موجة «خريفية» متوقعة لـ«كورونا»... ومخاوف من «التهاون»

خبراء يرجحون ازدياد الإصابات وانخفاض الوفيات بشرط «تفعيل المواجهة»

فريق عمل في مركز التطعيم يستعد لبدء عمله في مستشفى وسط لندن 16 أغسطس 2022 (إ.ب.أ)
فريق عمل في مركز التطعيم يستعد لبدء عمله في مستشفى وسط لندن 16 أغسطس 2022 (إ.ب.أ)
TT

موجة «خريفية» متوقعة لـ«كورونا»... ومخاوف من «التهاون»

فريق عمل في مركز التطعيم يستعد لبدء عمله في مستشفى وسط لندن 16 أغسطس 2022 (إ.ب.أ)
فريق عمل في مركز التطعيم يستعد لبدء عمله في مستشفى وسط لندن 16 أغسطس 2022 (إ.ب.أ)

بينما كان الطبيب المصري محمد محمدي -وهو أب لثلاثة أطفال في مراحل دراسية مختلفة- يشتري متطلبات العام الدراسي الجديد لأبنائه، كان حريصاً على شراء كميات كبيرة من «الكمامات»، تحسباً لموجة جديدة من إصابات فيروس «كورونا المستجد» في الخريف المقبل، وسط دهشة أب آخر كان قريباً منه، سأله وبمنتهي التلقائية: «فيروس (كورونا) انتهى... لماذا كل هذه الاحتياطات؟».
محمدي الذي يعمل بأحد أقسام الأمراض الصدرية في مستشفى حكومي مصري، لا يزال يستقبل قسمه حالات الإصابة، وتعلم من دروس العام الماضي، أن العالم مقبل على موجة جديدة من الإصابات في الخريف المقبل، بالتزامن مع بدايات العام الدراسي الجديد.
ويقول محمدي لـ«الشرق الأوسط»: «أعطى تخفيف تدابير الصحة العامة التي اتخذتها الدول مؤخراً، انطباعاً لدى البعض بأن الجائحة قد انتهت، وهذا هو أخطر ما يضعف معركتنا مع فيروس (كورونا المستجد) الذي لا يزال قادراً على إنتاج متحورات جديدة».
ويحذر خبراء الفيروسات والصحة العامة، من حالة التهاون التي أشار إليها محمدي، والتي لخصها أحمد المنظري، المدير الإقليمي لشرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية بقوله، في مؤتمر صحافي الثلاثاء الماضي: «تعلُّم التعايش مع (كوفيد-19)، لا يعني أبداً التظاهر بعدم وجوده».
ولا يزال الفيروس -بحسب المنظري- قادراً على الإصابة والتسبب في الوفاة؛ إذ تسبب في الأسبوع الذي سبق المؤتمر الصحافي في إصابة أكثر من 80 ألف شخص في إقليم شرق المتوسط «22 دولة»، ووفاة ما يزيد على 600 شخص.
هذه الأرقام التي أشار إليها المنظري: «يمكن أن تتضاعف مع دخول فصل الخريف وبدايات الشتاء»، كما يتوقع أحمد سالمان، مدرس علم المناعة وتطوير اللقاحات في معهد «إدوارد جينز» بجامعة أكسفورد.
ويقول سالمان لـ«الشرق الأوسط»: «تجربتنا العام الماضي تشير إلى أننا مقبلون على زيادة كبيرة في أعداد الإصابات؛ لكن مع انخفاض في عدد الوفيات، وذلك نتيجة المناعة المجتمعية التي تشكلت، نتيجة الإصابات السابقة والحصول على اللقاحات، إضافة إلى توفر عدد من أدوية مضادات الفيروسيات».
وشرح: «في بدايات الوباء كانت نسبة الوفيات بين الحالات المصابة تصل إلى 20 في المائة؛ لكنها الآن انخفضت بشكل كبير، بسبب وجود اللقاحات والأدوية».
ولا تزال اللقاحات رغم تسجيل إصابات بين من حصلوا عليها: «فعالة» في تجنيب من حصل عليها الآثار الوخيمة للإصابة، بسبب احتفاظ الفيروس رغم التحورات الجديدة بأجزاء لم تتغير، ولا تزال اللقاحات قادرة على استهدافها، كما يوضح سالمان.
ويضيف: «نتوقع ظهور متغيرات جديدة من الفيروس مع انتشاره في الخريف؛ لكنها ستكون مثل المتغير الفرعي من أوميكرون (BA.5)، أسرع في الانتشار، وأقل ضراوة من المتغيرات السابقة، ولا تسبب مرضاً شديداً».
ورغم هذه الرسالة المطمئنة، فإن سالمان حرص في الوقت نفسه على الإشارة إلى أن «أوميكرون» رغم ضعفه مقارنة بالمتغيرات السابقة، لا يزال قادراً على أن يسبب مشكلات للفئات الضعيفة من كبار السن، وصغار السن، وضعاف المناعة، وأصحاب الأمراض المزمنة.
وقال سالمان: «إذا كنا نطالب بضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائية، حتى مع ضعف الفيروس، تجنباً للإصابة، فإن هذه الفئات الضعيفة مدعوة أكثر من غيرها لتفعيل تلك الإجراءات، والتي تشمل ارتداء الكمامات، والتباعد الاجتماعي، والحصول على الجرعات المعززة من اللقاحات».
وتعمل جامعة أكسفورد في بريطانيا على تطوير لقاح جديد أكثر «فعالية» سيتم الإعلان عنه في الخريف القادم، كما أكد سالمان، ولكن لا يجب انتظار النسخ المطورة من اللقاحات، والحصول على ما هو متاح الآن، للاستعداد للخريف بجرعة تنشيطية.
