عالم فرنسي يروي ذكرياته عبر نصف قرن

لماذا كنا نريد أن نصبح علماء «أنثروبولوجيا»؟

عالم فرنسي يروي  ذكرياته عبر نصف قرن
TT

عالم فرنسي يروي ذكرياته عبر نصف قرن

عالم فرنسي يروي  ذكرياته عبر نصف قرن

يشير مصطلح «أنثروبولوجيا» إلى علم الإنسان، أي دراسة كل ما يتعلق بالسلوك الإنساني اجتماعياً وثقافياً ولغوياً. وقد اعتدنا أن تأتى الكتابات في هذا السياق جافة، أكاديمية، تخاطب المتخصصين. من هنا تأتي أهمية كتاب «الأنثروبولوجيا والعالم الشامل» للعالم الفرنسي مارك أوجيه الصادر عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة، ترجمة رانيا الحسيني ومراجعة وفاء فاروق، فالمؤلف يسرد خواطر وأفكاراً وذكريات بلغة أدبية شيقة وأسلوب واضح وسلس حول هذا العلم وتجربته الشخصية منذ أن ذهب في الستينات إلى ساحل العاج ليجري دراسته العملية الأولى.
يوضح أوجيه في البداية، أنه جرت العادة أن يدرس علم الأنثروبولوجيا العلاقات الاجتماعية في مجموعة بشرية محدودة آخذاً في الاعتبار سياقها الجغرافي والتاريخي والسياسي، ولكن اليوم أصبح السياق كوكبياً وعولمياً. قبل مائة عام فقط كان ثمة عالم أنثروبولوجيا يأتي من أوروبا ليجري دراساته على قرية آسيوية على سبيل المثال فنصبح هنا إزاء عالمين منفصلين، لكن الصورة اختلفت الآن حيث انتمينا كلنا للعالم نفسه تحت مظاهر عدة، وفي الوقت نفسه ينتمي «الملاحظ» من يجري الدراسة، أياً كان إلى من «يلاحظهم» ويصبح مواطناً مثلهم.
ويؤكد، أن عالم الأنثروبولوجيا أياً كانت درجة خروجه عن جذوره واضطراره إلى الابتعاد عن أصوله يحاول أن يوصّل إلى المجموعة محل الملاحظة والدراسة والتي يستقي منهم المعلومات، أن ما يعتبرونه طبيعياً وأكيداً إنما هو ثقافي وإشكالي، بعبارة أخرى ليس قدراً ومكتوباً لا يمكن الفكاك منه بالضرورة! ومن ثم، فمن الآن وصاعداً يجب عليه أن يأخذ على عاتقه تحقيق نفس المهمة، ليس على مستوى قرية نائية، بل أيضاً على مستوى هذا الكيان المتنوع الذي نسميه العالم.
ويروى كيف بدأ العمل في قارة أفريقيا في أعقاب الحركات الاستقلالية، أي في عصر كانت فيه الأنثروبولوجيا الأكثر كلاسيكية تقدم أعمالاً كبرى وكانت تنمو في بلد مثل فرنسا مغامرات فكرية كبرى مثل نظرية «البنيوية» أو الدراسة الدينامية لظواهر التواصل بين البشر، ما جعله إذن شاهدا على نصف قرن من تحولات كبرى من الاستعمار إلى العولمة. وعبر تجربته الممتدة تلك، يخلص مارك أوجيه إلى قناعة خاصة تتمثل في الأنثروبولوجيا الحقة ينبغي أن تهدف إلى رفض ومحاربة كل الذين يتملقون أو ينتقدون الاختلافات الثقافية بين الأمم والشعوب وفقاً لقراءة غير علمية لدراسات ونظريات علم السلالة والأجناس.
«لماذا كنا نريد أن نصبح علماء أنثروبولوجيا؟ «
يطرح المؤلف السؤال على نفسه، ويجيب مشيراً إلى أنه في عام 1960 كانت الدوافع متغيرة حسب كل شخص من أبناء جيله ولكنهم كانوا يتشابهون جزئياً عبر نقطة محددة تتمثل في البعد السياسي والانتماءات الإيديولوجية. كانت الماركسية هي محور النقاشات الفكرية التي كانوا ينتمون إليها رفضاً أو قبولاً، فقد كان هذا المذهب الفكري يشكل أول خط تقسيم بين علماء الأنثروبولوجيا. أما الخط الثاني، فهو ببساطة شديدة جغرافي وتاريخي، فقد عمل بعض أبناء جيله مع بعضهم بعضاً في دول كانت مستعمرات فرنسية نالت استقلالها حديثاً، في حين عمل البعض الآخر في أميركا اللاتينية، أي خارج نطاق الاستعمار