لم ينتظر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، انتهاء مهلة الـ72 ساعة التي كان منحها إلى المحكمة الاتحادية العليا في العراق لحل البرلمان، ليعلن أمس اعتزاله العمل السياسي، الذي اعتبر صدمة في الشارع العراقي، ليرد أنصاره على ذلك باقتحام المنطقة الخضراء الحكومية وسط بغداد، ومحاصرة مبنى الحكومة العراقية، واقتحام مقر رئاسة الوزراء، لتندلع بعدها مواجهات بين أنصار الصدر وخصومه وصلت إلى إطلاق الرصاص في المنطقة الخضراء الشديدة الحراسة في بغداد.
وأكد شهود لوكالة الصحافة الفرنسية، أن مطلقي النار هم أنصار «الإطار التنسيقي»، خصم التيار الصدري، الذي يضم فصائل شيعية موالية لإيران، ليعلن مقتل 12 من أنصار مقتدى الصدر واصابة نحو 270 من المتظاهرين الآخرين بعضهم بالرصاص وآخرون جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع.
متظاهرون ينقلون جريحاً في المنطقة الخضراء أمس (رويترز)
حظر تجول في عموم العراق
أصدرت القيادة العسكرية العراقية قراراً بفرض حظر تجول في عموم البلاد، ووضع جميع القطعات العسكرية في حالة التأهب القصوى، وتأجيل الامتحانات الابتدائية والمتوسطة إلى إشعار آخر، بينما دعت بعثة الأمم المتحدة في العراق إلى ضبط النفس في بلد يبدو أن المأزق السياسي الناتج من الانتخابات التشريعية العام الماضي يأخذ منعطفاً جديداً.
وجدد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، القائد العام للقوات المسلحة، توجيهاته للقيادات الأمنية بالالتزام التام بالتعليمات السابقة فيما يخص حماية أرواح المتظاهرين، والحفاظ أيضاً على الممتلكات العامة والخاصة، ومنع التجاوز على المؤسسات الحكومية من قبل أي طرف كان.
ودعا الكاظمي خلال اجتماع طارئ للقيادات الأمنية بمقر العمليات المشتركة لمناقشة الأحداث الأخيرة ودخول المتظاهرين للمؤسسات الحكومية، المتظاهرين، للانسحاب الفوري من المنطقة الخضراء، وعدم إرباك الوضع العام في البلاد وتعريض السلم المجتمعي إلى الخطر، وذلك حسب بيان للحكومة العراقية.
صالح والحلبوسي يدعوان إلى ضبط النفس
فيما دعا الرئيس العراقي برهم صالح، في بيان له أمس الاثنين، جميع العراقيين، إلى التزام التهدئة وضبط النفس ومنع التصعيد، وضمان عدم انزلاق الأوضاع نحو متاهات مجهولة وخطيرة يكون الجميع خاسراً فيها.
وقال صالح في بيانه، إن التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي حقان مكفولان دستورياً مع الالتزام بالقوانين وحفظ الأمن العام، ولكن تعطيل مؤسسات الدولة أمر خطير يضع البلد ومصالح المواطنين أمام مخاطر جسيمة.
وطالب الرئيس العراقي، المتظاهرين، إلى الانسحاب من المؤسسات الرسمية، وفسح المجال أمام القوات الأمنية للقيام بواجبها في حفظ الأمن والنظام والممتلكات العامة، وقال صالح إن تطورات الأحداث تفرض على القوى الوطنية مسؤولية مضاعفة للترفع عن الخلافات لصالح ما هو أغلى وأثمن، لصالح الوطن، «ومنع العنف وحقن الدماء الغالية للعراقيين وانتهاج مواقف حريصة حامية للوطن، والحفاظ على المسار السلمي الديمقراطي الدستوري الذي ضحى شعبنا بالغالي والنفيس من أجله، ولا ينبغي التفريط به تحت أي ظرف».وكانت صالح قد تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وذكر بيان للرئاسة العراقية أن الرئيس المصري أكد خلال الاتصال الهاتفي «أن القيادة المصرية تتابع باهتمام التطورات في العراق بحكم العلاقة الأخوية التي تجمع البلدين».وجدد السيسي دعم بلاده لأمن واستقرار وسلامة الشعب العراقي، وأعرب عن الأمل «في تجاوز الأزمة السياسية عبر الحوار وبما يحقق الإستقرار والأمن والرخاء للعراقيين».إلى ذلك دعا رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي أمس الاثنين، جميع الأطراف في العراق لإطفاء نار الفتنة والتوصل إلىتفاهمات لحفظ وصون سيادة الوطن واستقراره، وحمايته من الإنزلاق إلى تصادم يخسر فيه الجميع.وقال في بيان صحفي «إن ما آل إليه الوضع هذا اليوم ينذر بخطر كبير، وهو أمر لا يمكن السكوت عنه أو تركه يتصاعد دون تدخلٍ من العقلاء والمؤثرين من زعامات دينية وسياسية وعشائرية واجتماعية، تدفع باتجاه التهدئة وضبط النفس، وتحذر من الفوضى وإراقة دماء العراقيين الأبرياء عبر استخدام السلاح من أي طرف».
