بدور القاسمي: لا بد من تعلم المهارات الحديثة وتنشيط ترجمة الكتاب العربي

رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين تتحدث لـ {الشرق الأوسط} عن واقع النشر وآفاقه عربياً وعالمياً

الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين (تصوير: إيفانا ماجليوني)
الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين (تصوير: إيفانا ماجليوني)
TT

بدور القاسمي: لا بد من تعلم المهارات الحديثة وتنشيط ترجمة الكتاب العربي

الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين (تصوير: إيفانا ماجليوني)
الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين (تصوير: إيفانا ماجليوني)

ترأس الشيخة بدور القاسمي الاتحاد الدولي للناشرين، وهي الرئيسة التنفيذية والمؤسسة لـ«مجموعة كلمات»، التي من أهدافها «التأكيد على أهمية الكتاب، وغرس حب المعرفة والقراءة لدى الأجيال الجديدة من الأطفال واليافعين»، كما قادت من خلال هذه المؤسسة عدداً من الحملات لتوفير آلاف الكتب للأطفال اللاجئين والمتأثرين بالحروب والصراعات والصعوبات في جميع أنحاء العالم.
في إطار رؤيتها تجاه قطاع النشر، أطلقت سلسلة من المبادرات، كان أبرزها تأسيس «PublishHer» في عام 2019 كـ«مبادرة للتواصل والتفاعل لتعزيز دور المرأة في المناصب القيادية لصناعة النشر». وأطلق الاتحاد الدولي للناشرين خلال فترة رئاستها مبادرة «الصندوق الأفريقي للابتكار في النشر» بالتعاون مع «دبي العطاء» لدعم المشروعات التي تهدف لتعزيز التنمية المستدامة والتعليم والنشر في القارة الأفريقية. ومن المبادرات الأخيرة، تأسيس «أكاديمية الاتحاد الدولي للناشرين» في مارس (آذار) 2022 بالتعاون مع «مركز النشر» التابع لكلية الدراسات المهنية في جامعة نيويورك بالولايات المتحدة، و«مركز أكسفورد العالمي للنشر»، و«المركز التدريبي للنشر» في المملكة المتحدة.
هنا حوار معها عن واقع النشر العربي والدولي وآفاقه المستقبلية، والتطورات التقنية المتسارعة وما تحدثه من تحولات نوعية في ثقافة العمل والحياة، ومدى استفادة قطاعات النشر من ذلك، ومنها قطاع النشر العربي...