الفرنسي. في عام 1965، عندما رست السفينة بمارك أوجيه على شواطئ ساحل العاج بدأ بكل همة عمل دراسة على قرية تقع بين البحر والبحيرة على مسافة مائة كيلومتر من أبيدجان تضمنت العديد من المعاينات والقياسات. في هذه الدراسة، أدرك الفارق الهائل بين المفاهيم والأفكار النظرية وبين التجربة على أرض الواقع، لقد اكتشف مدى قوة مقاومة هذه الأرض ليس بمعنى أنه اصطدم بالرفض والتملص أو بالصمت، ولكن بمعنى أن من تحدث إليهم هم من فرضوا عليه تعديل موضوع وأهداف الدراسة وكيف يطور أسئلته.
وعلى العكس من تلك النتيجة، أدرك المؤلف مزايا أسلافه العظماء الذين على ضوء تحاليلهم أدرك أبناء جيله بعض مظاهر واقع تجريبي خاص رغم أنهم لم يدرسوه بطريقة مباشرة إلا أن دراستهم الأنثروبولوجية النظرية كانت مفيدة بالنسبة للعالم الذي كان يحاول أن يكونه. أما الاستنتاج الثالث الذي خلص إليه من واقع تجربته العملية الأولى في ساحل العاج، فيتعلق بإبراز اللعبة الحقيقية للعلاقات الاجتماعية الكامنة تحت مظاهر القوانين الرسمية. وهي أن أول اهتمامات عالم الأنثروبولوجيا عند وصوله إلى مكان ما هو أن يشرح ويحاول أن يبرر وجوده الذي في الواقع قد يثير الشكوك لدى الآخرين. إنه يبدو هنا مثل المحقق الذي يتواجد صدفة في مكان ما قبل أن تقع أي جريمة، فهو يظل مترقباً ممسكاً بدفتره ربما يحدث شيء ما. إن وجوده في نظر الآخرين غامض أو حتى يمثل تهديداً فهو موضع اشتباه أو شك في أنه عميل للسلطات الاستعمارية أو الوطنية أو الحكومية حسب السياق.
وبحس أدبي يسرد المؤلف بعض يومياته في القرية التي كان يسكن بها في كوت ديفوار والتي كانت تقع بين البحر والغابة، حيث كان الليل يخيّم فجأة نحو الساعة السادسة مساءً، حينئذ يعلو صخب الغابة المكون من الصرير والصفير المختلط بحفيف قوي يقطعه دائما في الجوار. وفي الوقت نفسه نحو الساعة العاشرة ينهض قائد أوركسترا غير مرئي، إنه الصمت التام إذا يقطعه دوي الأمواج التي تنقض على الشواطئ ليلاً ونهاراً. وخلف أسوار الخيزران كان يلاحظ أحياناً انعكاس ضوء مصباح مضاء بجانب مخدع النائمين اعتقاداً منهم أنه يمنع الزائرين الخفيين والأشرار أن يتسللوا بوصفهم أقراناً إلى أحلامهم. كما أنه لا ينصح للسيدات الحوامل أن يستحممن في أماكن بعيدة عن مساكنهن إذا ما حل الليل، فقد يكون هناك ميت من عائلتها لم تقم له جنازة أو لم تؤد طقوس جنازته بطريقة سليمة فيتسلل خفية أحد السحرة أو ضحيته بوصفه قريناً إلى الجنين الذي تحمله الزوجة. وعلى ذلك كانوا ينتبهون للأحلام الني يرويها الأطفال حتى يجنبوهم أن يقعوا تحت وطأة عالم السحرة. ولقد كان مارك أوجيه شاهداً على واقعة تم فيها علاج أحد الأطفال بالطقوس لأنه روى حلماً رأى فيه شخصاً لا يعرفه قد أعطاه قطعة من اللحم فقبّلها وأكلها ولم يتأخر تأويل ذلك الحلم، فالمجهول جعله يأكل لحماً بشرياً ليدخله في عالم السحرة الذين لديهم القدرة بوصفهم أقراناً أن يلتهموا لحم أو يشربوا دم من يهاجمونهم.
وينتقل المؤلف إلى حقبة زمنية أخرى، حيث التقى في عام 1990 زملاء له من جيل الشباب وأماكن جديدة خاصة بأبحاثهم فيما يصفه بالتجربة «المثيرة» و«الملهمة» له، فقد كان لها أوجه تقنية أو بالأحرى مهنية أتاحت له تبادل المعلومات والأفكار مع جيل آخر تحكمه قناعات مختلفة، إلى جانب أنها مثلت فرصة لإدراك مواقف ذات طابع محلي في مجتمعات من أميركا اللاتينية لم يسبق له زيارتها أو الاشتغال عليها.


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

أميتاف غوش و«خيال ما لا يمكن تصوره»

غوش
غوش
TT

أميتاف غوش و«خيال ما لا يمكن تصوره»

غوش
غوش

حصل الكاتب الهندي أميتاف غوش، يوم 26 نوفمبر (تشرين الثاني)، على جائزة إراسموس لعام 2024 ومبلغ نقدي قدره 150 ألف يورو، لمساهمته الملهمة في موضوع هذا العام «خيال ما لا يمكن تصوره». وذلك من خلال أعماله التي تهتم بمواضيع الساعة؛ من بينها الأسباب الرئيسية لتغير المناخ.

وغوش (ولد عام 1956)، في كلكتا، عالم أنثروبولوجيا اجتماعية من جامعة أكسفورد، ويعيش بين الهند والولايات المتحدة. تتضمن أعماله روايات تاريخية ومقالات صحافية. وتعتمد كل أعماله على بحث أرشيفي شامل، وهي تتجاوز الزمن والحدود المكانية. ومن بين المواضيع الرئيسية، التي يتطرق إليها، الهجرة والشتات والهوية الثقافية، دون إغفال، طبعاً، البعد الإنساني.

في كتابيه الأخيرين «لعنة جوزة الطيب» و«الدخان والرماد: التاريخ الخفي للأفيون»، يربط غوش بين الاستعمار وأزمة المناخ الحالية، مع إيلاء اهتمام خاص لشركة الهند - الشرقية الهولندية.

وكان الاستعمار والإبادة الجماعية، وفقاً لغوش، من الأسس التي بنيت عليها الحداثة الصناعية. علاوة على ذلك، فإن النظرة العالمية، التي تنظر إلى الأرض كمورد، تذهب إلى ما هو أبعد من الإبادة الجماعية والإبادة البيئية. التي تستهدف كل شيء - الناس والحيوانات والكوكب نفسه، والسعي وراء الربح، قد استنزف الأرض وحوّل الكوكب إلى موضوع للاستهلاك.

المخدرات أداة استعمارية

ويدور موضوع كتاب «الدخان والرماد» حول الرأسمالية التي تفتقد أي وازع أخلاقي. وبداية، يفند المؤلف الكتابات التي تدعي أن الأفيون كان يستخدم في الصين بشكل واسع، ويعتبر ذلك من الكليشيهات التي لا أساس لها من الصحة، إذ لم يكن إنتاج الأفيون نتيجة للتقاليد الصينية، بل «كانت المخدرات أداة في بناء قوة استعمارية». وكان النبات يشكل جزءاً مهماً من الاقتصاد في مستعمرة الهند البريطانية. وفي كتابه «لعنة جوزة الطيب»، يستدعي غوش المذبحة التي اقترفها جان بيترزون كوين (1587 - 1629)، في جزر باندا في عام 1621 للسيطرة على احتكار جوزة الطيب. يطبق قوش الآن هذه الطريقة أيضاً على الأفيون. وكان قد سبق له أن كتب عن تاريخ الأفيون «ثلاثية إيبيس»؛ وتتضمن «بحر الخشخاش» (2008)، و«نهر الدخان» (2011)، و«طوفان النار» (2015). وروى فيها قصة سفينة العبيد، إيبيس، التي كانت تتاجر بالأفيون بين الهند والصين خلال حرب الأفيون الأولى (1839 - 1842).

يقول جان بريمان (1936) عالم اجتماع الهولندي والخبير في مواضيع الاستعمار والعنصرية وما بعد الكولونيالية، عن «لعنة جوزة الطيب»: «ما الذي ألهم هؤلاء الهولنديين من (VOC) شركة الهند - الشرقية، بقيادة كوين لذبح جميع سكان جزر - باندا قبل أربعة قرون؟». هذا السؤال يطرحه أيضاً الكاتب الهندي غوش في كتابه «لعنة جوزة الطيب». علماً بأن جوزة الطيب لا تنمو إلا في هذه الجزر. ويضيف بريمان: «ليس من باب الاهتمام بما نعتبره نحن في هولندا النقطة السيئة في تاريخنا الاستعماري، ولكن لأن، عقلية شركة الهند - الشرقية الهولندية ما تزال منذ 400 عام تحركنا، بل إنها تغرقنا مباشرة في أزمة المناخ. وباختصار، تعتبر قصة الإبادة الجماعية في جزر - باندا بمثابة مَثَل لعصرنا، وهي قصة يمكن تعلم الكثير».

