جيورجيا ميلوني... الوجه الأنثوي لقوى الفاشية الجديدة في إيطاليا

الاستطلاعات ترشحها لتغدو أول رئيسة وزراء في تاريخ البلاد

جيورجيا ميلوني... الوجه الأنثوي لقوى الفاشية الجديدة في إيطاليا
TT

جيورجيا ميلوني... الوجه الأنثوي لقوى الفاشية الجديدة في إيطاليا

جيورجيا ميلوني... الوجه الأنثوي لقوى الفاشية الجديدة في إيطاليا

أواخر الشهر المقبل يذهب الإيطاليون إلى الانتخابات العامة المسبقة التي فرضها سقوط «حكومة الإنقاذ» برئاسة ماريو دراغي. وكانت الحكومة قد سقطت بعد فشل الأحزاب البرلمانية - للمرة الرابعة على التوالي - في الاتفاق على رئيس خارج من صناديق الاقتراع، وبعدما عادت النزعات الانتقامية والحسابات الضيّقة وشهوة المكائد المتأصلة في الحمض النووي للسياسة الإيطالية لتحدد معادلة التوازنات في أقل البلدان الأوروبية استقراراً وأكثرها اندفاعاً إلى شفير الأزمات الحكومية. إلا أن هذه الأزمة التي تعيشها إيطاليا منذ مطالع الصيف تختلف عن سابقاتها من حيث إن الانتخابات المقبلة تكاد تكون نتائجها محسومة لصالح ائتلاف القوى اليمينية التي يقودها اليوم حزب «إخوان إيطاليا»، وزعيمته جيورجيا ميلوني. وهي سياسية تدرّجت في مناصب قيادية لفلول الحركة الفاشية، وتجمع استطلاعات الرأي على فوزها وتوليها رئاسة حكومة إيطاليا، القوة الاقتصادية الثالثة في الاتحاد الأوروبي، وهو الذي يشهد منذ سنوات تنامياً واسعاً وسريعاً للقوى والأحزاب اليمينية المتطرفة.
في العام 1996 كانت جيورجيا ميلوني في التاسعة عشرة من عمرها ومسؤولة عن الدائرة الطلابية في حزب «الحلف القومي»، الوريث المباشر لـ«الحركة الاجتماعية الإيطالية» التي قامت على أنقاض الحزب الفاشي المحظور. ويومذاك أدلت ميلوني بالتصريح التالي إلى القناة الثالثة في التلفزيون الفرنسي: «أعتقد أن بينيتو موسوليني كان سياسياً جيّداً، لأن كل ما فعله كان لمصلحة إيطاليا التي لم تعرف سياسياً مثله طوال العقود الخمسة المنصرمة».
ومع انطلاق الحملة الانتخابية الراهنة، بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تتداول الشريط المصوّر لهذا التصريح، في حين كانت ميلوني تجهد لترويج صورتها كزعيمة سياسية أوروبية جاهزة لتولّي الحكم مُطهّرة من أدران الموروث الفاشي. وبالفعل، سارعت زعيمة «إخوان إيطاليا» إلى توزيع شريط مصوّر على وسائل الإعلام الأجنبية، تقول فيه: «منذ أيام، أقرأ مقالات في الصحافة الأجنبية عن الانتخابات العامة المقبلة في إيطاليا، تصفني كخطر على النظام الديمقراطي، وعلى الاستقرار الإيطالي والأوروبي والدولي. إن اليمين الإيطالي طوى صفحة الفاشية منذ عقود، وأدان بلا غموض قمع الحريات والقوانين البغيضة المناهضة للسامية». لكنها رفضت التجاوب مع نداءات القوى السياسية الأخرى التي طلبت منها إزالة شعار الشعلة الفاشي من راية الحزب، قائلة: «الشعلة في شعار الحزب لا علاقة لها بالفاشية، بل هي التعبير عن المسار الذي قطعه اليمين الديمقراطي في تاريخ الجمهورية الإيطالية، ونحن فخورون بذلك».
- سيرة شخصية
ولدت جيورجيا ميلوني في العاصمة الإيطالية روما عام 1977 من أبوين هاجرا إلى العاصمة الإيطالية من جزيرتي سردينيا وصقلية. وقبل بلوغها الثانية عشرة، أصيبت بأول صدمة كبيرة في حياتها، عندما هجر والدها المنزل، وانقطعت أخباره نهائياً عن العائلة. وترك ذلك الحدث أثراً عميقاً لديها، قالت عنه في إحدى المقابلات أخيراً: «الأب الذي ليس موجوداً، ويختفي من حياتك بين ليلة وضحاها، أب لا يحبك، بل يرفضك. إنه جرح أعمق من الجرح الذي تتركه وفاته».
انخرطت جيورجيا في النشاط السياسي، وهي ما زالت في الخامسة عشرة، عندما التحقت بـ«جبهة الشباب» التابعة لـ«الحركة الاجتماعية الإيطالية» التي تعد الوريث الشرعي المباشر للحزب القومي الفاشي الذي أسسه بينيتو موسوليني. ومن ثم، تدرجت بسرعة في «الحركة» لتصبح المسؤولة عن «الدائرة الطلابية» (وهي تحمل شهادة ثانوية في اللغات). وهي تنظيم كان يضمّ «الفاشيين الجدد» الذين شارك كثير منهم في العمليات الإرهابية التي أوقعت عشرات القتلى في إيطاليا إبان الفترة التي يطلق عليها مسمى «سنوات الرصاص»، والتي شهدت أعمال عنف كثيرة على يد التنظيمات اليسارية المتطرفة، مثل «الألوية الحمر» والمنظمات اليمينية الفاشية.