> تؤكدين دائماً أنك مطمئنة على مستقبل النشر، ما أسباب هذا الاطمئنان؟
- دعونا في البداية أن نعرف ونوصّف النشر، كيف نشأ؟ ولأي غاية؟ وما هي محركات نموه الذاتية والموضوعية؟ بالتحليل البسيط نستطيع القول إن الإنسان اخترع النشر ليوثق تجاربه الفردية والمجتمعية، ولكي يحفظ معارفه التي يكتسبها من علاقاته بكل مكونات الحياة، وأيضاً لكي يجد وسيلة يعبر بواسطتها عن إبداعه ومشاعره، ويخاطب من خلالها الآخرين ويتواصل معهم ويوثق علاقاته بهم. والنشر توثيق للذاكرة الإنسانية وتعميمها وأداة لتتناقلها الأجيال، فالبشرية ستعاني كثيراً من دون ذاكرة موثقة، لأنها ستكون بحاجة لمواجهة التجارب من دون خبرة وكأنها تخوضها في كل مرة للمرة الأولى.
استعان البشر قبل النشر برواية الحكاية شفهياً، ثم جاء الورق البدائي، وباختراع الطباعة أصبح الوجدان البشري أكثر تقارباً وتكاملاً، وأصبح للتعليم أدواته ووسائله التي تستند لتجربة تاريخية طويلة، وبشكل عام أصبح النشر مساهماً أساسياً في تحفيز العلم والإبداع وتطوير الأعمال والارتقاء بشكل الوجود الإنساني.
ومع تطور التقنيات، دخلنا مرحلة متقدمة من النشر، فقد أصبح الوصول للكتاب أكثر سهولة، ويمكن تحقيقه عبر الهاتف المحمول أو الجهاز اللّوحي؛ ومن ليس لديه وقت كافٍ للجلوس في المكتبة أو البيت للقراءة، بات بإمكانه الاستفادة من الكتب المسموعة، هذه السهولة أدت إلى زيادة نسبة القراء وارتفاع ساعات القراءة، ورسخت محبة المعرفة لدى الناس، فلا يوجد كتاب في العالم لا يمكن الوصول إليه من أي مكان، حتى محبو الكتب الورقية بإمكانهم الحصول عليها بسهولة من خلال طلبها من على منصات البيع الإلكترونية.
على صعيد آخر، صرنا نشهد تنامياً في أهمية المعرفة العامة والمتخصصة في جميع القطاعات ومختلف المستويات، الأعمال اليوم تعتمد على المواهب والأفكار الإبداعية أكثر من اعتمادها على الموارد التقليدية، وهذه الحالة أكدت أهمية القراءة لتحقيق النجاح الفردي والمؤسساتي والاجتماعي بشكل عام، فمهما كان تخصص الفرد هناك كتب تتناول هذا التخصص، وتضيف كثيراً من المهارات والأفكار للقراء، فالقراءة والمعرفة تخلق الرواد والمبدعين، ونحن في زمن الريادة، وأتذكر هنا كلام «فولتير» عندما سُئِلَ من سيقود الجنس البشري أجاب: «الذين يعرفون كيف يقرؤون».
إن التطورات المتسارعة وما تحدثه من تحولات نوعية في ثقافة العمل والحياة بشكل عام تذهب لصالح قطاع النشر، في تقرير لموقع «The Business Research Company» من المتوقع أن ينمو حجم سوق النشر العالمي من 84.54 مليار دولار في عام 2021 إلى 89.25 مليار دولار في عام 2022، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 5.6 في المائة. والتقرير نفسه أشار إلى أنه من المتوقع أن يصل سوق النشر إلى 105.27 مليار دولار في عام 2026 بمعدل نمو سنوي مركب نسبته 4.2 في المائة، وهذا معدل يتفوق على كثير من القطاعات.
> لكن ما هي مساحة قطاع النشر العربي؟ وما التحديات الذي تواجه الناشرين العرب؟
- في البداية لا بد من التأكيد على حقيقة أن انفتاح الأسواق وتطور تقنيات التواصل ومنافذ البيع الإلكترونية، والكتاب الصوتي والإلكتروني، وما ترافق معها من تداخل في الأعمال، وتنقل للمهارات والشركات والمؤسسات بين القارات والدول، جميعها تؤسس بشكل تدريجي لمجتمع نشر عالمي موحد، ولن يكون مجتمع النشر العربي بمنأى عنه، وسيستفيد من كل مقومات النمو التي ذكرناها سابقاً.
كما تجب الإشارة إلى أن تجربة النشر العربي ثرية ومهمة جداً، نتيجة التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي رافقت مسار النشر وما أحدثته التطورات والتحولات على الرواية والشعر والقصة، ونمتلك في الوطن العربي أسماء ثقافية كبيرة نفخر ونعتز بها، وناشرين لهم بصمات واضحة على المشهد الثقافي العربي بشكل عام، وهذا يعني أن للقطاع تراثه وجذوره التي يمكن البناء عليها لتحقيق مزيد من التطور.
لكن من أجل ضمان التطور، لا بد من تحديد التحديات وحشد الجهود لمواجهتها، فخلال السنوات الماضية شهد مجتمع النشر العربي حراكاً نشطاً ونقاشات داخلية أدت إلى مزيد من التأكيد على دور مجتمع النشر في تحفيز الحالة الثقافية والإبداعية بشكل خاص، ودعم مساعي التنمية للمجتمعات العربية بشكل عام، من خلال تعزيز مساهمة القطاعات الإبداعية، وتفيد الدراسات أنه يشكل نسبة 10 في المائة من حجم مداخيل الدول المتقدمة.
