خبراء أمميون ومزارعون يحذّرون من أثر التغيرات المناخية

وقفة قبل «الجفاف الأفريقي»: رعاة يبحثون عن ماء ويخشون المجاعة والمرض

الصومالية فرحية محمد جيدي (أوكسفام)
الصومالية فرحية محمد جيدي (أوكسفام)
TT

خبراء أمميون ومزارعون يحذّرون من أثر التغيرات المناخية

الصومالية فرحية محمد جيدي (أوكسفام)
الصومالية فرحية محمد جيدي (أوكسفام)

أجبر الجفاف الصومالية فرحية محمد جيدي (25 عاماً)، التي تعمل بمهنة الرعي، على التنقل مع عائلتها أكثر من أربع مرات، وفي كل مرة كانوا يفقدون بعضاً مما يملكون من رؤوس الماشية، بسبب قلة الماء والمرعى.
كانت عائلة جيدي تملك 100 رأس من الماعز ومثلها من الأغنام، وبدأت هذه الحيوانات بالنفوق في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني)، وكانت آخر الحيوانات التي نفقت في فبراير (شباط) الماضي.
ما تُظهره معاناة عائلة جيدي التي رصدها تقرير لمنظمة «أوكسفام» (اتحاد دولي للمنظمات الخيرية التي تركز على تخفيف حدة الفقر في العالم)، تؤكده تقارير أممية حديثة تشير إلى أن «الأوضاع في دول القرن الأفريقي (إرتيريا، وجيبوتي، والصومال، وإثيوبيا)، بالإضافة إلى كينيا، تتجه من سيئ إلى أسوأ، إذ تستعد لاستقبال موسم خامس على التوالي من نقص الأمطار».
وحسبما أفاد ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، في تصريحات قبل أيام، فإن التوقعات للفترة من أكتوبر إلى ديسمبر (كانون الأول) المقبلين، تُظهر احتمالات عالية لظروف «أكثر جفافاً من المتوسط» في معظم أنحاء المنطقة (القرن الأفريقي)، والتي يصفها الخبراء بأنها «الأكثر تأثراً بتغيرات المناخ».
تقول جيدي: «كنا نحاول تتبع الأمطار، ونتحرك في كل مرة، وفقاً للمكان الذي كان من المفترض أن تهطل فيه، لكن في كل مرة خاب أملنا... والحقيقة أنه إذا لم تهطل الأمطار، فلن ينجو منا أحد».
وتسببت الأمطار الشحيحة بدول القرن الأفريقي، في أسوأ موجة جفاف في الذاكرة الحية بالنسبة لتلك المنطقة، حتى إن البعض يراه قد تجاوز ما حدث عام 2011 عندما خلّف الجفاف حينها نحو ربع مليون شخص ميت، وسبب نفوق قطعان كبيرة من الماشية، وترك الناجين من دون وسائل لإطعام أنفسهم أو لكسب الرزق.
أحمد العدوي، باحث ما بعد الدكتوراه بمعهد طوكيو للتكنولوجيا، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «التغير المناخي ليس فقط مسؤولاً عن الزيادات التدريجية في درجات الحرارة، بل الأكثر خطورة هو زيادة تكرار الأحداث المتطرفة كالفيضانات والجفاف».
ووفق التقييم السادس، الذي أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، التابعة للأمم المتحدة، فإن «هناك تباينات مكانية كبيرة بين المناطق التي ستزيد فيها الفيضانات وتلك التي ستتعرض لمخاطر متزايدة عن المألوف لتكرار حالات الجفاف».
وتواجه تلك المنطقة، خامس مواسم الهطول المنخفض جداً للأمطار، وذلك إلى جانب درجات الحرارة المرتفعة، التي تستنفد قدرة الناس على التعامل مع الظروف الأكثر جفافاً والأمطار النادرة.
وتتوقع وحدة «المعلومات الإنسانية التابعة للحكومة الأميركية»، أن موجة الجفاف الحالية «ستعرّض 18 مليون شخص للجوع في: الصومال وكينيا وإريتريا ومناطق في إثيوبيا»، وتشير تقديرات أخرى إلى أن «50 مليوناً سيكونون تحت خطر المجاعات في سبع دول، إذا استمرت موجات الجفاف الشهور القادمة»، حسب الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيقاد).
ويوضح العدوي أنه «على سبيل المثال تشير الهيئة (إيقاد) بثقة متوسطة إلى إمكانية ارتفاع نسبة هطول الأمطار في شرق أفريقيا بنسبة تتراوح من 10 إلى 40 في المائة (وفقاً للسيناريو الذي نتجه نحوه)، بسبب تكثيف دورة المياه العالمية (حركة المياه بين الغلاف الجوي واليابسة والمحيطات)، وهذا قد يفسر ارتفاع معدلات الفيضانات في حوض النيل في السنوات الأخيرة، وعلى النقيض تشهد الآن منطقة القرن الأفريقي أسوأ حالة جفاف منذ 40 عاماً، حيث الأمطار أقل من المتوسط للسنه الخامسة على التوالي».
ويقول الراعي الصومالي محمود جيدي سيروباي، الذي تحدث عبر تقرير «أوكسفام»، إن «هذا الجفاف يقتل كل شيء ببطء، فقد جرف الأرض والمراعي، ثم جرف الحيوانات، التي أصبحت أضعف وأضعف في البداية ثم ماتت في النهاية، وقريباً، سوف يكتسحنا، حيث يصاب الناس بالإنفلونزا والإسهال والحصبة، وإذا لم يحصلوا على الطعام والمياه النظيفة والأدوية، فسوف يموتون مثل حيواناتهم».
وتجبر الأزمة بعض سكان المنطقة على «الاختيار بين دفع ثمن الطعام والرعاية الصحية، ومع هجرة الكثيرين بحثاً عن الطعام، يعرّضهم ذلك لخطر متزايد من الإصابة بالأمراض»، كما قال تيدروس أدهانوم، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في بيان أصدرته المنظمة في 17 أغسطس (آب) الجاري.
وأوضح أن «الجوع وسوء التغذية يشكلان خطراً مباشراً على الصحة، لكنهما يُضعفان أيضاً دفاعات الجسم، ويفتحان الباب أمام الأمراض بما في ذلك الالتهاب الرئوي والحصبة والكوليرا».
وأعلن مدير منظمة الصحة العالمية تقديم المنظمة لأكثر «من 16 مليون دولار من صندوق الطوارئ لتلبية الاحتياجات بتلك المنطقة»، لكنه شدد على أنه «هناك حاجة إلى مزيد من الدعم، إذ تحتاج المنظمة بشكل عاجل إلى 123 مليون دولار أميركي ستُستخدم لمنع تفشي الأوبئة ومكافحتها، وعلاج سوء التغذية، وتوفير الخدمات الصحية الأساسية، بالإضافة إلى الأدوية.
ويذهب العدوي خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط» إلى أن «الدراسات أثبتت أن معدلات الجفاف في المنطقة مرتبطة بالتغيرات المناخية بسبب الأنشطة البشرية، بينما تشير التوقعات المناخية استمرار الأمطار أقل من المتوسط في مناطق كينيا والصومال وإثيوبيا مع زيادات كبيرة في حدة الجفاف في أوغندا». ويضيف أن «تأثير الأحداث المناخية المتطرفة يكون أكثر حدة في المناطق ذات القدرات الاقتصادية المحدودة»، واصفاً المساعدات الإنسانية بأنها «حلول مؤقتة».
ودعا العدوى كذلك إلى «ضرورة أن تشمل هذه المساعدات تنمية قدرات المجتمعات المحلية في تلك الدول بتعزيز قدراتها على تخزين المواد الغذائية، وتطوير نظم محلية دقيقة للتنبؤ، والتعامل مع مخاطر الفيضانات والجفاف بدل نهج أسلوب الإدارة بطريقة (رد الفعل)».
غير أن ما يطالب به العدوي لم يتحقق طوال المواسم الأربعة السابقة، التي واجه خلالها مواطنو تلك الدول ويلات الجفاف.