عام 2006 أصبحت ميلوني أصغر مساعدة لنائب رئيس البرلمان الإيطالي. وبدأت تزاول نشاطها كصحافية، قبل أن تتولّى رئاسة قسم الشباب في حزب «شعب الحرية» الذي تشكّل من «الحلف القومي» الذي كانت تنتمي إليه، ومن حزب «فورتسا إيطاليا» اليميني، بزعامة سيلفيو برلوسكوني. وعندما فاز هذا الحزب في انتخابات العام 2008 انضمّت ميلوني إلى الحكومة الرابعة والأخيرة التي شكّلها برلوسكوني، لتغدو أصغر وزيرة في تاريخ الجمهورية الإيطالية، وهذا قبل أن تبدأ مسيرة الانشقاق عنه، وتنتقد سياساته وزعامته وتأييده للحكومة التي خلفته برئاسة ماريو مونتي.
- مسيرة مع التطرف
وعام 2012 أعلنت ميلوني، وزميلها إيغناسيو دي لا روسّا، الذي تولّى حقيبة الدفاع في حكومة برلوسكوني، الاستقالة من «شعب الحرية»، وقرّرا تأسيس حزب «إخوان إيطاليا»، وهو العنوان غير الرسمي للنشيد الوطني الإيطالي. ولكن في انتخابات العام 2014 لم ينل هذا الحزب سوى 2 في المائة من الأصوات و9 مقاعد في البرلمان. ونذكر هنا أن ميلوني كانت قد فازت ذلك العام بالانتخابات الأولية في الحزب الجديد الذي أصبحت رئيسة له.
بعد ذلك، عام 2016 ترشّحت لمنصب رئيس بلدية روما، إلا أنها خسرت بفارق كبير أمام منافستها مرشحة حركة «النجوم الخمس». وعندما سقطت حكومة جيوزيبي كونتي الثانية في العام 2021 رفضت ميلوني تأييد ترشيح ماريو دراغي لتشكيل حكومة جديدة شارك فيها جميع الأحزاب البرلمانية، بما فيها الأحزاب اليمينية، باستثناء «إخوان إيطاليا» الذي بقي وحده في المعارضة.
هذا الموقف أتاح لها التفرد بمعارضة حكومة دراغي وانتقاد التدابير الصارمة التي اتخذتها لمواجهة جائحة «كوفيد 19» بتوسيع دائرة شعبيتها في المناطق الجنوبية المحافظة من البلاد. ولكن بعدما بدأت أخذت أسهم ميلوني ترتفع في استطلاعات الرأي خففت هذه الحركية المحنكة من انتقاداتها لمؤسسات الاتحاد الأوروبي وسياساتها، وجنحت نحو مواقف أقل تشدداً من المهاجرين إلى أن تقدم حزبها على حزب «الرابطة» منافسه الرئيس في الجبهة اليمينية المتطرفة. وفي ربيع العام الماضي، نشرت مذكراتها التي سرعان ما أصبحت الكتاب الأكثر مبيعاً في إيطاليا حتى ربيع السنة الجارية.
- زعيمة خارج المألوف
يقول أحد الصحافيين الذي يتابع مسيرة ميلوني عن كثب منذ سنوات: «صورة زعيمة (إخوان إيطاليا) تعجب الناس، لأنها تخرج عن المألوف بين زعماء الأحزاب اليمينية المتطرفة، الذين ينتمون عادة إلى الطبقة الميسورة التي تخشى فقدان مزاياها الاجتماعية والاقتصادية، أو إلى الجماعات العنيفة والخطرة. فهي محازبة شابة، ولدت وتعيش في أحد الأحياء الشعبية في العاصمة، اضطرت للعمل وهي في سن المراهقة كي تدفع تكاليف دراستها... وهي تخاطب أنصارها دائماً من هذا الموقع وهذه السيرة التي غالباً ما تشير إليها وتعتز بها». وهنا، يقال إنها هي التي أقنعت برلوسكوني بالتخلي عن تأييده لحكومة ماريو دراغي والقبول بها زعيمة للتحالف اليميني، مقابل إيصاله إلى رئاسة مجلس الشيوخ بعد الانتخابات المقبلة.
آخر الاستطلاعات التي صدرت نتائجها يوم الأربعاء الفائت أن شعبية «إخوان إيطاليا» تتجاوز 23 في المائة، أي 20 نقطة أكثر من النتيجة التي حصل عليها هذا الحزب في انتخابات العام 2018. ويكاد هذا الارتفاع يوازي انخفاض شعبية حزب «الرابطة» الذي نال 34 في المائة في الانتخابات الأوروبية، لتنحدر الآن إلى ما دون 15 في المائة. لكن هذا التأرجح المستمر بين شعبية ميلوني وشعبية منافسها اليميني ماتّيو سالفيني زعيم «الرابطة» وفقاً لمعادلة الأوعية المتصلة، يطرح مشكلة داخل المشهد اليميني المتطرف الذي يتنازع كلاهما زعامته على الصعيدين الإيطالي والأوروبي. إذ يتحالف سالفيني مع الفرنسية مارين لوبان، والهولندي خيرت فيلدرز، وحزب الحرية النمساوي، بينما ترأس ميلوني حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين. وإذا كان الزعيمان يتوافقان على انتقاد المؤسسات الأوروبية ومناهضة الهجرة وتشديد التدابير الأمنية، فهما ينطلقان من مشارب عقائدية وقواعد شعبية مختلفة. ذلك أن «الرابطة» نشأت كحركة انفصالية في كنف المراكز الاقتصادية والصناعية النافذة في شمال إيطاليا، بينما «إخوان إيطاليا» تشكّل كحزب مركزي على قاعدة القوى العمالية والشعبية التي تخلّت عنها أو ابتعدت عنها الأحزاب اليسارية والتقدمية.