ومن خلال أنشطتي وزياراتي رئيسةً للاتحاد الدولي للناشرين، التقيت بعدد كبير من الناشرين في السعودية والمغرب وتونس ومصر وغيرها من البلدان العربية، وكان المشترك في حواراتي معهم جميعاً هو الشغف بالعمل والابتكار وتطوير قطاع النشر وأدواته والاستثمار في المواهب المحلية وتشجيع المحتوى المحلي.
وفي المقابل، لمسنا قلقاً من التحديات التي تواجههم، وبشكل خاص حماية الملكية الفكرية ومخاطر القرصنة الإلكترونية، وذلك في ظل تنامي النشر الرقمي، وتزايد قدرات القراصنة على اختراق مواقع النشر الرسمية ذات المصداقية. كل تقدم علمي يمكن أن تكون له سلبيات، لكننا على ثقة بإمكانية معالجتها والحد من آثارها بالعمل وفق خطط مستدامة ومتصاعدة، ولعل أول خطوة لمواجهة هذا التحدي هي تنفيذ حملات مكافحة القرصنة تشمل جميع الأطراف في عملية النشر بما فيها الجمهور، بل يجب التركيز على توعية وتثقيف الجمهور بمخاطر القرصنة واستعمال الكتب التي يتم الاستيلاء عليها بالطرق غير القانونية، وأنا على ثقة أن وعي الجمهور سيشكل سياجاً حصيناً يحمي الناشرين والمؤلفين وحقوقهم، فهذا القطاع وجد لخدمة المصالح العليا للمجتمعات ودعم المساعي نحو التنمية والازدهار والتقدم.
وتوجد حاجة أيضاً إلى سن مزيد من القوانين والتشريعات الصارمة، ويجب أن تكون تداعيات القرصنة وخيمة على من يخالفون القوانين والمواثيق، ويتعدون على حقوق المؤلف والناشر ويتجاوزن أنظمة الحفاظ على الملكية الفكرية، فمثلما استطاعت البلدان والحكومات أن تحد كثيراً من الجنح والجرائم بالقوانين والإجراءات الصارمة، يجب التعامل بحزم مع قضايا القرصنة.
ويضاف إلى ذلك أهمية رصد عمليات القرصنة وجمع البيانات اللازمة لتحسين وتطوير آليات النشر الإلكتروني الشرعية، وهذا يستوجب التعاون الجاد بين أصحاب المصلحة كافة ليكونوا عيون المعرفة وضميرها وحراسها.
في هذا السياق، يهمني أن أؤكد دائماً على حقيقة أن التحديات تقود التطور. فالتحديات تحثّنا على الاكتشاف والتطور وابتكار سبل جديدة للعمل، وهذا كان واضحاً خلال الجائحة، حيث أبدع الناشرون في كثير من البلدان مبادرات وفعاليات وآليات عمل للحفاظ على مكانة النشر ووظيفته، وكان «الاتحاد الدولي للناشرين» نموذجاً لإبداع الحلول والتكيف والتطور للتغلب على تحديات الجائحة، فكما شهدنا أطلق الاتحاد كثيراً من المبادرات في تلك المرحلة، مثل تقرير «من جهود التصدي للجائحة إلى التعافي منها»، هذا التقرير الذي كان بمثابة حشد لجميع آراء الناشرين وتصوراتهم للتعاون من أجل تخطي آثار الجائحة.
وبالإضافة إلى العمل على مواجهة التحديات، هناك حاجة ماسة لتعزيز ركيزتين أساسيتين، الأولى هي تعلم المهارات الحديثة، التي تشمل استخدام الأدوات الرقمية في الإنتاج والتسويق وبناء الشراكات، أما الثانية فهي تنشيط حركة الترجمة من العربية للغات الأخرى، لإيصال الكتاب العربي إلى المجتمعات الأخرى باختلاف ثقافاتها ولغاتها.
إن الترجمة هي نوافذ الثقافة والمعرفة والوجدان المفتوحة على فضاء العالم، وهي ليست فقط لرفع مبيعات الكتب المحلية في الأسواق العالمية، لكنها تخدم أيضاً مساعي العالم نحو الاستقرار والتفهم للاختلاف والتعاون على مواجهة التحديات المشتركة، لهذا لا يمكن لنا أن نرى قطاع النشر من دون حركة ترجمة نشطة وذات حرفية عالية. الأمر الذي يتطلب من المجتمع الثقافي العربي والمؤسسات الرسمية التعاون من أجل تنظيم حركة ترجمة مستدامة، لها استراتيجيتها ورؤيتها التي تتمحور حول ترسيخ الثقافة العربية وقيمها ومبادئها في ساحة المعرفة العالمية.
ومن أجل أن تؤدي الترجمة وظيفتها بشكل مستدام، لا بد من توفير قاعدة بيانات حول الإصدارات الجديدة ومحتواها وتخصصها وكافة المعلومات المطلوبة عنها، كذلك يجب ترسيخ العلاقة بين الناشرين والمترجمين وتنظيم العلاقة بينهما بحيث يصبح التواصل والتنسيق مستداماً، كل ذلك إلى جانب بناء الشراكات الدولية والتعرف على احتياجات الجمهور من مختلف الثقافات وفهم رغباته وميوله الفكرية.
> أعلنتم مؤخراً عن تأسيس وإطلاق «أكاديمية الاتحاد الدولي للناشرين»، ما هي الأفكار والدوافع التي أدت إلى ولادة هذا المنجز النوعي؟
