الأسئلة القلقة حول مصير الأقليات.. في مرحلة ما بعد الأسد

3 «سيناريوهات» مختلفة للمستقبل السوري

الأسئلة القلقة حول مصير الأقليات.. في مرحلة ما بعد الأسد
TT

الأسئلة القلقة حول مصير الأقليات.. في مرحلة ما بعد الأسد

الأسئلة القلقة حول مصير الأقليات.. في مرحلة ما بعد الأسد

مع توسّع سيطرة المعارضة السورية على معظم مناطق محافظة إدلب بما فيها مدينة جسر الشغور ومدينة أريحا، ثم الاعتداء الذي ارتكبه مسلحو «جبهة النصرة» بقرية درزية في ريف المحافظة، وكذلك بعد إنجازات المعارضة في حوران (بجنوب سوريا)، دبّ الخوف في قلوب أهل اللاذقية، وهم بأغلبيتهم من الطائفة العلوية التي يتحدر منها رئيس النظام السوري بشار الأسد، متخوّفين من ردة فعل عنيفة ودموية من مقاتلي فصائل المعارضة جراء حملات القمع التي نفذها النظام، سواء ضد المقاتلين أو المدنيين على حد سواء. إلا أنه وإن كان من أي فرصة لبقاء سوريا على قيد الحياة كدولة موحدة، فلا بد من إعطاء ضمانات للعلويين وكذلك للأقليات الأخرى لتسهيل التوصل إلى حل سياسي، احتمالٌ يصبح يومًا بعد يوم بعيد المنال.

في مقابلة نشرت على موقع «سيريا ديبلي» Syria Deeply، اعترف أمجد، وهو من اللاذقية، بأن سكان المدينة الساحلية يشعرون بالخوف من النجاحات التي يحققها «جيش الفتح» في المحافظات الشمالية من سوريا.
ومع تحول الحرب إلى صراع طائفي بين النظام المدعوم من العلويين والميليشيات الشيعية الأجنبية من جهة، وبين مقاتلي المعارضة، وجلهم من السنة، من جهة أخرى، زادت أعداد القتلى من المدنيين من كلا الطرفين وسط انتشار عمليات الاغتصاب والنهب وقطع الرؤوس والحرق.
أضف إلى ذلك أن الفظائع التي ارتكبها نظام الرئيس السوري بشار الأسد بدّدت أي أمل في تحقيق انتقال سلمي للسلطة. وفي هذا الشأن يشير آرون لوند، رئيس تحرير «سوريا في الأزمة»، وهو موقع تابع لمؤسسة كارنيغي للأبحاث، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى «أن المشاعر المعادية للعلويين التي تسيطر على معظم المقاتلين تنبع من وحشية الحرب والتفجيرات المستمرة وقصف المدن السنّية من قوات بشار الأسد. يجب ألا ننسى أن معظم القتلى واللاجئين في سوريا هم في الواقع من المناطق السنّية، وبالطبع هذا يؤدي إلى رد فعل شعبي وشعور بالكراهية ودعوات إلى الانتقام (ضد العلويين) - هذا أمر يحدث في كل حرب، للأسف. لكن، على عكس المقاتلين العاديين، فإن الإسلاميين داخل صفوف الثوار لديهم أهداف أخرى تحرّكها دوافع دينية بحتة». وبالتالي، يعتقد الخبير أن عددا من الأصوليين الذين يهيمنون على «جيش الفتح»، «يبدون عازمين على تدمير العلويين لأسباب دينية».
كذلك تصر جماعات متشدّدة مثل «جبهة النصرة»، على أنه يجب على العلويين التخلي عن اعتقاداتهم الدينية لكي يتلقوا المعاملة التي يحظى بها باقي المواطنين العاديين. وحقًا، صرح أبو محمد الجولاني، قائد «جبهة النصرة»، في مقابلة تلفزيونية بثت أخيرًا على قناة «الجزيرة» الإخبارية بـ«أن العلويين كانوا جزءا من الطائفة التي تحرّكت خارج دين الله والإسلام». كما دعا عبد الله المحيسني، المقرب من «جبهة النصرة» ومن «القاعدة» والذي كان جزءا من الهيئة الشرعية في جيش الفاتح، لإبادة العلويين، وفق لوند.
من ناحية ثانية، يعبِّر البروفسور الأميركي جوشوا لانديس، الخبير بالشؤون السورية والمتزوج من سيدة سورية علوية، أيضا عن الخطر الذي يهدد العلويين خلال حديث أدلى به إلى «الشرق الأوسط»، معتبرا أن الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي الذين تخلوا عن سوريا لن يستطيعوا حماية العلويين، «فكل من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يهتم في المقام الأول باحتواء العنف في سوريا»، متوقّعا ثلاثة سيناريوهات محتملة لإنهاء الأزمة.
يتمثل الخيار الأول في تشكيل دولة يقودها السنّة من شأنها أن تتسلم الحكم بعد سقوط بشار الأسد، بقيادة «الإسلاميين»، وهنا لن يترك أي مجال للعلويين والمسيحيين والأقلية الدرزية. وفي حال عدم إدراج الأقليات أو ضمان مشاركتهم بصورة فاعلة، فإن مثل هذه الدولة لا شك ستقوم برد فعل على الفظائع التي ارتكبها الأسد وتوجه انتقامها نحو الطائفة العلوية التي تعتبر عنصرا أساسيا في المذابح التي ارتكبها النظام. وستحرص هذه التركيبة الجديدة على تطهير الإدارات والجهاز الأمني من الموالين للأسد السابقين، ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من أعمال الاضطهاد وتفكيك مؤسسات الدولة في مرحلة ما بعد الأسد، مع تكرار سوريا أخطاء عراق ما بعد صدام وما بعد القذافي في ليبيا.
احتمال آخر، وفق لانديس، يقوم على ضمان بقاء الدولة السورية وحماية الأقليات فيها كالعلويين، عبر التوصل إلى اتفاق، على غرار «اتفاق الطائف» اللبناني الذي يقسم السلطة ويوزعها بين الطوائف، غير أن هكذا خيار لا يمكن أن يتبلور إلا برعاية قوى إقليمية. وبالطبع، يحتاج هذا الخيار أولا إلى تدمير «داعش»، وثانيا إلى أن تسير «جبهة النصرة» مع التيار السائد، وهو أمر يصعب تحقيقه، بحسب لوند، الذي يرى «أن (النصرة) تحاول التقرّب ممن تبقى من المتمردين لتجنب العزلة، وهي تنأى بنفسها عن الممارسات المتطرفة التي ينفذها (داعش). ولكن هذا لا يعني أبدا أن قيادة (النصرة) تخلت عن آيديولوجيتها التي تدعو إلى إخضاع الأقليات، ومنع النشاط الديمقراطي ومهاجمة الدول العربية، كما الغربية. وبطبيعة الحال، فإن الكثير من المقاتلين لن تجذبهم هذه الأهداف الجديدة، وقد يتخلون عن الجماعة إذا سارت في هذا الاتجاه». أما للتوصل إلى اتفاق سياسي على غرار «اتفاق الطائف»، فعلى المجتمع الدولي التحرك والقيام بما يتعدى الدعوات إلى المصالحة وإشراك الأقليات السورية. فالأقليات، وبخاصة العلويون، يحتاجون إلى ضمانات أمنية وإذا لزم الأمر، إلى قوة دولية لحفظ السلام، ما سيصعب على المجتمع الدولي تأمينه.
أضف إلى ذلك أن المعارضة السورية بحاجة إلى التوصل إلى تفاهم وإعادة هيكلة تدريجية وأكثر واقعية لمؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية، لتجنّب تجربة العراق، حيث أدى إبعاد حزب البعث إلى انهيار الأمن. ويرى لانديس، هنا، أن هذه الإمكانية تبقى أيضا بعيدة المنال، شارحًا أنه لاستمرار الدولة السورية ككل يجب أن تكون هناك «قوة احتلال» مثل ما حدث في العراق (مع الاحتلال الأميركي) أو في لبنان (مع الاحتلال السوري)».
والاحتمال الأخير الذي يرى لانديس أنه على الأرجح سيجري اعتماده يقوم على إنشاء «تجمّع علوي». وعلى الرغم من أن هذا السيناريو قد يكون الخيار الأفضل للطائفة العلوية، فإنه خيار كارثي إذا ما أخذنا في الاعتبار بقاء الدولة السورية على المدى البعيد، «فهذا يعني انسحاب النظام إلى المناطق الساحلية التي يسيطر عليها العلويون مع إبقاء السيطرة على العاصمة دمشق»، وفق لانديس. ويتابع الخبير الأميركي فيقول: «إن إيران تحبذ هذه الاستراتيجية بما أنها تريد أن تحافظ على ما تعتبره (مناطق سورية حيوية) تشمل المدن الساحلية والمدن الكبرى على غرار دمشق». وفي هذا السياق أوردت صحيفة «الديلي ستار»، اللبنانية الصادرة باللغة الإنجليزية، أن إيران أرسلت 15 ألف مقاتل إلى سوريا محاولة التعويض عن الخسائر الأخيرة التي لحقت بقوات النظام، وهي تسعى إلى رؤية نتائج ملموسة لدعمها هذا بحلول نهاية الشهر، وفق ما كشف للصحيفة مصدر سياسي لبناني. وحسب المصدر فإن الميليشيات التي تتألف من الإيرانيين والعراقيين والأفغان وصلت إلى منطقة دمشق وإلى محافظة اللاذقية الساحلية.. كما أن الجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، كان في اللاذقية هذا الأسبوع لدعم الاستعدادات للحملة الجديدة، وفق المصدر نفسه. مع ذلك، فإن محاولة تأمين «دولة علوية» ستؤدي لا محالة إلى تهجير قسري وحتى تطهير عرقي. ومحاولات الانفصال العلوية لضمان بقائها، ستؤدي إلى نوع جديد من الحرب العرقية مشابهة لـ«حرب البوسنة» الطائفية، حرب يبدو أنها قد بدأت بالفعل مع المزيد من القصف بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية التي أطلقها الأسد ضد المدنيين في المناطق المتنازع عليها.
أخيرًا، ومن أجل بقاء الدولة ككل، على المعارضة السورية أن توضح كيف تعتزم حماية العلويين والأقليات الأخرى بعد سقوط بشار الأسد من أجل بناء دولة مستقبلية من شأنها أن تشمل جميع الجماعات الدينية في سوريا. ولكن في خضم المعارك الضارية الحالية على الأرض، لأسباب معروفة جيدا، يبدو أن هذه المهمة ستكون صعبة جدًا على المعارضة السورية المتشرذمة أصلا، وصعبة أكثر على المجتمع الإقليمي الذي يشهد على نحو متزايد استقطابا على أسس دينية.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