وكان لافتاً أن جيورجيا ميلوني اختارت يوم الأول من مايو (أيار)، الذي يصادف «عيد العمّال» العالمي لإعلان برنامجها السياسي في ميلانو، معقل النفوذ المالي والصناعي في الشمال، والمحرك الاقتصادي لإيطاليا، وأيضاً مسقط رأس حليفيها في الائتلاف اليميني ماتيو سالفيني وسيلفيو برلوسكوني.
أدركت زعيمة «إخوان إيطاليا» أن حظوظها معدومة في الوصول إلى رئاسة الحكومة بعد انتخابات الشهر المقبل، على الأقل طالما أن سرجيو ماتّاريلّا في موقع رئاسة الجمهورية، ما لم تتمكن من توسيع دائرتها الشعبية في اتجاه مقاطعات الشمال وما تمثله من ثقل اقتصادي ومالي. وحقاً، عمدت ميلوني في الأيام الأخيرة إلى تسريب بعض أسماء التشكيلة الوزارية التي قيل إنها وضعتها تأهباً لفوزها في الانتخابات المقبلة، وبينها بعض الشخصيات الاقتصادية والمالية النافذة في الشمال، التي سبق أن تولّت حقائب وزارية أو مناصب رفيعة في عدد من الحكومات اليمينية أو الوسطية السابقة.
- نبض الشارع
النبض العام في الشارع الإيطالي يبدو الآن مستوعباً فكرة أن تغدو ميلوني أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في إيطاليا، غير أن زعيمة «إخوان إيطاليا» تقول إنها ليست خائفة، بل تتساءل: «هل هذا البلد مستعد لتحديد الأسباب التي تدفع وسائل الإعلام كل يوم للحديث عن حزبنا كما لو أنه وحش، في الوقت الذي تشير كل الاستطلاعات إلى أنه يحظى بتأييد 25 في المائة من الإيطاليين؟». وفي المقابل، شنّت ميلوني يوم الثلاثاء الماضي في خطاب لها هجوماً مركزاً على الاتحاد الأوروبي و«صلاحياته المفرطة»، والعولمة الاقتصادية والمالية، والهجرة، والقيود المفروضة لمكافحة «كوفيد 19».
عندما تقول ميلوني إنها «ليست خائفة» فهي تدرك جيداً أن وصولها إلى رئاسة الحكومة سيلقى معارضة شديدة من المؤسسات الأوروبية، وفي أحسن الأحوال سيخضع لتدقيق صارم من أجهزة الرقابة المالية في الاتحاد، ولا سيّما أن برنامجها الاقتصادي، الذي لم يعلن صيغته النهائية بعد، يستهدف خفض الضرائب على جميع القطاعات المهنية المستقلة والعمال والمتقاعدين بنسبة تؤدي إلى تراجع دخل المالية العامة بما يزيد عن 40 مليار يورو. وهو ما يعادل 2 في المائة من الناتج القومي الإيطالي. الأمر الذي يجعل من الصعب جداً خفض الدين العام، الذي يبلغ 147 في المائة من إجمالي الناتج القومي.
يضاف إلى ذلك أن الائتلاف اليميني يعتزم تعديل الخطة الاستثمارية المموّلة من صندوق الإنعاش الأوروبي بمقدار 200 مليار يورو. الأمر الذي يقتضي موافقة بروكسل والشركاء الأوروبيين. وكانت ميلوني قد قالت مراراً إنها تؤيد زيادة حضور القطاع العام في المؤسسات الاستراتيجية، منتقدة بشدة القرارات التي اتخذتها الحكومات السابقة، بإيعاز من المفوضية الأوروبية، بخصخصة مؤسسات مثل شركة الطيران الوطنية «أليطاليا» ومصرف «باسكي دي سيينا».
في ضوء كل ذلك، يبقى السؤال الكبير مطروحاً في إيطاليا؛ هل ستتمكن ميلوني من تشكيل حكومة، إذا فازت أواخر الشهر المقبل في الانتخابات العامة؟
إذا تمكن الائتلاف اليميني من تحقيق فوز واضح، وحصلت ميلوني على 30 في المائة من الأصوات، لن يكون هناك مجال لعرقلة وصولها إلى رئاسة الحكومة. ولن يستطيع رئيس الجمهورية رفض تكليفها. لكن إذا ارتفعت خدمة الدين الإيطالي العام فجأة وتلبّد مشهد النمو الاقتصادي بالشكوك والتساؤلات، سيبقى أمام رئيس الجمهورية هامش دستوري للمناورة، وربما اللجوء مرة أخرى إلى تكليف شخصية من خارج البرلمان.