أنصار الصدر يقفون لالتقاط صورة على طريق مغلق بإطارات محترقة خلال مظاهرة في مدينة البصرة أمس (أ.ف.ب)
الحائري شرارة غضب الصدريين
كان مقتدى الصدر أعلن اعتزاله العمل السياسي في ردة فعل غاضبة على انتقاد كاظم الحائري، المقيم في مدينة قم الإيرانية، للتيار الصدري، إذ أصدر فتوى دعا أنصار الصدر إلى «الامتثال» لمرجعية المرشد الإيراني، علي خامنئي
ليرد الصدر بغضب على رسالة الحائري قائلاً في رسالة اعتزاله، «يظن الكثيرون بما فيهم السيد الحائري أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم، كلا، إن ذلك بفضل ربي أولاً، ومن فيوضات السيد الوالد قدس سره الذي لم يتخل عن العراق وشعبه».
وأكد الصدر أن النجف هي المقر الأكبر للمرجعية الشيعية العليا، وهي إشارة إلى أن الصدريين ليسوا بصدد تقليد مرجع من خارج العراق. لكن إعلان الصدر اعتزاله العمل السياسي في وقت يوجد المئات من أنصاره داخل المنطقة الخضراء أمام بوابات البرلمان العراقي أربك المشهد السياسي المعقد أصلاً في العراق.
سيناريو سريلانكا والعراق وغضب الكاظمي
الصدر الذي أصدر قراراً فتح خلاله الباب أمام أنصاره بالدخول إلى المنطقة الخضراء، وبلا ضوابط، حين أعلن حل اللجنة المشرفة على المظاهرات والاعتصامات، ليتكرر سيناريو سريلانكا في العراق، أمس، حين اقتحم الصدريون مجلس الوزراء، ودخلوا غرفة النوم، واستحموا في المسبح الخاص بالرئاسة، فإن رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي، أعلن رفع جاهزية القوات العراقية إلى «الإنذار جيم»، كما علق اجتماعات مجلس الوزراء، ووجه رسالة غاضبة إلى الصدريين، مطالباً إياهم بالخروج من المنطقة الخضراء، كما وجه رسالة إلى الصدر طالبه فيها بإخراج أنصاره من داخل المنطقة الخضراء. القيادة العامة المشتركة دعت في بيان لها المتظاهرين إلى الانسحاب الفوري من داخل المنطقة الخضراء. وأكدت أنها «التزمت أعلى درجات ضبط النفس والتعامل الأخوي لمنع التصادم أو إراقة الدم العراقي». وأضافت أن «القوات الأمنية مسؤوليتها حماية المؤسسات الحكومية والبعثات الدولية والأملاك العامة والخاصة». وأوضحت العمليات المشتركة «أن التعاطي مع التظاهرات السلمية يتم من خلال الدستور والقوانين، وستقوم القوات الأمنية بواجبها في حماية الأمن والاستقرار». وجاء هذا البيان بعد انتشار مكثف لأنصار التيار الصدري في المنطقة الخضراء واقتحام القصر الجمهوري في بغداد.
