اكتشاف تفاعلات من كيمياء الأرض المبكرة

مهدت لنشوء حياة على الكوكب

اكتشاف تفاعلات من كيمياء الأرض المبكرة
TT

اكتشاف تفاعلات من كيمياء الأرض المبكرة

اكتشاف تفاعلات من كيمياء الأرض المبكرة

قبل 4 مليارات عام، كانت الأرض مختلفة تماماً عمّا هي عليه اليوم؛ إذ كانت خالية من الحياة ومغطاة بمحيط شاسع. وعلى مدى ملايين السنين، ظهرت الحياة. ولطالما وضع الباحثون نظريات حول كيفية اتحاد الجزيئات لإحداث هذا التحول.
الآن؛ اكتشف العلماء في «معهد سكريبس للأبحاث» بأميركا مجموعة جديدة من التفاعلات الكيميائية التي تستخدم «السيانيد» و«الأمونيا» و«ثاني أكسيد الكربون»، يُعتقد أنها كانت شائعة في بدايات الأرض، لتوليد الأحماض الأمينية والأحماض النووية، وهي اللبنات الأساسية للحياة. وجرى الإعلان عن تفاصيل هذه التفاعلات في نهاية يوليو (تموز) الماضي بدورية «نيتشر كمستري».
يقول رامانارايانان كريشنامورثي، أستاذ الكيمياء المساعد في «معهد سكريبس للأبحاث»، والباحث الرئيسي بالدراسة، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لـ«المعهد» بالتزامن مع الدراسة: «توصلنا إلى نموذج جديد يلقي نظرة ثاقبة حول كيمياء الأرض المبكرة، بالإضافة إلى أن التفاعلات الكيميائية المكتشفة حديثاً مفيدة أيضاً في بعض عمليات التصنيع، مثل توليد الجزيئات الحيوية الموصوفة خصيصاً من مواد البدء غير المكلفة».
وفي وقت سابق من هذا العام، أظهر فريق كريشنامورثي كيف يمكن لـ«السيانيد» تمكين التفاعلات الكيميائية التي تحول جزيئات «البريبايوتك» والماء إلى مركبات عضوية أساسية مطلوبة للحياة. وعلى عكس التفاعلات المقترحة سابقاً، عملت هذه التفاعلات في درجة حرارة الغرفة وفي نطاق واسع من الأس الهيدروجيني.
وتساءل الباحثون عما إذا كانت هناك، في ظل الظروف نفسها، طريقة لتوليد الأحماض الأمينية، وهي جزيئات أكثر تعقيداً تشكل البروتينات في جميع الخلايا الحية المعروفة.
وفي الخلايا اليوم، يجري إنشاء الأحماض الأمينية من سلائف تسمى أحماض «ألفا كيتو» باستخدام كل من النيتروجين والبروتينات المختصة التي تسمى «الإنزيمات»، ووجد الباحثون دليلاً على احتمال وجود أحماض «ألفا كيتو» في وقت مبكر من تاريخ الأرض.
ومع ذلك، افترض كثيرون أنه قبل ظهور الحياة الخلوية، يجب أن تكون الأحماض الأمينية جرى إنشاؤها من سلائف مختلفة تماماً، وهي «الألدهيدات»، بدلاً من أحماض «ألفا كيتو»؛ لأن «الإنزيمات» اللازمة لإجراء التحويل لم تكن موجودة بعد، لكن هذه الفكرة قادت إلى الجدل حول كيف ومتى حدث التحول من «الألدهيدات» إلى أحماض «ألفا كيتو»، بوصفها مكوناً رئيسياً لصنع الأحماض الأمينية.
وبعد نجاحهم في استخدام «السيانيد» لإحداث تفاعلات كيميائية أخرى، اشتبه كريشنامورثي وزملاؤه في أن «السيانيد»، حتى من دون الإنزيمات، يساعد أيضاً في تحويل أحماض «ألفا كيتو» إلى أحماض أمينية.
ولأنهم كانوا يعرفون أن النيتروجين سيكون مطلوباً بشكل ما، فقد أضافوا الأمونيا، وهو شكل من أشكال النيتروجين كان من الممكن أن يكون موجوداً على الأرض المبكرة، ثم، من خلال التجربة والخطأ، اكتشفوا مكوناً رئيسياً ثالثاً، وهو ثاني أكسيد الكربون، ومع هذا الخليط، سرعان ما بدأوا في رؤية تشكل الأحماض الأمينية.
يقول كريشنامورثي: «توقعنا أن يكون من الصعب جداً معرفة ذلك، لكن اتضح أنه أبسط مما كنا نتخيله، فإذا قمت بخلط حمض الكيتو والسيانيد والأمونيا مع ثاني أكسيد الكربون، حتى الكميات البسيطة منه، فإن التفاعل يزداد سرعة».
ونظراً إلى أن التفاعل الجديد مشابه نسبياً لما يحدث اليوم داخل الخلايا، باستثناء أنه مدفوع بالسيانيد بدلاً من البروتين، يبدو أنه من المرجح أن يكون مصدر الحياة المبكرة، كما يقول الباحثون.
ويساعد البحث أيضاً في الجمع بين جانبين من نقاش طويل الأمد حول أهمية ثاني أكسيد الكربون في الحياة المبكرة، وخلص إلى أن ثاني أكسيد الكربون كان مفتاحاً، ولكن فقط بالاشتراك مع جزيئات أخرى.
وفي عملية دراسة حساءهم الكيميائي، اكتشف فريق كريشنامورثي أن ناتجاً ثانوياً من التفاعل نفسه هو مادة متدرجة، وهي مقدمة لـ«النيوكليوتيدات» التي يتكون منها «الحمض النووي (DNA)» و«الحمض النووي الريبي (RNA)»، ويشير هذا إلى أن الحساء البدائي نفسه، في ظل الظروف المناسبة، كان من الممكن أن يؤدي إلى ظهور عدد كبير من الجزيئات اللازمة للعناصر الأساسية للحياة.
يقول كريشنامورثي: «ما نريد القيام به بعد ذلك هو مواصلة البحث عن نوع الكيمياء الذي يمكن أن ينشأ من هذا الخليط، فهل يمكن للأحماض الأمينية أن تبدأ في تكوين بروتينات صغيرة؟ وهل يمكن لأحد هذه البروتينات أن يعود ويبدأ في العمل بوصفه إنزيماً لإنتاج مزيد من هذه الأحماض الأمينية؟».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً