بريطانيا وأميركا... ودورة العنف في العراق

(تقرير اخباري)

عناصر من «سرايا السلام » خلال اشتباكات في العاصمة العراقية (أ.ف.ب)
عناصر من «سرايا السلام » خلال اشتباكات في العاصمة العراقية (أ.ف.ب)
TT

بريطانيا وأميركا... ودورة العنف في العراق

عناصر من «سرايا السلام » خلال اشتباكات في العاصمة العراقية (أ.ف.ب)
عناصر من «سرايا السلام » خلال اشتباكات في العاصمة العراقية (أ.ف.ب)

بعكس بدايته البريطانية أوائل القرن العشرين الماضي كان التأسيس الثاني للدولة العراقية أوائل القرن الحادي والعشرين الحالي على يد الأميركان مشوشاً وغير مبنيٍّ على أي رؤية لبناء دولة.
ومع أن الفارق هائل في النوع والدرجة معاً بين التأسيسين البريطاني والأميركي؛ كون العراق نهاية الحرب العالمية الأولى لم يكن دولة بل ثلاث ولايات (بغداد، الموصل، البصرة) تابعة للإمبراطورية العثمانية، لكنه كان لحظة سقوطه عام 2003 على يد الأميركان دولة موحدة عمرها 80 عاماً وجيشها يعدّ خامس أو سادس أقوى جيش في العالم.
وفي حين أقام البريطانيون دولة العراق الجديدة بإسهام واسع من السكرتيرة الشرقية للمندوب السامي البريطاني مس بيل بما في ذلك المجيء بملك عربي من الحجاز لكي يحكم العراق، فإن الأميركان وبعد أن أسقطت جيوشهم الدولة العراقية أرسلوا بول بريمر كأول حاكم مدني بالعراق عاث في مقدرات العراق وعلى كل المستويات عبثاً. دولة العراق بنسختها الإنجليزية كانت بهوية وطنية موحدة بدليل أن كبار رجال الدين الشيعة تعاملوا مع قضية التأسيس من زاوية الهوية القومية (العروبة) لا الدين (كونهم مسلمين) ولا المذهب (كونهم شيعة) حين ذهب وفد منهم إلى الشريف الحسين بن علي بهدف إقناعه لكي يكون أحد أنجاله ملكاً على العراق.
بعد 80 عاماً تغير كل شيء. ففي خلال نصف عمر الدولة العراقية الحديثة ظهر ما اصطُلح عليها المظلوميات، حين بدا لا سيما خلال عهد صدام حسين الطويل نسبياً (ثلث عمر الدولة العراقية 1968 - 2003) أن هناك تمييزاً للعراقيين على أساس عرقي (اضطهاد الأكراد بمن في ذلك معارك الأنفاق ومجزرة حلبجة) ومذهبي (اضطهاد الشيعة إلى حد منعهم في الربع الأخير من عمر الدولة العراقية من إقامة شعائرهم وطقوسهم في موسم عاشوراء.
كل هذه الإسقاطات وسواها بدت حاضرة في صلب مشهد الدبابات الأميركية وهي تجرف كل تاريخ الدولة العراقية الحديث وسط رضا وقبول وتشجيع من قادة العراق الجدد وهم جماعات المعارضة العراقية لنظام صدام حسين. كان الحاكم المدني الأميركي بول ريمر قد أشار إلى كل هذه القضايا وسواها في كتابه «عام قضيته في العراق» بمن في ذلك فلول بعض مَن أُطلق عليهم الآباء المؤسسون للنظام الحالي من أعضاء مجلس الحكم.
آنذاك لم يكن مقتدى الصدر سوى شاب في مقتبل العمر ورث زعامة دينية كبيرة في وقت مبكر بعد قيام أجهزة صدام حسين باغتيال أبيه محمد محمد صادق الصدر عام 1999. والصدر الأب أحد كبار مراجع الشيعة المؤثرين بين الناس. والصدر الذي هو من أهل الداخل بمعنى أنه لم يأتِ مع قوى المعارضة على ظهور الدبابات الأميركية، بدأ سريعاً في مقاومة الأميركان مع المقاومة السنية. ومع أن تداعيات كثيرة حصلت أدت إلى الحرب الطائفية بعد تفجير مرقدي سامراء (2006 - 2008) فإن الزعيم الديني تحول إلى أحد أكبر القادة المؤثرين في العراق اليوم.
وبما أن الدولة العراقية الحديثة التي أسسها الأميركان أُقيمت على أساس المحاصصة العرقية والمذهبية فإن هذا التأسيس الخاطئ ألغى الهوية الوطنية الموحدة لتحل محلها الهويات الفرعية (القومية، الدينية، الحزبية، المناطقية، وسواها). ومما أدى إلى تعزير الهويات الفرعية هو عدم قدرة الطبقة السياسية العراقية على تشكيل حكومات قادرة أن تتخطى المحاصصة في كل التفاصيل الخاصة ببناء الدولة وهو ما جعل سلطة رئيس الوزراء، أي رئيس وزراء، مقيدة وضعيفة بينما أُطلق العنان لسلطات رجال الدين، وزعماء الأحزاب، وقادة الفصائل والميليشيات المسلحة، وشيوخ العشائر.
وفي ظل هذه الأوضاع الملتبسة فقد بدا أن أي هزة يمكن أن يتعرض لها النظام السياسي تؤدي بالضرورة إلى سلسلة من الانهيارات المتوالية. وهذا ما حصل غير مرة كان آخرها خلال انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019 التي أدت إلى سقوط مئات القتلى وعشرات آلاف الجرحى وما حصل مؤخراً عقب اعتصام الصدريين قبل شهر ونصف أمام البرلمان العراقي.
وفيما تم تحميل ما سُمي الطرف الثالث مسؤولية ما حصل خلال انتفاضة أكتوبر، فإن العنف الدموي الذي أعقب إعلان الصدر اعتزال العمل السياسي لم يكن ممكناً تحميله لطرف آخر سوى الطرفين المعنيين وهما «التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر و«الإطار التنسيقي» بزعامة عدد من أقوى قادة الشيعة في مشهد ما بعد عام 2003 وهم: نوري المالكي، وهادي العامري، وقيس الخزعلي، وعمار الحكيم، وحيدر العبادي، وفالح الفياض. وفي هذا السياق فقد جاءت ردة فعل الصدر سريعة وقوية حين شعر أنه مسؤول بقدر الآخرين عن هذا العنف الدموي حيث أمر أتباعه بالانسحاب. الأتباع انسحبوا في غضون ساعة مثلما أمرهم وعادت الحياة إلى طبيعتها. لكن هل يعني ذلك أن الدولة عادت إلى طبيعتها؟ كل المؤشرات تقول إن كل الذي جرى هو تأجيل دورة العنف لمدة من الزمن وتدوير الأزمة وترحيلها إلى مرحلة قادمة يمكن أن ينتج عنها عنف آخر، والسبب دائماً هو التأسيس الخاطئ لعراق بول بريمر الذي يختلف جذرياً عن عراق مس بيل.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
TT