- لقد شكلت السنتان الماضيتان نقطة تحول في مجتمع النشر، وبرزت الحاجة إلى مهارات جديدة تمنح الناشرين قوة ذاتية للاستمرار مهما اختلفت الظروف، وقد أكدت الأزمة الصحية العالمية حاجة الناشرين إلى تبني مزيد من المهارات التي لها علاقة بمنظومة النشر المتكاملة.
أسست هذه الحاجة البحث والنقاش داخل «الاتحاد الدولي للناشرين»، وبيني وبين أكثر من 150 من كبار المسؤولين والمديرين التنفيذيين في صناعة النشر في أكثر من 40 دولة يمثلون القطاعات والمجالات كافة التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالنشر، وتضمن ذلك دور النشر، والموزعين، والمؤلفين، والمعلمين، ومعارض الكتب، ودعاة الثقافة والمعرفة، ونشطاء حرية التعبير.
وخلصت هذه النقاشات إلى ضرورة تأسيس أداة تعليمية مستدامة، توفر الدعم المعرفي للناشرين وتطور مهاراتهم وتساعدهم على التكيف الإيجابي مع المتغيرات التي يشهدها القطاع، والقطاعات الأخرى، سواء أكانت ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية، فقد أردنا أن يكون لدى كل ناشر في العالم فرصة تطوير مهاراته في النشر والتسويق الإلكتروني والكتب الصوتية والميسرة، إلى جانب التعرف على مستجدات القطاع والاطلاع على التجارب وفهم رغبات القراء وميولهم.
كانت النتيجة من كل ذلك هي «أكاديمية الاتحاد الدولي للناشرين»، التي أعلنّا عنها في 7 مارس 2022 برعاية «هيئة الشارقة للكتاب»، وبالتعاون مع «مركز النشر» التابع لكلية الدراسات المهنية في جامعة نيويورك بالولايات المتحدة، و«مركز أكسفورد العالمي للنشر»، و«المركز التدريبي للنشر» في المملكة المتحدة.
وتوفر الأكاديمية، المتاحة لنحو 15 ألف ناشر من أعضاء الاتحاد، من أكثر من 70 دولة، مجموعة من الدورات والحوارات الافتراضية المجانية لأعضاء الاتحاد.
نحن نؤكد دوماً على أهمية التعلم مدى الحياة، إذا كان قطاع النشر هو قطاع للتعليم والتثقيف والتوعية، فيجب أن يبدأ بهذه المهمة داخلياً.
> تؤكدين دائماً على أهمية تمكين المرأة في قطاع النشر، كيف ترين مكانة المرأة في القطاع؟ وكيف يمكن تعزيزها لتصبح أكثر تأثيراً؟
- أنا أؤمن بأن دعم مساعي الأمم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتحقيق طموحات الشعوب في الاستقرار والازدهار، يحتاج إلى توفير عدة اشتراطات، في مقدمتها أن تستند عملية التنمية للمعرفة العلمية، وأن تمتلك رؤية إنسانية عامة، وهذا يعني أن قطاع النشر مساهم أساسي في توفير القاعدة المعرفية والرؤية الإنسانية المشتركة للعمل والإنتاج والتقدم.
أما الاشتراط الثاني فهو مساهمة المرأة بشكل كامل وشامل في التنمية، فنحن نتحدث هنا عن نحو نصف ما تمتلكه البشرية من طاقات وإبداعات ومواهب، والمرأة طاقة إبداع أثبتت كفاءتها في المجالات كافة، ولو نظرنا للبلدان التي تعاني من تباطؤ عملية التنمية، فسنجد أن مساهمة المرأة هناك محدودة وغير كافية. إلى جانب ذلك، فإن العمل والإنتاج والشراكة في بناء الحضارات هو حق إنساني طبيعي للجميع لا يجوز الانتقاص منه أو تحديده.
على هذه الرؤية، بنيت توجهاتي واستراتيجياتي في دعم تمكين المرأة داخل مجتمع النشر، وفي العام 2019 أعلنت عن إطلاق PublisHer، التي بدأت أعمالها قمة تجمع الناشرات والمختصات في شؤون المرأة والعمل والتنمية والثقافة من مختلف دول العالم لمشاركة الآراء حول تمكين المرأة في قطاع النشر على وجه الخصوص.
ثم بعد ذلك أدركت أننا بحاجة إلى منصة مستدامة للقيام بهذه المهمة، وأن عقد قمة مرة واحدة في السنة لا يكفي، فتحولت PublisHer إلى منصة تعمل على تعزيز التضامن، والتنوع، والعدالة، وتكافؤ الفرص، والمساواة في قطاع النشر، لتمكين الناشرات وإدماجهن في مجتمع النشر ومساعدتهن على تبادل الأفكار، وإبرام الشراكات، والمشاركة في المبادرات الجديدة التي تتناول سبل تعزيز التنوّع والاندماج والعدالة في صناعة النشر. قطاع النشر بوصفه مصدراً للمعرفة، ينبغي أن يكون نموذجاً للعدالة في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين، وأنا على ثقة بأن المرأة سترسخ مكانتها في هذا القطاع، كما حققت مكانتها كاتبة وأديبة وصاحبة دار نشر وغيرها من الوظائف التي تعتبر أساسية للقطاع بشكل عام.