مقالات ذات صلة

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

أصبح برنامج «تشات جي بي تي» الشهير الذي طورته شركة الذكاء الاصطناعي «أوبن إيه آي» متاحا مجددا في إيطاليا بعد علاج المخاوف الخاصة بالخصوصية. وقالت هيئة حماية البيانات المعروفة باسم «جارانتي»، في بيان، إن شركة «أوبن إيه آي» أعادت تشغيل خدمتها في إيطاليا «بتحسين الشفافية وحقوق المستخدمين الأوروبيين». وأضافت: «(أوبن إيه آي) تمتثل الآن لعدد من الشروط التي طالبت بها الهيئة من أجل رفع الحظر الذي فرضته عليها في أواخر مارس (آذار) الماضي».

«الشرق الأوسط» (روما)
العالم إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

في الخامس والعشرين من أبريل (نيسان) من كل عام تحتفل إيطاليا بـ«عيد التحرير» من النازية والفاشية عام 1945، أي عيد النصر الذي أحرزه الحلفاء على الجيش النازي المحتلّ، وانتصار المقاومة الوطنية على الحركة الفاشية، لتستحضر مسيرة استعادة النظام الديمقراطي والمؤسسات التي أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم. يقوم الدستور الإيطالي على المبادئ التي نشأت من الحاجة لمنع العودة إلى الأوضاع السياسية التي ساهمت في ظهور الحركة الفاشية، لكن هذا العيد الوطني لم يكن أبداً من مزاج اليمين الإيطالي، حتى أن سيلفيو برلوسكوني كان دائماً يتغيّب عن الاحتفالات الرسمية بمناسبته، ويتحاشى المشاركة فيها عندما كان رئيساً للحكومة.

شوقي الريّس (روما)
شمال افريقيا تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

أعلنت الحكومة المصرية عن عزمها تعزيز التعاون مع إيطاليا في مجال الاستثمار الزراعي؛ ما يساهم في «سد فجوة الاستيراد، وتحقيق الأمن الغذائي»، بحسب إفادة رسمية اليوم (الأربعاء). وقال السفير نادر سعد، المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء المصري، إن السفير الإيطالي في القاهرة ميكيلي كواروني أشار خلال لقائه والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، (الأربعاء) إلى أن «إحدى أكبر الشركات الإيطالية العاملة في المجال الزراعي لديها خطة للاستثمار في مصر؛ تتضمن المرحلة الأولى منها زراعة نحو 10 آلاف فدان من المحاصيل الاستراتيجية التي تحتاج إليها مصر، بما يسهم في سد فجوة الاستيراد وتحقيق الأمن الغذائي». وأ

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.