين من أجل متابعة ما يكشف عنه بكر.
ويحظى بكر بشعبية كبيرة في أوساط العسكريين الأتراك واكتسب شعبية واسعة في الشارع التركي بسبب مهاراته الخطابية واعترافه بأنه مذنب، وارتكب العديد من الجرائم لكنه يتهم أعضاء الحكومة بالتورط فيها.
وتقدمت 5 أحزاب تركية معارضة، هي: الشعب الجمهوري، الجيد، الديمقراطية والتقدم، النصر والعمال، بشكاوى قانونية للضغط على ممثلي الادعاء العام، للتحقيق في اتهامات الفساد التي وجهها بكر ضد مستشاري إردوغان ونواب الحزب الحاكم بالبرلمان بالتواطؤ مع شبكة يزعم أنها تسعى للحصول على رشاوى من الشركات المتداولة في سوق المال.
وقال مصطفى ينر أوغلو النائب عن حزب «الديمقراطية والتقدم» الذي يرأسه نائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان: «نعلم أن الهيئة القضائية تخدم الحكومة حاليا… ورغم ذلك، سنتقدم بشكوى جنائية... كي يسجلها التاريخ… ويوما ما سيكون هناك ممثلو ادعاء مسؤولون يلاحقون هذه الفضائح الشائنة».
وقال النائب عن حزب العمال التركي، أحمد شيك، إن حزب العدالة والتنمية الحاكم سيتم حله، وسيحاكم أعضاؤه بتهمة الانتماء لتنظيم إجرامي، بعد تولي حكومة جديدة، مؤكدا أنهم لن يتركوا لحزب العدالة والتنمية أو شريكه حزب الحركة القومية، فرصة التحول إلى المعارضة.