مقالات ذات صلة

«فلسفة هيوم»... زيارة جديدة لأحد أهم مفكري القرن الثامن عشر

ثقافة وفنون «فلسفة هيوم»... زيارة جديدة لأحد أهم مفكري القرن الثامن عشر

«فلسفة هيوم»... زيارة جديدة لأحد أهم مفكري القرن الثامن عشر

عن دار «أقلام عربية» بالقاهرة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «فلسفة هيوم: بين الشك والاعتقاد» الذي ألفه الباحث والأكاديمي المصري د. محمد فتحي الشنيطي عام 1956

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

فرويد
فرويد
TT

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

فرويد
فرويد

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية: الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء. واسم العالم الإيطالي غاليليو؟ سرعة سقوط الأجسام واكتشاف أقمار كوكب المشترى وذلك باستخدام تلسكوب بدائي. واسم العالم الإنجليزي إسحق نيوتن؟ قانون الحركة. واسم عالم التاريخ الطبيعي الإنجليزي تشارلز دارون؟ نظرية التطور وأصل الأنواع عن طريق الانتخاب الطبيعي. واسم عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد؟ نظرية التحليل النفسي ودراسة اللاشعور. نحن إذن نعرف هؤلاء الرجال من خلال اكتشافاتهم أو اختراعاتهم العلمية. ولكن كيف كانوا في حياتهم الشخصية؟ ما الجوانب البشرية، بكل قوتها وضعفها، في شخصياتهم؟ أسئلة يجيب عنها كتاب صادر في 2024 عن دار نشر «بلومز برى كونتنام» في لندن عنوانه الكامل: «رسائل من أجل العصور: علماء عظماء. رسائل شخصية من أعظم العقول في العلم».