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

قال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن قائداً كبيراً في «حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية، خلال حرب العراق، قُتل في غارة إسرائيلية على سوريا.

واعتقلت القوات الأميركية علي موسى دقدوق، بعد مداهمة عام 2007، عقب عملية قتل فيها عناصرُ يتنكرون في صورة فريق أمن أميركي، خمسة جنود أميركيين. ووفقاً لموقع «إن بي سي» الأميركي، أطلقت السلطات العراقية سراحه لاحقاً.

وأضاف المسؤول الدفاعي الأميركي، وفق ما نقل عنه موقع «إن بي سي»، أن تفاصيل الضربة الجوية الإسرائيلية غير معروفة، متى حدثت، وأين وقعت في سوريا، وهل كان هدفها دقدوق تحديداً.

الغارة المعقدة، التي ساعد دقدوق في التخطيط لها، حدثت في مجمع عسكري مشترك أميركي-عراقي في كربلاء، في 20 يناير (كانون الثاني) 2007.

تنكَّر مجموعة من الرجال في زي فريق أمن عسكري أميركي، وحملوا أسلحة أميركية، وبعضهم كان يتحدث الإنجليزية، ما جعلهم يَعبرون من عدة نقاط تفتيش حتى وصلوا قرب مبنى كان يأوي جنوداً أميركيين وعراقيين.

كانت المنشأة جزءاً من مجموعة من المنشآت المعروفة باسم «محطات الأمن المشترك» في العراق، حيث كانت القوات الأميركية تعيش وتعمل مع الشرطة والجنود العراقيين. كان هناك أكثر من عشرين جندياً أميركياً في المكان عندما وصل المسلّحون.

حاصرت العناصر المسلّحة المبنى، واستخدموا القنابل اليدوية والمتفجرات لاختراق المدخل. قُتل جندي أميركي في انفجار قنبلة يدوية. بعد دخولهم، أَسَر المسلّحون جندين أميركيين داخل المبنى، واثنين آخرين خارج المبنى، قبل أن يهربوا بسرعة في سيارات دفع رباعي كانت في انتظارهم.

طاردت مروحيات هجومية أميركية القافلة، ما دفع المسلّحين لترك سياراتهم والهروب سيراً على الأقدام، وخلال عملية الهرب أطلقوا النار على الجنود الأميركيين الأربعة.

وفي أعقاب الهجوم، اشتبه المسؤولون الأميركيون بأن المسلّحين تلقّوا دعماً مباشراً من إيران، بناءً على مستوى التنسيق والتدريب والاستخبارات اللازمة لتنفيذ العملية.

وألقت القوات الأميركية القبض على دقدوق في مارس (آذار) 2007. وكما يذكر موقع «إن بي سي»، أثبتت أن «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني»، كان متورطاً في التخطيط لهجوم كربلاء. واعترف دقدوق، خلال التحقيق، بأن العملية جاءت نتيجة دعم وتدريب مباشر من «فيلق القدس».

واحتجز الجيش الأميركي دقدوق في العراق لعدة سنوات، ثم سلَّمه إلى السلطات العراقية في ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وقال المسؤول الأميركي: «قالت السلطات العراقية إنها ستحاكم دقدوق، لكن جرى إطلاق سراحه خلال أشهر، مما أثار غضب المسؤولين الأميركيين. وعاد للعمل مع (حزب الله) مرة أخرى بعد فترة وجيزة».