دولة المخدرات لشركة الهند - الشرقية

كانت هولندا أول من اعترف بالقيمة التجارية للأفيون، وهو المنتج الذي لم يسبق له مثيل من قبل. ولضمان توفر ما يكفي من الأفيون للتجارة، تم استخدام المزيد من المناطق في جزيرتي جاوة ولومبوك لزراعة الخشخاش. وتبين أن احتكار شركة الهند - الشرقية للأفيون كان بمثابة إوزة تضع بيضاً ذهبياً، فقد عاد الحاكم العام إلى هولندا في عام 1709 ومعه ما يعادل الآن «ثروة بيل غيتس» وقد يعود جزء من ثروة العائلة الملكية الحالية لهذه التجارة، بحسب غوش، نتيجة استثمارها الأموال في شركات الأفيون. وهكذا أصبحت هولندا «دولة المخدرات الأولى». ولكن تبين أن ذلك كان لا شيء، مقارنة بما فعله البريطانيون في الهند؛ وفقاً لغوش، فقد أتقنوا إدارة أول «كارتل عالمي للمخدرات».

ففي الهند، أجبر البريطانيون المزارعين على تحويل أراضيهم إلى حقول خشخاش والتخلي عن المحصول بأسعار منخفضة. ثم قاموا ببناء المصانع حيث كان على (العبيد) معالجة الأفيون وسط الأبخرة. ولم تكن السوق الهندية كبيرة بما يكفي، لذلك كان على الصينيين أيضاً أن يتكيفوا. ومع ذلك، يبدو أن الصينيين لم يكونوا مهتمين على الإطلاق بالتجارة مع البريطانيين. ويقتبس غوش رسالة من تشيان لونغ، إمبراطور الصين آنذاك، الذي كتب في رسالة إلى الملك البريطاني جورج الثالث في عام 1793: «لم نعلق أبداً أي قيمة على الأشياء البارعة، ولم تكن لدينا أدنى حاجة لمنتجات من بلدك».

لعب الأفيون دوراً مركزياً في الاقتصاد الاستعماري منذ عام 1830 فصاعداً. وتم إنشاء المزيد والمزيد من المصانع في الهند لتلبية احتياجات «المستهلك الصيني»، كما كتب الكاتب البريطاني Rudyard Kipling روديارد كبلنغ عام 1899 في تقريره «في مصنع للأفيون»؛ فرغم الرائحة الخانقة للأفيون، كان «الدخل الكبير» الذي حققه للإمبراطورية البريطانية أهم.

تضاعفت مساحة حقول الخشخاش في الهند إلى ستة أضعاف. ويوضح غوش بالتفصيل ما يعنيه هذا لكل من المجتمع الهندي والطبيعة في القرون التي تلت ذلك. فلا يحتاج نبات الخشخاش إلى الكثير من الرعاية فحسب، بل يحتاج أيضاً إلى الكثير من الماء، مما يؤدي إلى الجفاف واستنزاف التربة. كما شكلت تجارة الأفيون جغرافية الهند المعاصرة بطرق أخرى. وأصبحت مومباي مدينة مهمة كميناء عبور للأفيون في عهد البريطانيين. ولا تزال المناطق التي تم إنشاء معظم حقول الأفيون فيها في ذلك الوقت من بين أفقر المناطق في الهند.

يوضح قوش كيف يعمل التاريخ، وبالتالي يميز نفسه عن معظم الكتاب الذين تناولوا الموضوع ذاته.

كما أنه يرسم أوجه تشابه مع الحاضر، التي لا يجرؤ الكثير من المؤلفين على تناولها. ووفقاً له، لا توجد مبالغة في تقدير تأثير تجارة الأفيون الاستعمارية على الأجيال اللاحقة. فما أنشأه البريطانيون في المناطق الآسيوية لا يختلف عن عمل منظمة إجرامية - حتى بمعايير ذلك الوقت، كما يكتب غوش، وهذا ما زال قائماً.

إن رؤية ذلك والاعتراف به أمر بالغ الأهمية لأولئك الذين يرغبون في العمل من أجل مستقبل أفضل.

يوم أمس منح ملك هولندا ويليام ألكسندر جائزة إيراسموس لأميتاف غوش في القصر الملكي في أمستردام، تقديراً لعمل غوش، الذي يقدم، بحسب لجنة التحكيم، «علاجاً يجعل المستقبل غير المؤكد ملموساً من خلال قصص مقنعة عن الماضي، وهو يرى أن أزمة المناخ هي أزمة ثقافية تنشأ قبل كل شيء من الافتقار إلى الخيال».