Letters for the Ages: Great Scientists. Personal Letters from the Greatest Minds in Science.

غلاف الكتاب

أشرف على تحرير الكتاب جيمز دريك James Drake، ويقع في 275 صفحة ويمتد من «الثورة الكوبرنطيقية» إلى نظرية «الانفجار الكبير» التي تحاول تفسير أصل الكون. أي من عالم الفلك البولندي نيقولا كوبرنيكوس في القرن السادس عشر، وقد أحدث ثورة علمية بإثباته أن الشمس تقع في مركز النظام الشمسي وأن الأرض وسائر الكواكب تدور حولها، وصولاً إلى عالم الطبيعة الإنجليزي ستيفن هوكنغ في القرن العشرين ونظرياته عن الدقائق الأولى من عمر الكون والانفجار الكبير والثقوب السوداء.

الكتاب مقسم إلى عشرة فصول تحمل هذه العناوين: الإلهام، النظرية، التجريب، المنافسة، الاختراق، الابتكار، خارج المعمل، العلم والدولة، العلم والمجتمع، على مائدة التشريح.

تسجل هذه الرسائل الصداقات والمنافسات التي حفلت بها حياة هؤلاء العلماء، دراما النجاح والإخفاق، ومضات الإلهام والشك، وكيف حققوا منجزاتهم العلمية: اللقاحات الطبية ضد الأوبئة والأمراض، اختراع التليفون، محركات السيارات والقطارات والطائرات، الأشعة السينية التي تخترق البدن، إلخ... وتكشف الرسائل عن سعي هؤلاء العلماء إلى فهم ظواهر الكون ورغبتهم المحرقة في المعرفة والاكتشاف والابتكار وما لاقوه في غمرة عملهم من صعوبات وإخفاقات وإحباطات، ولحظة الانتصار التي تعوض كل معاناة، ومعنى البحث عن الحقيقة.

مدام كيوري

إنهم رجال غيروا العالم أو بالأحرى غيروا فكرتنا عنه، إذ أحلوا الحقائق محل الأوهام وشقوا الطريق إلى مزيد من الاقتحامات الفكرية والوجدانية.

هذه رسالة من غاليليو إلى كبلر الفلكي الألماني (مؤرخة في 19 أغسطس 1610) وفيها يشكو غاليليو من تجاهل الناس – بمن فيهم العلماء - لنظرياته على الرغم من الأدلة التي قدمها على صحتها: «في بيزا وفلورنسا وبولونيا والبندقية وبادوا رأى كثيرون الكواكب ولكن الجميع يلزم الصمت حول المسألة ولا يستطيع أن يحزم أمره لأن العدد الأكبر لا يعترف بأن المشترى أو المريخ أو القمر كواكب. وأظن يا عزيزي كبلر أننا سنضحك من الغباء غير العادي للجموع. حقاً كما أن الثعابين تغمض أعينها فإن هؤلاء الرجال يغمضون أعينهم عن نور الحقيقة».

آينشتاين

وفي مطلع القرن العشرين أجرت ميري كوري – بالاشتراك مع زوجها جوليو كوري - أبحاثاً مهمة عن عنصر الراديوم. وقد كتب لها آينشتاين في 1911 يشد من عزمها ويعلن وقوفه بجانبها في وجه حملات ظالمة كانت قد تعرضت لها: «السيدة كوري التي أكن لها تقديراً عالياً... إنني مدفوع إلى أن أخبرك بمدى إعجابي بعقلك ونشاطك وأمانتك، وأعد نفسي محظوظاً إذ تعرفت على شخصك في بروكسل».