مقالات ذات صلة

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

أفريقيا هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

هل تنجح دعوات استعادة الجواهر الأفريقية المرصِّعة للتاج البريطاني؟

بينما تستعد بريطانيا لتتويج الملك تشارلز الثالث (السبت)، وسط أجواء احتفالية يترقبها العالم، أعاد مواطنون وناشطون من جنوب أفريقيا التذكير بالماضي الاستعماري للمملكة المتحدة، عبر إطلاق عريضة للمطالبة باسترداد مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصِّع التاج والصولجان البريطاني، والتي يشيرون إلى أن بريطانيا «استولت عليها» خلال الحقبة الاستعمارية لبلادهم، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول قدرة الدول الأفريقية على المطالبة باسترداد ثرواتها وممتلكاتها الثمينة التي استحوذت عليها الدول الاستعمارية. ودعا بعض مواطني جنوب أفريقيا بريطانيا إلى إعادة «أكبر ماسة في العالم»، والمعروفة باسم «نجمة أفريقيا»، وا

أفريقيا «النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

«النقد الدولي»: أفريقيا الخاسر الأكبر من «الاستقطاب العالمي»

مع تركيز مختلف القوى الدولية على أفريقيا، يبدو أن الاقتصادات الهشة للقارة السمراء في طريقها إلى أن تكون «الخاسر الأكبر» جراء التوترات الجيو - استراتيجية التي تتنامى في العالم بوضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وتوقَّع تقرير صدر، (الاثنين)، عن صندوق النقد الدولي أن «تتعرض منطقة أفريقيا جنوب الصحراء للخسارة الأكبر إذا انقسم العالم إلى كتلتين تجاريتين معزولتين تتمحوران حول الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقابل». وذكر التقرير أن «في هذا السيناريو من الاستقطاب الحاد، ما يؤدي إلى أن تشهد اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضا دائماً بنسبة تصل إلى 4 في الما