وأعلنت أكثر من دولة عن جرعة تنشيطية للفئات الضعيفة، سمَّتها «جرعة الخريف التنشيطية»؛ إلا أن هناك مخاوف كبيرة من ضعف الإقبال على تناولها، استناداً لما سجله الأطباء من حدوث استرخاء عام في مواجهة الفيروس.
ومن المقرر أن تبدأ «حملة الخريف التنشيطية» في بريطانيا، في 5 سبتمبر (أيلول) المقبل، وسيتم تقديم اللقاح خلالها للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 50 عاماً فما فوق، والمقيمين في دور رعاية كبار السن، والذين تبلغ أعمارهم 5 سنوات فما فوق، وموظفي الرعاية الصحية والاجتماعية. كما أعلنت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية في يوليو (تموز) الماضي عن أن الجرعات المعززة المحدثة من شركتي «موديرنا» و«فايزر»، والتي تستهدف المتحورات الفرعية من متحور «أوميكرون»، ستكون متاحة في الخريف المقبل لتقديمها كجرعات تنشيطية.
غير أن بيتر هوتيز، أستاذ طب الأطفال وعلم الفيروسات وعلم الأحياء الدقيقة في كلية بايلور للطب، ومستشفى تكساس للأطفال في هيوستن، اتفق مع ذهب إليه سالمان، حول «أهمية الإسراع بالحصول على المعززات لمواجهة موجة الخريف دون انتظار اللقاحات المحدثة».
وتستهدف اللقاحات المحدثة النسخة الفرعية من «أوميكرون» الأكثر انتشاراً حالياً، وهي (BA.5)؛ لكن هوتيز قال في تصريحات نقلها موقع «الجمعية الطبية الأميركية» في 10 أغسطس (آب) الجاري: «مع حلول الخريف، قد نتجاوز هذا المتحور، ونكون في طريقنا إلى شيء جديد تماماً».
غير أن ما يخشاه مسؤولو الصحة العامة، هو عدم التجاوب مع هذه الدعوات التي تسبق الخريف، استناداً إلى الفكرة السائدة خطأً بأن «كوفيد قد انتهى».
ويقول عظيم مجيد -وهو طبيب عام في غرب لندن، وأستاذ الرعاية الأولية والصحة العامة في «إمبريال كوليدج» لندن- في تصريحات نقلتها صحيفة «الغارديان» أخيراً: «أعتقد أنه من المرجح جداً أننا سنشهد انخفاضاً في الإقبال على معززات لقاح (كوفيد-19) في الخريف». وأضاف: «رأينا إقبالاً أقل على الجرعة المعززة الأولى في الشتاء الماضي، وزاد الوضع سوءاً مع الجرعة المعززة الثانية التي تم تقديمها لكبار السن وبعض المجموعات الأخرى في الربيع، وبالحديث إلى المرضى، يقول كثير منهم إنهم يشعرون بأن لديهم ما يكفي من المناعة عن طريق اللقاحات».
وفي المنطقة العربية، يبدو الوضع مختلفاً، فالإحجام عن اللقاحات ليس سببه اعتقاد بوجود ما يكفي من المناعة: «لكن لعدم ثقة في اللقاحات»، وهو وضع يجب أن يتغير كما يقول محمد الحديدي، الأستاذ ببرنامج العلوم الطبية الحيوية بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا. ويوضح الحديدي لـ«الشرق الأوسط» أن «فيروس (كورونا المستجد) في طريقة للتحول إلى أن يكون فيروساً موسمياً يشبه الإنفلونزا، من حيث نشاطه في الخريف والشتاء، وهو ما سيفرض علينا استعداداً دائماً للمواجهة باستخدام اللقاحات، وإجراءات الوقاية الأخرى من التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات».
ويضيف أن «ظهور متحورات جديدة من الفيروس لا يقلق؛ لأنه على ما يبدو سيكون ذلك وضعاً دائماً ومستمراً في الخريف والشتاء، مثل الإنفلونزا»، مؤكداً أن «التطعيم والإجراءات الوقائية سيوفران حماية من المرض الشديد في حالة الإصابة».
بينما عبر مسؤولو مكتب إقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية عن قلقهم بشأن «الإحجام عن اللقاحات بالإقليم، وهو ما قد يزيد من صعوبة مواجهة موجة الفيروس القادمة»، وحتى الآن لم يحصل سوى 46 في المائة فقط من الأشخاص في الإقليم على التطعيم كاملاً، بإجمالي جرعات وصل إلى 790 مليون جرعة.
وقال إيفان هيوتن، مدير قسم الأمراض السارية بالمكتب الإقليمي في المؤتمر الصحافي الذي نظمه المكتب الإقليمي الثلاثاء الماضي: «من الأخبار السارة في عام 2022 أن دول الإقليم لديها من اللقاحات ما يكفي لتحقيق الهدف الذي أعلنته المنظمة بتطعيم 70 في المائة من السكان؛ لكن الخبر السيئ هو أنه لا يوجد إقبال كافٍ من المواطنين على التطعيم».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.