وفي أثناء الحرب العالمية الثانية كتب عالم الطبيعة الدنماركي نيلز بور إلى رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل (22 مايو 1944) عن التقدم الذي أحرزه بور وزملاؤه في صنع السلاح النووي: «الحق إن ما كان يمكن أن يعد منذ سنوات قليلة ماضية حلماً مغرقاً في الخيال قد غدا الآن يتحقق في معامل كبرى ومصانع إنتاج ضخمة بنيت سراً في أكثر بقاع الولايات المتحدة عزلة».

يونغ

وتبين الرسائل أن هؤلاء العلماء – على كل عظمتهم في ميادين تخصصهم - كانوا بشراً يخضعون لما يخضع له سائر البشر من عواطف الحب والكراهية والغيرة. فعالم الرياضيات الإنجليزي إسحق نيوتن، مثلاً، دخل في خصومة مريرة مع معاصره الفيلسوف الألماني لايبنتز حول: أيهما الأسبق إلى وضع قواعد حساب التفاضل والتكامل؟ وظل كل منهما حتى نهاية حياته يأبى أن يعترف للآخر بالسبق في هذا المجال.

وسيغموند فرويد دخل في مساجلة مع كارل غوستاف يونغ تلميذه السابق الذي اختلف معه فيما بعد وانشق على تعاليمه. وآذنت الرسائل المتبادلة بين هذين العالمين بقطع كل صلة شخصية بينهما. كتب يونغ إلى فرويد في 18 ديسمبر (كانوا الأول) 1912: «عزيزي البروفيسور فرويد: أود أن أوضح أن أسلوبك في معاملة تلاميذك كما لو كانوا مرضى خطأ. فأنت على هذا النحو تنتج إما أبناء أرقاء أو جراء (كلاباً صغيرة) وقحة. ليتك تتخلص من عقدك وتكف عن لعب دور الأب لأبنائك. وبدلاً من أن تبحث باستمرار عن نقاط ضعفهم، ليتك على سبيل التغيير تمعن النظر في نقاط ضعفك أنت».

تبين الرسائل أن هؤلاء العلماء ـــ على كل عظمتهم في ميادين تخصصهم ــ كانوا بشراً يخضعون لما يخضع له سائر البشر من عواطف الحب والكراهية والغيرة

وقد رد عليه فرويد من فيينا بخطاب مؤرخ في 3 يناير (كانوا الثاني) 1913 قال فيه: «عزيزي الدكتور: إن زعمك أنني أعامل أتباعي كما لو كانوا مرضى زعم غير صادق على نحو جليّ. وأنا أقترح أن ننهي أي صلات شخصية بيننا كلية. ولن أخسر شيئاً بذلك».

ما الذي تقوله لنا هذه الرسائل بصرف النظر عن الخصومات الشخصية العارضة؟ إنها تقول إن العلم جهد جماعي وبناء يرتفع حجراً فوق حجر فآينشتاين لم يهدم نيوتن وإنما مضى باكتشافاته شوطاً أبعد في مجالات المكان والزمان والجاذبية.

إن العلم ثقافة كونية عابرة للحدود والقوميات والأديان، والعلماء بحاجة دائمة إلى صحبة فكرية والحوار مع الأقران وإلى زمالة عقلية وتبادل للآراء والنظريات والاحتمالات. والعالم الحق يعترف بفضل من سبقوه. فنيوتن الذي رأيناه يخاصم لايبنتز يقر في سياق آخر بدينه لأسلافه إذ يقول في رسالة إلى روبرت هوك – عالم إنجليزي آخر – نحو عام 1675: «إذا كنت قد أبصرت أبعد مما أبصره غيري فذلك لأنني كنت أقف على أكتاف عمالقة» (يعني العلماء الذين سبقوه). وفى موضع آخر يقول – وهو العبقري الذي وضع قوانين الحركة والجاذبية - ما معناه: «لست أكثر من طفل جالس أمام محيط المعرفة الواسع يلهو ببضع حصى ملونة رماها الموج على الشاطئ».