أفريقيا السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

السعودية والاتحاد الأفريقي يبحثان وقف التصعيد العسكري في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الثلاثاء)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة في السودان، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضها، بما يضمن أمن واستقرار ورفاهية البلاد وشعبها. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية السعودي، برئيس المفوضية، وتناول آخر التطورات والأوضاع الراهنة في القارة الأفريقية، كما ناقش المستجدات والموضوعات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا «مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

«مكافحة الإرهاب» تتصدر الأجندة الأوغندية في «السلم والأمن» الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي تؤرق غالبية دول القارة الأفريقية، الأجندة الأوغندية، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن، التابع للاتحاد الأفريقي، في شهر مايو (أيار) الجاري. ووفق المجلس، فإنه من المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان له، أن مجلس السلم والأمن الأفريقي سيناقش نتا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

مكافحة «الإرهاب» تتصدر أجندة أوغندا في مجلس الأمن الأفريقي

تتصدر جهود مكافحة ظاهرة «التطرف والإرهاب»، التي تقلق كثيراً من دول القارة الأفريقية، أجندة أوغندا، خلال رئاستها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في مايو (أيار) الحالي. ومن المقرر عقد اجتماع تشاوري في بروكسل بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي؛ لمناقشة النزاعات والأزمات في البحيرات الكبرى والقرن والساحل، والصراع المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومكافحة تمرد حركة «الشباب الإرهابية» في الصومال، والتحولات السياسية المعقدة، فضلاً عن مكافحة «الإرهاب» في بلدان منطقة الساحل، كبنود رئيسية على جدول الأعمال. وأوضح المجلس، في بيان، أنه سيناقش نتائج الحوار الوطني في تشاد، ولا سيما المسألتين ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»
TT

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، عُقد في قطر، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم خلال الأشهر الخمسة الماضية.

استنفار أمني في نيجيريا (متداولة)

وأضاف موسى في مؤتمر «مراقبة الأمن الأفريقي»، في الدوحة، أنه بين 10 يوليو (تموز) و9 ديسمبر (كانون الأول)، استسلم 30426 مقاتلاً من «بوكو حرام»، إلى جانب 36774 امرأة و62265 طفلاً.

وأكد موسى أن العدد الكبير من عمليات نزع السلاح تعزى إلى مجموعة من العمليات العسكرية والحوار وإجراءات إعادة التأهيل.

يشار إلى أن الجيش كثيراً ما يتحدث عن استسلام مقاتلي «بوكو حرام» وعائلاتهم بأعداد كبيرة.

ويزعم العديد من أعضاء الجماعة الإرهابية السابقين أنهم ألقوا أسلحتهم بسبب الجوع والظروف المعيشية السيئة.

ولكن العدد الدقيق لأعضاء «بوكو حرام» غير معروف، وهو يقدر بعشرات الآلاف. وتقاتل الجماعة التي تأسست في دولة نيجيريا الواقعة في غرب أفريقيا من أجل إقامة «دولة إسلامية».

ونفذت لسنوات هجمات في البلدين المجاورين في أفريقيا الوسطى تشاد والكاميرون.

وتسبب التمرد «الجهادي»، على مدار أكثر من عقد من الزمان، في مقتل عشرات الآلاف.

مسلحون يختطفون ما لا يقل عن 50 شخصاً

في غضون ذلك، في أبوجا، اختطف مسلحون العشرات من الأشخاص في شمال غربى نيجيريا، حسبما أفاد السكان والشرطة لوكالة «أسوشيتد برس»، الثلاثاء، في أحدث حالة اختطاف جماعي في المنطقة. وقال السكان إن المسلحين اختطفوا ما لا يقل عن 50 شخصاً، بينهم نساء وأطفال، في منطقة مارادون بولاية زامفارا الأحد.

وأكد يزيد أبو بكر، المتحدث باسم شرطة زامفارا، وقوع عملية الاختطاف لكنه لم يقدم تفاصيل إضافية. ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الاختطاف، لكن السكان ألقوا باللوم على جماعات قطاع الطرق المعروفة بعمليات القتل الجماعي والاختطاف من أجل الفدية في المنطقة الشمالية التي تعاني من الصراع، ومعظمهم من الرعاة السابقين الذين هم في صراع مع المجتمعات المستقرة.

وأصبحت عمليات الاختطاف أمراً شائعاً في أجزاء من شمال غربى نيجيريا، إذ تستغل العشرات من الجماعات المسلحة قلة الوجود الأمني لتنفيذ هجمات على القرى وعلى الطرق الرئيسية. وغالباً ما يجري إطلاق سراح معظم الضحايا بعد دفع فدية تصل أحياناً إلى آلاف الدولارات.