في هذا السياق، يقول الدكتور فاضل البدراني أستاذ الإعلام الدولي في الجامعة العراقية لـ«الشرق الأوسط»، إن «انسحاب الصدر من الحياة السياسية جعل الأمور تتجه نحو مزيد من التصعيد باعتباره قد رفع يد التأثير عن الجمهور الذي بدوره مارس انفعالاً شديداً عقب قرار الانسحاب على اعتبار أن الصدر مورست ضده ضغوطات دينية وسياسية دفعته لهذا الخيار»، وأضاف البدراني: «بانسحاب الصدر السياسي فتح الباب على مصراعيه لأنصاره للاعتصام وتعطيل الحياة اليومية، وهو إجراء مطور عن إجرائه السابق بالانسحاب من البرلمان»، وأوضح البدراني أن «الصدر بات بعيداً عن الانسجام مع خصومه، لكنه جعل أتباعه في ثورة مخيفة للجميع، في مقدمتهم الإطار التنسيقي».
في السياق نفسه، أكد رئيس المجلس الاستشاري العراقي فرهاد علاء الدين، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «الصدر يريد تغيير النظام السياسي لأنه لا يرى إمكانه الاستمرار في مثل هذا النظام مع الشخصيات نفسها التي شاركها السلطة في العقدين الماضيين». وأضاف علاء الدين أن «الصدر حاول أن يستخدم نفوذه البرلماني من خلال التحالف الثلاثي، ولكن لم يحالفه الحظ، وبالتالي عليه اللجوء لخيار الشارع، واستخدامه لتغيير النظام وكتابة نظام جديد». وتابع علاء الدين: «إلا أن هذه الوسيلة محفوفة بالمخاطر، وقد يدفع ثمنها الكثير من مناصريه، ومن أبناء المذهب الشيعي، لأن الصدام سيكون حصرياً بينهم».
المالكي يطالب بالقبض على ثلاثة من مستشاري الكاظمي
ويبدو أن كتلة دولة القانون في البرلمان العراقي بزعامة نوري المالكي ستزيد الاحتقان في الشارع العراقي، بعد أن أصدرت بياناً أمس تطالب فيه القضاء العراقي بإصدار أوامر قبض بحق ثلاثة من كبار مستشاري رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي بتهمة إثارة الفوضى والهلع بين المواطنين.وذكر بيان لكتلة دولة القانون النيابية بأنها تطالب القضاء العراقي بإصدار أوامر قبض ما سمتهم «أدوات الفتنة» وهم مشرق عباس ومهند نعيم وكاظم السهلاني، مستشارو رئيس الوزراء، واعتبرت ذلك «لدورهم المشبوه في التحريض على الفتنة وإثارة الفوضى ودفع الشباب المغرر بهم إلى الصدام المسلح مع القوات الأمنية ومهاجمة المقرات الحكومية وتدمير الوطن».
على صعيد آخر دعا رئيس الحكومة العراقية السابق حيدر العبادي زعيم تحالف النصر أحد مكونات الإطار التنسيقي الشيعي أمس الاثنين، إلى التهدئة وضبط النفس وعدم الانجرار خلف الفتن التي أقبلت كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضاً.
واشنطن والأمم المتحدة تدعوان إلى الهدوء والحوار
قال جون كيربي، مسؤول الإعلام في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، الاثنين، إن الولايات المتحدة تبدي «قلقها» حيال المعلومات عن تصاعد العنف في بغداد، وتدعو إلى «الهدوء» و«الحوار».
فيما دعا مكتب بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، أمس (الاثنين)، جميع المتظاهرين إلى مغادرة المنطقة الدولية وإخلاء المباني الحكومية، وحثّ على أقصى قدر من ضبط النفس. وذكر بيان لمكتب «يونامي» أن «التطورات تصعيد بالغ الخطورة، ويجب على مؤسسات الدولة العمل دون عوائق، خدمة لشعب العراق في الظروف كافة وفي جميع الأوقات، وأن احترام النظام الدستوري أمر ضروري».
وحث البيان الجميع على «الاستمرار في السلمية والتعاون مع قوات الأمن والإحجام عن الأعمال التي قد تؤدي إلى سلسلة أحداث لا يمكن إيقافها». كما دعا البيان جميع الأطراف السياسية للعمل نحو تهدئة التوترات، واللجوء إلى الحوار باعتباره الوسيلة الوحيدة لحل الخلافات ولا يمكن أن يكون العراقيون رهائن لوضع لا يمكن توقعه ولا يمكن تحمله».